سقطة وزير بقلم أسامة مغفور تخيلوا معي ولو للحظة، وزيرا للتعليم في ألمانيا أو أنجلترا أو حتى في بلد صغير يحترم هويته وثقافته مثل إيسلندا، حيث لا يتعدى إشعاع اللغة مساحة البلد. تخيلوا معي إذن هذا الوزير يهين لغة وطنه ويحتقرها ويصفها بالعاجزة عن إنتاج العلوم. تصوروا معي كيف ستكون الضجة. ستتحامل عليه كل وسائل الإعلام وتجعل من هذا الخبر مادة دسمة لكل نشراتها الإخبارية وكل البرامج التلفزية الحوارية وصفحات جرائدها. وستنهال عليه الشتائم والسباب من العامة وستطالب المعارضة باجتماع عاجل في البرلمان لدراسة هذا الأمر الخطير وإقالته فورا لمساسه باللغة الرسمية أهم ثوابت الأمة. وسيضطر المسكين تحت كل هذه الضربات الموجعة وهذا السيل العارم بلا انقطاع للانتقادات، إلى تقديم استقالته والاعتذار لرئيس الدولة ولشعبه عن هذا الخطإ الفادح، ووضع حد لمشواره السياسي. وسيبكي ندما أمام عدسات كل القنوات التلفزية. يحصل هذا في كل الدول المتحضرة التي جعلت من لغتها ثابتا أساسيا وخطا أحمر يرمي بمن يعتدي عليها خارج الحلبة ويجعل منه شخصا منبوذا مذموما. دول وضعت لنفسها سياسة لغوية متينة مبنية على الدراسات والبحوث الأكاديمية، ودسترت لغة جامعة للعلم والمعرفة يلتقي حولها الشعب بأكمله ويضطر الوافد أن يتعلمها ويتقنها وإلا فسيلقى به خارج الحدود، وستسن قوانين صارمة تمنع أي أجنبي يجهلها من الدخول إلى أراضيها. دول نبذت العاميات ورمت بالحروف البائدة التي لم تصنع علما ولا حضارة، خارج التاريخ. تحية مني إلى شعب إيسلندا العظيم. شعب راهن على لغته في إنتاج العلوم والمعرفة و تسيير الإعلام والإدارة والاقتصاد. شعب رفض أن يقول إن أقصر الطرق للتنمية والتطور تمر حتما عبر لغة أمريكا أو فرنسا. شعب رفض أن يجعل من لغة الآخر ضرة وشريكا وزعيما على لغته. شعب أبى إلا أن يكتب ويقرأ ويدرس ويبدع وينتج حصريا بلغته وأن يعتز بحروفها. شعب رفض الازدواج اللغوي في المجتمع لأنه لا يصنع انفتاحا وإنما يكرس تبعية ومنافسة وتهميشا للغته. شعب رفض أن تقتحم غير اللغة الإيسلندية قنواته التلفزية وصفحات جرائده وشوارعه وواجهات متاجره. شعب صنع لنفسه مجدا وعزة وكرامة عندما قال لغتي هي وطني ولن أرضى عنها بديلا. فتعال أيها الشعب العظيم ننهل منك ونتعلم منك الإباء والأنفة. نعم، سننحني بالملايين احتراما لك أيها الشعب العظيم، فأنت معلمنا وملهمنا. آه كم أحبك يا شعب إيسلندا الشامخ. دعونا نقارن الآن بين إيسلندا البلد الصغير الذي يعتز ويفتخر بلغته المعقدة التي لا يتعدى الناطقون بها مليون نسمة، وبين المغرب بالملايين من سكانه شمالا وجنوبا وبوضعه اللغوي المتأزم الذي دستر لغة مختبر ورسوما تعود للقرن الحجري وأعطى الريادة وحمى لغة المستعمر القديم الجديد وجعل منها لغة للإدارة والتقارير والإعلام والبحث العلمي ولوث بها لسانه الهجين. إنه المغرب المعاق لغويا الخارج من عجلة التاريخ والحداثة. فأهل المغرب يقولون دائما إذا كنت في المغرب فلا تستغرب. ونحن بكثرة القرارات الأميرية العبثية في ميدان اللغة، وكثرة الاستفزازات والتحامل والصمت المخجل للسلطة وللأحزاب الورقية والمثقفين والإعلاميين، فلم نعد نستغرب. لقد