هناك ثلاثة سيناريوهات، لا رابع لها، تنتصب امام بنكيران لتجاوز الازمة التي نجمت عن استقالة وزراء حزب الاستقلال امس الثلاثاء. وإذا كان لرئيس الحكومة، وفقا للفصل 47 من الدستور في فقرته الخامسة، "أن يطلب من الملك إعفاء عضو أو أكثر، من أعضاء الحكومة، بناء على استقالتهم، الفردية أو الجماعية"، فإن ذلك يمنحه فرصة التفاوض مع هؤلاء وبالتالي الاحتفاظ بهم او ببعضهم بناء على ذلك، وهو السيناريو الاول المتاح لبنكيران، إلا ان حظوظ حصول هذا السيناريو قليلة جدا، بالنظر إلى انفراط حبل الود بين زعيم البيجيدي وكبير الاستقلاليين ووصولهم إلى نقطة اللاعودة، اللهم إذا اختار احد الوزراء كمحمد الوفا او نزار بركة معاكسة تيار شباط والقبول بذلك، وهو ما لا تدعمه مجريات الامور حتى الآن، خاصة في ظل الضبابية والغموض الذي يكتنف مواقف الوفا وشحّ المعلومات الصادرة بهذا الشان..
اما السيناريو الثاني فيتعلق بقبول رئيس الحكومة استقالة وزراء الاستقلال وطلب اعفائهم من طرف الملك، وبالتالي فإن على بنكيران الدخول في مفاوضات لتعويض الفراغ الذي احدثه انسحاب حزب الاستقلال داخل الحكومة وداخل البرلمان، وفي هذا الاطار يبقى حزب التجمع الوطني للأحرار(ومعه الحزب الدستوري في درجة اقل)، من اقوى الاحتمالات المرجحة، وذلك بالنظر إلى مواقف حزب الحمامة داخل المعارضة وعدم اتقانه لهذا الدور، حيث ألفت قيادته المشاركة في الحكومات السابقة او قيادتها منذ الاعلان عن تشكيله ذات يوم اواخر السبعينات من القرن الماضي، واعتماده على القرب من دوائر القرار وممارسة السلطة لاستقطاب اطره ومناضليه.
كما ان تصريحات مزوار بخصوص امكانية فتح نقاش حول المفاوضات مع بنكيران بخصوص المشاركة في الحكومة، يدعم هذا الاتجاه، بالإضافة إلى خبر قطع امين عام الحزب لزيارته الباريسية، ورجوعه من فرنسا مباشرة بعد إعلان حزب الاستقلال قرار تفعيل الانسحاب من الحكومة..
اما السيناريو الثالث، الذي يحبذه بعض القياديين في العدالة والتنمية والذي يقره الدستور، من خلال تقديم رئيس الحكومة لاستقالته والإعلان عن انتخابات سابقة لأوانها، وإن كان عبد العزيز افتاتي وعبد الله بوانو والعديد من القيادات داخل حزب المصباح تطالب به وتدعو إليه في تحدي للمعارضة والخصوم، وذلك بالقول ان الشعب قد اختارهم وبالتالي يجب الرجوع إليه مرة أخرى للاحتكام إليه، فأن ذات السيناريو يبقى مستبعدا بالنظر إلى كلفته المادية وطول المدة الزمنية التي يتطلبها، بحيث يلزم ما بين 6 و 8 اشهر لتطبيقه مع ما يترتب عن ذلك من وقت وجهد وامكانات مادية لا تسمح الظروف والمناخ السياسي والاقتصادي الحاليين بسلك سبيله..
كما ان القول بأن الشعب قد منح العدالة والتنمية اغلبية بالبرلمان خولت إخوان بنكيران قيادة الحكومة، وبالتالي يجب الرجوع إلى هذا الشعب للاحتكام إليه، قول مجانب للصواب، على الاقل في رأينا المتواضع، على اعتبار ان لا أحد سلب او سحب من حزب المصباح هذه الاغلبية، وبالتالي فإن تنظيم انتخابات سابقة لأوانها، الهدف منها هو الحصول على هكذا اغلبية، ليس إلا مضيعة للوقت فضلا عن كونه محاولة من اصدقاء بنكيران التباهي بشعبيتهم وهو ما دأبوا عليه حيث ما ان تثور ثائرتهم حتى "تتداعى اجسادهم بالسهر والحمى" ويتوعدون الاعداء بالنزول إلى الشارع والاحتكام إلى الجماهير، وكأن الجماهير لا تتحرك والظرف لا يتغير، ناسين او متناسين قول الشاعر(ابو البقاء الرندي) ان "لِكُلِّ شَيءٍ إِذا ما تَمّ نُقصانُ فَلا يُغَرَّ بِطيبِ العَيشِ إِنسانُ هِيَ الأُمُورُ كَما شاهَدتُها دُوَلٌ مَن سَرّهُ زَمَن ساءَتهُ أَزمانُ"، وهو درس في حركية التاريخ وجدليته التي لا يستسيغها الاخوان لأنها تقترن في نظرهم بماركس ولينين وماوتسي تونغ.. في حين ان ابن خلدون الذي ينتمي إلى هذه التربة التي استنبتت حزب العدالة والتنمية كان السباق إلى القول بها من خلال علمه في العمران، وذاك بعد قرون من الفيلسوف اليوناني هيراقليطس الذي قال ب"اننا لا يمكن أن نستحم في النهر مرتين.."