في نهاية الثمانينات من القرن الماضي حصل الشاب أ. ب. على الاجازة في القانون فتوجه صوب الرباط مرة أخرى وكل الامل يحذوه في اجتياز مباراة الامتحان الشفوي،الذي استدعي إليه، بنجاح والولوج إلى السلك المخصص لتكوين رجال السلطة .دخل الشاب إلى مكتب فوجد نفسه أمام مسئول " كبير " عينته الوزارة الوصية لترؤس لجنة الامتحانات . ما أن أخذ مكانه حتى سأله المسئول : " منين أنت أولدي " فأجابه : " بني ملال " فأردف المسئول : " منين بالضبط " فقال الشاب : "دائرة القصيبة نموحى وسعيد فخذة آيت علي أوبراهيم ". نزل اسم القصيبة كالصاعقة على آذان السيد المسئول الذي أنهى الامتحان ،و معه آمال صديقنا القصباوي ، قائلا : "أنت من هادوك اللي قاسحين لهوم روسهوم " آمرا إياه بالانصراف. غادر صديقنا الرباط خاوي الوفاض وهو في حيرة من أمره ولم يكن ليدرك آنذاك أن الحقد المجاني الذي نسجته بعض الجهات من محض خيالها، نكاية في القصيبة ورجالها والذي رعته منذ قرن من الزمان ، يجد جذوره في اللقاء الذي جمع غداة إعلان الحماية ، بالمنطقة المسماة "إمي نتجيريت"، بين المهدي المنبهي وزير الحربية على عهد السلطان مولاي عبد العزيز والقائد التاريخي موحى وسعيد الويراوي. إذ لم يجد الوزير المنبهي بدا من شد الرحال إلى جبال الاطلس المتوسط آملا أن يقنع القائد الويراوي صديق الامس الذي خاض معه عدة حروب لنصرة السلطان وتوحيد البلاد خاصة تلك التي دارت بينهم وبين بوحمارة بتازة، التي يوجد بمقبرتها جناح مخصص لشهداء القصيبة، بالعدول عن محاربة الفرنسيين الذين أعلنوا الحماية على المغرب، لكن كل محاولات الترغيب هذه والترهيب التي قام بها باشا بني ملال بوجمعة المسفيوي وغيره لم تنل من عزيمة موحى وسعيد الذي لم يكن ليبايع أحدا غير سليل الدوحة النبوية ولم يكن ليسمح للمستعمر الغاشم أن يحارب الاسلام وأن ينشر المسيحية بين صفوف القبائل المغربية المسلمة. بعد فشل مساعي الوزير المنبهي وشرذمتة، استيقن الفرنسيون وأزلامهم أن موحى وسعيد وجنوده لا يمكن مساومتهم، وأن لا مفر من الحرب التي بدأت طبولها تدق منذ أن أباد العقيد مانجان العديد من جنود الشيخ أحمد الهيبة بانزالت العظم وسيدي بوعثمان غير بعيد عن ا بن جرير عاصمة الرحامنة في 6 سبتمبر 1912 م. و من أجل الفهم الصحيح والمنصف لحيثيات هذا الموضوع سنأخذ قرائنا المحترمين في رحلة وجيزة عبر تاريخنا المجيد. القائدالمجاهد موحى وسعيد الويراوي أو رجل الدولة الذي أريد تهميشه معركة مرامان في الوقت الذي بدأت فيه القوات الاستعمارية الفرنسية والاسبانية، بعد معاناة كبيرة، تتمكن من إضعاف "البؤر الثائرة" في الشمال و الجنوب (بقيادة الشيخ ماء العينين) والهدن المشروطة والمنتزعة تتوالى، بعد مفاوضات عسيرة مع سادة الجبال في الاطلس الكبير، بقي الاطلس المتوسط مستعصيا وغير قابل للخضوع وهذا في حد ذاته يعتبر خطرا كبيرا يربك أوراق المستعمر ويلوح بإفشال ودحض التواجد الغربي برمته في المغرب. لقد التفت القبائل الاطلسية المستعصية ومن بينها غياته، بني وراين، زيان، آيت سري وآيت سخمان حول قادتهم الرئيسيين سيدي علي أمهاوش، سيدي رحو، موحى وحمو أزايي (الزياني) وموحى وسعيد أويرا (الويراوي) لتكون السد المنيع الاخير في وجه فرنسا الغازية. وتعتبر سنة 1913 م الموافقة لسنة 1331 ه حاسمة ومفصلية بالنسبة للفرنسيين لان القادة السالفي الذكر رفضوا أية مفاوضة معهم وأعلنوا الجهاد بفتح جبهات كثيرة في مديونة ، الشاوية، بودنيب، وادي زم، قصبة تادله، بني ملال، تازة، إلخ. ولا أدل على خطورة الموقف من اعترافات الفرنسيين أنفسهم إذ قال العقيد مانجان بهذا الخصوص " في كل الجبهات نصطدم بقبائل الاطلس المتوسط ... والغليان يندلع من جديد وينتشر في كل سهل تادلة.... يجب علينا أن نضرب بقوة لوقف وإخماد ثورة عامة قادمة ". كثف المستعمرون من هجماتهم الهمجية القاتلة منتهجين في ذلك سياسة الارض المحروقة، واستطاعوا أن يخضعوا بعض القبائل شمال تادلة لكن سقوط قصبة تادلة في السابع من أبريل 1913 م الموافق ل29 ربيع الثاني 1331 ه لن تكون له أية قيمة و أي معنى بدون سقوط القصيبة معقل موحى وسعيد والعاصمة الادارية والروحية لمجاهدي اتحادية آيت سري) المكونة من قبائل آيت أم البخت، آيت عبد لولي، آيت محند وبالطبع آيت أويرا( وآيت سخمان. إن سقوط القصيبة، الواقعة وسط المغرب في محور يبعد ب 245 كلم عن أهم المدن المغربية كفاس، مكناس، الرباط ، الدار البيضاءومراكش، له بعد استراتيجي وحيوي بالنسبة للفرنسيين بحيث سيمكنهم من قطع الامدادات والاتصالات بين شمال المملكة الشريفة و جنوبها. وجب علينا استعراض السياق التاريخي لمعركة "مرامان" العظيمة بقيادة موحى وسعيد لكي نفهم ما اكتسته من أهمية ومن أبعاد على كل المستويات: تاريخيا،و سياسيا ، و جيواستراتيجيا ، الخ. يقول مانجان بهذا الخصوص:" إن حملة تادلة وعمليات العدو المرتبطة بها حددت كل معالم التنظيم السياسي للمجال الترابي الواقع بين أم الربيع ووادي كرو" العقيد مانجان "سفاح الاطلس" وجها لوجه مع موحى وسعيد "أسد الاطلس" بعدما أعطاه المقيم العام ليوطي الضوء الاخضر ، على إثر فشل مفاوضات الوزير المنبهي وباقي الوسطاء، الممزوج بالتردد وعدم الثقة في النفس، قرر الجزار مانجان الزحف على "إغرم لعلام"، وهي بمثابة مركز قيادة متقدم لموحى وسعيد، الواقعة عند قدم الجبل بين القصيبة وقصبة تادلة. كان هذا الزحف الغاشم إيذانا بانطلاق المواجهة المحتومة التي بلغت ذروتها أيام 8، 9 و10 يونيو 1913 م الموافقين ل 3، 4 و 5 رجب 1331 ه. جمعت من جهة الجيش الفرنسي المغتصب الذي يعد بالالاف والمدجج بالطائرات ، و المدفعية الثقيلة وأحدث البنادق والاسلحة في ذلك العصر، ومن جهة أخرى قبائل آيت اسري، آيت سخمان الابية المسلحة بالايمان وبنادق "بوحبة" المتواضعة تحت قيادة موحى وسعيد الذي يتمتع بكاريزما وذكاء خارقين والموحد للقبائل الامازيغية التي تعتبر إلى يومنا هذا من بين الركائز الاساسية للدولة العلوية الشريفة. هنا تجدر الاشارة إلى أن موحى وسعيد في 1913 م كانت له تجربة حربية تفوق 30 سنة إذ بدأ مسيرته الجهادية سنة 1880 م بإخضاع ما يسمى بقبائل "السيبة" (سنخصص لاحقا مقالا علميا لتسليط الضوء على هذا المصطلح المليء بكثير من اللبس والالغام) مما ساهم بقسط كبير في إرساء سلطة المولى الحسن