"إنه لقدر مشؤوم‼ منذ أزيد من ست سنوات وأنا أنعت بأقبح الأوصاف، لم أسلم يوما واحدا من ألسنة الناس .. دائما أسمع نفس العبارات ". تتحدث وردية (34 سنة) بتوتر شديد وهي تحاول مغادرة المكان. ترى ما هو سبب كل هذه الانفعالات غير العادية؟ إنها أم عزباء. فضيحة موشومة في الذاكرة كانت الدموع تسيل من عيني وردية "25 سنة" وهي تتحدث عن تعرضها للاغتصاب من طرف ابن الأسرة التي كانت تعمل عندها خادمة. تقول وردية" إنه أغراها بالدخول معه في علاقة غرامية، واعدا إياها بأن يتزوجها. ونتيجة إحساسها بالوحدة والحرمان من الحنان، وجدت في ذلك الشاب ضالتها، فوضعت ثقتها فيه خاصة أنه وعدنها أنه سيوفر لها الحب والخنان و العيش الكريم. فكان يضاجعها كلما غاب والديه عن البيت، إلى أن أصبحت حاملا منه، فأخبرت مشغليها بالموضوع". تستطرد وردية وتواصل حكيها، أن والدي الإبن تكتما على الخبر خوفا من الفضيحة، خاصة وأن العائلة ميسورة وذات مكانة حساسة. لذلك وعداها بتبني الطفل عند ولادته، ونقلاها إلى بيت أهلها، حيث وعدا والديها بالتكفل بكل النفقات وتبني الطفل بعد ولادته. تتحدث وردية كما لو أن قصتها لا نهاية لها. فهي الشابة الرقيقة، التي تلقت وعدا بتبني الطفل بمجرد الولادة، لتتعرض في نهاية المطاف للطرد رفقة ابنها، وتواجه بذلك مصيرا مجهولا، شأنها شأن مئات الأمهات العازبات. عادت وردية خائبة الأمل بعد الضربة القاسية التي تلقتها إلى بيت لأسرتها بضواحي مدينة الرباط. تقول الشابة بصوت يشوبه الحزن والألم إنها قوبلت بالاحتقار والإهانة من طرف والديها وإخوتها، وسمعت مرارا عبارات الذل والمهانة من طرف الجيران. ورغم ذلك تحلت بالصبر، لأنها كانت تدرك قبل عودتها إلى منزل والديها حجم المعاناة التي تنتظرها. طفل في كف أم بريئة لم تَف الأسرة المشغلة بما وعدت به. وضعت وردية وليدها في بيت أهلها في ظل تنكرهم لها. رغم كون حالتها ليست بالأولى ولا الأخيرة، فالكثيرات أصبحن أمهات عازبات رغماً عن أنوفهن، مرة تحت القهر والاغتصاب، ومرة نتيجة الجهل وغياب الثقافة الجنسية، ومرة أخرى نتيجة الانسلاخٍ من قيم المجتمع، وضعف الوازع الديني. كما أن الأرقام في هذا الموضوع مخيفة والشهادات تتحدى الصمت والكبت والتخفي وراء ستار الفضيحة والعار. عانت المسكينة الجوع والقهر والهوان. فكان الجيران يمدونها ببعض الألبسة أو الأكل بين الفينة والأخرى، إلى أن استعادت عافيتها. قررت وردية العمل في البيوت وفي الحقول لتربية ابنها، غير أن نظرات الناس القاسية كانت تطاردها أينما حلت وارتحلت. فكلما كبر طفلها كبرت معه معاناتها. لا يكاد يمر يوم دون أن تسمع كلمة "إنه لقيط" أو "إنه ابن زنا" أو "ابن سفاح". ولا تمر فترة قصيرة دون أن يلعنها الوالد، وتحتقرها الوالدة، ويتجنبها الإخوة. فولادة ذلك الطفل وسمة عار ظلت موشومة بذاكرتها، لسلب شرفها عنفا، وحملها رغما عنها، وولادتها المخالفة للقوانين، وظلم الأسرة والمجتمع اللامنتهي. تتابع وردية كلامها وبين الفينة والأخرى تصدر زفرات الضيق والألم،"لم تعد كلمة "العار" تطاردني بمفردي، بل أصبحت لصيقة بابني في ظل مجتمع لا يرحم"، أو على الأقل لا يتفهم وردية التي لم تختر الارتماء في حضن عشيق، وإنما تعرضت للاغتصاب مكرهة. أحكام مجانية تضيف هذه الأم