«هناك إمكانية كبيرة واحتمال أكبر، أن يكون أحدهم في هذه الأثناء التي تجلسون فيها، يجري مكالمة هاتفية غير بريئة برقم هاتفي مسجل بأسمائكم الشخصية وبطاقتكم الوطنية، وأنتم آخر من يعلم بطبيعة الحال.. هذه فوضى عالم الأرقام الهاتفية وشركات الاتصال بالمغرب».
أرقام هاتفية تستعمل في أغراض غير قانونية بدون علم أصحابها لماذا لم تهتم شركات الاتصالات في البداية بتسجيل أرقامكم الهاتفية. لقد عمت الفوضى قبل سنوات قليلة، عندما انخفضت أسعار سوق الأرقام الهاتفية، وأصبح أمر احتواء هويات أصحابها صعبا. وحتى عندما كانت تكلفة الحصول على رقم هاتفي، مكلفة، فإن التساهل الذي سقطت فيه شركات الاتصالات بالمغرب، جعل سوق الأرقام الهاتفية يعرف فوضى كبيرة خلال السنوات الأخيرة. في الصحف، راجت أخبار كثيرة عن شكايات يتقدم بها مواطنون ضد أرقام هاتفية تزعجهم، وتهدد بعضهم بالموت وتمس بسلامتهم وسلامة المحيطين بهم، لتجد الأجهزة الأمنية نفسها مجبرة على التحرك لإلقاء القبض على مصادر تلك التهديدات. المشكلة أن أرقاما كثيرة لم تكن مسجلة بأسماء المواطنين المغاربة، ولعلكم تتذكرون كيف أن شركات الاتصالات اتحدت في قرار سحب الأرقام الهاتفية التي لا تكون مسجلة بأسماء المواطنين وأرقام بطائقهم التعريفية. السبب كان هو إعادة تنظيم سوق الأرقام الهاتفية بالمغرب، والقطع مع العشوائية التي دبت داخله خلال العقد الأخير. النتيجة كانت إلغاء أرقام كثيرة لم يبادر أصحابها إلى تسجيلها بأسمائهم خلال المهلة الزمنية التي تم تحديدها من قبل. ونتيجة لقرار إلغاء الأرقام، الذي بدا مفروضا على شركات الاتصالات، فإن الأخيرة خسرت أرقاما كثيرة في السوق. بدا المغاربة غير مكترثين لتسجيل أرقامهم الهاتفية، نتحدث عن الذين حصلوا عليها من باعة غير رسميين، وبالتالي لم يكن أمر الحصول عليها يتطلب أكثر من أداء ثمنها نقدا فقط ولا إجراء آخر. هذا الأمر فتح السوق على مصراعيه أمام المنافسة. في هذا الملف سترون كيف أن شركات الاتصالات بالمغرب لا تسعى إلا إلى اقتسام كعكة الأرقام فيما بينها، فيما يبقى أمر تنظيم القطاع آخر اهتمامات المتنافسين. الوكالات التي تحصل على أحقية تمثيل تلك الشركات في السوق وبيع الأرقام الهاتفية للمواطنين، تهتم بدورها بضرورة بيع أكبر عدد من الأرقام الهاتفية لرفع أسهم أرباحها لدى الشركات التي فوتت إليها أمر بيع تلك الأرقام. فاعل آخر في عملية البيع، هو ظاهرة الشبان والشابات الذين يتجولون في شوارع المدن لعرض أرقام هاتفية للبيع. عملية تلجأ إليها شركات الاتصالات لبيع أكبر عدد من الأرقام، ويكون التحدي هنا هو تقديم أكثر العروض سخاء في محاولة من تلك الشركات إبقاء الأرقام مشتغلة أطول فترة ممكنة. لنتوقف عند هؤلاء الشبان، الذين يمكن لنا أن نعتبرهم وكالات اتصالات متنقلة، ما داموا يعلمون وفق نفس منطق الوكالات في علاقتها مع شركات الاتصالات المهيمنة على السوق في المغرب. عندما يكون على أحد هؤلاء الباعة المتجولين بلباس يحمل شعار الشركة