"الشرق الاوسط" - لندن: نادية التركي تونس: المنجي السعيداني جاء اغتيال المعارض اليساري البارز شكري بلعيد ليضيف اضطرابات جديدة، في الشارع التونسي، حيث خرج المتظاهرون بالآلاف للتعبير عن غضبهم واحتجاجهم على أداء الحكومة، التي اعتبروها السبب في الاغتيال. وفي تصريح خاص ل«الشرق الأوسط»، قال الشيخ راشد الغنوشي إن من وراء هذا الاعتداء من «لهم مصلحة في إفشال الثورة، وهم أعداء الثورة التونسية، والمرجو منه إرباك المسيرة التونسية نحو الديمقراطية، وعرقلة أي مسعى تنموي في البلاد التي تعتمد أساسا على السياحة والاستثمار»، مضيفا أنه «ليس من مصلحة أي حزب حاكم في العالم أن يفجر الأوضاع السياسية والاجتماعية، وأن يزرع العنف والقتل. إن اتهام (النهضة) أو الحكومة هو من قبيل صب الزيت على النار..». وحول الاتهامات الموجهة لوزارة الداخلية بالتقصير في واجبها، قال الغنوشي: «لا شك في أنه يجب أن يبرز التحقيق الجناة، ويبرز إن كان هناك فشل أمني». وعند سؤاله عن إمكانية استقالة وزير الداخلية، قال الغنوشي إن «البلاد تعيش أزمة سياسية منذ مدة، وهناك مساع لولادة حكومة جديدة.. ربما هذا الحادث يمكن أن يسرع من ولادتها». وجاء خطاب رئيس الوزراء التونسي، حمادي الجبالي، أمس، ليؤكد تصريحات الغنوشي، بعد أن قرر الإطاحة بالحكومة الحالية وإقامة حكومة «تكنوقراط»، وقال الجبالي أمس إنه قرر تكوين حكومة كفاءات مصغرة غير حزبية تقود تونس في الفترة المقبلة. وقال الجبالي في خطاب للأمة: «بعد فشل مفاوضات الأحزاب حول التحوير الوزاري، قررت أنا تكوين حكومة كفاءات مصغرة، يتعهد أعضاؤها بعدم الترشح للانتخابات المقبلة»، حسب «رويترز». وأضاف: «المهمة يجب أن تكون محددة حتى نجري انتخابات في أقرب وقت»، وطلب من الأحزاب تزكية الحكومة، داعيا التونسيين للصبر. وقال الجبالي: «لم أستشر أي حزب في هذا القرار لا حزب حاكم ولا حزب اخر» وتقود حركة النهضة الإسلامية حاليا الحكومة مع حزبين علمانيين بعد فوزها في انتخابات جرت في أكتوبر تشرين الأول 2011. وفي اتصال هاتفي أجرته «الشرق الأوسط» أمس مع وزير الخارجية التونسي رفيق عبد السلام قال: «ليس لدي الكثير من التفاصيل لكن ما سمعته هو أن رئيس الحكومة يريد تكوين حكومة كفاءات وطنية أن تكون شخصيات غير حزبية في أقرب وقت ممكن» مؤكدا أن حادث اغتيال شكري بلعيد» سرع في الإطاحة بالحكومة الحالية الذي جاء أيضا في سياق التحوير الوزاري والضغط» وأضاف: «وحزب النهضة لم يعلن موقفه من القرار بعد». وحول حادث الاغتيال أوضح أن «هذا الحادث ستكون له تأثيرات سلبية نأمل أن تكون محدودة على الحياة العامة والحوار الوطني، هي ظاهرة جديدة وغير مسبوقة، وخطيرة، ويجب أن لا نسمح بها». وحول ردود الفعل الخارجية قال عبد السلام: «لم يبلغنا شيء رسمي، لكن الجميع متفاجئ.. نحن حريصون على تعقب الجناة، وحريصون على أمننا واستقرارنا، وندعو إلى التهدئة العامة، وتعميق الحوار الوطني، والحكومة مدعومة بشرعية شعبية، وستستمر للقيام بعملها». وعن مقارنة الاحتجاجات في تونس أمس بيوم 14 يناير (كانون الثاني)، كما صرح أحد قياديي «حركة نداء تونس» ل«الشرق الأوسط»، قال عبد السلام إن هذه المقارنة بعيدة عن الصحة، وإن ما يحدث فقط هو أن «هناك مجموعات غاضبة ومن حقها الاحتجاج، والمقارنة ب14 يناير غير دقيقة». وأكد أن حكومته ستستجيب بالتأكيد «لمطالب الشارع، ولسنا منقطعين عن إرادتهم». في غضون ذلك ألقى الرئيس التونسي المنصف المرزوقي أمس خطابا مؤثرا أمام البرلمان الأوروبي دافع فيه عن قيم الديمقراطية في بلاده بعيد اغتيال المعارض التونسي المعروف، ولم يتمكن بعض النواب الأوروبيين من حبس دموعهم تأثرا بكلمة هذا المناضل القديم بوجه الديكتاتورية في بلاده، حسب وكالة الصحافة الفرنسية. وبعد انتهاء الخطاب، وقف النواب من كافة التيارات السياسية وصفقوا طويلا للمرزوقي الذي جاء للتحدث عن المرحلة الديمقراطية في تونس بعد عامين من انطلاق الربيع العربي. وقال رئيس البرلمان الأوروبي الألماني