على الرغم من كونها عاصمة المملكة، فإن مدينة الرباط تعرف تفشي العديد من الظواهر السلبية، التي قلما تجتمع في مدينة، يعول عليها في جر قاطرة التمدن. الإنارة بهذه المدينة تحتاج لتسليط الأضواء الكاشفة عليها، طردا لكابوس الظلام، الذي توزع بالتساوي بين الأحياء الراقية ونظيرتها الهامشية، وبين الشوارع الكبرى والأزقة الضيقة. أما النفايات فما عدا بعض النقط «الهامة»، فإنها تكاد تنتشر في جل ربوع المدينة. إضافة إلى الظلام والأزبال، باتت العاصمة محجا ل «جحافل» المتسولين، الذين يحجون إليها صباحا من مختلف المدن المجاورة، لمنافسة نظرائهم من جنوب الصحراء، الذين باتت النساء منهم على وجه الخصوص يحتللن، رفقة صغارهن، الكثير من المواقع الجغرافية، استجداء لدراهم المارة، وهو ما يؤثر سلبا على الوجه العام للمدينة، التي يعيش فيها ممثلو سفارات وقنصليات جميع بلدان المعمور. أمام أعمدة النور المطفأة إذا، وأكوام النفايات المتراكمة، ناهيك عن «جيش» المتسولين بالرباط، يطفو على السطح سؤال تدبير الشأن المحلي بعاصمة المملكة، فإلى أي حد يتحمل العمدة فتح الله ولعلو وفريقه مسؤولية عدم ضخ «الروح» في «كابلات» شبكة الإنارة بالمدينة؟ وما السر في تعثر جميع محاولات الإصلاح التي تقوم بها الفرق البلدية، حال الإبلاغ عن عطب ما في حي ما؟ وقبل ذلك هل يُستجاب فعلا لجميع نداءات الاستغاثة التي يطلقها المتضررون من شبح الظلام، جراء انقطاع التيار الكهربائي؟ وماذا عن ظاهرة التسول التي تُعيب الوجه الجميل للرباط؟ تتساءل فعاليات المجتمع المدني بالعاصمة، في بحث منها عن السر في عدم «اكتراث» جهة ما بالموضوع، أفلا تعتبر ولاية الجهة وإدارة الأمن وبلدية المدينة معنية جميعها بإيجاد حل لهذه الظاهرة؟ ومن يعول على من في اقتلاع جذورها، على الأقل في عاصمة البلاد، التي تعرف توافد العديد من رجالات السياسة والاقتصاد عبر العالم؟ تتساءل أكثر من جهة. بحثا عن جواب شاف لهذه الأسئلة وغيرها، حاورت «الأخبار» مستشارين جماعيين ببلدية المدينة، وفاعلين في المجتمع المدني، ومواطنين من ساكنة العاصمة. ظلام ونفايات يتوقف المتابعون للشأن المحلي بالعاصمة الرباط عند إقدام الوالي الجديد عبد الواحد لفتيت، الذي خلف الوالي السابق حسن العمراني، على إلغاء صفقة تعنى بالإنارة في المدينة، كان مجلس البلدية قد خصص لها 600 مليون سنتيم، بمعدل 100 مليون سنتيم لكل واحدة من المقاطعات الخمس للمدينة، والباقي يوضع تحت تصرف المجلس الجماعي. وبحسب مصادر «الأخبار» فإن المسؤول الترابي «اشتم» رائحة تلاعبات في الصفقات التي كان المنتخبون عازمين على تفويتها لبعض الشركات المختصة، فارتأى توقيف العملية برمتها، انتظارا منه لإعادة التعاقد مع مقاولات أخرى، في ظروف تطبعها الشفافية والحكامة الجيدة، تقول مصادر الجريدة، التي أضافت أن الإنارة بعاصمة المملكة، تعتبر نقطة سوداء، تمس تداعياتها جميع الإدارات المباشرة وغير المباشرة. تدخل الوالي أسفر عن إعادة التعاقد مع شركتين لا غير، تختصان بأعمال الصيانة. وتفيد المصادر أن التعاقد سيدخل حيز التنفيذ، خلال الأيام القليلة المقبلة. وينتظر كثيرا أن تعيد التدخلات المرتقبة للشركتين الحياة لعشرات الأعمدة المتهالكة والشبكات المهترئة، سعيا وراء عودة النور إلى شوارع وأزقة مدينة «الأنوار». وبالبحث في الأسباب الكامنة وراء الانقطاع الدائم للكهرباء عن عديد من الأحياء بالرباط، أشارت مختلف الإجابات إلى ما أسمته «تهالك» الشبكة الكهربائية، المغذية للأزقة والشوارع، مضيفة أن