التي يروجون أرقامها في الشارع، أن يبيع رقما هاتفيا، فإن مسألة هوية الزبون لن تكون عائقا أمام عملية البيع. في حديثنا إلى أحدهم، اكتشفنا أن مسألة البيع لديهم تشبه كثيرا مسألة البيع لدى الوكالات. المهم هو الحصول على رقم بطاقة تعريف وطنية أو بطاقة بنكية أو جواز سفر، لتسجيل الرقم الهاتفي، ولا يمانع هؤلاء في تسجيل بطاقة باسم شخص حتى لو علموا أن غيره من سيستعملها. أحدهم أسرّ إلينا أنه مستعد الآن لبيع بطاقة وتسجيلها باسم زبون سبق له اقتناء رقم هاتفي، وكل ما يتطلبه الأمر هو الرجوع إلى لائحة سابقة لاختيار اسم معين ورقم تعريفه وتسجيل البطاقة باسمه، المهم أن يبيع الرقم ليضمن «عمولته». هؤلاء ليسوا إلا نموذجا مصغرا للحيتان الكبيرة التي تعمل في المجال، نقصد هنا وكالات الاتصالات التي تتعاقد مع الشركات الكبرى. في هذا الملف سترون كيف أن أمر الحصول على رقم هاتفي ليس بالأمر الصعب. علما أنه في الدول التي ينظم فيها هذا المجال بصرامة، يستحيل الحصول على رقم هاتفي دون اتباع الإجراءات الضرورية وتسجيله باسم شخص واحد، ولن يكون سهلا أبدا أن يقتني نفس الشخص أكثر من رقم أو رقمين. أغلب الذين يتوفرون على أكثر من رقم هاتفي في المغرب، يلجؤون إلى هذا الأمر، حسب مشرف سابق على وكالة اتصالات، للاستفادة من أكبر قدر ممكن من العروض المتعلقة بالرصيد وساعات الاتصال. حسب تجربة هذا الأخير، فإن الإقبال على اقتناء الأرقام الهاتفية، يكون دائما متأثرا بمدى «سخاء» العروض التي تقدمها هذه الشركات لأزيد من 40 مليون رقم هاتفي بالمغرب. وتجد الوكالات التجارية فرصة كبيرة لبيع أكبر عدد من الأرقام، تزامنا مع العروض المقدمة، وبالتالي فإنها تصارع داخل سوق واسع، للفوز بأكبر عدد من الأرباح الناجمة عن كل رقم يتم بيعه لصالح الشركات التي تمنحهم وكالة تمثيلها في السوق. بعد إلزامية تسجيل الأرقام الهاتفية، خلال الفترة الأخيرة، أصبحت عملية البيع أكثر تعقيدا، لكن بعض الوكالات لجأت إلى طرق أخرى لتسهيل إجراءات البيع. وسترون كيف أن هناك إمكانية كبيرة أن تتوفر في السوق أرقام هاتفية بأسمائكم الشخصية والعائلية ورقم بطاقتكم الوطنية دون علمكم حتى. الخطورة تكمن في عدم احتواء شركات الاتصالات للكم الهائل من الأرقام التي تتحرك في السوق بالمغرب، رغم الإجراءات التي تقوم بها بين الفينة والأخرى، إذ يتم إلغاء العمل بأرقام هاتفية معينة، ويتم تحويلها إلى ملكية أشخاص آخرين، سواء الذين يحصلون عليها باشتراك رسمي، وبالتالي يكون أمر هويتهم مدققا فيه بعناية، أو يحصلون عليها بدون اشتراك وتكون مسجلة بأسمائهم الصحيحة باتباع إجراءات واضحة داخل وكالات رسمية. وهنا يسجل الذين سحبت منهم الأرقام استياءهم، ليتم إخبارهم أنهم لم يقوموا بالإجراءات المناسبة داخل الأجل المسموح به، وبالتالي فإن الأرقام سحبت منهم وسجلت بأسماء غيرهم، مما يفوت عليهم فرصة إعادة تسجيلها بطرق رسمية من جديد. مسألة أخرى، بالغة الخطورة، تتمثل في التساهل، الذي وقفنا عليه