سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
احتلال تادلة.. هكذا فتكت قوات الاستعمار بقبائل السماعلة وبني خيران قادة الجيش الفرنسي أداروا ظهورهم لكل أخلاقيات الحرب وارتكبوا أبشع المجازر في حق المغاربة
«إن خصمنا هو أحسن محارب في شمال إفريقيا، بطبعه شديد الكراهية للأجنبي، شجاع إلى حد المجازفة، يضحي بكل ما يملك، بعائلته وأيضا وبكل سهولة بحياته في سبيل الدفاع عن حريته...ويختفي المهاجم بسرعة بعد أن يكون أتى على الجرحى ونهب الأموال واستولى في كل مرة على غنيمة من الأسلحة والذخيرة..» بهذه الكلمات التي شهد بها «العدو»، وصف الجنرال كيوم في كتابه «البربر المغاربة وتهدئة الأطلس المركزي» القدرات القتالية العالية التي واجهها إبان مشاركته في غزو المغرب. سعت الإدارة الفرنسية لتأمين منطقة الشاوية التي احتلتها سنة 1907، فانبرت قواتها العسكرية في ماي 1910 إلى الاستيلاء على قبائل ورديغة وبني خيران والسماعلة ثم غزو قصبة تادلة ثم القصبة الزيدانية. في الوقت الذي كانت فيه كتيبة فرنسية أخرى تنطلق من البروج، حيث ستصل إلى وادي أم الربيع ووادي العبيد، وذلك بهدف تطويق التوسعات الحربية للشيخ ماء العينين القادم من الجنوب، فوقعت أولى المواجهات المباشرة مع قبيلة أولاد عبد الله بالقرب من بني ملال يوم 21 يونيو 1910 حيث دارت معركة الزيدانية الأولى والتي شاركت فيها جل القبائل التادلاوية من بني عمير وبني موسى وبني معدان والقبائل الأمازيغية، فكبدوا الغزاة خسائر فادحة. وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن خطة قوات الاحتلال في إطار «تهدئة» قبائل المنطقة كانت تعتمد على جعل القوات المساندة أو الإضافية، والمشكلة من مقاتلي القبائل في المقدمة، لتقليص عدد ضحاياها من الجنود النظاميين، وهذا ما اعترف به الجنرال كيوم حين قال: «لم نتردد في اللجوء إلى القبائل «البربرية» غداة خضوعها مباشرة، فكل وثبة إلى الأمام تكسب في صفوفها عناصر ممتازة، وفي الوقت نفسه فإن رغبتنا المشروعة في الحد من الخسائر بين القوات النظامية تحثنا على أن نستخدم القوات الإضافية على نطاق أوسع..». في إطار الخطة العامة التي رسمها المارشال ليوطي والرامية إلى الاستعانة بالقواد الكبار في احتلال المغرب، لجأت سلطات الاحتلال على مستوى المنطقة إلى سياسة إغراء «الأهالي» ماديا ومعنويا، سيما منهم القواد والأعيان بالمناصب وببعض الامتيازات أو بعدم المساس بمصالحهم وتحريرهم من الكلفة المخزنية. وقد تجسدت هذه الإغراءات في تعيين القواد من بين سكان القبائل على العموم، يساعدهم شيوخ يعينون كذلك من بين أعيان كل قبيلة، بالإضافة إلى تعيين أبرز الأعيان فيما يسمى بجماعات القبائل. وبهذه السياسة استطاعت سلطات الاحتلال أن تنفذ بسياستها في عمق القبائل المحتلة، وأن تستعين بهذه القبائل في إخضاع المناطق التي لم تنلها بعد سيطرتها. وفاء لذكرى الشهداء المغاربة الذين هبوا للتصدي للحملة العسكرية الفرنسية، بروح عالية، تفتح «المساء» على صفحات الملف التالي، فصول إحدى ملاحم البطولة في التصدي للغزو الفرنسي من لدن قبائل الشاوية العليا وتادلة والأطلس المتوسط، مما اضطر معه قادة الاستعمار إلى إدارة ظهورهم لجميع أخلاقيات الحروب وجعل ميدان تدخلاتهم مجالا تجريبيا بامتياز، لأحدث الخطط العسكرية والأسلحة المتطورة، وذلك بحسب ما دونه هؤلاء العسكريون وعلى رأسهم الكولونيل مانجان الذي كتب بفخر عن تجريبه لتكتيكاته بمنطقة تادلة والمناطق المجاورة لها... كيف وصلت جحافل الحملة العسكرية إلى منطقة تادلة؟ وما هي المناطق والقبائل التي تصدت لها؟ وما النتائج التي ترتبت على تلك المعارك الضروس..؟ أسئلة ضمن أخرى يحاول هذا الملف معالجتها. هكذا استعمرت فرنسا تادلة بقوة الحديد والنار.. احتاجت 21 سنة من الرعب والحرائق ل«تهدئة» الأهالي [[{"type":"media","view_mode":"media_large","fid":"13939","attributes":{"alt":"","class":"media-image","height":"215","typeof":"foaf:Image","width":"480"}}]] استفادت طلائع القوات الفرنسية في غزوها المغرب، وفي وضع الخطط العسكرية من التقارير التي أنجزها الجواسيس الأجانب الذين زاروا المنطقة في إطار التمهيد لاحتلال المغرب، من أمثال الرحالة الإنكليزي هوكر في سنة 1871 والراهب الفرنسي شارل دوفوكو في سنة 1883 والإنجليزي جوزيف طومسون في سنة 1888 والفرنسي إدمون دوتي في سنة 1901 والدانماركي دوسيكونزاك في سنة 1905، حيث ركزوا في هذه التقارير على إبراز الخصائص والموارد الطبيعية للمنطقة، وفي مقدمتها المسالك التي يمكن عبورها، كما عرفوا بالإمكانيات البشرية والمادية التي يمكن لكل قبيلة أن تجندها في حالة المواجهة معها، وفي مقدمتها عدد المشاة وعدد الخيول. ولم تخف قوات الاحتلال استفادتها من هذه التقارير، حيث ردد جوستاف بابان على سبيل المثال ما قاله شارل دوفوكو عن واويزغت، لأنه لم يدع أبدا أي شيء بدون رؤية أو تفكير، ناقلا وصفا دقيقا للجغرافية البشرية لكل المناطق التي مر منها. بمجرد احتلال منطقة الشاوية في سنة 1908، اتجهت أنظار قوات الاحتلال إلى منطقة تادلة. فانطلقت تغزوها عبر محاور متعددة: الشاوية-وادي زم-قصبة تادلة، وزعير-وادي زم، والبروج-دار ولد زيدوح، وقصبة تادلة–بني ملال، وقصبة تادلة–القصبة الزيدانية بني عمير، والبروج–الفقيه بن صالح، وقصبة تادلة-القصبة الزيدانية-العين الزرقاء- سيدي صالح-دار ولد زيدوح، وقد وجدت هذه القوات عبر كل هذه المحاور مقاومة عنيفة، كما تشهد على ذلك المعارك الكثيرة التي دارت رحاها في نقط مختلفة من بلاد تادلة وسيما خلال الفترة من سنة 1910 إلى سنة 1916. وقد هب سكان الجبال المجاورة لمؤازرة سكان هذه المناطق، ولوقف زحف القوات الاستعمارية قبل أن تصل إلى مواقعهم، فنزلت حركتا القائد موحا أحمو الزياني والقائد موحا أوسعيد الويراوي عبر محور وادي زم- قصبة تادلة، وتحرك سكان إقليمأزيلال في مرحلة أولى في اتجاه بني مسكين قبل أن ينزلوا بثقلهم في المعارك التي كان سهل بني موسى ومنطقة الدير مسرحا لها. وقد اقتنعت القوات الاستعمارية بأن احتلال سهل تادلة لن يتأتى لها إلا إذا أخضعت لنفوذها سكان الجبال المجاورة، متوجهة صوب إقليمأزيلال من واجهات متعددة، من مراكش إلى هنتيفة ودمنات، ومن العين الزرقاء إلى سيدي على بن إبراهيم، ومن بني ملال إلى دير جبال بني عياط وآيت بوزيد، ومن قصبة تادلة إلى القصيبة، فكانت المواجهات الأولى فوق تراب هذا الإقليم، ومنها معركة فم الجمعة بهنتيفة يوم 27 نونبر 1912 ومعارك سيدي علي بن إبراهيم أيام 27 و28 و29أبريل 1913. وفي سنة 1915 تم احتلال جزء من هنتيفة ومن ضمنها مركز تنانت ثم الجهة الشرقية لدمنات. انتشار «السيبة» بمناسبة إعداده لأطروحة الدكتوراه، حاول الأستاذ أحمد توفيق أن يناقش ظاهرة «السيبة «التي انصبت عليها كثير من التفاسير الأجنبية على المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية وطرحت كمفهوم يحدد العلاقة بين القبائل والمخزن، وكتبرير للتدخل الأجنبي أمام عجز سلطة المخزن تجاه تلك القبائل، الذي أصبح معه التدخل العسكري الأجنبي بديلا عن عجز المخزن وغياب سلطته. تم –نظريا- تحديد الآليات التي تتحكم في الفعالية داخل كيان المجتمع البدوي. إذ يرى روبير مونطاني أن فعالية آليات الانصهار القبلي كامنة في التعارض الواقع بين أجزاء القبيلة أو عدة قبائل، مما يجعلها متكافئة فأصبح « اللف» أو الحلف- وهو حالة استثنائية لا تروم إليها القبائل إلا في حالة حرب- والذي أصبح بالنسبة لمونطاني مفتاح النظام الاجتماعي والسياسي، بالمقابل يرى كيلنير أن هذه الفعالية كامنة ليس في التعارض نفسه، ولكن في توزيع ذلك التعارض على عدد من المستويات داخل هذا المجتمع الذي يصفه بأنه « انقسامي» ويجسد ذلك في هذه الصورة « أنا ضد إخوتي وأنا وإخوتي ضد أبناء عمي، ونحن جميعا ضد العشيرة في القرية... « حيث أن التعارض بين المصالح في مستوى أدنى يتحول إلى توازن عندما يصبح التعارض في مستوى أعلى وهكذا. وأوضح أن مثل هذه النظرية خاصة لدى مونطاني كانت تستهدف دراسة أسرار التوازن الذي ظل قائما في كيان مجتمع