العازبة أن الحمل بدون زواج شرعي في المجتمع المغربي لا يزال موسوما بالعار والفضيحة، وإقصاء الأم العازبة من المجتمع، نتيجة سيادة عقلية التحريم، فتتعرض للعقاب الاجتماعي المتمثل في نعتها بأقدح الأوصاف، كالعاهرة والزانية، زيادة على احتقارها و‘إذلالها، وتعنيفها اجتماعيا. تُقر وردية " ليست حالتي هي الأولى ولا الأخيرة، لقد سمعت عن بحث عن الأمومة خارج مؤسسة الزواج أجري سنة 2005 رصد ما يزيد على 5040 أما عزباء يعشن في الدارالبيضاء وحدها. كما أن الأمهات العازبات، رغم رفض المجتمع لهن، فإنهن أصبحن من الأمور المسلم بها. فأكثرهن كن خادمات في البيوت تعرضن للاغتصاب إما من طرف أرباب عملهن أو أبنائهم، وتعرضن للطرد بعد أن ظهر حملهن، ولعدم قدرتهن على مواجهة الأبوين بوضعهن الجديد، ينغمسن في عالم الدعارة" تتنهد وردية وهي تسرد حالتها " الحمد لله الذي وهبني الجرأة، وقصدت بيت الأهل حاملة في يدي ما يسمونه "بالعار" بدل الهروب إلى الشارع. تضيف هذه الأم العازبة وقد استرسلت في الكلام ربما لأنها وجدت هذه المرة من ينصت إليها دون أن ينهرها. وحدها هي الضحية، فغالبا ما يكون الطفل، لأن المجتمع يتنكر له منذ الصرخة الأولى، ويحمل مشعل العار طيلة حياته. مسيرة شاقة من أجل أن أنقذ ابني من إذلال المجتمع له، تقول وردية "تبادر إلى ذهني إلحاقه بجمعية تتكفل برعاية الأطفال. فسجلت في كراستي أسماء عدد من الجمعيات،"جمعية التضامن النسائي"، "جمعية أم البنين"، "جمعية إنصاف"، ومنظمة أرض البشر" ... وجمعت معلومات من خلالها عرفت أن هذه المؤسسات لعبت الدور الأكبر في التكفل برعاية الأمهات العازبات وتوفير الحماية لهن ولأطفالهن. إلا أنه يشار إليهن بأصبع الاتهام بدعوى التحريض على الفساد، والخروج على منطق الشرائع الدينية، لسيادة عقلية التجريم بالمجتمع المغربي والتي لا يمكن القضاء عليها وإعادة الاعتبار للأم العازبة وابنها، رغم المجهودات التي تبذلها الجمعيات الوطنية والدولية. ثم إنني فكرت في إيداع ابني بمركز لحماية الأطفال المحرومين من الأسرة، ولكن عندما أتذكر وضعية طفلة تتبناها امرأة ميسورة كنت أساعدها في أشغال البيت، ومدى العنف الذي تمارسه هذه المرأة على تلك الطفلة، شيء ما بداخلي يمنعني من وضع ابني بمؤسسة لرعاية الأطفال. سكتت وردية بعض الوقت، تغيرت ملامح وجهها، تحاول أن تنطق بشيء تخفيه بداخلها، فترقرقت عيناها بالدموع قائلة: " كم تمنيت أن يلتحق ابني بمؤسسة لرعاية الأطفال" وفجأة صرخت بملء حنجررتها:" إنني تراجعت عن قراري، هناك يبيعون الأطفال، لمنظمات أجنبية، وللأسر الثرية، أو يرمونهم بعد قضاء مدة بالمؤسسة بالخيريات التي تنعدم فيها أدنى وسائل العيش". أرقام وحقائق تصنف رئيسة جمعية "أم البنين" "محجوبة إدبوش" الأمهات العازبات اللواتي يلجن الجمعية إلى خمس فئات: الفئة الأولى وتضم الخادمات في البيوت اللائي بدأن العمل في سن مبكرة. وتشمل الفئة الثانية الفتياة اللواتي يهاجرن للمدن الكبرى بحثا عن العمل، أما الفئة الثالثة فتشمل البنات اللاتي تمت خطوبتهن وقراءة الفاتحة دون التوقيع على عقد الزواج، وتخلى عنهن الخطيب بعد حملهن. وتشمل الفئة الرابعة الفتيات اللواتي تمت تربيتهن من طرف العائلات، إذ يكون مصير أغلبهن الشارع بعد وفاة المتكفلين