وعايناه، والمتمثل في الحصول على رقم هاتفي، غالبا ما يتم استعماله لفترات قصيرة ليتم التخلص منه. والخطورة تكمن في أن الرقم يسجل بأسماء أشخاص دون علمهم، ومن الممكن أن يستعمل في أمور تضر باسم الشخص الذي سُجل الرقم باسمه. وكلاء يرجعون إلى لوائح قديمة لتسجيل أرقام جديدة باسم أناس لا علم لهم بالأمر، حتى لا يضيعوا على أنفسهم «صفقة» بيع لرفع أرباحهم. سوق حساس جدا، تحركه رغبة الشركات في الربح السريع، وتحاول العروض السخية أن تطيل عمر الأرقام لأطول فترة ممكنة، ومواطنون لا يمانعون في الحصول على أرقام هاتفية غير مسجلة، إنه عالم متلاطم من الأرقام المتداخلة. ماذا يقع خلف مكاتب استقبال وكالات شركات الاتصال في شارع 2 مارس، حيث العديد من وكالات الاتصالات التابعة لمختلف الشركات المسيطرة على سوق الاتصالات بالمغرب، حاولنا أن نبحث عن وكالة قد تمكننا من الحصول على رقم هاتفي بتسهيلات، واختبار صحة المعلومات التي تقول إن هناك تساهلا من طرف بعض المشرفين على الوكالات، في بيع الأرقام الهاتفية للراغبين فيها. المصدر الذي تحدثنا إليه في البداية، سبق له أن عمل في وكالات عديدة بالدارالبيضاء والرباط وحتى مدينة القنيطرة، وأكد أن هناك وكالات تتساهل بهذا الخصوص. سنطرق إذن أبواب وكالات تمثل الشركات الثلاثة التي تسيطر على مجال الاتصالات بالمغرب. باب الوكالة الأولى يحدث صريرا مزعجا، كراس فارغة للانتظار، وغبار «طفيف» يكسو الهواتف البلاستيكية التي وضعت كنموذج لعرضه على الراغبين في اقتناء الهواتف. الكاميرا تتحرك محدثة أزيزا خفيفا، لتتبع حركة الوافد على الوكالة. سيدة في منتصف الثلاثينات تقريبا، تضع نظارات طبية رقيقة، وقدرا سميكا من مساحيق التجميل. تقول إن الحصول على رقم هاتفي من الوكالة التي تعمل بها لا يتطلب إجراءات كثيرة، لكنها مجبرة على الاعتذار لنا لأنها لن تستطيع تسليم رقم هاتفي دون تسجيل هوية الشخص الذي بصدد اقتنائه. حاولنا إقناعها أنه يتعذر علينا الحصول على بطاقة تعريف أو بطاقة بنكية حتى، لمدها بهوية ربما قد لا تكون هي نفسها هوية الشخص الذي يطلب البطاقة، لكنها أكدت أن التعليمات التي تتلقاها بهذا الخصوص واضحة. في غمرة الأخذ والرد، خرج رجل بربطة عنق تحمل شعار شركة الاتصالات التي يعمل بها، وأخذ بعض الأوراق من فوق المكتب قبل أن يقحم نفسه في النقاش الدائر. يعمل مشرفا على الوكالة ووجه إلينا نصيحة غاية في الأهمية: «إن كنت تحتاج رقما هاتفيا لأمر مستعجل، وما دمت لا تحمل بطاقتك الوطنية، عليك أن تقصد الشبان الذين يتجولون في الشوارع لبيع الأرقام الهاتفية، ستجد حلا لديهم». لم نعر كلامه اهتماما، لأننا نريد التأكد من فرضية الحصول على رقم هاتفي من وكالة اتصالات دون الحاجة إلى الإدلاء ببطاقة تعريف أو أي وثيقة تثبت الهوية. محاولة ثانية.. وكالة أخرى هذه المرة، بنفس الشارع دائما. الباب هذه المرة لا يحدث أي صرير، ويتولى أمره شاب يعمل في شركة خاصة للأمن وحراسة الوكالات. مكاتب كثيرة في هذه الوكالة، وكراسي