في ظل حملة يشوبها الفتور ولا مبالاة الناخبين، بإجماع الملاحظين وحتى المعنيين بالأمر ، لم يجد المترشحون الستة لرئاسيات 17 أبريل الجاري بالجزائر بدا من إطلاق الوعود تلو الوعود ، بما فيها حتى تلك التي يستحيل تحقيقها ، وذلك بهدف جلب اهتمام المواطنين الذين عزفوا عن حضور التجمعات الانتخابية، وحتى إن حضروا فبأعداد قليلة. وهكذا وكما كان متوقعا، فقد اصطدمت الحملة، منذ انطلاقها الرسمي في 23 مارس الماضي، بالعجز عن استقطاب جمهور عريض لملء القاعات المخصصة للمهرجانات الخطابية للمنخرطين في السباق نحو قصر المرادية أو من يمثلهم، وذلك في حالة الرئيس المنتهية ولايته عبد العزيز بوتفليقة الذي منعته مشاكله الصحية من تنشيط حملته شخصيا، مما دفعه إلى توكيل وزيره الأول السابق عبد المالك سلال للدفاع عن حصيلة 15 سنة من حكم البلاد إلى جانب شخصيات من السلطة، كمدير ديوان الرئاسة العائد حديثا للساحة أحمد أويحيى، ومستشاره الشخصي عبد العزيز بلخادم القادم إلى الأضواء بعد أزيد من سنة على تنحيه من قيادة جبهة التحرير الوطني.
وعلى الرغم من التغطية المكثفة لهذا الحدث في وسائل الإعلام الرسمية والمستقلة وعبر شبكات التواصل الاجتماعي، فلم ينجح منشطو الحملات الانتخابية في كسر نفور المواطنين ، لاسيما الشباب منهم ، في المناطق التي زاروها لحد الآن ، على أمل أن يتم استدراك الموقف عندما تحط قوافلهم الرحال بالجزائر العاصمة لبعث روح الحماس والمنافسة، وذلك لما تمثله المدينة الأولى في البلاد من ثقل ديموغرافي ورمزية سياسية.
وفي حادث طريف يعطي فكرة عن حجم العزوف، اضطر بلخادم حسب ما تناقلته الصحف المحلية إلى الاستعانة بمشجعين رياضيين خلال تجمع بقسنطينة (شرق) ،عندما وجد القاعة فارغة ليتم استقدام بعض مناصري الفريق المحلي قبيل مواجهته لنادي إيفواري، مقابل وعد بتمكينهم من تذاكر الولوج إلى الملعب إذا "سخنوا" القاعة ونادوا باسم الرئيس بوتفليقة، ولكن بعد نهاية التجمع لم يحصل المناصرون على شيء مما أثار غضبهم وراحوا يصيحون بصوت واحد "الأفلان كذابين"، نسبة لجبهة التحرير الوطني.
وفضلا عن ظاهرة العزوف، لم يتوان أي من المرشحين ال6 للرئاسيات، عن محاولة استثارة اهتمام أو حتى عطف الناخبين بتقديم "وعود" و"أحلام" وصفت ب"الوردية" في عملية تسويق سياسي لا تخرج عن المعتاد في مثل هكذا مناسبات، مما جعلهم موضع هجوم بعض المحللين الذين اتهموهم ب"عدم التماشي" مع تطور المجتمع الجزائري التواق إلى مقترحات عملية وجدية بعيدا عن المزايدات السياسوية التي لا تغير من واقع الحال شيئا. (adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({});
وفي هذا الإطار، وعدت لويزة حنون الأمينة االعامة لحزب العمال ب"تغيير جميع قوانين البلاد في حال انتخابها في أفق إنشاء جمهورية ثانية".
واعتبرت حنون ، التي هاجمت كل منافسيها عدا الرئيس بوتفليقة، أن الجمهورية الموعودة التي قرنها البعض ب"جمهورية أفلاطون"، ستمكن "من مواجهة بقايا النظام الوحيد ، بل ستوفر الفرصة للقضاء عليها نهائيا".