الاول الذي عينه فيما بعد (1888 م) قائدا على الاطلس المتوسط الجنوبي- المعروف بدائرة " القصيبة نموحى وسعيد " الذي تفوق مساحته مساحة دولة لبنان الشقيقة- وأعطاه "العلم السلطاني الابيض" الذي نصبه القائد الويراوي فوق مركز قيادته التي باتت تعرف إلى يومنا هذا بإغرم لعلام (دار العلم) كرمز للروابط الروحية المتينة المشفوعة بالحب المتبادل الذي يجمع العرش والشعب. صبيحة الثامن من يونيو 1913 م الموافق ل 3 رجب 1331 ه ، وصلت فلول مانجان الغازية إلى إغرم لعلام التي بادر موحى وسعيد وقواته الباسلة بإخلائها لتمويه العدو. هذا الاخير الذي استهان بذكاء القائد الويراوي وببعد إدراكه ومعرفته وإلمامه بتضاريس جباله التي اتخذ من صخورها ونباتها مخبئا لمباغتة الاعداء الذين لم تطأ أقدامهم قط هذه الارض من قبل. قسم موحى وسعيد قواته إلى ثلاثة أقسام: الفرقة الاولى وكل إليها مناوشة طلائع العدو وتمويهها ؛ الفرقة الثانية: احتفظ بها كقوات احتياطية للتدخل والمساندة عند الحاجة ؛ أما الفرقة الثالثة والاكثر بسالة جرأة وإقداما والتي يتواجد بها موحى وسعيد وأبرز مقاتليه من الرماة والكوموندو ، فركزت هجماتها وضرباتها على أجنحة ومركز جيش العدو. لقد نجح موحى وسعيد ورجاله بفضل الله وحنكتهم من إرباك العدو وقهره وجعل مانجان ومرتزقته يتراجعون تحت نيران المجاهدين الامازيغ الذين أجبروهم على خوض عراك أخير قال عنه مانجان فيما بعد: " وحدث تشابك رهيب مرتبك؛ كنا نتقاتل بالخناجر والسكاكين وكنا نتبادل إطلاق النار من قريب على مرمى اليد ..... " . تكبدت القوات الفرسية أيام 8، 9 و10 يونيو 1913 م خسائر بشرية جسيمة قدرت ب 320 منها 150 قتيل كان من بينهم.القائد بيكار (le Commandant Picard) وعدة ضباط آخرين وغنمت القوات المسلمة الامازيغية عدة مدافع وأسلحة وذخائر تركها الفرنسيون وراءهم وهم يفرون من أرض المعركة وبغض النظر عن الخسارة الرمزية المتمثلة في العلم السلطاني الابيض الذي سرقه مانجان عند دخوله إغرم لعلام، فإن القوات الفرنسية تلقت صفعة لا تنسى وخسرت على كل الاصعدة. أمام هذا الوضع الخطير والنكبة غير المرتقبة، بعث ليوطي على جناح السرعة الجنرال ديسبراي آمرا القوات الفرنسية بعدم المجازفة والبقاء وراء خط التماس الواقع في الضفة اليمنى لنهر أم الربيع وانتظار الظروف الملائمة لاتمام المشروع الاستعماري التوسعي. معركة "مرامان" العزيزة أربكت أوراق العدو وعطلت أجنداته لاكثر من تسع سنوات، إذ لم يدخل الفرنسيين القصيبة إلا في شهر أبريل 1922 م الموافق لشهر شعبان 1340 ه ، أما موحى وسعيد فقد واصل جهاده رغم تقدمه في السن وإصابته بجروح كثيرة وبليغة، إلى جانب إخوانه الاماجد سيدي علي أمهاوش، سيدي ارحو، موحى وحمو أزايي، و مع كل قادة الجهاد في بوكافر والاطلس الكبير وآل ماء العينين الذين عاصرهم كلهم (الشيخ ماء العينين وأبنائه أحمد الهيبة، وامربيه ربه)، ولم يتوقف من التنسيق معهم عبر محطات خالدة: لهري (1914)، بني ملال (1914، 1915 و1916) …….