أصبحنا ومعنا كل الغيورين على لغة الضاد المهووسين بالدفاع عنها وحمايتها، نتلقى الطعنات من تيار أمازيغي حاقد متحالف مع الفرنكفونيين ودعاة العاميات الذين لا يدخرون جهدا في الحديث بفرنسية أنيقة دون أخطاء احتراما لأسيادهم في باريس. بتنا نتجرع كؤوسا من السم صباح مساء، دون أن يمنعنا ذلك من مواصلة مسيرتنا بلا كلل أو ملل، من أجل النهوض بالثقافة العربية في المغرب ورمزها الخالد لغتنا العربية الجميلة التي شع نورها في الكون كله وتهافت المسلمون وغير المسلمين في تعلمها والدفاع عنها. لقد اعتدنا على المقالات والتعليقات الحاقدة على اللغة العربية التي تمتلئ بها المواقع الإلكترونية. وكلها طعن وتحقير وحط من قدرها. فهذا يصفها بالآرامية لإهانتها وذاك يصفها بالقاصر العاجز عن اقتحام العلوم ويأتي آخر لينعتها باللغة الميتة التي لا يتكلمها أي عربي في الشارع ولا في العمل ويقتصر دورها على المثقفين في مجالس خاصة. لقد دحضنا نحن وغيرنا من الإخوة، في سلسلة مقالات، كل هذه الأقاويل والأكاذيب المغرضة التي لا ترتكز على أي تحليل أكاديمي لساني عقلاني بقدر ما تعتمد اعتمادا كليا على الأيديولوجيا والعنف الهوياتي العرقي الطائفي، وفندناها بالحجة والدليل وشرحنا لهم أن ذلك مرده تفشي الأمية والجهل في المغرب، ما جعله يحتل مراتب متدنية على الصعيد العالمي في نشر العلوم والمعرفة. ومع ذلك فالحملات المسعورة لم تنته وأبواق المشعوذين ما زالت تصدح وتنهق. أن تأتينا الإهانات للغة العربية من الثالوث الحاقد، فهذه أشياء نتفهمها ولو بمرارة وأسى، لكن أن تأتينا من السلطة ومن ممثلي الدولة فهذا ما لا يمكن القبول به. فقبل شهور سمعنا بذهول لخطاب الأمير رشيد ممثلا للمغرب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهو يتلعثم في قراءته ويقترف مجزرة لغوية في حق العربية بارتكابه 38 خطأ إملائيا ونحويا في أقل من 14 دقيقة. أما حاكم البلاد فلا تهتز له شعرة ولا يقشعر بدنه عندما يلقي أمامه الولاة والموظفون الكبار في الدولة والمهندسون المغاربة خطاباتهم وشروحاتهم بالفرنسية، في خرق مهول للدستور الذي لا ينص لا من قريب ولا من بعيد على أحقية لغة المستعمر في التداول ولا حتى على حقها في الوجود داخل الفضاء المغربي. أين نحن من الرئيس الفرنسي السابق شيراك الذي انتفض غاضبا في إحدى جلسات البرلمان الأوروبي وغادر القاعة احتجاجا على مداخلة لنائب فرنسي بالأنجليزية. أم أن تقليد فرنسا لا يكون إلا في الميوعة والانحلال الأخلاقي لا في الغيرة والدفاع عن اللغة الرسمية للدولة والجامعة لكل المغاربة. أما رئيس وزرائنا الشعبوي، الذي ابتلينا به، فهو يجهل كل أبجديات اللغة العربية ويفضل عليها عامية سوقية يتعامل بها أمام نواب الأمة ووسائل الإعلام وفي مهامه الحكومية. وهو لا يجد مضاضة في إلقاء كلمته بالفرنسية بفخر واعتزاز ونشوة وهو يمثل المغرب في ملتقيات دولية. ولا أحد في السلطة ولا المعارضة ولا الإعلام والمثقفين من سيستنكر ويدين استعماله للغة المستعمر لأنهم بكل بساطة ينتمون جميعا إلى عالم واحد عالم الانهزاميين الذين يتلذذون بتبعيتهم الثقافية للأم الحنون فرنسا ويصفقون ويدافعون عن حق لغتها في الهيمنة علينا والدخول في منافسة مع لغتنا العربية في إداراتنا وإعلامنا وشوارعنا. أو لم يصرح رئيس وزرائنا الإسلامي التوجه لوزير الخارجية الفرنسي الأسبق لدى استقباله بخنوع، أنه حريص على نشر الثقافة واللغة الفرنسيتين في المغرب والعمل كعبد مطيع على إشعاعهما. فهل بعد انهزام السلطة برأسيها سنستغرب إهانة وزير للغتنا العربية أمام الملأ وفي وضح النهار؟ فلقد طلع علينا مؤخرا وزير التعليم العالي والبحث العلمي بمداخلة غريبة خلال ندوة حول البحث العلمي أقيمت بكلية الطب بالرباط، صرح فيها أن اللغة العربية لا تنتج العلوم. ونحن نستهجن ونستنكر بأقسى العبارات هكذا تصريحات ونعتبرها غير مسؤولة من وزير فاشل ينتمي إلى حزب إسلامي يدعي دفاعه عن اللغة العربية، وهو في الواقع لا يدافع إلا عن الاستبداد والفساد والتبعية عندما حول نفسه إلى حزب مخزني وتنكر لكل مبادئه والتزاماته أمام الشعب خلال حملته الانتخابية. وباستثناء الإخوة في الجمعية المغربية لحماية اللغة العربية الذين أصدروا بيان إدانة لتصريحات ذلك الوزير، فلقد فوجئنا بصمت مطبق من أحزاب السلطة والمعارضة والمثقفين والإعلاميين وكأن الدفاع عن العربية لغتنا الرسمية لم يعد يعني أحدا. أم أن الكرامة ماتت وتجمدت في دمنا. سنقول للسيد الوزير إن العربية أكبر منكم جميعا، ولن تستطيعوا مهما حاولتم أن تنالوا منها. فلقد جربت قبلكم قوى الاستعمار وحاولت منعها وإقصاءها فلم تمت وظلت شامخة بفضل دفاع وصمود الغيورين عنها في كل وطننا العربي الكبير. ونحن لسنا بحاجة لتذكيره ولكل الحاقدين عليها، وللمرة المليون، بعظمتها وجمالية وأناقة حروفها وكثرة مفرداتها وسلاستها وقابليتها على التأقلم مع العلوم الحديثة بفضل نظام اشتقاقات جعل منها أغنى لغة على الإطلاق. فلقد اعترف بذلك الأعداء قبل الأصدقاء. ونحن لا نستعمل منها إلا الجزء اليسير من المصطلحات. وهي ستبقى اللغة الوحيدة التي حافظت على شبابها وعنفوانها على مر القرون وجددته باستمرار. ففي وقت يستطيع فيه عربي القرن الواحد والعشرين قراءة الأدب الجاهلي، سيبقى الفرنسي والأنجليزي عاجزين عن قراءة ما ألف قبل القرن السادس عشر. كنا نتمنى أن يغتنم السيد الوزير فرصة وجوده في ندوة للبحث العلمي بكلية الطب بالرباط، ليتخذ قرارا جريئا وحاسما بتعريب الطب وكل الشعب العلمية والتقنية في التعليم الجامعي، ليدخل التاريخ من بابه الواسع. كنا نتمنى أن يحذو حذو العزيزة سوريا ويقرر الاستفادة من تجربتها الناجحة والفذة والرائدة في تعريب العلوم. فهذا البلد العزيز عرب الطب منذ عقود وأدخل العربية إلى علم الحاسوب وكل العلوم الدقيقة والتقنية. ومستوى الطبيب السوري أرقى بكثير من مستوى أخيه المغربي الذي ما زال إلى الآن بعد أكثر من خمسين سنة من استقلالنا المزعوم، يدرس بلغة سيده الفرنسى ويتفانى في الدفاع عنها. كنا نتمنى أن يستغل الوزير الإسلامي فرصة حضوره للحديث عن فوائد الطب النبوي والتداوي بالأعشاب والاستفادة منهما جنبا إلى جنب مع الطب الحديث. كنا نتمنى منه أن يحدثنا عن الطب العربي ويعرفنا بالأطباء العرب والمسلمين الذين ساهموا بأبحاثهم ومؤلفاتهم بالعربية، في تطوير الطب وتحديثه. إلا