الصحراء المغربية.. هنغاريا تجدد تأكيد دعمها لمخطط الحكم الذاتي    بوريطة يلتقي وزير الخارجية الإسباني في مدريد لتكريس متانة الشراكة المغربية الإسبانية    تعديل استثنائي في توقيت بث برنامج "ديرها غا زوينة" مساء اليوم الخميس    مندوبية التخطيط: التضخم يرتفع إلى 2.2% في الربع الأول من 2025    مغربيات يتظاهرن في سلا تضامنا مع المرأة الفلسطينية ورفضا للعدوان على غزة    وفاة عامل بسوق الجملة بالدار البيضاء تثير غضب التجار وتفتح باب المساءلة    تعليمنا المغربي والعنف المدرسي.. عَارُنَا الكبير أمام شرفة أحلامنا الوطنية    سعد لمجرد ينفي مشاركته في مهرجان موازين 2025    تقرير: المغرب في المرتبة 81 عالميا من حيث زخم التحول الرقمي    قبل 17 سنة الاستخبارات الأمريكية توقعت عالم 2025.. نضوب المياه العذبة يُهدد المغرب    أمريكا تستثني المغرب من رسوم جمركية على السكر    إحاطة ديميستورا: خطاب متوازن أم تثبيت للجمود؟    هيومن رايتس ووتش: السلطات التونسية حولت الاحتجاز التعسفي إلى ركيزة أساسية في "سياستها القمعية"    أمريكا.. إلغاء الامتيازات الصحفية لوكالات الأنباء الكبرى    الاتحاد الأوروبي يدرج المغرب ضمن قائمة "الدول الآمنة"    رئيس برلمان أمريكا الوسطى في زيارة للعيون    بنك المغرب بالجديدة يستقبل في لقاء تربوي    توقيف جانحين استعرضا أسلحة بيضاء أمام مقر دائرة للشرطة بالبيضاء    المغرب يتقدم الدول العربية على صعيد القارة الإفريقية في تعميم التغطية الصحية    من قلب إفريقيا إلى صفوف التميز .. المغرب ينافس الكبار في حماية الملكية الفكرية    تأهل المنتخب الوطني لكرة القدم لأقل من 17 سنة إلى نهائي كأس إفريقيا..نادي موناكو يشيد بأداء موهبته إلياس بلمختار    توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس بمختلف مناطق المملكة    مقدم شرطة رئيس يطلق النار لمنع فرار سجين كان رهن المراقبة الطبية بالمستشفى الجامعي بمراكش    رئيس جماعة بني ملال يتجاوب مع مطالب النقابيين في قطاع الجماعات    أديس أبابا- اللجنة الاقتصادية لإفريقيا: اجتماع لفريق الخبراء تحت الرئاسة المغربية لدراسة واعتماد التقرير الإفريقي حول التنمية المستدامة    واكي: الرقمنة تدعم تنمية المغرب .. و"جيتيكس إفريقيا" يخدم الشراكات    البندقية تنفتح على السينما المغربية    دوائر أمنية بالجديدة في وضع مقلق... مطلب استعجالي لإعادة الإعتبار لهذا المرفق الحيوي    نقابة تدين تهجم شخص على مدير مؤسسة تعليمية بالحسيمة    ميناء العرائش يسجل تراجعًا في مفرغات الصيد البحري بنسبة 20% خلال الفصل الأول من 2025    الركراكي: أسود الأطلس عازمون على الفوز بكأس إفريقيا 2025 على أرضنا    "كاف" يغير توقيت نهائي "كان U17"    "تمغرابيت" تزين معرض الكتاب في باريس .. إبداع وذاكرة وشراكة متجددة    الجيش الإسرائيلي يعلن تحويل 30% من أراضي قطاع غزة إلى منطقة عازلة    دوري أبطال أوروبا.. إنتر ميلان يُقصي بايرن ميونخ ويتأهل لمواجهة برشلونة في النصف النهائي    تسجيل ثالث حالة إصابة بداء الكلب في مليلية خلال أقل من أسبوعين    هل هي عزلة أم إقامة إجبارية دولية: هكذا تخلت القوى الكبرى ‮ والدول الصغرى أيضا عن دولة العسكر في الجزائر!    