المعاينة التي قام بها المحققون على جثث ضحايا جريمة شرطي القنيطرة محمد بوعيّاد الذي قتل زوجته الشرطية ووالديها كانت صادمة ومحيِّرة في آن واحد، صادمة لأن هذه الجثث كانت مليئة بالثقوب، ومحيرة لأن مسدس الشرطي بحمولة خراطيش واحدة لا يمكن أن يفرغ كل حجم تلك الرصاصات التي اخترقت جثث زوجته وصهريه. وحسب مصادر قريبة من التحقيق، فإن المعاينة أفادت بأن جثة الزوجة رشيدة تقوى كانت بها أربعة ثقوب على مستوى صدرها، وثقب على مستوى البطن وثقب بالفخد، وثقبان بالرجل اليسرى، وثقب في اليد اليسرى وثقبان في اليد اليمنى، أي أن الهالكة تلقت إحدى عشرة طلقة نارية!
فيما كانت جثة والد الهالكة محمد تقوى تحمل ثقبين يسار صدره وثقبين يسار بطنه وثقبا على يمينه وثقبا بالظهر وثقبا باليد اليسرى، أي أن صهر الجاني تلقى سبع طلقات نارية.
أما المعاينة على جثة أم زوجة بوعيّاد الغالية كركو فقد أظهرت ثقبا على الصدر وآخر يمين البطن وآخر يساره وثقبا أسفل الظهر وثقبين بالإبط الأيسر وثقبا بالساعد الأيسر، أي أن الهالكة الغالية صهرة القاتل تلقت منه لوحدها سبع رصاصات من مسدسه الوظيفي.
ولنا أن نتصور المشهد الدموي وكأننا في فليم حركة، بحيث إن بوعياد، بالاستنتاج، لم يكتف برمي زوجته وصهريه بثلاث أو أربع أو خمس رصاصات رحمة، ولكنه أفرغ فيهم شحنة بركانية من الغضب جعلته يطلق النار على كل جثة حتى بعد أن أصبحت هامدة، فما الذي جرى بالضبط؟
يقول الجاني بوعيّاد، حسب مصادر قريبة من التحقيق، إنه لا يعرف عدد الطلقات التي وجهها لزوجته وصهريه، وإن حالته الهستيرية وقت الحادث جعلته يرميهم بطلقاته النارية بشكل عشوائي.
ويضيف محمد بوعيّاد إنه تعوّد على شحن مسدسه من نوع بيريطا عيار 7,69 ملم بعشرة خراطيش، إلا أن حالة الهيجان الشديد التي كان عليها في مرأب العمارة التي يقطنها بسبب المشاحنات التي جرت بينه وبين صهريه جعلته يستعمل رصاصات إضافية أفرغها في جثث الضحايا.
رواية محمد بوعيّاد تبقى رغم ذلك ناقصة، والمشكل أنه الوحيد ووالدته زينب من كانا شهودا على الجريمة ممن ظلوا أحياء، وأمّه تصور فيلم الرعب هذا بهذا الشكل:
بعدما تلقى ابنها بوعيّاد لكمة من صهره، استجمع قواه ووجه طلقات نارية (هكذا بالجمع) لوالد زوجته محمد تقوى، و"أمام هذا الموقف، انهارت قوى صهرته من شدة الصدمة وتمددت على الأرض مواصلة سب وشتم ابني، فتلقت بدورها طلقات نارية".
وتحكي والدة الجاني أنها وابنها كانا مايزالان في المرأب عندما نزلت زوجة القاتل، بحيث إنه ما إن فتح باب المصعد حتى وجه بوعيّاد لزوجته طلقات نارية سقطت على إثرها داخل نفس المصعد.
إنها كاميرا أخرى نقلت هذه المجزرة من زاوية قد تكون مكملة للصورة، وقد يصبح بالإمكان أن يطوى الملف لولا شهادة مثيرة لأحد جيران الأسرة المكلومة بهذه العمارة المشؤومة بالقنيطرة. الشاهد الذي نتحفظ عن ذكر اسمه يقول إنه سمع دويّاً بمرأب العمارة التي يقطنها، وفي محاولة لاستبيان الأمر همَّ بركوب المصعد فإذا بزوجة بوعيّاد تطل منه لأنها كانت نازلة فيه وحاولت جرّ ابنه للتدخل بدعوى أن زوجها يحاول قتل والديها، إلا أن هذا الشاهد أخرج ابنه من المصعد ونزلت الزوجة وحدها إلى الطابق التحت أرضي، وبمجرد تحركه مع ابنه، سمع دوي طلقتين ناريتين:
"أسرعت مع ابني خارج العمارة -يقول الشاهد- واقتربت من باب المرأب لأشاهد عبر القضبان الحديدية رجلا ممددا على الأرض يطلب النجدة ووالدة بوعيّاد تصرخ طالبة إخبار الشرطة، وفي هذا الوقت حضر حارس العمارة وفتح باب المرأب، وهنا خرج بوعيّاد بلباسه الرياضي والمسدس بجيبه ومرّ بجانبي وهو يقول: هاجمين عليّ فداري وبغاو يتكرفسو علي".
الخطير في شهادة هذا الجار هو ما سيصوره كالتالي: "بعد خطوتين، رجع بوعيّاد إلى المرأب وتوجه نحو الشخص الممدد على الأرض، وصوب له طلقة من مسدسه بعدما قال له: "وا فين الرجال ديال قبايلة". ثم عاوده بطلقة أخرى".
صحيح أن ثلاثة مواطنين التحقوا بربهم، وصحيح أن بوعيّاد سيقف أمام عدالة الأرض في انتظار عدالة السماء وأن الحقيقة سيتم البحث عنها بالمجهر أمام السادة القضاة، ولكن الثابت أن ما وصل إليه بوعيّاد من حالة هيجان خرافي جعله يقتل من اعتقد أنهم قتلوه في كبريائه، ولكنه قتلهم أكثر من مرّة وجعل جثثهم مليئة بالثقوب لتبقى الخمسة وعشرون ثقبا في جثث الضحايا لغزاً ينتظر الحلّ.