انتظار لا يجلس إليها أحد. شاب في نهاية العشرينات، يرتدي بدلة موحدة، ويحمل في يده هاتفا مرتبطا بحاسوب أعلى المكتب. يشير بيده إلى موظف آخر، عندما سألناه عن إمكانية الحصول على شريحة «carte SIM» بشكل عاجل، طلب البطاقة الوطنية لتسجيل الرقم مطمئنا: «لن يستغرق الأمر إلا دقائق». عرضنا عليه المشكل، المتمثل في أننا لا نتوفر على بطاقة وطنية ولا بنكية للإدلاء باسم كامل للحصول على رقم. لكنه بدا غير متفاجئ، وسكت قليلا قبل أن يمد يده في اتجاهنا معلنا سعر الرقم الهاتفي، والذي للإشارة لا يختلف عن السعر العادي. أي أنه لم يطلب مالا مقابل منحنا رقما هاتفيا دون الإدلاء بهوية. لم يستغرق الأمر أكثر من دقيقتين، علما أنه أخذ اسما على سبيل الاستئناس سجله على ورقة بيضاء قبل منحنا البطاقة. رقم هاتفي قدمنا مقابله اسما عشوائيا، وبما أننا لم ندل بأي وثيقة، فإن أمر التأكد من الاسم الذي أعطيناه يبقى غير ممكن. أرقام بدون أسماء.. وكالة أخرى، قررنا أن تكون آخر وجهة نختبرها في الأحياء المحيطة بشارع 2 مارس، على أن نتوجه إلى أماكن أخرى ليكون البحث أكثر اتساعا. وكالة اتصالات تجاورها وكالة صغيرة لتحويل الأموال. الوكالة تحتل حيزا واسعا بواجهتين. حركة مرور لا تهدأ، وملصقات ملونة لإشهارات عروض الاتصالات تحجب رؤية أي شيء بداخل الوكالة. بدا كل شيء هادئا بداخل الوكالة. مطبوعات كثيرة موضوعة رهن إشارة الوافدين على الوكالة، للوقوف على آخر العروض التي تقدمها شركة الاتصالات. إعلانات عن أسعار تنافسية جديدة.. إلخ. الجهة الفرنسية من أحد المطبوعات تضم معلومات مفصلة عن «فورفي» بدون اشتراك، وفي جهة العربية، ترجمة ركيكة يصعب فهمها، تقدم نفس المعلومات أيضا. 15 دقيقة، هي المدة التي كان يتعين علينا أن نقضيها في انتظار أن يستقبلنا الموظف المكلف. لم يكن هناك موظف آخر لاستقبال الزبائن، وكان عليه أن يمنح كل زبون وقتا كافيا لعرض المشكلة التي تعترضه. رجل مستعجل يبدو أنه أراد تسوية مشكل في الهاتف في وقت الاستراحة قبل أن يعود إلى العمل، وطلب من شاب أن يمنحه دوره لأنه مستعجل وعليه أن يعود إلى مقر عمله في الجهة الأخرى من الشارع. المشكل الذي عرضه على ممثل الوكالة، يتعلق بتأخر الشركة في تشغيل خطه الهاتفي بعد أن حوله من ملكية شركة أخرى إلى الشركة التي جاء إلى وكالتها الآن. حاول طيلة مدة حديثه مع الموظف أن يتمالك أعصابه، إلى درجة أنه أثار اهتمام جميع الأشخاص الذين ينتظرون دورهم داخل الوكالة. من خلال كلامه، بدا وكأنه انتظر طويلا، وتلقى وعودا كثيرة عن موعد تشغيل رقمه الهاتفي الجديد. يعيد الموظف شرح العملية: «ثق بي. في الحالات العادية لا يتطلب الأمر وقتا طويلا. غدا على أبعد تقدير ستتمكن من تشغيل الخط الجديد برقمك القديم. ولن تكون مضطرا إلى الانتظار أكثر. العقد سليم وكل الإجراءات صحيحة، يجب فقط أن تنتظر إلى أن يتم تفعيل الخط.. هناك طلبات كثيرة. غدا سيصبح بإمكانك استعمال هاتفك بشكل عادي». هنا ينفجر الزبون: «لقد