لعل قرار الرباط الأخير القاضي بترسيم حدوده البحرية الاقليمية بمياه الاطلسي وبسط ولايته القانونية عليها سيكون له إرتدادات قوية و خفية وان كانت غير ظاهرة على مستقبل العلاقات بين المملكتين المتوسطتين. فالرباط استبقت في ترسيم الحدود الإقليمية لمياهها لتشمل الحدود البحرية لساحل الاطلسي قبالة الاقاليم الجنوبية حيث ان هذا الترسيم قد اكتسب أبعادا جديدة لانها نفس المنطقة التي تتداخل مع السيادة الاسبانية في جزر الكناري حيث ان قرار الترسيم جاء اساسا لتعزيز ثقة المغرب في ضم جبل بحري والمسمى "تروبيك " حيث تم اكتشافه سنة 2017 في المياه الإقليمية للمغرب بالمحيط الأطلسي وهو جبل بحري غني بالمعادن النفيسة ويقع على عمق الف متر تحت سطح البحر مابين المغرب وجزر الكناري الخاضعة للسيادة الاسبانية. واليوم تدفع الظروف كلا البلدين إلى إعطاء الأولوية للمفاوضات لتسوية التداخل الإقليمي خاصة في المحيط الأطلسي وقد سارعت مدريد إلى الحد من التصعيد غير المتوقع عندما قامت وزيرة الخارجية الجديدة أرانشا غونزاليز بزيارة الى الرباط في أول مهمة لها خارج الاتحاد الأوروبي ومن من نتائج هذه الزيارة اتفاق البلدين على أن الخطوات الأحادية الجانب وخاصة في المحيط الأطلسي ، لا تؤدي إلا إلى توتر وتعيق الحلول المفيدة للجميع. في المقابل ، ألمح رئيس الحكومة الإقليمية في جزر الكناري ، أنجيل فيكتور توريس ، إلى التصعيد الخطير إذا وضع المغرب يده على "ملليمتر واحد" من المياه الإقليمية للجزر حسب تعبيره وقد تغاضت الرباط عن هذا التهديد لأنها تعتبر مدريد هي السلطة المخولة للتفاوض معها وهي إشارة إلى تبصر وحنكة من الدبلوماسية المغربية في عدم التطرق الى هذا التصريح لكن أيضا كشف تصريح وتهديد توريس أهمية ساحل المحيط الأطلسي فيما يتعلق بإسبانيا. فالسبب الرئيسي كما قلنا آنفا هو الصراع الصامت على الموارد الطبيعية في المحيط الأطلسي حيث تتداخل الحدود القارية بين البلدين بالاطلسي حول جبل تروبيك الغني بالمعادن حيث يحتوي على كميات هائلة من المعادن مثل الكوبالت ، وتركيز ضخم من التيلوريوم ، وهي مادة نادرة تستخدم في الألواح الشمسية،و كونه أقرب إلى جزر الكناري فاءن مدريد حتى الآن لازالت بيدها ورقة الصحراء المغربية للتفاوض حول الثروات المدفونة بأعماق الأطلسي وبالرغم من كل هذا فاءن القوانين الدولية تنص على التفاوض بين الرباطومدريد حيث أن جزر الكناري ليست دولة منفصلة والاكتشاف الإسباني لهذه الثروات هو خطوة أحادية غير مسموح بها بموجب القانون الدولي. لذلك فالرباط عندما صادقت على بسط ولايتها القانونية البحرية فاءنه ضرب بذلك العديد من العصافير بحجر واحد منها إعادة التوازن الجيوستراتيجي من خلال تقليص الفجوة بين الضفتين لأن المفاوضات الثنائية تتجاوز الحدود المفروضة على قضية الصحراء المغربية. كما أنه بالون اختبار للحكومة الائتلافية التقدمية الجديدة في مدريد حيث يعتبر حزب Podemos اليساري الراديكالي معاديا للمغرب بشكل خاص في عدة جوانب مختلفة خاصة بما يتعلق بالوحدة الترابية للمملكة وايضا اختبار للمعارضة الاسبانية خاصة في شقها اليميني المتطرف وحزب Vox اليميني يصرح بوضوح معاداته للمهاجرين والأجانب والجالية المغربية تعتبر الأكبر في الجزيرة الايبيرية وهي تعتبر ورقة ضغط بيد الرباط إذا ماأحسنت استغلالها براغماتيا. علاوة على ذلك تؤكد الرباط من جديد استعدادها للمفاوضات مع التأكيد على الفوائد التي قد لا ترغب مدريد في التضحية بها، اليوم تستفيد إسبانيا كثيرا من كونها الشريك التجاري الاول والرئيسي للمغرب في كل من الواردات والصادرات والمغرب هو ثاني أكبر وجهة للبضائع الإسبانية خارج الاتحاد الأوروبي، أيضا تعتبر إسبانيا هي الوجهة الأولى والمفضلة للسياح المغاربة خاصة الطبقة المتوسطة و حسب تقارير اقتصادية فاءنه في عام 2018 ، زار حوالي 900000 مغربي لإسبانيا وأنفقوا حوالي 5.1 مليار درهم. وربما التصور التنموي الجديد الذي جاء به الملك محمد السادس يعتبر مدخلا للاستقرار السياسي والاقتصادي للمغرب في ضوء التحديات الإقليمية والدولية التي تعرفها منطقة شمال إفريقيا ومنطقة المتوسط ،ومع ذلك ، فإن إسبانيا بشكل خاص وأوروبا بشكل عام ستكون الأكثر عرضة لجار غير مستقر في الجنوب حيث تعتمد مدريد على الرباط بشكل اساسي في محاربة الهجرة السرية التي تعتبر اسبانيا بوابة لها في جنوب القارة العجوز. على هذا النحو ،تبدوا المفاوضات الخيار الأفضل والأمثل للاتفاق على حل وسط مربح للجانبين في السيادة السياسية والمنفعة الاقتصادية ويتفهم كلا البلدين ويدركان ضرورة التعاون المتبادل بدلا من تأزيم العلاقة، ومن الممكن تحقيق نتيجة مربحة للجانبين على ساحل المحيط الأطلسي.