البادية، رغم تعرضه لاضطرابات عديدة. ثم القيام بزعزعة ذلك التوازن من طرف الغزو الاستعماري ليتم في الوقت نفسه توطيد الغزو وتبريره. كان سكان البوادي في ظل هذه التحولات غير منخرطين كليا في تحديد مصير المغرب، بيد أن وضعهم تغير-فجأة- وأضحوا منخرطين على نحو مطرد في قلب الأحداث التاريخية. ومرد ذلك لارتفاع قيمة الجبايات عليها كنتيجة لسعي المخزن إلى تقوية ذاته. لذلك استدعى المخزن قياد الشاوية بمعية فرق النايبة العسكرية لمواجهة بوحمارة. انطلقت ثورات الفلاحين، من قبيل انتفاضة قبيلتي أولاد بوزيري وأولاد سعيد بالشاوية، وكانت موجهة ضد وكلاء المخزن. ما فتح الباب أمام الحركة الحفيظية، سيما وأن المولى عبد الحفيظ (1876-1934) سرعان ما لقي استجابة شعبية قوية لحركته. اعتمد إدموند بورك في تفكيك خيوط مسار حركة التمرد على الضابط مارتان Martin الذي أورد أن انبثاقها كان نتيجة التآمر على السلطان مولاي عبد العزيز، جمع-حينها- كلا من المولى عبد الحفيظ بالمدني الكلاوي خلال لقاءات بدأت منذ خريف 1904. لكن لم يحدث تقدم مهم في الحركة إلا أواسط 1906 بعد مصادقة المولى عبد العزيز على ميثاق الجزيرة الخضراء. حيث أضحى معلوما لدى الجميع أن المولى عبد الحفيظ يهيئ لإعلان نفسه سلطانا على البلاد. غير أن حدث اغتيال موشان في 19 مارس 1906 أدى إلى استفحال التوتر بمراكش، ليجد بذلك المولى عبد الحفيظ نفسه في وضع محرج، فكل حركة متسرعة ستحمل معها علامات انتقام فرنسية، والمفاوضات الرامية لتعاون القواد مع مشروع الثورة لم تنته بعد. لكن تقدم القوات الفرنسية بالشاوية أعطى دفعة قوية للحركة، حيث عمدت قبائل المنطقة إلى مبايعة المولى عبد الحفيظ من أجل الجهاد، ووصلت الرسالة إلى مراكش في 16 غشت 1907. فكانت سندا لعقد اجتماع تمت فيه مبايعة المولى عبد الحفيظ، وهكذا جرى تعيين المدني الكلاوي في منصب العلاف الكبير/ وزير الحرب، وعين عيسى بن عمر العبدي وزيرا للبحر/ وزير الخارجية، وعين المتوكي وزيرا للشكايات/ العدل، وكانت المالية للطيب التازي. وقد « شكل هذا التمرد الذي حدث في غشت 1907 حدثا غير مسبوق في تاريخ المغرب، لما مثله من تعاون وثيق غير معهود بين أمير من الدولة العلوية وزعماء أمازيغ من الأطلس الكبير الغربي» (بورك، الاحتجاج والمقاومة: في مغرب ما قبل الاستعمار 1860-1912)، شكل هذا تغييرا جذريا في تركيبة المخزن، فالسلطان قام بتعويض طبقة الفقهاء الواهنة بزعامات قبلية شبه فيودالية، كما أنشأ نظاما يمثل المصالح الحقيقية والفعالة للبلاد، وليس بيروقراطية معزولة من سكان المدن، وخلال أسابيع قليلة تواصلت بيعته من طرف قبائل ومدن الجنوب. رفض السلطان قبول شروط الجزيرة الخضراء يعني الحرمان من الوصول إلى مداخيل الجمارك التي كانت توضع حينئذ في بنك الدولة. لذا أضحى التفاوض مع فرنسا أمرا حتميا لا مفر منه، غير أن الشروط التي سيفرضها ذلك ستكون قاتلة للحركة الحفيظية. إذ اعترف السلطان في مراسلة بتاريخ 09 يناير 1909 إلى ممثلي القوى العظمى بطنجة، بالديون التي أخذها سلفه ودفع استحقاقتها، وقبل ميثاق / شروط الجزيرة الخضراء وتأدية كل التعويضات، إضافة إلى تعويض تكلفة حملتي الشاوية ووجدة. ما قاد نحو انجراف خطير في الحركة (وصل حد مهاجمة السلطان عبد الحفيظ من طرف بدوي)، وعجل بترك السلطان لفاس والعودة إلى مراكش الأكثر أمنا بالنسبة له. هي إذن انتفاضات ومقاومة إن كانت قد عرقلت على المدى القصير الانطلاق الفعلي للحماية الفرنسية، فإنها مقابل ذلك نسجت على المدى البعيد دعامات سياسة ليوطي التي انطلق منها لمقاومة الثورة. قوامها «السياسة الثقافية الناعمة» التي صرفت انتباه المغاربة عن استيلاء الفرنسيين على البلاد، في وقت أصبح كل مغربي يخشى جاره ويرى فيه عميلا للأجنبي. سواء تعلق الأمر بالإصلاح المخزني أو بمطالب التجار أو بالدعوة للجهاد أو بغليان البوادي، كل مبادرة، مهما كانت دواعيها، أصبحت تخدم في النهاية المطاف أهداف الاحتلال. بهذا الصدد علق المؤرخ المغربي محمد الحجوي قائلا: إن المغرب «انتحر على يد أبنائه». بادية المغرب التي أغرت الاستعمار... ميز الماريشال ليوطي في مذكراته عن المغرب.. 