قلت لي غدا قبل يومين. الله يخليك.. أريد أن ألغي العقد وأرجع رقمي السابق إلى الشركة القديمة». هنا نصحه الموظف بعدم التسرع لأن الأمر سيستغرق وقتا أطول من الوقت الذي ضاع عليه خلال الأيام القليلة الماضية. عندما جاء دورنا، طلبنا رقما هاتفيا جديدا، وقبل أن يسأل الموظف عن البطاقة الوطنية لتسجيل الرقم، أخبرناه أننا لا نتوفر عليها. صمت برهة، وسأل إن كان أمر إحضار البطاقة الوطنية ممكنا خلال الدقائق المقبلة، حتى يتسنى له تسجيلها.. فأخبرناه أن الأمر غير ممكن. جاءت إلى الذهن نصيحة أحد العارفين، وهي أن تتظاهر دائما بأنك على عجلة من أمرك، وفعلا كانت النتيجة الحصول على رقم هاتفي، بإجراء شكلي مماثل لما حدث معنا بالوكالة السابقة. هل هذا يعني الآن أننا حصلنا على رقمين هاتفيين دون أن يتم تسجيلهما؟ إن الأمر منظم بشكل لا يسمح بالحصول على رقم بدون أن يكون مسجلا.. لكن المشكل أنه لا يكون مسجلا دائما بأسماء صحيحة. كيف يتم إذن تدبر أمر رقم بطاقة التعريف، والذي يعد شرطا ضروريا لتسجيل أي اسم للحصول على رقم هاتفي من أي شركة اتصالات بالمغرب؟
كيف يتم التحايل على أسماء المواطنين؟ الآن صار لدينا إثبات مقنع بأن هناك فعلا إمكانية الحصول على أرقام هاتفية من بعض وكالات شركات الاتصالات، دون الإدلاء بالبطاقة الوطنية. لكننا نحتاج الآن إلى من يفسر لنا ماذا يقع بالضبط بعد حصولنا على تلك الأرقام الهاتفية. المصدر الذي تحدثنا إليه في البداية، تلقى ردنا بارتياح، كمن ينتصر لرأي شخصي. يقول إنه سبق له العمل في وكالات شركات الاتصالات ويعلم جيدا كيف تتم الأمور هناك. وأرجع الأمر إلى عقلية بعض المشرفين على الوكالات التابعة لشركات الاتصالات. يشرح لنا الأمر بالشكل التالي: «أعتقد أنه لا يمكن أبدا أن نلوم شركات الاتصالات على هذا الأمر، رغم أنها تساهم فيه بنسبة معينة. شركات الاتصالات مسؤولة عن تراجع جودة الخدمات وعدم إنصاتها لشكايات المستهلك المغربي بشكل عام. أما فيما يخص مشكل تسجيل الأرقام الهاتفية، فأعتقد أن المسؤول الأول عنه هم مدراء الوكالات التي تربطها عقود بتلك الشركات. فهؤلاء، طمعا في رفع أرباحهم، لا يمكنهم أن يفوتوا على أنفسهم زبونا يرغب في الحصول على رقم هاتفي، ولن يمنعهم عدم توفره على رقم البطاقة الوطنية من إتمام «الصفقة» التي يتقاضون مقابلها هامش ربح تفوته لهم شركات الاتصالات نفسها». هذا المصدر ربط لنا اتصالا مع المشرف على الوكالة التي كان يعمل بها، والذي يشتغل الآن مشرفا على وكالة أخرى بشارع الزرقطوني بقلب الدارالبيضاء. التقيناه بعد يوم عمل طويل، بدت آثاره واضحة على وجهه الحليق. وضع هاتفين على طاولة المقهى الذي ضربنا موعدنا داخله.. المقهى لم يكن يبعد كثيرا عن الوكالة التي يعمل بها. أول ما قال إن التنافس بين شركات الاتصالات المغربية بلغ مداه خلال الأشهر الأخيرة، وبشكل غير مسبوق. بالنسبة له فإن أمر المنافسة أمر مطلوب، لكنه يعترف أن الجودة ليست هي الهم الأكبر لشركات الاتصالات، بقدر ما