لا تكاد الشوارع تخلو منهم، يواجهونك في كل مكان ويتبعون ظلك في كل شارع، منهم أطفال وشيوخ ونساء لا بل حتى الشباب، إنهم المتسولين الذين باتوا ظاهرة تغزو المدن المغربية عامة وطنجة خاصة. صور تفسد جمالية مدن في عز أزمة فيروس كورونا، حيث ترى ساكنة المدن -خصوصا طنجة وأكادير ومراكش والدار البيضاء…- هذه المدن الكبرى، أن ارتفاع معدل هذه الظواهر بشكل كبير خصوصا في هذه الفترة بالذات، أصبح مزعجا لكل المارة في الشوارع، تحديدا الشوارع الرئيسية التي تعد القلب النابض لرزقهم، كما أن هذه الظاهرة تضر بسمعة المدن من الناحية السياحية، مشرين الى أن تفاقمها راجع الى غياب الحملات التطهيرية و التمشيطية التي تشنها السلطات المحلية بمعية السلطات الأمنية، فلا مكان عام تجلس فيه إلا ويتبعك متسولون فرادى أحيانا وجماعات أحيانا أخرى، والغريب أنّ نساء يحملن أطفالهن بمعيّة أزواجهنّ أصبحوا يمتهنون التسول كمهنة. هذه الظاهرة المرضية -التسول- غطت وفاضت وحجبت الرؤية في المدن، وزادت مساحتها على الحد المقبول، وطفحت على السطح، وأصبحت على دائرة النظر، وبطول العين وعرضها، لا تنقطع الرؤية عنها، ليلا نهارا، فما ترك المتسولون مكانا إلا وقفوا فيه، ولا شخصا الاَّ وتهجموا عليه وطالبوه لعدة امتار من إجل إعطاءهم دراهم، حتى أن وقاحتهم وصلت الى حد سبّ المواطنين في حال عدم منحهم ما يرغبون به. لم نعد كمواطنين قادرين على التمييز بين الشخص المحتاج حقا لصدقة وبين الأشخاص الذين يمتهنون التسول كأسهل طريقة لكسب المال، فالجميع أصبح يرتدي ملابس ممزقّة ومتّسخة في عز هذا البرد لكسب تعاطف المواطنين المارة أو إظهارِ عاهةٍ مُعيّنة لديهم، أو ترديد عباراتٍ مُعيّنة كعبارات الدّعاء التي تستثير عاطفة الناس أو الجمع بين أكثر من وسيلة منها. وأكد أحمد النجامي، الباحث في علم الاجتماع، ل "كاب24تيفي"، أن التسول أصبح "ظاهرة مرضية" بالمجتمع المغربي، إذا ما قلنا خطيرة، فهي تستقطب جميع الفئات العمرية بمن فيهم الأطفال الصغار والشباب والكهول والشيوخ والنساء والرجال. وأضاف النجامي أن مهنة التسول سيطرت على المدن المغربية، لكونها تستقطب الكبير والصغير النساء والرجال، فهي حسب وصفه حرفة تُكسبُهم دخلا هاما لا يتطلب شهادات أو جهدا، بالرغم من توفر عروض عمل بالمصانع و المطاعم و غيرها، حيث يسهل عليهم كسب المال بمد اليد يصل أدنى دخلهم اليومي الى شهرية كاملة لعامل بسيط يكدح اليوم بطوله لكسب لقمة حلال، هنا يكمن جشعهم ومرضهم النفسي لجمع ثروات. وأشار عالم الاجتماع أن ممتهني التسول بالمدن المغربية خصوصا الكبرى، يدرسون بكل ذكاء المناطق والأحياء التي تدر عليهم بأكبر دخل في اليوم، كالوقوف أمام المخبزات التي يتوافد عليها الأثرياء والمطاعم والمقاهي الكبيرة والمساجد التي تعتبر بيوت الله… هذا مع اتقان بعضهم للغات أجنبية تمكنهم من طلب النقوذ من السياح والأجانب المقيمين بالمدن المغربية. من جهته محمد ابن مدينة طنجة، أكد استاءه من هذه الظاهرة، قائلا: "كل يوم كيسعَوْلِي العشرات وحتى المئات، أشكال مختلفة منهم النساء والرجال وأطفال اللي كيبعثوهم واليديهم يسعاولي"، مضيفا "كاين وجوه مألوفة كتجي كل نهار فوقت محدد من النهار وكل نهار عندهم قصة للسعاية، مرة معندي مناكل، مرة مريض بالسرطان، مرة ولادي كيموتو بالجوع… ". ابراهيم الذي يشتغل أيضا بقّال بأحد الأحياء الراقية بمدينة طنجة، قال بخصوص الظاهرة "كل نهار كيجيو العشرات يسعاولي الفلوس واذا معطيتهومش كيوقفوا فالباب ديال المحل واللي دخل ولا دخلت كيلصق فيها تعطيه، وحتى اذا شرالو شي واحد الماكلة ملي كيمشي صاحب الخير كيدخل عندي باش يْرِجَّع السخرة ونعطيه الفلوس". القانون المغربي بدوره يجرم التسول من خلال مجموعة من فصول القانون الجنائي، حيث يعاقب المتسولون بعقوبات حبسية سالبة للحرية، وتتراوح العقوبة بالفصل 326 من القانون الجنائي من شهر إلى ستة أشهر حبسا، كل من كانت لديه وسائل العيش أو كان بوسعه الحصول على عمل لكنه تعود على ممارسة التسول بطريقة اعتيادية. هذه الظاهرة دفعت ساكنة المدن للمطالبة من السلطات المعنية،اتخاذ التدابير اللاّزمة لمواجهة انتشار هذه الظواهر، نظرا لتناميها المستمر.