1912 – 1926، بين صنفين من المعمرين الفرنسيين، هما المعمرون القرويون الفلاحيون والمعمرون التجار والصناعيون بالمناطق الصناعية (القنيطرة، الدارالبيضاء، فضالة...) الذين كانت تدور بينهم صراعات لا تنحصر فقط في الخلافات حول الأولويات الاقتصادية لمناطق الاستيطان (الغرب، الشاوية، شياظمة...)، بل أيضا على المستوى الثقافي. فالفلاحون المعمرون محافظون، وأغلبهم من الجنوب الفرنسي ولهم تقديس خاص للعائلة، فيما المعمرون المدينيون ليبراليون وأغلبهم يتحدر من مدينة ليون الصناعية والتجارية القوية حينها، الذين اختاروا لقنيطرة وإنجاز مينائها وسكتها الحديدية مع الشمال وفاس وطنجة، على الاستقرار بالدارالبيضاء، بمينائها الجديد، الذي هو عمليا مخصص للرأسمال الباريسي وللرأسمال القادم من بوردو. وهذا للحقيقة واحد من مجالات التنافس الاقتصادية المالية، بين المجموعات الصناعية والتجارية الفرنسية لم يسلط عليه الضوء كثيرا في علاقته مع المغرب، والذي بقيت له تبعات إلى اليوم. مثلا الدارالبيضاء، مازالت على علاقة قوية بمجموعة بوردو المالية والصناعية وكذا مجموعة باريس، فيما مناطق أخرى من المغرب لها علاقات قوية مع مجموعات ليون ومارسيليا. بمجرد ما تم الإعلان عن توقيع عقد الحماية على المغرب، لجأت سلطات الاحتلال الفرنسي إلى وضع الأسس الأولى لتسهيل عملية استغلاله، إذ وفرت الآليات المالية الضرورية لذلك. وفي هذا الإطار يمكن الإشارة إلى إحداث وكالات ومؤسسات مالية خاصة بالإيداع والقرض مثل البنك المخزني بالرباط الذي تحددت مهمته في منح القروض للمغرب وإحداث إصلاحات مالية ونقدية. ومن البنوك الأخرى هناك الشركة الجزائرية والقرض العقاري للجزائر وتونس والشركة المرسيلية للقرض والبنك التجاري المغربي. وهي كلها مؤسسات عملت على تنشيط ومساعدة الاستعمار على توفير البنيات التحتية اللازمة وتمويل المشاريع الكبرى وتسويق الحبوب وغيرها من الثروات الطبيعية. - تشجيع الاستثمار وفتح المغرب في وجه الرساميل الأجنبية، وقد اتخذت هذه الاستثمارات شكلين: * استثمارات خاصة: وفرتها الشركات والبنوك الفرنسية بوجه خاص، بعدما حظيت بتسهيلات وامتيازات إدارية وجمركية وضريبية. * استثمارات عمومية وشبه عمومية: هي الاستثمارات التي توظفها سلطات الحماية باسم المغرب في المجالات الاقتصادية، العسكرية والإدارية. أما مصدرها فهو الضرائب المباشرة وغير المباشرة المفروضة على المغاربة، إضافة إلى القروض الخاصة (من الحكومة الفرنسية ). - اعتماد نظام ضريبي متنوع (ضريبة الترتيب، ضرائب مهنية وسكنية، مكوس، رسوم جمركية، رسوم خدماتية، ضرائب تضامنية...).الشيء الذي أغنى خزينة الإقامة العامة ودعم مواردها وسهل ظروف استغلال خيرات المغرب وثرواته بأقل الخسائر. اتجهت إدارة الحماية الفرنسية منذ البداية إلى توفير البنيات التحتية اللازمة من أجل تيسير ظروف مناسبة للاستيطان والاستغلال. وقد تلخصت أهم التجهيزات في: - إحداث شبكة من الطرق المعبدة والثلاثية ومن السكك الحديدية للربط بين المدن الساحلية والداخلية وبين المناطق الفلاحية النافعة والمناجم. - إنشاء موانئ ومطارات كما هو الشأن بالدارالبيضاء منذ 1921 بهدف تسهيل نقل المحاصيل الفلاحية والمنجمية من مناطق الإنتاج وتصديرها وتسويقها إلى الخارج. - إقامة شبكة من السدود بالقسم الشمالي لسقي الضيعات الاستعمارية وإنتاج الكهرباء وتوفير الماء الصالح للشرب. تجلت أهم مظاهر الاستغلال الاستعماري التي همت القطاع الفلاحي في لجوء إدارة الحماية إلى إصدار ظهائر التحفيظ العقاري كظهير 12 غشت 1913 الخاص بتحفيظ الأراضي والأملاك العقارية، وظهير يوليوز 1914 القاضي بتفويت أراضي الجماعة للمعمرين ونزع ملكيتها من المغاربة، لذلك فقد اعتبر التحفيظ السند القانوني لتأكيد الملكية، مما سهل على الأجانب إمكانية الاستيلاء على أراضي المغاربة لجهلهم بهذا الإجراء القانوني. وكذا استحواذ المعمرين على أجود الأراضي الفلاحية بالمغرب