….. قبل أن يلتحق بالرفيق الاعلى في الخامس من مارس 1924 م الموافق الثامن والعشرين من رجب 1342ه ببونوال التي استقر بها بعد سقوط القصيبة. لقد انتظرت القصيبة مئة سنة لتخليد ذكرى "مرامان" العزيزة وإذ نغتنم هذه المناسبة لنقدم تشكراننا للمندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير والتي نسقت مع المجلس البلدي بالقصيبة وبعض الجمعيات بتأطير من ثلة من الاساتذة الباحثين الافاضل على محاولاتها تخليد الذكرى العظيمة بتاريخ 9 يونيو 2013 م لا يفوتنا أن نلاحظ بمرارة أن هذه المبادرة و إن كانت محمودة تبقى دون مستوى تاريخ القصيبة العريق ودون تطلعات أبناء المنطقة الذين لم ينالوا بعد ما يستحقون من الالتفات ، هذا الالتفات و العناية لا تعدو أن تكون حقا مشروعا يكفله التاريخ و القانون والبيعة التي تجمع العرش بالشعب . و أذكر المندوب السامي السيد مصطفى الكثيري المحترم أن ما قام به شيء مشكور ولكن يجب تدارك بعض الهفوات الخطيرة التي لا يمكننا قبولها و التي تكمن في محاولة اختزال المقاومة القصباوية في 59 سنة فقط ..... لا يا سيدي الفاضل، مقاومتنا الرسمية والمعروفة تفوق 130 سنة ومقاومونا وأبنائهم و نساءهم و حفدتهم لم ينتظروا 130 سنة لتوزع عليهم بعض الصدقات على شكل إعانات وواجب العزاء ، وعلى بعض الافراد المحسوبين على رؤوس الاصابع...... لا يا سيدي الكريم، نحن في تلك الجبال الشامخة لا نمد أيدينا ..... أيادينا دائما عليا و ليست سفلى، وحتى لغتنا الامازيغية العفيفة لن تجد فيها مرادفا لكلمة " شكرا " لاننا بكل بساطة تعودنا أن نعطي لا أن نأخذ ..... ما ننتظره هو أن ترقى القصيبة إلى إقليم قائم بذاته وقادر على بلورة مشاريع حقيقية تستفيد منها الاغلبية الساحقة من المواطنين وعلى الانخراط الفعلي في الاوراش المحمدية الشريفة ، شأننا في ذلك شأن العديد من المدن والجهات التي أعيد لها الاعتبار بفضل رجل المغرب الاول ملكنا الشاب الهمام رعاه الله. و الادهى من هذا كله هو أن هذا التخليد المرتجل تزامن مع إنزال مكثف لمختلف قوات التدخل السريع وحفظ النظام و الدرك الملكي و رجال السلطة و أعوانها وكأننا في حرب ، والحال أن سكان منطقة أمشاظ ،و إمي نتفرست ومرامان التاريخية التي تحولت بكل وقاحة الى مطرح للازبال ومحطة تصريف المياه العادمة تظاهروا بطرق سلمية حضارية للتعبير،في إطار مقاربة تشاركية، عن رفضهم لمشروع إنشاء محطة لمعالجة و تصفية المياه العادمة والتي من شأنها أن تلحق أضرارا أكثر خطورة بالمجال و الانسان إن لم تنشأ في مكان آخر أكثر أمنا وتزامنت أيضا مع "السطو" على ممتلكات المقاومين أنفسهم الذين كانوا يشكلون بالامس القريب العمود الفقري لمجاهدي آيت سري. و هذا ما سنوضحه في السطور أدناه. القصيبة ما بعد موحى و سعيد لن نستطيع سرد تاريخ القصيبة (ما بعد 1924) الذي يعتبر جزءا لا يتجزأ من تاريخ الامة المغربية المجيدة في بضع سطور حتى و لو اقتصرنا على ذكر أسماء بعض المجاهدين و المجاهدات الذين ضحوا بالغالي و النفيس ليذوق مغرب الامس نوعا من الاستقلال و ينعم مغرب اليوم بالاستقرار والسلم الاجتماعيين الذين تحسدنا عليهما العديد من الامم. و في انتظار إصدار مقال خاص و مفصل عن مجاهدي آيت سري و آيت سخمان نكتفي بالقول بأن جهة تادلة أزيلال، على غرار العديد