الكثير منها يعود إلى فترة الاستعمار، فيما يتجاوز عمر الشبكة الحديثة 20 عاما. والدليل على ذلك، حسب نفس المخاطبين، يكمن في اقتصار مختلف التدخلات على «البريكولاج». في حديثه إلى «الأخبار»، طالب المستشار جمال الجيراري بإعادة النظر كليا في الشبكة المزودة لساكنة العاصمة ودروبها بالكهرباء، مضيفا أن سياسة «الديبناج» لم تعد مجدية أمام انتهاء صلاحية هذه الشبكة. وقال الجيراري إن الانطلاقة الحالية لتعاطي الولاية مع الموضوع تبدو واعدة، لافتا الانتباه إلى قلة الدعم المالي المخصص للعملية، إلا أنه استدرك بالقول إن ميزانية العام 2013 المخصصة للإنارة ناهزت مليارا و200 مليون سنتيم. ومع ذلك ظل الظلام كابوسا يفزع الكثير من الأهالي، تارة في الشوارع الكبرى وتارة في أحياء بكاملها. وبحسب المستشار ذاته، فإن اقتصار مدينة من حجم الرباط، على التوفر على شاحنة واحدة مرابضة بالولاية يعتبر «وصمة عار» على حد تعبيره، مضيفا أنه وباقي المعنيين في حي المحيط، انتظروا قرابة شهر للترخيص للشاحنة بالتدخل لإصلاح بعض الأعمدة، علما يقول المستشار أن باقي العربات المتوفرة بالمقاطعات لا يتناسب علوها وعلو أعمدة النور المعتمدة. وبالبحث عن الأماكن التي «يغزوها» الظلام بين الحين والآخر، تطفو على السطح أسماء كثيرة لمختلف الشوارع والأزقة، لدرجة لا يمكن عدها على سبيل الحصر، إذ بالاقتصار على وسط العاصمة، يمكن الوقوف عند شارع لعلو، الرابط بين الأوداية وباب لعلو التاريخي، الذي يعيش ظلاما دامسا منذ أكثر من أسبوع. أما شارعا سيدي محمد بن عبد الله والمغرب العربي فما زالا يجران ذيول «الخيبة» في قطاع الإنارة منذ أن امتدت إليهما سكة التراموي، وتتحمل وكالة أبي رقراق المسؤولية التامة على ذلك، حسب كثير من المستشارين، الذين استشهدوا برفضهم تمديد خطة التراموي، خلال إحدى الدورات السابقة، إلا بعد اشتراط إتمام الأشغال العالقة، مع فرض أن تكمل المؤسسة المذكورة أشغال الإنارة في الشوارع المبرمجة للمشروع، وذلك درءا لما تعرض له حي حسان وغيره من «إهمال» وعدم جدية، على حد تعبير نفس المخاطبين. ارتباطا بالموضوع، وفي مقاطعة أكدال مثلا، يكاد الصدأ يقضي على الشاحنات المخصصة للإنارة هنالك، والتي ترابض منذ زمن بعيد بالمرأب البلدي، لدرجة أن استعمالها لتدخل ما بات يشترط تدخلا تقنيا وميكانيكيا في ذات الشاحنات لعلها تشتغل، علما تقول مصادر الجريدة، أن عمليات الإصلاح المختلفة لمثل هذه الشاحنات المهترئة، أتت على جانب مهم من الأموال التي طالما ظلت ترصد للقطاع، سواء في ذات المقاطعة التي يتهم المسؤول الموكول إليه ملف الإنارة بتجاهل نداءات الاستغاثة التي تصله من مختلف مستشاري مقاطعة أكدال، أو من باقي المقاطعات، إذ يمتنع عن مجرد الرد على الهاتف، بحسب متهميه. ومن بين التناقضات «العجيبة» التي تثيرها ساكنة أكدال والكثير من الجمعويين بها، امتداد يد «الزبونية» وما يسمونه ب»الفساد» إلى قطاع الإنارة العمومية، دليلهم في ذلك تمكين أحد المستشارين النافذين في المقاطعة، إحدى «الكوافورات» في إقامة المنار من عمود أضواء كاشفة، لا لشيء سوى لما يجمع الطرفين من علاقة «مشبوهة» حسب الأهالي، الذين أضافوا بالقول، إن زنقة المختار السوسي، المحاذية لإقامة المنار مظلمة بالكامل. وبخصوص النفايات، يعيب الأهالي بالعاصمة «اقتصار» الشركات المفوض لها في القطاع، على الاعتناء بنقط محددة وسط المدينة وقرب المؤسسات الحكومية الكبرى، مستشهدين بتراكم «الأزبال» في الأحياء الجانبية التي تعرف كثافة سكانية