أنه لم يفعل لا هذا ولا ذاك، واختصر كلمته في إهانة اللغة العربية وتحقيرها واعتبارها عاجزة عن إنتاج العلوم. إنه تهرب واضح من المسؤولية. وإذا افترضنا جدلا أن العربية عاجزة فعلا عن ذلك، فإن مهمة السيد الوزير تفرض عليه، بصفتها لغتنا الرسمية، أن يدخلها إلى الجامعات ويعمل على التأسيس لمشروع متكامل للتعريب بطريقة علمية حديثة عبر جمع المصطلحات وتأليف قواميس حسب الاختصاص وتشجيع الترجمة إلى اللغة العربية في كل ميادين العلم والمعرفة والتخلص تدريجيا من لغة المستعمر. وبما أن السيد الوزير لم يفعل، فلقد ارتأينا أن نعرفه ببعض أشهر الأعلام العرب والمسلمين في العصر الذهبي الذين برعوا في ميدان الطب وباقي العلوم بمؤلفاتهم باللغة العربية، علها تزيل عنه غشاوة الجهل التي تحجب عينه عن إبصار الحقيقة: الطب ابن سينا ابن سينا هو أبو علي الحسين بن عبد الله بن الحسن بن علي بن سينا، عالم وطبيب مسلم من بخارى، اشتهر بالطب والفلسفة واشتغل بهما. ولد في قرية أفشنة بالقرب من بخارى (في أوزبكستان حاليا) من أب من مدينة بلخ (في أفغانستان حاليا) وأم قروية سنة 370 ه (980م) وتوفي في مدينة همدان (في إيران حاليا) سنة 427 ه (1037م). عُرف باسم الشيخ الرئيس وسماه الغربيون بأمير الأطباء وأبو الطب الحديث في العصور الوسطى. وقد ألّف 200 كتاب في مواضيع مختلفة، العديد منها يركّز على الفلسفة والطب. ويعد ابن سينا من أول من كتب عن الطبّ في العالم ولقد اتبع نهج أو أسلوب أبقراط وجالينوس. وأشهر أعماله كتاب القانون في الطب الذي ظل لسبعة قرون متوالية المرجع الرئيسي في علم الطب، وبقي كتابه (القانون في الطب) العمدة في تعليم هذا الفنِّ حتى أواسط القرن السابع عشر في جامعات أوروبا ويُعد ابن سينا أوَّل من وصف التهاب السَّحايا الأوَّليِّ وصفًا صحيحًا، ووصف أسباب اليرقان، ووصف أعراض حصى المثانة، وانتبه إلى أثر المعالجة النفسانية في الشفاء . وله أيضا مؤلفات أخرى أشهرها كتاب الشفاء. ابن بطلان هو أبو أنيس المختار بن الحسن بن عبدون بن سعدون بن بطلان، اشتهر بالطب وهو طبيب مشهور من أهل بغداد ، توفي سنة 455ه هجرية. درس ابن بطلان الطب على يد أبي الفرج بن الطيب وتتلمذ عليه، ولازم أبا الحسن ثابت بن إبراهيم بن زهرون الحراني الطبيب، وكان معاصراً لعلي بن رضوان الطبيب المصري، وكان بينهما مجادلات ومناقضات قبل أن يتعارفا. خرج ابن بطلان الموصل وديار بكر، ودخل حلب وأقام بها مدة فأكرمه صاحبها معزّ الدولة ثمال بن صالح إكراماً صحيحاً وألف كتبه في علم النبات ونبغ في علاج الأمراض، ثم سافر من حلب في البلاد الشامية وبعدها إلى مصر وغايته الاجتماع بخصمه ابن رضوان، وكان دخوله الفسطاط في أول جمادى الآخرة سنة 441 ه، جرت له في أثناء إقامته في مصر مع علي بن رضوان وقائع كثيرة ولّدت رسائل جدلية، فترك ابن بطلان مصر غاضباً وسار إلى القسطنطينية، وكان الطاعون متفشياً فيها سنة 446 ه فأقام بها سنة. ثم عاد إلى الشام واستقر في إنطاكية، وقد سئم الأسفار فتنسك وانقطع إلى العبادة حتى وفاته سنة 455 ه. ترك ابن بطلان عدداً كبيراً من المصنفات الطبية أهمها: تقويم الصحّة الذي ترجم وطبع، مقامة دعوة