من جهات المملكة، أفاقت من حلم الاستقلال الذي ظل يراود كل المغاربة الاحرار لاكثر من خمسة عقود أي الفترة التي شرد فيها الشعب المغربي و نكل بأبنائه من طرف الاستعمار الغربي و أزلامه لتجد نفسها أمام كابوس آخر هو التهميش،والاقصاء والاستبداد الذي استفحل و تطور إلى حد خلق و نشر ثقافة جديدة: ثقافة الميديوكريتان la Culture du Médio-crétin جماعة الميديوكريتان وانقلاباتها الخفية ميديوكريتان مشتقة و مركبة من كلمتين فرنسيتين هما Médiocre و Crétin و قد استعملت أول مرة من طرف السيد جمال الدين القشيري أستاذ سابق بكلية الاداب و العلوم الانسانية بمراكش التابعة لجامعة القاضي عياض- لنعت إنسان يجمع كل أوصاف الرداءة و البلادة. يمكن أن نلخص هذه الثقافة في ما يلي: كل من توفرت فيه خصلتان هما الكفاءة و الاستقامة يصبح منبوذا و مستهدفا من طرف "مريدي" جماعة الميديوكريتان ممن تزخر بهم كل طبقات المجتمع المغربي، فهم انتشروا كالسرطان في جسم المجتمع و في جل خلاياه: الادارات،والمؤسسات، و القطاعات العمومية و الخاصة،و الشركات ،و الاحزاب،و الجمعيات،و النقابات،و الجامعات،.الخ. تتصف جماعة الميديوكريتان بصفتين أساسيتين متلازمتين هما البلادة والرداءة. الصفة الاولى يمكن إلصاقها بجانبها الكفائي أي فيما اكتسبته من الكفايات والمهارات والصفة الثانية تتلبس بأعمالها وأفعالها تجاه البشر والشجر والحجر فهي أينما اتجهت سواء للطبيعة أو الانسان لاتنتج الا الرداءة. لنقل بايجاز غير مخل بمقصدنا أن جماعة الميديوكريتان بليدة من حيث قدراتها، رديئة في ادائها يصدق عليها قوله عز و جل :" الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا " أما دليل الميديوكريتان في محاربة الصلاح و الاصلاح و الصالحين فيرتكز على ترسانة من السلوكات و القواعد و الاهداف نجمل أهم بنودها في ما يلي: إذا كنت كفؤا و مستقيما فجماعة الميديوكريتان تعدك بما يلي : 1- لا تحلم بالمسؤولية أو الوصول إلى مركز القرار ولو شاء الله ووصلت فسوف يضرب عليك طوق من حديد يجعلك تستقيل في أقرب وقت ، و أما إن كنت من المثابرين الصابرين و كان "راسك قاسح" فمصيرك السكري، أو مستشفى المجانين أو الجلطة الدماغية. 2- ستصنف في خانات "المغضوب عليهم" و "الضالين". 3- لن تترق في مسارك المهني قط بل حتى في مسارك الدراسي ستعاني و تكابد كل أشكال الحرب المادية و المعنوية. 4- سترث هذه اللعنة أنت و عائلتك الكبيرة و الصغيرة و جل المقربين إليك إلى ما شاء الله. 5- ستمارس عليك الضغوطات و المضايقات من كل الاصناف. (Harcèlements de tous genres) 6- ستنعت بالاوصاف التالية : "راسو قاسح" ،"ما كايتفاهمش" ، "متزمت"، "شيوعي"، "إسلامي"، "علماني"، "خوانجي"، "كافر"، "قاعدي"،"رجعي"، " تقدمي "، "مخزني"، "انفصالي"، "إرهابي"، " ملايقش"، أمازيغي"، "عروبي" إلخ. هذه الاوصاف تتنافى و تتناقض ظاهريا حسب المواسم و المصالح و الاهداف و لكنها في الباطن عدة مسميات لعملة واحدة.... أما ما حققت هذه الجماعة خلال الخمس عقود الاخيرة فيكمن في مساهمتها الفعالة في تحقيق المغرب لكثير من الارقام المخجلة على الصعيد العالمي و نخص بالذكر احتلال المغرب لرتب متدنية جدا في ما يتعلق بالدخل الفردي للمواطن، التنمية البشرية (رغم الجهود والمحاولات التي أتاحتها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية)، الترتيب العالمي للجامعات، الفوارق بين الرجل والمرأة (التي أريد علاجها بطريقة كارثية اختزلت في التمييز الايجابي)، محاربة الرشوة، محاربة الامية، إلخ. تهميش الرجال ...