مطالب الاتحاد المغربي للشغل    من احتلال الأرصفة إلى غزو الشوارع.. فوضى الملك العمومي تتوسع بطنجة    "الإيقاع المتسارع للتاريخ" يشغل أكاديمية المملكة المغربية في الدورة الخمسين    ندوة علمية حول موضوع العرائش والدفاع عن السيادة المغربية عبر التاريخ: نماذج ومحطات    الغربة بين الواقع والوهم: تأملات فلسفية في رحلة الهجرة    صحيفة ماركا : فينيسيوس قد يتعرض لعقوبة قاسية (إيقاف لمدة عامين    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة للسيدات.. المنتخب المغربي يحقق فوزا عريضا على نظيره الناميبي (8-1)    "‪الأحرار" يفوز بالانتخابات الجزئية بتزنيت    انطلاق جولة الحوار الاجتماعي    جلالة الملك يواسي أسرة المرحوم محسن جمال    الفلاحة المغربية تحظى بإشادة دولية.. ورغبة فرنسية في "تعاون مكثف"    صحيفة دانماركية تروي القصة الكاملة لسفن "ميرسك" المُحملة بالأسلحة لإسرائيل.. كيف مُنعت في إسبانيا واستُقبلت في طنجة    دونالد ترامب يزور الشرق الأوسط ما بين 13 و16 ماي المقبل    بنيس: الرواية أبرزت هوية الفلسطيني.. بلقزيز: المشروع الصهيوني همجي    الحسيمة تتربع على عرش قائمة المدن الأكثر غلاء في المعيشة وارتفاع الأسعار    لبؤات الفوتسال يحققن فوزا عريضا على ناميبيا في افتتاح المشوار بكأس أمم إفريقيا    تحلية مياه البحر في المغرب: رهان استراتيجي لمواجهة ندرة المياه وتأمين المستقبل المائي    توقيف تونسي مبحوث عنه دوليًا في قضايا سرقة وقتل وهروب من حكم ب30 سنة سجنا    بتعليمات ملكية سامية.. الفريق أول محمد بريظ يقوم بزيارة عمل لدولة قطر    الفاتيكان يكشف تفاصيل جنازة البابا فرنسيس    جمعية سمايل تعزز التماسك الأسري عبر دورة تكوينية نوعية بفضاء جسر الأسرة بالناظور    جامعة عبد المالك السعدي تشارك في الملتقى الإقليمي للتوجيه بالحسيمة    السعدي يعلن إعداد قانون إطار للاقتصاد الاجتماعي والتضامني خلال الولاية الحالية    المغرب تطلق صفقة لتشييد محطة للغاز الطبيعي المسال بالناظور    انهيار صخري جديد يعرقل حركة السير بالطريق الساحلية بين تطوان والحسيمة    الانخفاض ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    أخبار الساحة    من تداعيات شد الحبل بينها وبين الوزارة الوصية .. جامعة كرة السلة توقف البطولة الوطنية بكل فئاتها بسبب العوز المالي    الجولة 27 من الدوري الاحترافي الأول .. الوداد ينتظر هدية من السوالم وأندية الأسفل تمر إلى السرعة القصوى    تكريم الدراسات الأمازيغية في شخص عبد الله بونفور    تأييد الحكم الابتدائي وتغليظ التهم رغم التنازلات في حق الرابور «طوطو»    الدولار يتراجع لأدنى مستوى في سنوات مقابل اليورو والفرنك السويسري    اعمارة يحث على "الإبقاء على حق الأفراد والمجتمع المدني في التبليغ عن الجرائم الماسة بالمال العام"    الكرملين: بوتين لا يخطط لحضور جنازة البابا فرنسيس    بسبب تكريم باسم والدته.. نجل نعيمة سميح يهدد باللجوء إلى القضاء    من السماء إلى العالم .. المغرب يحلق بأحلامه نحو 2030 بمطار ثوري في قلب الدار البيضاء    فوزي برهوم الناطق باسم حركة حماس ضيفا في المؤتمر 9 لحزب العدالة والتنمية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    "أفريكوم" تؤكد مشاركة الجيش الإسرائيلي في مناورات الأسد الإفريقي    طلبة الطب وطب الأسنان والصيدلة يطالبون وزير الصحة بالوفاء بالتزاماته ويستغربون تأخر تنفيذ الاتفاق    إسرائيل تمنع تطعيمات شلل الأطفال عن غزة.. 600 ألف طفل في خطر    تفاصيل انعقاد المجلس الإقليمي لحزب الاستقلال بالقنيطرة    "البيجيدي": نخشى أن يتحول مشروع الغاز بالناظور لفرصة "استفادة شخصية" لأخنوش    عبد الكريم جويطي يكتب: أحمد اليبوري.. آخر العظماء الذين أنجزوا ما كان عليهم أن ينجزوه بحس أخلاقي رفيع    باحثون: الحليب بدون دسم أفضل لمرضى الصداع النصفي    الصفريوي: لا مفاوضات ولا نية للاستثمار في شيفيلد وينزداي الإنجليزي    فان دايك: جماهير ليفربول ستتذكر أرنولد في حال قرر الرحيل    الصين وأندونيسيا يعقدان حوارهما المشترك الأول حول الدفاع والخارجية    معهد الدراسات الإستراتيجية يغوص في العلاقات المتينة بين المغرب والإمارات    مندوبية الصحة بتنغير تطمئن المواطنين بخصوص انتشار داء السل    المغرب يخلد الأسبوع العالمي للتلقيح    نحو سدس الأراضي الزراعية في العالم ملوثة بمعادن سامة (دراسة)    دراسة: تقنيات الاسترخاء تسمح بخفض ضغط الدم المرتفع    مغرب الحضارة: حتى لا نكون من المفلسين    لماذا يصوم الفقير وهو جائع طوال العام؟    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصحافة التونسية بين تهديدات المتشددين وضغوط السلطات
نشر في شعب بريس يوم 11 - 02 - 2013