الأطباء، مقالة في شرب الدواء المسهل، مقالة في كيفية دخول الغذاء في البدن وهضمه وخروج فضلاته، كتاب المدخل إلى الطب، كتاب عمدة الطبيب في معرفة النبات، ولابن بطلان مقالة في علة نقل الأطباء المهرة تدبير أكثر الأمراض التي كانت تعالج قديماً بالأدوية الحارة إلى التدبير المبرد، كالفالج واللقوة والاسترخاء. الزهراوي أبو القاسم خلف بن عباس الزهراوي (936 ء 1013م)، عالِم وطبيب أندلسي مسلم، ولد في الزهراء بالأندلس عام 936م. حرِّف لقبه الزهراوى في اللغات اللاتينية واللغات الأوروبية عموما إلى "إلزاهراڢيوس" وحرفت كنيته إلى إبولچاسيس. ويعتبر أشهر جراح مسلم في العصور الوسطى، والذي ضمت كتبه خبرات الحضارة الإسلامية وكذلك الحضارة الإغريقية والحضارة الرومانية من قبله. ما كتبه الزهراوي في التوليد والجراحة النسائية يعتبر كنزاً ثميناً في علم الطب، حيث يصف طرق التوليد، وطرق تدبير الولادات العسيرة، وكيفية إخراج المشيمة الملتصقة والحمل خارج الرحم وطرق علاج الإجهاض وابتكر آلة خاصة لاستخراج الجنين الميت، وسبق د. فالشر بنحو 900 سنة في وصف ومعالجة الولادة الحوضية، وهو أول من استعمل آلات خاصة لتوسيع عنق الرحم، وأول من ابتكر آلة خاصة للفحص النسائي لا تزال إلى يومنا هذا. وقبل أن يطوِّر العالم الحديث الحقل الطبي كان كتاب الزهراوي الطبي إلى جانب كتاب ابن سينا، يُعتبر مرجعاً في أوروبا على مدى خمسة قرون، وهي فترة طويلة في تاريخ الطب. كتب الزهراوي كانت أساس الجراحة في أوروبا حتى عصر النهضة. ويعتبر الزهراوي أبو الجراحة. أعظم إسهام له في الحضارة الإنسانية كان كتاب التصريف لمن عجز عن التأليف، والذي تألف من 30 مقالة (كل مقالة تبحث في فرع من فروع الطب) وخصص المقالة الثلاثين لفن الجراحة (أو صناعة اليد كما كان يطلق عليها في ذلك العصر)، يحتوي الكتاب على صور للمئات من الآلات الجراحية أغلبها من ابتكار الزهراوي نفسه. وكانت كل أداة جراحية اخترعها مرفقة بإيضاحات مكتوبة عن طريقة استعمالها. كان يملك حوالي مائتي أداة: منها الدقيق ومنها الكبير كالمنشار وغيره، ما مكنه من إجراء عمليات جراحية في العين وغيرها من أعضاء الجسم، كان يُخرج الأجنَّة الميتة من الأرحام بواسطة المنشار. وكان هناك أداة تدعى "أداة الكي" للقضاء على الأنسجة التالفة بواسطة الكي، ونظراً لعدم وجود كهرباء في ذلك الوقت كان يستخدم السخَّان، فيعمد إلى تحمية قطعة معدنية ويضعها على المنطقة المصابة فتؤدي إلى تجمُّد الأنسجة وتوقف النزف، كما كان بالإمكان أيضًا إيقاف نزف الشعيرات الدموية الصغيرة. ابن زهر أبو مروان عبد الملك بن زهر بن عبد الملك بن مروان، (464ء557ه) = (1072 1162م)، المعروف بابن زهر الاشبيلي، طبيب نطاسي عربي معروف في الأندلس من أهل إشبيلية، من أسرة عريقة في العلم، اشتغل أبناؤها بالطب والفقه وتولا الوزارة وهو أستاذ الفيلسوف ابن رشد. كان ابن زهر يحفظ القرآن، وسمع الحديث واشتغل بعلم الأدب والعربية ولم يكن في زمانه أعلم منه باللغة. له موشحات يغنى بها وهي من أجود ما قيل في معناها. كان قوي الدين ملازماً لحدود الشرع محبا للخير مهيباً جريئاً فاق جميع الأطباء في صناعة الطب فشاع ذكره