بهن، أو يتعرضن للاغتصاب من طرف أبناء المتكفلين. فيما تضم الفئة الخامسة الطالبات في المستويات الإعدادية والثانوية، ويوجد على رأس قائمة هذه الفئة الطالبات الجامعيات. في نفس السياق، خلصت دراسة أعدها المعهد الوطني للتضامن النسوي المغربي إلى أن 42 ℅ من الأمهات العازبات أميات، و7 ℅ فقط منهن من استطعن إنهاء الدراسة الثانوية. وذكرت مصادر لجمعية إنصاف أن عدد الأمهات العازبات في الدارالبيضاء الذي أشارت إليه دراسة أنجزتها وزارة الصحة يفوق 5000 أم، لأن الصمت الذي يحيط الظاهرة يعيق تحديد عدد ضحاياها، إضافة إلى التقاليد والعادات المغربية التي لا تكشف عن المشكل، لأنه مازال يمثل عارا في الوسط المغربي. وتفيد دراسة أعدتها جمعية إنصاف سنة 2005 حول 330 أما عازبة، أن 36 في المائة من الأمهات العازبات في العاصمة الاقتصادية يعشن الوضعية بسبب علاقة غرامية بدون هدف ارتباط، بينما وقعت 41 في المائة من الفتيات ضحية الظاهرة بسبب علاقة غرامية مع وعد بالزواج، ويشكل الاغتصاب نسبة 11 في المائة، في حين تمثل الدعارة سببا ل 12 في المائة من الأمهات العازبات. ويفيد المصدر ذاته أن 45 في المائة من الأمهات العازبات أميات وان 35 في المائة واصلن تعليمهن إلى غاية التعليم الابتدائي، بينما تمكنت 19 في المائة منهن من متابعة دراستهن في المستوى الإعدادي، وكانت نسبة 1 في المائة حاصلة على المستوى الجامعي. ويشير المصدر إلى أن 45 في المائة من الأمهات العازبات كن يعملن في البيوت، و24 في المائة عاملات في قطاعات مختلفة، و9 في المائة جعلن من الدعارة موردا لعيشهن وتتراوح أعمار هذه الأمهات بين 14 و45 سنة، إذ أفادت الدراسة أن 27 في المائة منهن تتراوح أعمارهن بين 14 و 20 سنة، 39 في المائة تقدر أعمارهن من 21 إلى 26 سنة، في حين تبلغ 18 في المائة منهن بين 27 و32 سنة و12 في المائة بين 30 و38 سنة و4 في المائة بين 39 و 45 سنة. نتيجة مؤكدة الكثير من المراقبين والمهتمين بشؤون الأسرة ينتقدون مدونة الأسرة بالرغم من التعديلات التي أدخلها المشرع عليها، حيث أصبح يعتمد فحص الحمض النووي كوسيلة إثبات نسب الطفل لأبيه بدون زواج إذا كانت هناك خطبة معلنة بين الطرفين، فيترتب على ذلك جميع واجبات الأبوة من نفقة و تنشئة و إرث، إلا أن هذا القانون لا يحمي حق الطفل إلا في حالة الخطبة المعلنة، إذ أنه لم يتطرق إلى الحالات التي يقع فيها الحمل بدون وجود خطبة أصلا، كما هو الشأن في الحالات التي يتبرأ فيها الرجل من المسؤولية، وتضطر الأم إلى التخلص من طفلها إما عن طريق القيام بعملية الإجهاض أو بوضعه في دور الأيتام أو بالإلقاء به في الخلاء. فبالرغم من جهود جمعيات ومنظمات محلية ودولية، وكذا تغيير بعض بنود مدونة الأسرة، فإن الطريق لا تزال شاقة أمام المدافعين عن حقوق الأمهات العازبات في ظل وجود عقلية تحريمية متجذرة في المجتمعات العربية والإسلامية، ذلك أننا عندما نتحدث عن الأم العازبة، فإننا نستحضر بالضرورة طفلها الذي يظل ضحية فخ وقعت فيه أمه سواء عن طريق الخداع أو التغرير وكانت النتيجة هي أنها أنجبته بنصف هوية كما أنه يظل محروما من اسم أبيه طيلة حياته، لأن القانون يجرم العلاقة الجنسية باعتبارها غير شرعية، ولكون المجتمع لا يعترف بالطفل اللقيط أو ابن الزنا.