مارتن شولتز: «كانت هذه اللحظة من أكثر اللحظات تأثرا هنا في البرلمان منذ زمن». وأضاف: «نادرا ما شاهدت زملاء بهذا القدر من التماسك والقوة عادة، يبكون معا أكانوا من اليسار أو اليمين. كانت لحظة استثنائية». وقالت إلين فلوتر من حزب الخضر وهي تبكي: «كان خطابا عظيما». ومن جهته أكد رئيس الوزراء التونسي حمادي الجبالي لإذاعة «موزاييك» التونسية أن اغتيال الأمين العام لحركة الديمقراطيين الاشتراكيين شكري بلعيد «عمل إرهابي»، ليس فقط ضد بلعيد، لكن ضد تونس كلها. وتعهد الجبالي بأن تبذل الشرطة ما بوسعها للتوصل إلى القتلة. في غضون ذلك توعد وزير الداخلية التونسي على العريض - القيادي البارز في حركة النهضة الإسلامية - مرتكبي جريمة قتل القيادي البارز في حزب حركة الديمقراطيين الاشتراكيين المعارض شكري بلعيد ب«العقاب». وقال العريض في تصريح صحافي أمس: «الداخلية ستتعقب الجناة، ولن يفلت مرتكبو عملية القتل من العقاب»، حسب وكالة الصحافة الفرنسية. ومن جهته قال محسن مرزوق القيادي في حركة «نداء تونس» والمسؤول عن العلاقات الخارجية في الحركة: «نندد بالجريمة وقد حذرنا منذ مدة طويلة أن المجموعات العنيفة تتكاثر في تونس من دون حسيب أو رقيب، والخطاب لدى بعض الأطراف، خاصة النهضة، هو موقف استئصال، وفيه تخوين لجزء من الشعب، وتشجيع (لجان حماية الثورة) التي قتلت لطفي نقض، والمجموعات التي تطور الخطاب في المساجد، وهو خطاب عنفي وتكفيري، ودعوات مفتوحة للقتل لأكثر من مرة، وتغاضي الحكومة عنه في ظل سيطرة النهضة على وزارتي العدل والداخلية.. كل هذا دفع تونس إلى هذا المسلسل الرهيب الذي لم نشهد مثله منذ الاحتلال الفرنسي في تونس». ودعا القيادي ب«نداء تونس» في اتصال مع «الشرق الأوسط» أمس لاستبدال الحكومة، قائلا: «ندعو إلى تغيير الحكومة، وتشكيل حكومة كفاءات مستقلة، وأن تتم مراجعة التعاطي مع الشأن الأمني بتجهيز الجيش والأمن لمعالجة الوضع». مضيفا أنه «أمام حجم التهديدات المحلية والإقليمية فإن الوضع يحتاج لمعالجة طوارئ، ولأن تتكفل الحكومة بالشؤون السياسية والاقتصادية، وأن يتم فصل الأمن عن السياسية». وتجمهر الآلاف من التونسيين في شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة منذ ساعات الصباح الأولى، وتوجه المحتجون إلى مقر وزارة الداخلية ورفعوا شعارات متعددة من بينها: «الشعب يريد إسقاط النظام» و«وزارة الداخلية.. وزارة إرهابية»، وحملت الحكومة التي تقودها حركة النهضة المسؤولية عن الاغتيال الذي جد من قبل أطراف مجهولة، ولم تعلن أية جهة مسؤوليتها عن عملية الاغتيال. ودعت أربعة أحزاب تونسية معارضة إلى إضراب عام في تونس اليوم وإلى تعليق عضوية الأحزاب المعارضة في المجلس الوطني التأسيسي المكلف بصياغة دستور الجمهورية الثانية في تونس. ودعت هذه الأحزاب إلى تنظيم إضراب عام في يوم جنازة القتيل الذي يرجح أن يكون الخميس، وإلى الحل الفوري ل«الرابطة الوطنية لحماية الثورة» التي تقول المعارضة إنها «ميليشيات إجرامية تستعملها حركة النهضة الإسلامية الحاكمة لتصفية حساباتها مع خصومها السياسيين». وطالبت برحيل علي العريض وزير الداخلية والقيادي في حركة النهضة. وفي حدود الساعة الثالثة من بعد ظهر أمس جابت سيارة إسعاف شارع الحبيب بورقيبة حاملة جثمان الفقيد شكري بلعيد، وعمت الفوضى بين المحتجين مما دفع قوات الأمن إلى استعمال الغاز المسيل للدموع لتفريق آلاف المحتجين. وتوقفت الدروس في معظم معاهد والمؤسسات التربوية خشية اندلاع احتجاجات ومسيرات تنطلق من تلك المؤسسات. وعلق المحامون الجلسات داخل قاعات المحكمة وأعلنوا عن دخولهم في إضراب عام بداية من اليوم. وطوقت قوات الأمن مقر حركة النهضة الواقع بمنطقة «مونبليزير» بالعاصمة التونسية تحسبا من حدوث اعتداءات ومن الحركات الاحتجاجية بعد حادثة القتل. وأحرق محتجون مقر حركة النهضة بمدينة باجة (100 كلم شمال تونس العاصمة) وأتلفوا محتوياته محملين الحركة المسؤولية عن حادثة الاغتيال وتدخلت قوات الجيش لحماية الموقع.