من قبيل حي اليوسفية ويعقوب المنصور. وتأتي «الانتكاسة» على مستوى النظافة، التي تعرفها العديد من أحياء الرباط، تأتي بحسب متتبعين، على خلفية قرب انتهاء العقود التي تربط بلدية المدينة مع الشركات المفوض لها في القطاع. متسولون مغاربة وأجانب أضحت مدينة الرباط قبلة مفضلة للمتسولين، القادمين إليها من مختلف المدن المحيطة بها، من قبيل الصخيرات وعين عودة وسوق الأربعاء، بل إن الكثير منهم يأتي من مدن شبه بعيدة كالقنيطرة وسيدي قاسم، يقول أحد المهتمين بالظاهرة، وهو مستشار ببلدية العاصمة، مضيفا أنه يحس بحرج شديد أمام «جيش» المتسولين، الذي يملأ الشوارع، ويضيق كثيرا على مرتادي المقاهي والمطاعم. إن القيام بجولة بسيطة وسط الشوارع الكبرى للعاصمة، من قبيل شارع محمد الخامس، أو شارع الحسن الثاني، إضافة إلى شارع علال بنعبد الله، وغيرها من الأزقة المتفرعة عنها، والتي تعرف «حركية» ورواجا شبه دائمين، تجعل (الجولة) صاحبها في مواجهة مع عشرات المتسولين بين من اتخذ من بعض الزوايا شبه أصل تجاري خاص به، وبين من اختار اعتراض سبيل المارة لاستجدائهم، عبر الادعاء بعجزه المرضي أو ما شابه، في حين تعتمد النسوة، في غالب الأحيان، على عنصر «الأمومة» عبر مصاحبة أطفال رضع، وذلك لمخاطبة عواطف النساء من المارة على وجه الخصوص، وإجبارهن «عاطفيا» على تقديم يد المساعدة. أما بخصوص الأفارقة المقيمين بالمدينة، فقد اختار الكثير منهم اللجوء إلى «حرفة» التسول، غير آبهين بعضلاتهم المفتولة، وأجسادهم الرياضية، التي تمكنهم من مباشرة الأعمال المناسبة، إن هم رغبوا في ذلك، كيف لا ومعدل ما يجنيه المتسولون يفوق 300 درهم يوميا، يقول أكثر من عارف بالملف، مستشهدا بثقافة التسامح والاحتضان إزاء الأجنبي، التي تطبع بشكل عام سلوك المغاربة. الرباط بعيون ساكنيها بحثا عن جواب لسؤال طرحته «الأخبار» (عشوائيا) على عينات مختلفة من ساكنة الرباط، كادت الأجوبة تجمع على عدم الرضى على الأوضاع العامة للمدينة، في موضوع النظافة والإنارة، إذ أفاد المستجوبون أنهم باتوا يخشون على أنفسهم من سلك الكثير من الأماكن، بمجرد مغيب الشمس، وذلك تفاديا لسيوف المنحرفين وسكاكينهم، التي يشهرونها في وجه ضحاياهم أنى أمكن لهم الاختباء في الظلام. في حديثه إلى الجريدة، عبر محمد، وهو شاب ثلاثيني، عن سخطه على ما وصفه ب»غسل المجلس البلدي يديه عن هموم الساكنة»، على حد تعبيره، مضيفا أنه طالما أحس بالفزع وهو على متن سيارته، أثناء المرور بالكثير من الشوارع المظلمة، التي تحضره فيها فرضية حصول عطب بعربته. الأمر ذاته وقفت عنده شابة في العشرينات من العمر، عندما استشهدت هي الأخرى بتعرض هاتفها للنشل، غير بعيد عن قبة البرلمان، مضيفة أنها ذات ليلة، وبالقرب من قصر التازي، المقابل لمجلس المستشارين، تصادف أن كانت الإنارة منقطعة عن الزقاق، وما إن أسرعت الخطى لتجاوز منطقة الظلام، حتى سبقتها يد لصين يمتطيان دراجة نارية، أجبراها على تسليم هاتفها، وهو ما فعلته دون مقاومة، لتختم بالتساؤل حول مدى إمكانية تعرضها لذات الحادث لو أن الإضاءة كانت مشتغلة. أما بخصوص نظافة المدينة فتضاربت تصريحات ساكنة العاصمة، بين راض وإن بشكل محتشم على ما تقدمه الشركات المفوض لها في القطاع، لا سيما وسط المدينة، وبين ساخط على الوضع، مستشهدا بما وصفها «العشوائية» في وضع حاويات الأزبال في الشوارع من قبيل شارع الحسن الثاني، الذي يعاني أصلا من قلة هذه الحاويات. أما في الأحياء الهامشية فأكوام الأزبال، تجاوزت دور المواطنين وبلغت