إما عن طريق شرائها بأثمان رمزية أو باستخدام أساليب ملتوية في عملية نزع الملكية، وتشجيع الاستيطان الفلاحي بمختلف مناطق المغرب في إطار شكلين من الاستعمار: *استعمار فلاحي رسمي ويعني استغلال الأراضي التي استولت عليها سلطات الحماية بدعوى مقاومة الاحتلال أو باسم المصلحة العامة. وتتكون من أراضي الكيش، أراضي المخزن وبعض أراضي السلالات والجماعات، وقد وزعت على المعمرين بأثمان منخفضة. *استعمار فلاحي خاص: هي الأراضي التي استحوذ عليها المعمرون بواسطة التهديد، الإغراء والتحايل خصوصا وأن الفلاح المخزني لا يملك أي سند قانوني يثبت ملكيته للأرض. اهتم المعمرون بتوسيع نطاق الزراعات السقوية التسويقية (القطن، الكروم...) وباستخدام آلات فلاحية حديثة مستفيدين من الدعم التقني والضريبي والمالي (قروض) ومن عمليات الاستصلاح المجاني للأراضي الزراعية (نظام السخرة). نهب وحرق «الأهالي»... هدفت الحملة العسكرية بالمغرب، إلى استغلال أبسط الحوادث للتوسع داخل الأراضي المغربية، وهدر دماء أهلها واستعبادهم ونهب خيراتهم وتعريض اقتصادهم للانهيار، عن طريق نهب المحاصيل الزراعية وقطعان الماشية، ونزع أراضيهم الخصبة بحجة عدم التحفيظ وفرض ضريبة الترتيب عليهم ( قانون سنة 1915 ) المعروفة عند المغاربة بضريبة الرأس. ( تفرض على كل فرد من أفراد القبيلة أو العائلة أي على كل رأس )، والتي تتزايد بتزايد حاجة المستعمر لتمويل أنشطته. إلى جانب إجبارية المساهمة في فاتورة الحرب التي خاضها المستعمر على أكثر من جبهة بسبب الجشع الاستعماري، ومضايقة البرجوازية المغربية الناشئة عن طريق فرض الحصار عليها والحد من حريتها التجارية والتنقلية لصالح اليهود المغاربة والمعمرين الفرنسيين. كل هذا بقصد تفقير وتجويع الشعب ليسهل إخضاعه –فيما بعد- واحتلاله كاملا. ناهيك عن استنزاف الثروات المعدنية والفلاحية والبحرية واستغلال اليد العاملة المحلية في أعمال السخرة ( التويزة ) باسم الصالح العام. لكن، رغم المقدرات الحربية والبشرية الهائلة للحملة الاستعمارية الفرنسية، أبت القبائل المغربية، سيما تلك التي كانت في طليعة التصدي للغزو، مثل قبائل الشاوية وتادلة والأطلس المتوسط، إلا أن تواجه مصيرها الدامي بشجاعة –شهد بها الضباط العسكريون في مذكراتهم- ضد جحافل الجيش الفرنسي، من قوات نظامية وفيالق أجنبية إضافة إلى فرقة الكوم التي أحدثت لاستكشاف المناطق «المتمردة» عبر الاستعانة بمجندين مغاربة. بدأت مقاومة قبائل الشاوية العليا وتادلة منذ 1908 إلى حين احتلالها –قصبة تادلة- سنة 1913، ثم معارك خنيفرة سنة 1914، بموازاة استئناف العمليات العسكرية بتادلة من سنة 1915 إلى سنة 1917. حين عمدت القوات الغازية إلى حرق الدواوير ونهب الماشية والمحاصيل الزراعية، وكذا «سبي»نساء تلك المناطق (أنظر الصور) بعد أن تحصن المقاومون المحليون بالمرتفعات والجبال ذات المسالك الوعرة... امتد الهجوم العسكري انطلاقا من لقصيبة وتادلة على وادي العبيد في سنوات 1929 و1930. ومقاومة أيت يحيى في سنوات 1931-1932، ومقاومة أيت إسحاق في سنة 1932. تعدد محاور الهجوم...تكتيك تم تجريبه بفعالية تبقى أهم خصيصة بصمت الخطط العسكرية، لاحتلال منطقة تادلة وأزيلال متمثلة في غزو مختلف نقط هذه المنطقة من أكثر من واجهة خلافا لخطتها في احتلال الكثير من جهات البلاد مطلع الحملة العسكرية، حيث كان يتم هذا الاحتلال عن طريق الهجوم على المدينة أو القبيلة من واجهة واحدة. وكان الهدف المتوخى من وراء ذلك هو تشتيت جهود القبائل حتى يسهل على قوات الاحتلال إخضاعها، إذ كانت هذه القوات تنطلق من واجهتين معا في الوقت نفسه، بعد أن تكون أركان الحرب قد حددت منذ البداية محلا معينا تلتقيان فيه. ونعطي فيما يلي أمثلة عن هذه الخطة من نقط مختلفة من تراب إقليمأزيلال: ففي سنة 1913 وقبل أن تجرأ على التوغل داخل تراب الإقليم، ضربت قوات الاحتلال موعدا لها في الجانب الغربي من تراب الإقليم عند قدم جبال هنتيفة، حيث التقت يوم 19أبريل 1913الفرقة المتنقلة لتادلة بقيادة الكولونيل