يبدو أن حادثة اغتيال شكري بلعيد أدخلت تونس في دوامة سياسية واجتماعية لم يستقر لها قرار بعد. الصدمة هزت الرأي العام، والإعلام التونسي تناول الاغتيال غير المسبوق في تونس بإسهاب نظرا لخطورته ولعدم توقعه، وكذلك كون شكري بلعيد كان من أبرز ضيوف البرامج الإعلامية والتلفزيونية وأكثرهم جذبا للاهتمام ما رفع من شعبية المعارض اليساري الشهير إلى مستويات قياسية قل أن حظي بها ساسة تونسيون . وهو ما قد يفسر إلى حد ما ضخامة الوداع الذي خُص به بلعيد حيث خرج قرابة المليون و400 ألف شخص في جنازة مهيبة وتاريخية لوداعه الوداع الأخير.

بعض رموز الصحافة والإعلام التونسي ومنذ السادس من فبراير الجاري يتعرضون إلى عدد من الضغوطات التي تبدو منظمة ، فيما قد يعد محاولة جديدة ومستمرة لتدجين الإعلام الذي لم يخضع كما ينبغي إلى مشيئة السلطات والترويكا ومن ورائها حزب النهضة الحاكم أو من قبل المتشددين الذين طالما وصفوه “بإعلام العار”

صحافيون على رأس قوائم سوداء تطالب باغتيالهم

صفحات على فيس بوك ومواقع "إنترنت" محسوبة على تيارات سلفية متشددة كانت قد دعت إلى تصفية عدد من الشخصيات التونسية التي وصفت بالعلمانية الكافرة والمعادية للإسلام وأفردت ذلك في قوائم سوداء، وكانت قائمة "إسلامي المروج" مثلا قد نشرت قائمة غلب عليها الإعلاميين على غرار الصحافي والمعارض الشرس لبن علي وللنهضة توفيق بن بريك، الصحافي معز بن غربية، الكاتبة ألفة يوسف، الصحافي نوفل الورتناني ... المدونة ألفة الرياحي وكان على رأسها أيضا المعارض والحقوقي المغتال شكري بلعيد.

هذه القوائم السوداء لا يمكن التثبت من صحتها أو دقتها أو الجهة التي تقف ورائها، إلا أن الإجماع يبدو حاصلا على جديتها، وطابعها التحريضي يأخذ على محمل الجد.