كلمة : البرلمان.. القضايا الحارقة    جامعة عبد المالك السعدي تُثري فعاليات المعرض الدولي للنشر والكتاب ببرنامج ثقافي متنوع في دورته ال30    ملاحظات عامة عن المهرجانات السينمائية المستفيدة من دعم الدورة الأولى لسنة 2025    أنشطة سينمائية بعدد من المدن المغربية خلال ما تبقى من شهر أبريل    «أجساد في ملكوت الفن».. عبد العزيز عبدوس يفتح نوافذ الذاكرة والحلم بطنجة    بلقشور: إصلاحات "دونور" غير مسبوقة والمركب في أفضل حالاته    هل ما زال للقصائد صوت بيننا؟    المغرب يتسلح ب600 صاروخ أمريكي لمواجهة التحديات الجوية    حكيمي: "الحقيقة أننا لا نهتم بهوية منافسنا.. لأنه للفوز بدوري أبطال أوروبا عليك أن تواجه الأفضل"    إسرائيل: "لن تدخل غزة أي مساعدات"    بيلينغهام : واثقون من تحقيق ريمونتادا تاريخية أمام أرسنال    كلب مسعور على حدود المغرب .. والسلطات الإسبانية تدق ناقوس الخطر    بطولة إسبانيا: توقيف مبابي لمباراة واحدة    وفاة أكثر من ثلاثة ملايين طفل في 2022 بسبب مقاومة الميكروبات للأدوية    دراسة أمريكية: مواسم الحساسية تطول بسبب تغير المناخ    فايزر توقف تطوير دواء "دانوغلبرون" لعلاج السمنة بعد مضاعفات سلبية    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يدان مبتهلتان
نشر في كاب 24 تيفي يوم 12 - 08 - 2020

من يتأمل منّا لوحة الفنان الألماني البرشت دُيرَر ويستلهم روح نهايات القرن الخامس عشر وسماوات السادس عشر منهما ستتبادر إلى ذهنه، بعد امعان ساعة التقاط اللحظة في لوحة تعكس "يدين منضمتين في تضرع وابتهال" أن التصور صادق وتنتقل عدواه إلى المتأمل في التوّ دون أدنى تردد أو تحفظ ثم يتبادر إلى ذهنه الآتي: ماذا ألمّ بهذا الشخص من مكروه حتى يجبر الرسّام أن يصوره ويلتقط تلك اللحظة ليوثقها؟ نحن نعلم أن لكل رسّام جهاز سيزموغراف، كذاك الذي يرصد موران الأرض واهتزازات الزلازل، يخبره أن هناك ثمّة اهتزاز، اضطراب واضطرام نفسيّ أو روحيّ حاد لابد عليه أن يستشفه. لذلك فإن اللوحة بيدين مبتهلتين تستحوذ لبّ متأمليها وتذكرهم بلحظات أغلب الظن كانوا هم فيها بحالة ابتهال أو ربما ترجع بهم الذِّكر إلى لحظات عصيبة في حيواتهم أو حيوات من عاشروهم وعرفوا يوما ما مرًّا ذاقوه وألماً دافق غيّر مسيرة حياتهم. تعتبر لوحة اليدين المبتهلتين من إحدى الأعمال الفنيّة الأكثر استنساخا في تاريخ الفن، ذلك على الرغم من مرور خمسة قرون على نشأتها، فالعمل يظل ملهما لكل متأمل ومبتهل.