مانجان بالفرقة المتنقلة لمراكش بقيادة اليوطنان كولونيل سافي بدار القائد مبارك على وادي العبيد. وفي أواخر سنة 1916 ضربت قوات الجنرال دولاموط القادمة من مراكش والتي انطلقت من تنانت وقوات الكولونيل أوبير التي انطلقت من بني ملال موعدا لها في أربعاء مولاي عيسى بن إدريس بقلب أيت اعتاب، حيث التقت يوم 5 دجنبر 1916. وفي شتنبر 1922 التقت الفرقة المتنقلة لمراكش بقيادة الكولونيل نوجيس بالفرقة المتنقلة لتادلة بقيادة الكولونيل فرايدنبرغ في منطقة واويزغت عند احتلالها. وفي شهر ماي 1932 وقع الاستيلاء على منطقة آيت إصحا من طرف القوات الآتية من مراكش ومن تادلة . أما عن الكيفية التي واجه بها مقاومو المنطقة خطة المستعمر لاحتلال ترابهم، فإن أهم ما تميز به رد فعلهم تجاه هذا المستعمر هو أنهم لم يتركوا المبادرة لقوات الاحتلال سواء وهو بعيد عن مواقعهم أو لدى اقترابه منهم أو داخل مجالهم الترابي. وهكذا فقد اجتمعت كلمتهم من أن وطأت أقدامه بلاد الشاوية وتوجهوا في «حركات» مهمة إلى بني مسكين لوقف زحف قواته، كما تصدوا له قبل أن يعبر نهر أم الربيع في مشرع سيدي صالح بأولاد إيلول وفي العين الزرقاء بأولاد عريف، وكانت مواجهتهم له أكثر عنفا في منطقة الدير ما بين بني ملال والكرازة. موحا وسعيد الويراري الذي رفض التفاوض مع ليوطي.. [[{"type":"media","view_mode":"media_large","fid":"13940","attributes":{"alt":"","class":"media-image","height":"215","typeof":"foaf:Image","width":"480"}}]] ما إن شرعت البارجة الحربية الفرنسية «غاليلي» في قصف الدارالبيضاء بالقنابل الحارقة من البحر بتاريخ 5 غشت 1907، وبدأ الجنرال «درود» يكتسح المدينة، حتى عبأ القائد المقاوم موحا وسعيد الويراري حوله جموعا غفيرة من المقاتلين المتطوعين الذين جندتهم القبائل من أعالي الأطلس المتوسط حتى السهلية منها، تجمعوا بمنطقة مديونة سنة 1908، في محاولة للتصدي لزحف الحملة العسكرية، وكذا تقديم العون والمدد لقبائل الشاوية. كان له دور مركزي في قيادة المعارك الخاطفة، على مشارف الدارالبيضاء مثل معارك سيدي مومن وتادارت، قبل أن ينسحب إلى هضاب الشاوية في اتجاه معقله بالقصيبة، وذلك بعد أن أجبر فيالق الحملة العسكرية على المكوث داخل أسوار مدينة البيضاء، وعدم التقدم طيلة 6 أشهر. تمكن منذ سنة 1890 من ربط علاقات طيبة مع المخزن العزيزي، الذي عينه مسؤولا على أمن القصيبة وما إليها. قبل أن يعين قائدا على المنطقة نفسها، واستغل موحا وسعيد هذا المنصب لتوطيد سلطته وهيبته بين القبائل، إضافة إلى لباقته وحذقه في التعامل مع أعيان ووجهاء القبائل. تبقى صورة موحا وسعيد الويراوي ناصحة في ملحمة مقاومة الغزو العسكري الاستعماري، تألق نجمه حينما قاد العمليات العسكرية على خط يمتد بين القصيبة وبين سهول الشاوية، في صراع شرس ضد الغزو الفرنسي، كما ظل يحرض القبائل على الجهاد وعدم الخضوع لحيل المفاوضين، كما كان يخطط شخصيا لعمليات «حرب العصابات» الخاطفة ضد الخطوط الأمامية للحملة الغازية، أو بعض فرق الاستطلاع التي كانت تجازف لتأمين الطرق والاستعلامات. كتلك العمليات التي داهمت المراكز العسكرية الفرنسية في وادي زم، وتادلة وإغرم لعلام. واجه موحا وسعيد في مقاومته البطولية من جبال آيت ويرى وآيت السري، ومن غابات الأطلس، ومن سهول تادلة، كبار الضباط الفرنسيين الذين خلدهم التاريخ العسكري الفرنسي، هازما إياهم في معركة سيدي بن داوود ومعركة مرمان. وعلى إثر تلك الهزيمة، جنحت الإدارة الفرنسية إلى الاكتفاء بتحديد الاحتلال على الضفة اليمنى لنهر أم الربيع، وفتح المفاوضات مع القائد في محاولة لاستمالته إلى الجانب الفرنسي، من أجل إيقاف الغارات على السهول، وتمكين المعمرين الأجانب من الاستقرار، والبدء في استغلال الأراضي الفلاحية. واختار ليوطي، المقيم العام الفرنسي، لهذه المفاوضات المهدي لمنبهي، وزير الحرب على عهد السلطان عبد العزيز، وصديق موحا وسعيد. ولم يكن ليوطي يشك في نجاعة هذه الوساطة نظرا للصيت الطيب الذي كان لموحا وسعيد ولدى