وطار صيته. كان لأعماله أثر كبير في تطور الطب في أوروبا فيما بعد. من مؤلفاته المترجمة إلى اللاتينية؛ التيسير في المداواة والتدبير، وقد وصف التهاب الغلاف الغشائي المحيط بالقلب، وطرائق استخراج حصى الكُلية. أحمد بن الجزار هو الطبيب القيرواني أبو جعفر أحمد بن إبراهيم أبي خالد القيرواني المعروف بابن الجزار القيرواني وهو أول طبيب مسلم يكتب في التخصصات الطبية المختلفة مثل طب الأطفال وطب المسنين. ولد في مدينة القيروان بالبلاد التونسية في حدود سنة 285 ه/898 م لأسرة اشتهر أفرادها بالطب وتوفي فيها عام 369 ه/979 م. كان من أهل الحفظ والتطلع والدراسة للطب وسائر العلوم. وقد تخرج على يد إسحاق بن سليمان الإسرائيلي، وبلغت شهرته الأندلس والحوض الشمالي للبحر الأبيض المتوسط. وكان طلاب الأندلس يتوافدون إلى القيروان لتحصيل الطب من عنده. ترجم له كل من صاعد الأندلسي وابن أبي أصيبعة نقلت أعماله إلى جامعات ساليرنو ومونبيلييه. عدّل ابن الجزار القوانين الطبية العامة وضبط أسماء النباتات كماأنّه كان يؤكد على قاعدة ما زالت سارية المفعول: " يتداوى كل عليل بأدوية أرضه لأن الطبيعة تفزع إلى أهلها". يعتبر كتاب "زاد المسافر وقوت الحاضر" لابن الجزار، كتابا ذا قيمة طبية هائلة مازالت الكليات والجامعات تستفيد إلى حد الآن من آرائه. كانت علوم ابن الجزار تعتمد في الشرق العربي ويناقشها الكثير من ممارسي مهنة الطب، وكانت أيضا تنفذ إلى الأندلس، والملاحظ أن تلك الآراء الطبية الجريئة قد اقتحمت أوروبا في القرن العاشر الميلادي وذلك على اثر نقل قسطنطين الإفريقي لكتب ابن الجزار، كما أن نابليون بونابرت كان يحمل معه كتاب ابن الجزار (زاد المسافر وقوت الحاضر) وذلك أثناء الحملة الفرنسية على مصر. من مؤلفاته: كتاب في علاج الأمراض، ويعرف بزاد المسافر مجلدان، كتاب في الأدوية المفردة، ويعرف باعتماد، كتاب في الأدوية المركبة، ويعرف بالبغية، كتاب العدة لطول المدة، وهو أكبر كتاب له في الطب، وحكى الصاحب جمال الدين القفطي أنه رأى له بقفط كتاباً كبيراً في الطب اسمه قوت المقيم، وكان عشرون مجلداً، كتاب التعريف بصحيح التاريخ، وهو تاريخ مختصر يشتمل على وفيات علماء زمانه، وقطعة جميلة من أخبارهم، رسالة في النفس وفي ذكر اختلاف الأوائل فيها، كتاب في المعدة وأمراضها ومداواتها، كتاب طب الفقراء، رسالة في إبدال الأدوية، كتاب في الفرق بين العلل التي تشتبه أسبابها وتختلف أعراضها، رسالة في التحذر من إخراج الدم من غير حاجة دعت إلى إخراجه، رسالة في الزكام وأسبابه وعلاجه، رسالة في النوم واليقظة، مجربات في الطب، مقالة في الجذام وأسبابه وعلاجه، كتاب الخواص، كتاب نصائح الأبرار، كتاب المختبرات، كتاب في نعت الأسباب المولدة للوباء في مصر وطريق الحيلة في دفع ذلك وعلاج ما يتخوف منه، رسالة إلى بعض إخوانه في الاستهانة بالموت، رسالة في المقعدة وأوجاعها، كتاب المكلل في الأدب، كتب البلغة في حفظ الصحة، مقالة في الحمامات، كتاب أخبار الدولة، كتاب الفصول في سائر العلوم والبلاغات. ابن النفيس أبو الحسن علاء الدين علي بن أبي الحرم القَرشي الدمشقي الملقب بابن النفيس ويعرف أحياناً بالقَرَشي بفتح