بزغ نجم الرسام البرشت دُيرَر في يوم 21 ماي من عام 1471 بقرية في نواحي مدينة نيورنبيرغ الألمانية وتوفي في السادس من شهر أبريل من عام 1528 بنفس القرية، حاضرة هذه المدينة الساحرة الماثلة كالحسناء بإقليم باڤاريا والمعروفة في تاريخ ما بعد النازية بمحكمتها الشهيرة (محكمة النازيّة). عاش بكنف أسرة متواضعة وكبيرة تتكون من ثمانية عشر فردا، من الإخوة والأخوات. كان يعيلهم والدهم الذي امتهن حرفة الحدادة وتعلم البرشت على يديّه هذه الحرفة بيد أن قلبه كان يضرب باتجاه الفن والألوان وارتياد آفاقها الواسعة وكان يشاركه أخيه الأكبر نفس الهدف والحلم. لم يعجب الأخوان العمل الشاق في مجال الحدادة فضلا عن رتابته وانحصاره الحرفيّ والمضني. فجلسا ذات ليلة يتحدثان عن قصة الخلاص الأخير من هذه المحنة وكيف يمكنهما دراسة الفن في أكاديمية نورنبيرغ الشهيرة. اتفقا أن يقوما برهان وأن يرميا العملة والفائز من بينهما ينبغي عليه أن يجد عملا لمدّة الدراسة والتي كانت محددة بأربع سنوات وأن يتحمل كل نفقات الفائز. ذهبا اليوم التالي كحال كل الأسر المحافظة إلى صلاة الأحد بالكنيسة وبعد وجبة الغداء شرعا في تطبيق الرهان. فوقعت القرعة على الأخ الأصغر وفاز بالرهان. تضمن هذا الرهان حلًّا عادلا وهو الإعالة المتبادلة – الواحد تلوا الآخر – لتكملة الدراسة من قبل الطرفين: أن يعمل الأول ويعين الثاني مدّة أربع سنوات وبعد قضاء المدّة يحدث العكس. لم يكن بالمدينة مجالات واسعة للعمل فأضطر الأخ الكبر (الخاسر) أن يعمل بإحدى مناجم الفحم الحجريّ وتعهد الأصغر بأن ينفق عليه بعد اكمال الدراسة عبر مبيعاته من اللوحات الفنيّة وإن لم يستطع فبالعمل في ذات المناجم.
جاءت ساعة التطبيق فذهب الأخ الأكبر يعمل دؤوبا في المناجم والأصغر يبرع ويبدع في الفن والرسم والتمثيل. تفجرت في بدخيلة هذا الشاب اليافع طاقات جبّارة حتى انتشر خبر تفوّقه على أقرانه وحتى على أساتذته بالأكاديميّة فذاع حينئذ صيته كمايسترو في الرسم وبدأت العروض تنهال عليه من كل صوب وحدب. تخرج الشاب بجدارة من الأكاديميّة وأقامت الأسرة حفل بهذه المناسبة الميمونة. وليلتئذ ألقى البرشت کلمة صادقة مؤثرة يشكر فيها أخيه قائلا: "أخي المبارك آلبرت، جاء دورك الآن للذهاب إلى أكاديميّة نورنبيرغ وأن تحقق حلمك وسوف أقوم برعايتك إلى أن تكمل دراستك." بينما كان البرشت في حديثه يهيم تبدّت علامات الحزن والأسى على أخيه الأكبر آلبرت، فبدى شاحبا متأثرا بالكلام، فقد تكسّرت أصابع يديّه أكثر من مرّة وأصيبت من جراء العمل الشاق في طرق الأحجار وكسر الصخور بالالتهاب الحاد في المفاصل فهو لا يستطيع حتى أن يقرع كأس أخيه ليشرب على نخبه ناهيك عن أن يرسم؛ إذ لا يمكنه التحكم بالفرشاة أو القلم حتى يمتهن الرسم، فأخبره بعميق الأسف والحزن أن زمن الأوان قد راح والأمل قد تلاشي طي المناجم والأحجار. فتأثر الرّسَّم بما آثره إليه أخوه وما كان منه إلا أن شرع في رسم يديه بكل تفاصيلها ونتوءاتها وتضاريسها التي خلّفها عمل المناجم وكانت برهانا دامغا لحرفيته وعبقريته الخارقة للعادة.
لم يقف طموح هذا الفنّان في حدود الرسم والألوان لكنه اتجه إلى تعلم الرياضيات فصار من علمائها ودرس نظرية الفنّ واتجه إلى النحت والتمثيل بالنحاس والخشب وهو يعكس – بدون أدنى شك – مثالا صريحا لأحد عمالقة عصر النهضة بامتياز.
*رئيس تحرير الجريدة العربية الدولية المدائن بوست الصادرة بألمانيا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.