يقول هيثم المكي "تلقيت رسائل تقول إنه سيتم اغتيالي يوم 12 فبراير" ولكن الضغوط والتهديدات لن تغير مواقفي .

هيثم المكي صحافي في راديو موزاييك ومنشط فقرة يومية تشهد إقبالا كبيرا من قبل التونسيين على راديو موزاييك أف أم ، تلقى هو و زميله الصحافي نوفل الورتاني من تلفزيون التونسية مؤخرا تهديدات بالتصفية الجسدية وصلت إلى مقر عمله في الراديو ، حيث أكدت رسالة أنه وزميله الورتناني ستتم تصفيتهما يوم الثلاثاء 12 فبراير الجاري.


هيثم قال لفرانس 24 إن التهديدات التي يتلقاها بشكل شبه يومي لم تتوقف في الواقع إلا أنه بعد اغتيال بلعيد أضحت أكثر جدية . فقرة "الكرونيك" التي يقدمها هيثم تتضمن نقدا لاذعا وساخرا للنظام والشخصيات السياسية بأسلوب سلس وطريف ومقاربة جديدة ..مواقف المكي من الأحداث في تونس والأوضاع السياسية يعدها البعض مناوئة للنهضة، ما جلب عليه وبال أنصارها ، وما قد يكون تسبب في طرده ،على حد تعبيره ،من أحد البرامج الحوارية التي كانت تبث على القناة الوطنية التونسية.

ويقول هيثم "هذه الحملة والتهديدات لن تجعلني أحيد عن مواقفي، فالخوف لم يعد إليه سبيلا إلى قلوبنا. هناك من الصحافيين من غيّر مواقفه بعد أن وصلتهم تهديدات بالتصفية الجسدية خوفا أو إغراء من السلطة والنظام القائم واستقالوا من مسؤولياتهم واضطلعوا بأخرى ، لكني شخصيا لن أفعل ذلك ولو تحول التهديد بالقول إلى الفعل".

ويضيف مكي "هذه الحكومة فاشلة بشهادة رئيس حكومتها حمادي الجبالي نفسه، والإعلام يعرض فقط الوقائع ولا يتحمل مسؤولية فشلها، ولا نفهم لماذا زج بالصحافيين في هذا الصراع السياسي اليوم".

محاولات تكبيل هذا الإعلام الذي استرجع مكانته لدى المواطنين بعد الثورة، لن تتحقق والتهديدات قد تكون السلاح الأخير لبعض الأطراف لإرهاب الصحافيين وإجبارهم على تغيير مواقفهم وتناولهم الإعلامي للأحداث. هيثم يؤكد أن التهديدات التي وصله بعضها يوم اغتيال بلعيد وآخرها تلقاها منذ يومين، تبين أن الصحافيين اليوم مستهدفين في سلامتهم الجسدية ما يضفي مصداقية على المعلومات التي تلقاها هو وعدد من زملائه من قبل جهات أمنية حذرتهم من أمكانية تصفيتهم من قبل أطراف متشددة بسبب طبيعة عملهم ومواقفهم المعلنة

زياد الهاني يقول "ظروف غير تقليدية دفعتني لانتهاج طريقة غير تقليدية للمطالبة بالتحقيق في تورط عناصر أمنية في اغتيال بلعيد". الصحافي وعضو نقابة الصحافيين التونسيين زياد الهاني ظهر على شاشة تلفزيون نسمة الخاصة يوم الجمعة الماضي وقدم معلومات على الهواء مباشرة تتهم مسؤولا بارزا في وزارة الداخلية التونسية بالتورط في اغتيال المعارض اليساري البارز شكري بلعيد.


تصريحات كانت بمثابة القنبلة في هذه الظروف المتوترة والمشحونة أصلا، ما استدعى تدخلا فوريا من قبل المتحدث باسم وزارة الداخلية خالد طروش الذي استنكر هذه التصريحات وأكد أن وزارته ستلجأ إلى القضاء بخصوص هذه الادعاءات.

