كنهاية كل سنة، ظهر تقرير التنمية البشرية الصادر عن برنامج الأممالمتحدة الإنمائي، كقياس لمجمل الإنجازات المحققة في بلدان العالم سواءً في الصحة والتعليم وغيرها من المجالات المؤثرة في حياة الشعوب.بالنسبة للمغرب، فلا جديد يذكر ولا قديم يعاد، مازال مصنفا ضمن إطار البلدان ذات التنمية البشرية المتوسطة. تقرير التنمية البشرية هذه السنة كان أكثر سوداوية وتشاؤما من المعهود، ففي السنوات الفارطة كانت نبرة التفاؤل هي السائدة، فرغم التقدم الذي يزعم برنامج الأممالمتحدة أنه تحقق في السنوات الأخيرة سواءً في في نسبة الملتحقين بالمدرسة وتقلص عدد الوفيات بعد الولادة وكذلك تحسن الدخل الفردي، إلا أن الغضب الشعبي الذي تمثل في المظاهرات التي عمت بلدان عديدة أثبتت أن هناك قصورا في تحديد الأبعاد التي يرتكز عليها مثل هاته التقارير، فاتساع الفارق بين الطبقات إلى الحد الذي بات فيه أقل من % 1 من مجموع سكان الأرض يسيطرون على ما مقداره نصف ثروات الكوكب، بالإضافة إلى تآكل الطبقة الوسطى، جعل كما وصفها أكيم شتاينر، المدير التنفيذي للبرنامج " ما نراه اليوم هو قمة الموجة في عدم المساواة، أما ما سيحدث بعد فرهن خياراتنا". الحديث عن عدم المساواة، يستدعي استحضار نوع جديد من المقاييس، فأوجه عدم المساواة عديدة ومتشعبة في كل مناحي الحياة، ففرص التمدرس في دول التنمية البشرية المرتفعة جداً أكبر وأكثر جودة من مثيلتها في دول التنمية البشرية المنخفضة، وكذلك في ذات المجتمع، ففي الدول التي يغيب فيها مجانية التعليم العالي، تكون فرص الطالب غير القادر على تأدية مصاريف الجامعة صعبة لضمان حياة كريمة مقارنةً مع الطالب المتمم لدراسته الجامعية. مثل هاته الفروقات تزعزع ثقة الشعب بالحكومات والمؤسسات، وكثيراً ما تجعل أوجه عدم المساواة من الأصعب على القرارات السياسية التعبير عن تطلعات المجتمع بأسره، فتستعمل القلة في المقدمة نفوذها لتوجه هذه المؤسسات لخدمة مصالحها، مما يزكي الإحتقان داخل المجتمع. من الآثار المترتبة عن انعدام المساواة وخصوصاً في الدخل، هو الحرمان في الصحة والكرامة وكذلك التكنولوجيا. فحين أن هناك دولاُ طورت نفسها على مر السنوات وخرجت من دائرة الدول المصنفة ذات التنمية البشرية المتوسطة وأصبحت الآن في مصاف الدول ذات التنمية البشرية المرتفعة، مازال المغرب يقبع في تصنيفه منذ سنوات، و يرجع السبب في ذلك أساساً إلى جودة الخدمات المتدنية خصوصاً في التعليم والصحة ونسبة البطالة المرتفعة مع ملاحظة ارتفاع نسبة شدة الحرمان و التي بلغت % 45.7. فالشعور بعدم الرضا عن الخدمات المقدمة، يدفع بعض الأهالي إلى الإستغناء عن الإستعانة بالمرافق العمومية، الممولة أساساً من أموال الضرائب، و الهرولة للخاص كالمدارس و المصحات. هذا دون نسيان معاناة أهلنا في الأرياف و الجبال، في التحصٌل على أبسط الخدمات. الشباب، عصب المجتمع، يعاني جزء كبير منه من الإحباط، نتيجة البطالة و ضعف الإمكانيات ، فأصبح يتلقف كل فرصة للتعبير عن غضبه و لو كان في ملعب كرة قدم. لكن لكي لا نكون متشائمين، فتصحيح المسار ليس صعبا إذا توفرت الإرادة السياسية، فما على الدولة سوى إرساء منظومة جديدة للتعليم و تحسين خدمات الصحة العمومية، و تقريب الفوارق بين فئات المجتمع بفرض ضرائب على أصحاب الدخل المرتفع توالم العصر، و تعزيز منظومة العدالة لتكون العين الساهرة و الزاجرة لكل زيغ عن المسار الإصلاحي.