المنبهي. وحاول هذا الأخير، أثناء المفاوضات في غرم لعلام، إرضاء صديقه بأن يحتفظ بقيادته على قبائل الدير، علاوة على أجرة قدرها 18000 بسيطة حسنية، بمعنى أن فرنسا كانت تريد أن تجعل من القائد موحا وسعيد كلاويا آخر، في إطار استعانتها ب«القواد الكبار» لتثبيت وجودها العسكري والإداري. لكن هذه الإغراءات لم تؤثر فيه وكان جوابه للمهدي لمنبهي قوله «أريد وجه الله ورسوله، ولا أريد مقابلة الكفار واليهود». غير أن ليوطي لم يفقد الأمل، وعاود الكرة مع زاوية أبي الجعد، ثم مع باشا مدينة بني ملال. ولد موحا وسعيد الويراري بقبيلة أيت ويرى، ويعتبر قائدا مجاهدا منسيا، شغل منصب قائد مخزني على منطقة شاسعة امتدت من لقصيبة إلى هضاب الشاوية، في صراع ضد الاستعمار الفرنسي من سنة 1908 إلى سنة 1924 . منذ بدء الغزو العسكري الفرنسي للمغرب، بدأ موحا وسعيد الويراري التنسيق مع أقطاب المقاومة، ملبيا دعواتهم للنفير العام باعتبارهم رموز الأمة في المحافظة على قيمها وتوجهها الحضاري، كما ورد في الرسائل التي تلقاها من زعماء المقاومة، أمثال احساين الحنصالي، وأولاد سيدي الطيبي الهواري، وخاصة الشيخ مربيه ربه، ابن الشيخ ماء العينين، الذي كاتبه من سوس، يعظه ويوصيه بأن لا يجنح للاستعمار. من أجل ذلك كله، هب الزعيم الويراوي من مقر قيادته بسريف لإذكاء روح المقاومة في صفوف القبائل الأمازيغة والعربية، وتوحيدها صفا واحدا لمواجهة طلائع الحملة العسكرية الجرارة، التي لم تخلف خلفها سوى الدمار والموت... نسوة تادلة وأزيلال..أبطال معارك سيدي بن إبراهيم تبقى معارك سيدي علي بن إبراهيم بقبيلة بني عياط أيام 27-28-29 أبريل سنة 1913، من أهم المواجهات التي حسمت مصير المنطقة. تجمعت كل من قبائل بني عياط وآيت بوزيد وآيت عطا نومالو وغيرها من قبائل منطقة تادلة ولقصيبة من جهة وبين قوات الاحتلال بقيادة الكولونيل «ركيستون»والطبيب الماجور ماليط، وقد سرد العسكريون المشاركون في هذه المعارك عند حديثهم عنها محنة معركة سيدي علي بن إبراهيم. كان من بين قتلاهم القبطان ركيستون والطبيب الماجور المساعد ماليط وضباط الصف: رافيي- كانو- بيان- ليونس والجنود: جنيست، أكوستيني، بينو، فانطانيل، كانو، بيان موسى تراوري، بكاري تراوري، فرانطونا، بيو، ضوضي سيري، فرانسو ابوكام، تيسو أوجين، تيربوا، بامبا ساونكو، بوسو، نسدجي ديارا، مديي ديارا، كيندو، أوكوندو، مامادي سيسي، علي باو، دامبا سيسيكو، وكما يلاحظ فإن مجموعة من هؤلاء القتلى من جنسية سنغالية. أما الضباط الذين شاركوا في هذه المعارك فكان من بينهم قائد الفوج الفرنسي الرابع مارتي والقبطان صالا والقبطان كوبار والقبطان ريشارد ديفيري وملازم الاحتياط بلوت والطبيب الرئيسي مورو والملازم الأول كار والقبطان ريفير والقبطان جيكودون والقبطان باري والملازم جيل والكولونيل دوديف والقبطان جوليت وغيرهم كثير من الضباط وضباط الصف والجنود من فرنسيين وجزائريين وسنغاليين وما يسمى باللفيف الأجنبي. يذكر أيضا، أن المرأة التادلوية شاركت إلى جانب الرجل في هذه المعارك، ولم تكن هذه المشاركة مقصورة على فئة معينة من النساء، بل كانت هناك الفتاة والمرأة الشابة والمرأة العجوز كما لاحظ ذلك القبطان كوربي خلال مرافقته لحركة مانجان، وهو يغزو الأطلس المتوسط في سنتي 1912-1913، حيث سجل بأنه وجدت من بين قتلى المجاهدين في معارك سيدي علي بن إبراهيم فتاة في سنتها 13 كانت وسط المحاربين وامرأة مسنة ومعها في حمالتها «مزودة» مليئة بالرصاص. وأمام هذه الصدمة القوية عند قدم جبال أزيلال تراجعت قوات الاحتلال ولم تعد إلى منطقة سيدي علي بن إبراهيم إلا في أواخر سنة 1915 أي بعد مرور حوالي ثلاث سنوات بعد أن استرجعت أنفاسها واستجمعت قواها، ولكن دون أن تجرؤ على بسط نفوذها على هذا الموقع واختراقه إلا في أواخر سنة 1916، بعد أن عززت سلاحها الأرضي بالسلاح الجوي الذي استخدمته بسخاء عبر مجال منطقة أزيلال. أما في معركة يوم 26 نونبر 1916 بمنطقة الدير، فقد هاجمت الفرقة المتنقلة لتادلة بقيادة الكولونيل أوبير