يهمها بيع الأرقام الهاتفية وحث الزبناء على تشغيلها لأطول فترة وترويج العروض التي تروج لها في لوحات الإشهار في الشوارع، وإشهارات التلفاز والجرائد داخل المنازل. إشهاراتها إذن تلاحقنا في كل مكان. لكن ما الرابط بين المنافسة بين الشركات والموضوع الذي نتحدث عنه. يبتسم مدير الوكالة بحركة آلية، وكأنه اعتاد على تقديم أجوبة فورية عن أي سؤال. ليقول إن التنافس غير المسبوق بين شركات الاتصالات هو السبب الرئيسي وراء بيع الأرقام الهاتفية للزبناء مع التساهل في إجراءات تسجيل الأرقام بأسماء من اشتروها. تتمثل هذه التساهلات في أمثلة كثيرة، يقول إنها تُمارس بشكل يومي داخل وكالات كثيرة. أما كيف يتم التحايل على أسماء المواطنين فإنه يشرح لنا الأمر بأن بعض الوكالات تكون مضطرة لبيع الأرقام الهاتفية تحت أي ظرف حتى تبقى أبوابها مفتوحة وإلا سيكون مصيرها الإفلاس. لأن المنافسة شديدة جدا بين الشركات. الوكالة تكون تابعة لشخص معين، ليس بالضرورة للشركة مباشرة. وعلى كل حال فإن الوكالات المذكورة، تعمل على مد الزبائن بالأرقام فور طلبها، والعمل على تفعيلها بشكل سريع لكسب الزبون فورا. وما يحدث عندما يتعذر على الزبون الإدلاء ببطاقته الوطنية، هو أن الموظف الذي يعمل بالوكالة، يعمل على تسجيل البطاقة بشكل عشوائي باسم زبون قديم، وأكد نفس المصدر دائما، أن هناك موظفين يحتفظون بسجلات قديمة، تعود إلى أزيد من خمس سنوات، ويستعملون الأسماء الشخصية والعائلية لزبائن يتم اختيارهم بشكل عشوائي، ويتم الإدلاء بهويتهم ورقم بطائقهم الوطنية حتى تتم عمليات بيع الأرقام الهاتفية "بشكل قانوني". أما في ما يخص مسألة تسجيل الأسماء التي تمنح بعد تعذر الإدلاء بالبطاقة الوطنية أو البنكية أو أي وثيقة تثبت الهوية، مثل الحالة التي طلب منا الإدلاء بالاسم رغم عدم التوفر على بطاقة وطنية أو أي وثيقة رسمية أخرى، فإن مدير الوكالة يفسر لنا الأمر على أنه فقط إجراء شكلي، وأن الشخص الذي باعنا البطاقة بالوكالة السابقة، لا بد وأنه سجل الرقم الذي حصلنا عليه باسم زبون سابق.
هذه أشهر الطرق التي يتم بها التحايل على هوية الزبائن من بين الطرق التي يتم من خلالها تسهيل عمليات بيع الأرقام الهاتفية لدى شركات الاتصالات التي تهيمن على سوق الاتصالات بالمغرب، والتي خلصنا إليها في هذا التحقيق، هو تسجيل أرقام هاتفية بهويات بدون علم المعنيين بالأمر، والسبب كما عاينا أثناء إنجاز هذا الملف، هو عدم إدلاء الزبون بما يثبت هويته. الهدف من العملية كلها، هو الحصول على رقم بطاقة وطنية، بالإسم الصحيح، أي أن العاملين في وكالات الاتصالات يكونون ملزمين بضرورة تسجيل أي رقم هاتفي يتم بيعه تحت اسم معين برقم بطاقة وطنية صحيح، أي أنه لا مجال لاختلاق أسماء وهمية. في هذا الإطار، يكون العاملون في الوكالات التي تتساهل في هذه الظروف (المصادر التي تحدثنا إليها أكدت أن هناك وكالات لا تتساهل أبدا في هذه الأمور ولا تبيع أي أرقام هاتفية لأي كان ما لم تحصل على اسم صحيح