لقد عرف بعض الباحثين الشهادة الطبية بكونها سند مكتوب صادر عن الطبيب بمناسبة ممارسته لمهنته يشهد بمقتضاه بأنه أنجز عملا مهنيا أو بأنه أجرى معاينة ايجابية أو سلبية لواقعة ذات طابع طبي تخص الشخص المفحوص ، كما قد يضمنه تفسيرا أو تأويلا لهذه الواقعة (الشهادة الطبية في القانون المغربي بحث لنيل دبلوم الدراسات العاليا .ذ .عادل العشابي) . و إذا كانت الشهادة الطبية الصادرة عن أطباء القطاع العام لا تثير إشكالا مادامت تعتبر ورقة رسمية صادرة عن موظف عام في إطار اختصاصه وبالتالي تستمد قوتها الاثباتية من هذه الصفة ، حيث تقوم المسؤولية التقصيرية عن هذا الإنشاء الضار على أساس الفصل 79 ق ل ع او على أساس الفصل 80 ق ل ع . فقد نص الفصل 79 من ق ل ع صراحة على مسؤولية الدولة عن الأخطاء المصلحية لمستخدميها ، وقد اعتبر (المجلس الأعلى سابقا) محكمة النقض حاليا الخطأ مصلحيا إذا كان : غير مطبوع بالطابع الشخصي للموظف (مجلة قضاء المجلس الاعلى عدد:138 ص:143 قرار 346 بتاريخ 16/11/79). فان الإشكال يطرح بالنسبة للشهادة الطبية الصادرة عن أطباء القطاع الخاص التي تنجز بمبادرة خاصة من طالبها والتي يمكن اعتبارها مجرد كتابة استنادا إلى الفصل 417 من ق ل ع الذي ينص على ان الدليل الكتابي ينتج من ورقة رسمية او عرفية ويمكن ان ينتج …..من كل كتابة اخرى. فالشهادة الطبية باعتبارها عملا هاما وخطيرا من أعمال مهنة الطب قد تترتب عنها مسؤولية الطبيب الذي أنشاها ، مدنيا وجنائيا وتأديبيا : من ناحية المسؤولية المدنية: تعتبر المسؤولية المدنية لأطباء القطاع الخاص اتجاه مرضاهم مسؤولية عقدية يؤطرها العقد الطبي الذي يربطهما والذي يعتبر من الناحية القانونية عقد مقاولة أو عقد إجارة الصنعة كما يسميه الفصل 724 من ق ل ع . وعليه فان التزام الطبيب بتشخيص الحالة الصحية لزبونه وإنشاء شهادة طبية تتضمن تشخيصا خاطئا من شانه أن يثير المسؤولية العقدية لمحررها متى ترتب عنها ضرر للشخص المعني بها. غير انه ينبغي التمييز بين الغلط في التشخيص الناتج عن الشك والغموض المحيط ببعض الحالات لعدم وجود قاعدة واضحة ومؤكدة واجبة الإتباع ، وبين الخطأ في التشخيص الناجم عن رعونة أو إهمال وقع من الطبيب ( مجلة الاشعاع العدد 9 ص:10محمد العلمي الادريسي ) وفي هذه الحالة الأخيرة هي التي يسال فيها الطبيب . فالطبيب ملزم أثناء عملية التشخيص ببذل جهود صادقة ويقظة وفق المعطيات العملية والظواهر التي تترجم الحالة الداخلية لطالب الشهادة ، وبالتالي عليه أن يتصرف كما يتصرف العالم بأصول مهنته ، وان يقوم بالفحص بكل حذر وان يلجا إلى الوسائل الممكنة التي تساعده والتي يضعها العلم تحت تصرفه . من ناحية المسؤولية الجنائية: ان إنشاء شهادة طبية مخالفة للحقيقة يعتبرجريمة تزوير يعاقب عليها القانون اذ جاء في الفصل 364 من القانون الجنائي على ان ّ : كل طبيب او جراح أو طبيب اسنان أو ملاحظ صحي أو قابلة صدر منه أثناء