القاف والراء نسبة إلى بلدة (القرَش) التي تقع بقرب دمشق . (607ه/1213م، دمشق ء 687ه/1288 م) هو عالم موسوعي وطبيب عربي مسلم، له إسهامات كثيرة في الطب، ويعد مكتشف الدورة الدموية الصغرى، وأحد رواد علم وظائف الأعضاء في الإنسان، حيث وضع نظريات يعتمد عليها العلماء إلى الآن. عين رئيسًا لأطباء مصر. ويعتبره كثيرون أعظم فيزيولوجييّ العصور الوسطى. ظل الغرب يعتمد على نظريته حول الدورة الدموية، حتى اكتشف ويليام هارفي الدورة الدموية الكبرى. في عام 1242، نشر ابن النفيس أكثر أعماله شهرة، وهو كتاب "شرح تشريح قانون ابن سينا"، الذي تضمن العديد من الاكتشافات التشريحية الجديدة، وأهمها نظريته حول الدورة الدموية الصغرى وحول الشريان التاجي، وقد اعتبر هذا الكتاب أحد أفضل الكتب العلمية التي شرحت بالتفصيل مواضيع علم التشريح وعلم الأمراض وعلم وظائف الأعضاء، كما صوّب فيه العديد من نظريات ابن سينا. بعد ذلك بوقت قصير، بدأ العمل على كتابه "الشامل في الصناعة الطبية، الذي نشر منه 43 مجلد في عام 1244، وعلى مدى العقود التالية، كتب 300 مجلد لكنه لم يستطع نشر سوى 80 مجلدا فقط قبل وفاته. كان ابن النفيس قبل ذلك قد كتب كتابه "شرح الأدوية المركبة"، تعقيبًا على الجزء الأخير من قانون ابن سينا الخاص بالأدوية، وقد ترجمه "أندريا ألباجو" إلى اللاتينية في عام 1520، ونشرت منه نسخة مطبوعة في البندقية في عام 1547، والتي استفاد منها ويليام هارفي في شرحه للدورة الدموية الكبرى. اتصفت آراء ابن النفيس في الطب بالجرأة، فقد فنّد العديد من نظريات ابن سينا وجالينوس وصوّبها. فُقد العديد من مؤلفات ابن النفيس عقب سقوط بغداد عام 1258، الذي شهد خسارة وتدمير العديد من الكتب المهمة لكثير من علماء المسلمين. لابن النفيس العديد من المؤلفات في الطب، أهمها: الشامل في الصناعة الطبية أضخم موسوعة طبية كتبها شخص واحد في التاريخ الإنساني، وقد وضع مسودتها بحيث تقع في ثلاثمائة مجلد بيّض منها ثمانين. وتمثل هذه الموسوعة الصياغة النهائية والمكتملة للطب والصيدلة في الحضارة العربية الإسلامية في العصور الوسطى. شرح تشريح القانون: جمع فيه أجزاء التشريح المتفرقة في كتاب القانون لابن سينا وشرحها، وفيه وصف الدورة الدموية الصغرى وهو الذي بيّن أن ابن النفيس قد سبق علماء الطب إلى معرفة هذا الموضوع من الفيزيولوجيا. شرح فصول أبقراط: موجود في مكتبات برلين وجوتا وإلسفورد وباريس ومكتبة الإسكوريال، وتوجد نسخة في آيا صوفيا بتاريخ 678ه، وقد طبع في إيران سنة 1298ه. المهذب في الكحل: مكتبة الفاتيكان، وهو كتاب موسوعي في الطب يشبه كتاب (الحاوي) لأبي بكر الرازي. كتاب موجز القانون أوالموجز في الطب: تناول كل أجزاء القانون فيما عدا التشريح ووظائف الأعضاء. المختار في الأغذية: لم يذكر في أي ترجمة من تراجمه، ولكنه موجود في مكتبة برلين. شرح تشريح جالنيوس: (آيا صوفيا) إلا أن نسبته لابن النفيس ليست أكيدة إضافة إلى العديد من المؤلفات الطبية الأخرى مثل: "بغية الطالبين وحجة المتطببين" و"بغية الفطن من علم البدن"، "الرماد" و"شرح كتاب الأوبئة لأبقراط"، "شرح مسائل حنين بن اسحاق" و"شرح مفردات القانون"، "تفسير