تقزيم الارض....الانهيار المحتوم إن التهميش الممنهج للكفاءات في كل المجالات و على جميع الاصعدة و الذي لم يتوقف منذ عقود هو الذي ساهم بشكل خطير في تقوية الاعداء و تقزيم رقعة الدولة المغربية الشريفة. يكفينا أن نذكر لمن يعتبر أن التهميش الذي طال رجالات المغرب الاكفاء و الاوفياء هو الذي أبعدنا لمئات الكيلومترات عن حدودنا الطبيعية التاريخية المتمثلة إلى غاية الامس القريب في نهر السنغال جنوبا وحال دون استرجاعنا لالاف الكيلومترات المربعة أي "الصحراء الشرقية" التي اقتطعها الاستعمار الفرنسي ليضمها غصبا إلى الجزائر الشقيقة وهو الذي لم يمكنا إلى غاية اليوم من استكمال استقلالنا واسترجاع ما اغتصبه الاسبان ، أقصد: سبتة، مليلية، الجزر الجعفرية، جزر الخالدات، جزر الكناريا... ألم يدفع تهميش الميديوكريتان بفئة مهمة من الشباب المستوطن للجنوب المغربي وغالبيتهم من أبناء المقاومين وجيش التحرير الاشاوس إلى الانتفاضة التي وصلت إلى درجة المطالبة بالانفصال عن الوطن الام ولا أدل على هذا من القولة الشهيرة للوالي مصطفى السيد رحمه الله، أحد المؤسسين الاساسيين لما بات يعرف بجبهة "البوليساريو": (صعدنا الجبال سكنا القمم لنصبح رجالا من بعد العدم لنفضح من قال رعاة الغنم) لم تتوان جماعة الميديوكريتان في رصد كل الكفاءات في كل المجالات وجمع كل المعطيات المتعلقة بها (une véritable veille informationnelle) وفي الحرص كل الحرص على إبعادها وتهميشها ،ونذكر على سبيل المثال لا الحصر عالم المستقبليات د. المهدي المنجرة رحمه الله ، الدكتور طه عبد الرحمان أحد أكبر الفلاسفة و المناطقة في العالم (الذي تدخل جلالة الملك محمد السادس شخصيا لفك الحصار المضروب عليه)، سعيد عويطة بطل الابطال وفي كل الاوقات وسيد الحلبات بدون منازع ، د. عبد الجليل هنوش العميد السابق لكلية الآداب والعلوم الإنسانية مراكش، القائد المجاهد موحى وسعيد أويرّا (الويرّاوي) أحد الركائز الأساسية للدولة العلوية الشريفة والذي لم يتفاوض قط مع الاستعمار الاجنبي ، العالم العلامة الجليل سيدي محمد بلقزيز) الذي تم تكريمه بجائزة محمد السادس للفكر والدراسات الإسلامية (الذي أهين و طرد من كلية الآداب والعلوم الانسانية بمراكش إلخ.... بالرجوع إلى القصيبة، على غرار عدة مناطق بجهة تادلة أزيلال، نقول بأنها عانت في بعض الاحيان أكثر مما عانت منه المناطق الاخرى إذ تم تهميش الانسان والمجال واستنزفت خيراتها الطبيعية مما يؤشر على اختلالات بيئية واجتماعية عميقة بدأت تلوح في الافق والتي من شأنها أن تخل بتوازنات البلد برمته إذا ما تم السكوت على جماعة الميديوكريتان و تركت لتواصل عملها التخريبي الممنهج وانقلاباتها الخفية الخطيرة المتكتمة.