إلى العديد من أبواب المؤسسات العمومية والمحلات التجارية الكبرى، إضافة إلى المؤسسات البنكية، يقول ذات المتحدث. ظاهرة التسول، يرفضها جميع من تحدثت إليهم «الأخبار»، الذين اعتبروها «ندبا» في وجه مدينتهم، مضيفين أن الرباط أضحت في السنوات الأخيرة عاصمة المتسولين، الذين يأتون إليها صباحا من مختلف القرى والمداشر المحيطة، ولا يغادرونها إلا بعد مغيب الشمس، دليلهم في ذلك ندرة المتسولين ليلا، التي تصل إلى حد العدم، في ذات الأمكنة الممتلئة بهم نهارا. «إن إيجاد حل للظاهرة يعتبر أمرا متيسرا لا تنقصه سوى إرادة القائمين على تدبير شأن المدينة، سواء من السلطة المحلية أو من المنتخبين»، يقول عدد من سكان العاصمة، مضيفين أنهم يعولون على «عصا» سلطة الولاية للحد من «تغول» المتسولين، وذلك عبر تقديمهم للمضايقات الأمنية، وحمل المستضعفين منهم إلى مراكز الإيواء، سيرا على المعمول به في بعض المدن، من قبيل الدارالبيضاء، التي وإن اتسعت مساحتها الجغرافية وارتفعت نسبة ساكنتها إلى الملايين، فإنه يُسمع بين الحين والآخر، بتدخل السلطات لتوقيف بعض الممتهنين ل «النصب» باسم التسول. مصطفى عيسات فاعل جمعوي «الجمعيات المدنية تنوب عن مجلس المدينة في تحسين صورة العاصمة» عرفت مدينة الرباط في عهد المجلس الحالي تراجعا كبيرا على مستوى البنية التحتية، التي تدهورت بشكل كبير في مختلف الأحياء والشوارع. وعلى الرغم من الأرقام الضخمة لميزانيات القطاعات المختلفة، من قبيل الإنارة، فإنه لا أثر يُذكر لذلك على أرض الواقع. ويبقى الأمل الوحيد للمجتمع المدني بالعاصمة الرباط هو الورش الكبير لمدينة «الأنوار» الذي أحدث شركة خاصة لإنجاز المشاريع، تجنبا للأعطاب التي بدت على عمل المجلس الجماعي، الذي يمكن القول إن العاصمة عرفت في عهده تراجعا كبيرا، مقارنة بعمل المجلس السابق الذي شهد إصلاحات هنا وهناك. إننا نسجل عجز المجلس الحالي عن إنشاء مجرد مراحيض عمومية بجانب أسوار المدينة العتيقة، مكتفيا بما تركه الاستعمار، في زمن كان فيه عدد الساكنة والوافدين قليل جدا بالمقارنة مع الاكتظاظ الحالي، غير مبال (المجلس) بكون المدينة التي يحمل أمانة تسيير شأنها المحلي، وفضلا عن كونها عاصمة البلاد، فقد أضحت ذات بعد دولي مع الاحتفال بها في العام 2010 كعاصمة خضراء وبيئية على مستوى العالم، فيما تم الاعتراف بها كتراث إنساني عالمي من قبل اليونسكو. إن الأمل هو مدينة «الأنوار» وفعالياته على أرض الواقع لكي تحقق للرباطيين المكانة التي يستحقونها كسكان عاصمة المملكة المغربية التي يعطيها جلالة الملك أولوية وعناية خاصة، ويتجول دائما في شوارعها وأزقتها الضيقة. صلة بالموضوع، نسجل أن مجلس العمدة فتح الله ولعلو، أوقف منذ 3 سنوات الدعم عن جمعيات المجتمع المدني، ما عدى جمعيات المستشارين المانحين الممنوحين، وهو ما أدى إلى حالة ترد جمعوي واضحة، على جميع المستويات، ثقافيا واجتماعيا ورياضيا، وهذا مؤشر دال على عدم الاهتمام بكل ما هو رأسمال غير مادي، للترفيه عن المواطن وتيسير ولوجه للمجالات الثقافية والفنية التي يختارها. أود الإشارة إلى أن العديد من الجمعيات ساهمت في إنجاز حدائق نموذجية داخل الأحياء، من قبيل حديقة شارع الجيش الملكي بحي يعقوب المنصور، وقامت بمجموعة من حملات النظافة والتوعية والتحسيس باحثة عن شركاء آخرين، خارج مجالس المدينة، بأشكال تطوعية ومتضامنة مع المواطنين، وهو العمل الذي من شأنه سد الثغرات وتسليط الضوء على النقط والمواضيع التي تلامس الحاجيات المباشرة للساكنة.