العلل وأسباب الأمراض"، "شرح الهداية في الطب". أبو بكر الرازي أبو بكر محمد بن يحيى بن زكريا الرازي عالم وطبيب فارسي (ح. 250 ه/864 م ء 5 شعبان 311ه/19 نوفمبر 923 م)، ولد في مدينة الري. وهو أحد أعظم أطباء الإنسانية على الإطلاق كما وصفته زجريد هونكه في كتابها شمس الله تسطع على الغرب حيث ألف كتاب الحاوي في الطب كان يضم كل المعارف الطبية منذ أيام الإغريق حتى عام 925م وظل المرجع الطبي الرئيسي في أوروبا لمدة 400 عام بعد ذلك التاريخ. درس الرياضيات والطب والفلسفة والفلك والكيمياء والمنطق والأدب. في الري اشتهر الرازي وجاب البلاد وعمل رئيسا لمستشفى وله الكثير من الرسائل في شتى مجالات الأمراض وكتب في كل فروع الطب والمعرفة في ذلك العصر، وقد ترجم بعضها إلى اللاتينية لتستمر المراجع الرئيسية في الطب حتى القرن السابع عشر، ومن أعظم كتبه "تاريخ الطب" وكتاب "المنصور" في الطب وكتاب "الأدوية المفردة" الذي يتضمن الوصف الدقيق لتشريح أعضاء الجسم. هو أول من ابتكر خيوط الجراحة، وصنع المراهم، وله مؤلفات في الصيدلة ساهمت في تقدم علم العقاقير. وله 200 كتاب ومقال في مختلف جوانب العلوم. ابن أبي أصيبعة ابن أبي أصيبعة هو أحمد بن سديد الدين القاسم بن خليفة بن يونس الخزرجي الأنصاري موفق الدين، أبو العباس ابن أبي أصيبعة، اشتهر بالطب، ولد بدمشق سنة 600 هجرية وتوفي سنة 668 هجرية في صرخد (هي اليوم مدينة صلخد جنوب سوريا). درس العلوم والطب في دمشق نظرياً وعملياً، وطبق دروسه في البيمارستان النوري أول مستشفى في التاريخ الإسلامي، وكان من أساتذته من كبار علماء دمشق، ابن البيطار العالم الشهير ومؤلف (جامع المفردات). وكان يتردد كذلك على البيمارستان الناصري فيقوم بأعمال الكحالة، وفيه استفاد من دروس السديد ابن أبي البيان، الطبيب الكحال ومؤلف كتاب الأقراباذين المعروف باسم الدستور البيمارستاني. سافر إلى العديد من البلاد وبناء على دعوة الأمير عز الدين أيدمر صاحب صرخد ذهب إليه وعاش هناك (وهي اليوم مدينة صلخد من أعمال جبل العرب) في سوريا، وفيها توفي سنة 668 ه. اشتهر ابن أبي أصيبعة بكتابه الذي سماه عيون الأنباء في طبقات الأطباء والذي يعتبر من أمهات المصادر لدراسة تاريخ الطب عند العرب. ويستشف من أقوال ابن أبي أصيبعة نفسه أنه ألف ثلاثة كتب أخرى، ولكنها لم تصل إلينا، وهي: كتاب حكايات الأطباء في علاجات الأدواء، وكتاب إصابات المنجمين، وكتاب التجارب والفوائد الذي لم يتم تأليفه. ابن الصوري رشيد الدين بن أبي الفضل بن علي الصوري، نسبة إلى مدينة صور على الساحل اللبناني، طبيب وعالم نبات، ولد في صور سنة 573 ه ونشأ فيها. ثم انتقل إلى بيت المقدس، واتصل فيها بالملك العادل الأيوبي الذي أدخله في خدمته. واتصل من بعده بابنه الملك المعظم، ثم بالملك الناصر الذي عينه رئيساً للأطباء. انتقل ابن الصوري بعد ذلك إلى دمشق وبها اشتهر وعاش بقية حياته إلى ان توفي في دمشق سنة 639 ه. ترجم له ابن أبي أصيبعة الدمشقي، وأشار إلى أنه كان مولعاً بالتنقيب عن الحشائش وأنواع النبات، مدققاً في وصفها، لا يكتفي بنعتها وتحديدها. وترك من المصنفات (الأدوية المفردة) و(التاج). يتبع .....