أما المترشح الآخر موسى تواتي رئيس الجبهة الوطنية الجزائرية فقد وعد بتخصيص إعانات عائلية تصل إلى 10 آلاف دينار عن كل طفل (أي نحو 90 أورو) للأسر التي لا يتعدى دخلها الشهري 100 ألف دينار، وذلك بهدف المساهمة في الرقي بمستوى عيشها.
وبهذا الوعد، يكون تواتي قد انتقد ، بشكل ضمني ، قرارا اتخذه بوتفليقة بإنشاء صندوق للمطلقات، حيث أكد أنه عوض العمل على تعزيز تماسك الأسرة، يتم اقتراح صندوق يشجع "تحللها" من خلال تشجيع الطلاق.
وبالنسبة لعلي بن فليس ، أبرز منافس لبوتفليقة في هذه الانتخابات ، ففضلا عن التزامه برفع نسبة النمو إلى 7 في المائة عند نهاية ولايته ، في حال انتخابه ، عبر التخفيض من الاعتماد على المحروقات، فقد وعد بسن قانون لصالح العاطلين يتمثل في "تخصيص منحة شهرية قارة لكل عاطل وصل إلى سن العمل ولم يجد شغلا".
ولم يتحدث بن فليس ، الذي يبدو أنه يسجل نقطا في سباق الرئاسيات بفضل حملة جدية ومركزة، عن كيفية سن هذا القانون لصالح البطالة التي تلامس نسبة 10 في المائة من ساكنة الجزائر، تماما كما لم يوضح طريقة تنفيذ وعده بتحويل ورغلة ، الولاية الجزائرية التي تحتضن أكبر نسبة من البطالة ، "إلى كاليفورنيا لما تزخر به من موارد".
أما ممثلو الرئيس بوتفليقة الذين تعرض بعضهم لعمليات تشويش خلال تجمعاتهم من طرف عاطلين عن العمل أو معارضين للعهدة الرابعة، فكانوا هم أيضا على الموعد بتوزيع وعود قديمة- جديدة تروم على الخصوص جعل"الجزائر لؤلؤة إفريقيا والبحر الأبيض المتوسط" كما قال عبد المالك سلال.
فقد ركز مساعدو بوتفليقة، الذين تميزت خطاباتهم بنبرة تحدي لمنافسيهم كما لخصومهم السياسيين من المعارضة، على ملف الإصلاحات السياسية والدستورية التي سبق أن التزم بها مرشحهم منذ سنة 2011 في حمأة موجة ما يسمى بالربيع العربي، واعدين بإطلاق نقاش واسع وتشاركي لإنجاز دستور جديد قبل نهاية السنة الجارية.
ولم يكن أصغر المترشحين سنا عبد العزيز بلعيد (51 عاما) أقل طموحا وجرأة من سابقيه في إطلاق الوعود بحيث وعد بجعل الجزائر "يابان إفريقيا" من خلال برنامج اقتصادي واجتماعي "طموح" يرتكز أساسا على العنصر البشري، ناسيا أو متناسيا الوضعية الاقتصادية الصعبة التي تمر منها البلاد في ظل مخاوف متنامية بانخفاض أسعار النفط العالمية، لا سيما وأن الجزائر تعتمد ، بشكل رئيسي، على مداخيل المحروقات التي تمثل رسميا أزيد من 95 في المائة من نسبة عائدات الصادرات.
أما الصحافة فسجلت ، في تعاليقها على هذه الوعود، أن كل برامج المترشحين تتشابه ويعزف أغلبها على الوتر الاجتماعي، " لكن لا أحد منها أعطى التفاصيل حول كيفية تحقيق ذلك، هل بتوزيع الريع البترولي، مثلما ظل جاريا دائما، أو من خلال الجباية العادية عن طريق الزيادة في الرسوم والضرائب، أو من خلال التحكم في الأسعار الاستهلاكية عن طريق تفعيل الرقابة وامتصاص التضخم الذي يقف دوما وراء تدهور القدرة الشرائية، كما أن لا أحد من المترشحين للرئاسيات ذكر الحقيقة حول منظومة الأجور المطبقة في الجزائر مقارنة بمداخيل الدولة من المحروقات".