مزاولة مهنته وبقصد محاباة شخص إقرار كاذب او فيه تستر على وجود مرض او عجز أوحالة حمل أو قدم بيانات كاذبة عن مصدر المرض أو العجز أو سبب الوفاة يعاقب بالحبس من سنة الى ثلاث سنوات ما لم يكون فعله جريمة اشد مما نص عليه في الفصل 248 وما بعده. ومن الجرائم التي يمكن أن يرتكبها الطبيب بمناسبة إنشاء الشهادة الطبية نسوق لكم حكما صادرا عن محكمة الاستئناف بفاس بتاريخ 15/11/1999 في الملف الجنحي عدد:3951/99 توبع فيه طبيب من اجل المشاركة في سمسرة الموكلين وجلبهم ، حيث اعتبرت محكمة الاستئناف بفاس أن هذه التهمة ثابتة في حق طبيب ” على اعتبار أن المتهم الثاني وهو محام كان يستعمل من بين الطرق في استمالة زبنائه الاتصال بالطبيب المذكور ويقترح عليه نسبة العجز التي يسلمها لهم وان الطبيب باستجابته لطلبات الظنين الثاني في ذلك يجعل منه عنصرا مشاركا ومهما في سمسرة الزبناء وجلبهم وذلك بمساعدة المحامي في تمكين الضحايا من الشواهد الطبية وجعلهم أكثر تمسكا بالمحامي الذي يرون فيه انه قادر على أن يهيئ لهم كل شئ ”. من ناحية المسؤولية التاديبية: طبقا للفصل 8 من مدونة الآداب المهنية للأطباء يمنع على الطبيب تحرير أي تقرير مغرض او تسليم اية شهادة مجاملة ، وذلك تحت طائلة تعرضه لإحدى العقوبات المنصوص عليها في الفصل 40 من ظهير 21مارس 1984 التي تتمثل في الإنذار والتوبيخ والإيقاف عن ممارسة المهنة لمدة لا تتجاوز سنة والحذف من جدول الهيئة ، والتي يمكن ان يضاف اليها عقوبة تكميلية تتمثل في المنع من عضوية مجالس الهيئة طوال مدة لا تتجاوز عشر سنوات. ويرجع اختصاص البت في هذه المسؤولية الى هيئات الأطباء الوطنية ، التي تمارس المجالس الجهوية وكذا المجلس الوطني في المرحلة الاستئنافية ، بحيث تقام الدعوى التأديبية أمام المجلس الجهوي الذي ينتمي اليه الطبيب المعني بالامر ، ويكون مقرر هذا المجلس معللا ويبلغ بواسطة رسالة مضمونة في اقرب الاجال الى الطبيب الصادر بشانه والى المشتكي. ويكون هذا المقرر قابلا لاستئناف لدى المجلس الوطني داخل اجل 30 يوما بعد التبليغ .كما يمكن أن تحال المقررات التأديبية التي يتخذها المجلس الوطني نهائيا الى المحكمة الإدارية وفق الإجراءات المقررة في قانون المسطرة المدنية(ظهير 21مارس 1984 المتعلق بهيئة الاطباء الوطنية). وتجدر الاشارة الى ان أطباء القطاع العام – الأطباء الموظفون – يخضعون أيضا لهذه المسؤولية التأديبية عند قيامهم بعمل من أعمال النيابة ، أو عند مزاولتهم مهنة الطب في إطار الوقت الكامل المعدل، ماداموا يخضعون في هاتين الحالتين للنصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بمزاولة مهنة الطب في القطاع الخاص ، استنادا إلى المادتين 31و58 من القانون رقم94.10 المتعلق بمزاولة الطب . وهم يخضعون كذلك الى سلطة الهيئة التأديبية إذا كان الخطأ شخصي لا علاقة له بالمرفق العام ويشكل إخلالا بالواجبات التي تفرضها الآداب المهنية