برع الأطباء العرب في بحث الاضطرابات التي تطرأ على العقل، وأجادوا في وصف أعراضها وعلاماتها وعلاجها، ومنهم ابن سينا في قصته مع المريض الذي كان يظن أنه بقرة. إذ روي أن مريضا كان يعتقد بأنه بقرة، وكان يطلب من ذويه بإلحاح أن يذبحوه، فانقطع عن الأكل لأنهم رفضوا أن يفعلوا ذلك، فضعف كثيرا وأقلق الأهل والجيران بصراخه، وطلب أهله أن يتولى ابن سينا أمره وعلاجه وفقاً لموقع "الجزيرة" .
فأرسل ابن سينا إلى المريض من يخبره بأنه قادم ليذبحه استجابة لطلبه، ولما حضر الطبيب وفي يده السكين، أمر بربط يدي المريض ورجليه، وطرحه على الأرض ليذبحه. ولما همّ ابن سينا بالذبح، جس عضلات المريض جسا دقيقا، ثم التفت إلى أهله وقال لهم بصوت جهوري: إن هذه البقرة ضعيفة جدا، ويجب تسمينها قبل ذبحها!
وعندها أخذ المريض من تلك الساعة يأكل بشهية زائدة ليسمن، فقوي جسمه وترك وهمه وشفي من مرضه شفاء تاما*.
وابن سينا هو أبو علي الحسين بن عبد الله بن الحسن بن علي بن سينا، عالم مسلم اشتهر بالطب والفلسفة واشتغل بهما. ولد في قرية أفشنة بالقرب من بخارى في أوزبكستان حاليا من أب من مدينة بلخ (في أفغانستان حاليا) وأم قروية سنة 370 ه، وتوفي بمدينة همدان (في إيران حاليا) سنة 427 ه.
عرف باسم الشيخ الرئيس، وسماه الغرب بأمير الأطباء وأبو الطب الحديث، وقد ألف نحو مئتي كتاب في مواضيع مختلفة، العديد منها يركز على الفلسفة والطب. ويعد ابن سينا أول من كتب عن الطب في العالم، ولقد اتبع أسلوب أبقراط وجالينوس، وأشهر أعماله كتاب الشفاء وكتاب القانون في الطب.
يُذكر أن الأطباء العرب والمسلمين عدوا الأمراض العقلية اضطرابات عضوية، مثلها مثل باقي الأمراض التي تعتري أعضاء الجسم، وهي في هذه الحالة إصابات عضوية تطرأ على الدماغ.
كما كان لقدامى الأطباء العرب والمسلمين دراية وخبرة في معالجة هذه الأمراض وإنقاذ المصابين بها بالوسائل السالفة الذكر، وبما نسميه اليوم “التحليل النفسي” (psychoanalysis).
ولذلك أخذوا يعالجونها بالأدوية المهدئة والراحة المطلقة والرياضة المنشطة والموسيقى والغناء، وأيضا بالمعاملة الإنسانية الرحيمة. كما كانوا يخصصون للمرضى المهتاجين حجرات خاصة بالمستشفيات تتوفر فيها أسباب الراحة والهدوء والطمأنينة، ويشرف عليها أطباء رحماء وممرضون وخدم متدربون