ونسخة من البطاقة الوطنية للزبون) مجبرين على إيجاد طريقة لتسجيل الرقم الهاتفي الذي قاموا ببيعه بصيغة صحيحة. هنا، يجب أن نشير إلى أن مستقبل الرقم الهاتفي يكون كالآتي: أن يتم استعماله مؤقتا ويتم التخلي عنه في أجل لا يتجاوز بضعة أشهر في الغالب، أو أن يتم اعتماده لفترة معينة ما لم يتخل عنه الزبون، ويتم إلغاؤه في ما بعد عندما تراجع شركات الاتصالات لوائحها لتجد أن الرقم مسجل باسم شخص يتوفر على رقم هاتفي مسبق، وبالتالي يتم إلغاء الرقم دون سابق إنذار. حسب المصادر التي تحدثنا إليها دائما، فإنه يمكن جدا أن يحصل الزبون على رقمين دفعة واحدة، وبنفس الهوية، وهو الأمر الذي يثير الاستغراب. يشرح المسؤول السابق عن وكالة الاتصالات الأمر بالقول إن أي وكالة لن تضيع على نفسها فرصة بيع رقمين دفعة واحدة، نظرا لأن المنافسة شديدة بين الشركات، ولأنها، أي الوكالات، لن ترفض أبدا فرصة ترويج الأرقام الهاتفية التابعة لها، وبالتالي فإنها لن تمانع في بيع رقمين لزبون، على أن يتم تسجيلهما معا تحت نفس الإسم. المشكل يُطرح حسب مستقبل ذلك الرقم الهاتفي، إذ أن أغلب الأرقام لا يتم استعمالها بشكل رسمي، وإنما يتم استغلالها لفترة معينة، حتى أن هناك أرقاما هاتفية لا يتجاوز استعمالها أسبوعا واحدا قبل أن يتم التخلي عنها نهائيا، وبالتالي فإن مصيرها يكون هو السحب أو الإلغاء بعد أن يتخلى أصحابها عن ترويجها وتعبئة رصيدها بانتظام. عندما يقرر الشخص الذي حصل على الرقمين المسجلين باسمه استعمالهما معا بشكل دائم، وغالبا ما يكون الرقم الآخر بحوزة فرد آخر من أفراد العائلة، فإننا نصبح أمام إشكال هوية الشخص الذي يستعمل الرقم. المدير السابق لوكالات الاتصالات، قال إنه يتوفر على خبرة تتعدى 14 سنة، ويقول إنه وانطلاقا من تجربته الشخصية، فإن الفترة التي أعلن فيها عن ضرورة تسجيل الأرقام الهاتفية بأسماء الزبائن، فإن قطاع الاتصالات شهد حركية غير مسبوقة، تخللتها تساهلات لدى الكثيرين بسبب الرغبة في الربح، ويسجل شخصيا أنه اطلع على لوائح الوكالات التي عمل مشرفا عليها، ويتوفر على نسخ من بعضها، جعلته يتأكد أن هناك فعلا رقمين مسجلين باسم شخص واحد ومسجلين في نفس التاريخ، أي أنه حصل عليهما في نفس اللحظة. علما أن الوكالة لم تكن لتضمن أنه سيستعملهما معا، مما يقوي فرضية أن يستغل واحدة فقط ويتصرف في الأخرى، بالإضافة إلى أن هذا الأمر يسهل عملية التلاعب لدى الوكالات، إذ أنها يمكن تبيع رقما لشخص ما، وتسجل الرقم الآخر تحت اسمه دون علمه، وتبيعه لزبون لم يدل بالبطاقة الوطنية. يكون هذا النوع الأخير من الزبناء، الذين لا يدلون ببطاقة تعرفيهم أثناء الرغبة في الحصول على رقم هاتفي، راغبين في الحصول على ذلك الرقم لإجراء اتصالات هاتفية لا تكشف هويتهم الحقيقية، يعمدون إلى التخلص منها في غضون أيام قليلة، وأحيانا ساعات فقط. وحسب نفس المصدر، فإن العملية تتم بتسهيل من وكالات الاتصالات، مما يزيد من فوضى تسجيل الأرقام الهاتفية بأسماء صحيحة.