ما أن أنهى زياد الهاني مشاركته في هذا البرنامج الحواري حتى وجد في انتظاره خارج "الأستديو" سيارة شرطة سلمته استدعاء للمثول أمام قاضي التحقيق في اليوم التالي الذي يصادف بداية العطلة الأسبوعية ما يدفع إلى التساؤل عن الجهة التي أسرعت باستصدار الاستدعاء وتنظيم جلسة للاستماع إلى نقيب الصحافيين وتحديد موعد بهذه السرعة القياسية، في حين أن إجراءات مماثلة في قضايا أخرى غالبا ما تستوجب الانتظار أسابيع أو أشهر كاملة.. فهل السرعة في الإجراءات هي ترهيبا من قبل السلطة لخنق الصحافيين والإعلاميين ومواصلة لسياسة العصا لمن عصا التي كان ينتهجها الرئيس السابق زين العابدين بن علي؟

زياد الهاني قال لفرانس24 إن الظروف الحالية وكل ما يتعرض إليه الصحافيون من تهديدات وترهيب عبر القوائم السوداء التي تطالب برؤوسهم أو المضايقات الأمنية ، تبقى حالات مفتوحة أمام كل الاحتمالات وقال إنه اختار كشف المعلومات التي كانت بحوزته بدل انتظار تحقيقات قد يتم طمسها أو تهميشها ويضيف "هناك معلومات متقاطعة عن اختراق وزارة الداخلية والهياكل الأمنية من قبل عناصر نهضوية، وكانت تصريحات لعدد من المسؤوليين السياسيين تصب في هذا الإطار وقد تحدثت عن عزم قيادات أمنية في الداخلية القيام بعمليات إرهابية وكذلك تحدث إعلاميون عن وجود أجهزة امنية موازية للأجهزة القانونية وحتى أن أحمد نجيب الشابي صرح بأن مسؤول من النهضة متواجد في قاعة العمليات في وزارة الداخلية، فكيف لي الآن أن أثق في الطرق التقليدي لطلب فتح تحقيق في ذلك؟ شخصيا في ظل هذه الظروف غير التقليدية التي تمر بها تونس اخترت طريقة غير تقليدية لدفع وكيل الجمهورية للتحقيق في صحة المعلومات التي أمتلكها عن تورط شخصية عليا في وزارة الداخلية في اغتيال شكري بلعيد".

وعن سرعة الإجراءات القانونية لمثوله أمام قاضي تحقيق بعد دقائق من نهاية مشاركته في البرنامج التلفزيوني يقول زياد "في كل الحالات كنت مستعدا للتحقيق في أي لحظة، فأنا من طالب بالتحقيق في هذا الحدث غير المسبوق في تونس لكن تعامل السلطة بمثل هذه السرعة قد يعنى أيضا أن الإعلام اليوم يخوض معركة حقيقية حيث تحاول جهات حكومية أو متشددة إسكاته لكن الإعلاميين اليوم قرروا مصارحة الرأي العام بكل ما يتوصلون إليه، كل الحقائق الموثقة سيتم كشفها مهما ارتفعت التكاليف . كما قد يبين أيضا أن السلطات تعمد من خلال ذلك إلى ترهيب الصحافيين، ليكونوا عبرة لغيرهم خاصة إذا ما تعلقت الأمور بملفات شائكة وحساسة من هذا القبيل". ويضيف الهاني "الإعلام التونسي اليوم إعلام حر لن يدخل في جلباب الوصاية كما كان عليه الحال قبل الثورة ولن يكون بوق دعاية ولا أداة لتزييف الحقائق مهما كانت التضحيات حتى ولو وصلت إلى التصفية الجسدية فالحرية غالية، وثمنها قد يكون باهظا.."

الإعلام اليوم في تونس اكتسب نقاطا جيدة ويؤكد المراقبون بأن حرية الإعلام والتعبير تبقى إلى حد الآن المكسب الأكثر وضوحا من الثورة التي أطاحت بزين العابدين بن علي ولو أن هامش حرية الصحافة قد تراجع بأربع درجات بحسب تقرير منظمة مراسلون بلا حدود، إلا أن عزم الصحافيين التونسيين يبدو كبيرا على الرقي بمهنتهم إلى مرتبة السلطة الرابعة كما هو الشأن عليه في الديمقراطيات العالمية مهما كانت الضغوط والتهديدات بالقتل والتصفية..

عماد بنسعيد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.