ومساندة أنصارها من بني موسى وفرقة الكوم لدار ولد زيدوح يوم 26 نونبر 1916 قرى بني عياط بتيزكي وإيفرغس عقابا لهم على هجومهم يوم 18 نونبر 1916 على دواوير الكرازة بسبب استسلامها. وحسب المصادر الفرنسية فإن هذا الهجوم خلف 150 قتيلا في صفوف بني عياط الذين كانت تؤازرهم حسب مراسل جريدة السعادة قبيلة آيت عتاب، في حين أن خسائر قوات الاحتلال لم تتجاوز حسب المصدر نفسه 4 قتلى و18 جريحا. مقاومون أمازيغ خلدوا أسماءهم في طريق الغزاة بالشاوية وتادلة هبت القبائل الأمازيغية منذ سنة 1908 لوقف زحف قوات الاحتلال، وشاركت إلى جانب القبائل المجاورة في أهم المعارك التي دارت رحاها في سهل بني موسى بتادلة في منطقة الدير ما بين بني ملال وسيدي علي بن إبراهيم، سيما خلال الفترة ما بين سنة 1913 إلى سنة 1916. كما جند سكان هذه المنطقة كل إمكانياتهم البشرية والمادية لوقف توغل قوات الاحتلال داخل ترابهم الذي عرفت عدة نقط منه معارك طاحنة... كانت المواجهات الأولى في بلاد بني مسكين، حيث ذكرت العديد من المصادر الفرنسية أن الاصطدام بين الوحدات الأمازيغية وبين قطع الإنزال الفرنسية تم لأول مرة في سنة 1908 في الشاوية. وتحتفظ الرواية الشفوية بأن سكان غرب إقليمأزيلال والمنتمين إلى قبائل هنتيفة وآيت عتاب وآيت تكلا وغيرها لما علموا بوصول الفرنسيين إلى البروج في سنة 1908 تجمعت حركاتهم في الكدية الحمراء بابزو، ومنها انطلقوا إلى زاوية تارماست بقيادة عبد الله أوشطو، ثم إلى أولاد حمو بالبروج حيث اصطدموا بقوات الاحتلال التي كانت مرابطة بكيسر. وهذا ما يؤكده العلامة المختار السوسي في إشارة له إلى هذه المرحلة بقوله: «كان الوقت متموجا لأن الاحتلال يمتد شيئا فشيئا، والقبائل المقاومة تجتمع في مجامعها لترى ما يليق بسياستها، وكان آيت عياط وآيت مصاض وآيت ورا وآيت عتاب وكل قبائل تادلة والسراغنة اجتمعت كلها في المحل المسمى حميري في ناحية بني مسكين». كذلك في معركة أولاد سيدي صالح في شتنبر -23 يونيو 1912، حين كانت أولى المواجهات فوق أراضي بني موسى بمساهمة سكان قبائل أزيلال يوم 23 يونيه 1910 في مشرع سيدي صالح بأولاد إيلول على وادي أم الربيع، وخلالها كانت قوات الاحتلال يقودها الكولونيل» أوبير». وقد خلفت القوات الفرنسية خلال هذه المعركة التي دامت ست ساعات، حسب المصادر الفرنسية نفسها 13 قتيلا و92 جريحا من بينهم القبطان «شونان» والملازم «ماري». بين 14-15 أكتوبر 1912، دارت معركة زاوية تارماست، حينما اصطدمت قوات الاحتلال ليلة 14 ويوم 15أكتوبر1912 في زاوية تارماست بقبائل بني موسى التي كانت تؤازرها قبائل أزيلال، وفي مقدمتها قبيلة هنتيفة وقبيلة آيت عتاب وقبيلة بني عياط المجاورة لتارماست، وقد نزلت قبائل المنطقة في هذه المواجهات بحركات تعدادها 4000 رجل. ومما يدل على عنف هذه المواجهة أن القوات الفرنسية قد فقدت فيها حسب اعترافها 5 قتلى من بينهم القبطان «دينو» و24 جريحا. لكن يبقى أهم تلك المعارك، هي واقعة العين الزرقاء بأولاد عريف ببني موسى يوم 26 أبريل 1913، التي قاد حملتها الكولونيل مانجان ضد مجاهدي قبائل بني موسى وآيت عتاب وآيت بوزيد وبني عياط نومالو. وعن هذه المعركة قال الكولونيل فوانو:»في يوم 26 توجهت قوات(مانجان)نحو العين الزرقاء حيث هاجم المتمردون المعسكر ولاذوا بالفرار، وكان عدد القتلى في صفوفنا، يضيف فوانو، أربعة، و27 جريحا من بينهم اليوطنان «أرنو» و»رانكت برانكار» و»باولوتي». ويذكر أحد التقارير أن من بين جرحى هذه المعركة قائد الفرقة المتنقلة لتادلة الكولونيل شارل مانجان الذي أصيب بجروح في إحدى رجليه. واد زم أو باريس الصغرى..التي لم تذعن يوما للاستعمار [[{"type":"media","view_mode":"media_large","fid":"13941","attributes":{"alt":"","class":"media-image","height":"215","typeof":"foaf:Image","width":"480"}}]] في دجنبر 1912 وصلت قوات الحملة العسكرية الفرنسية إلى واد زم لأجل إقامة مركز عسكري ثابت. تراقب من خلاله تحركات القبائل المتقدمة نحو تادلة والأطلس المتوسط. حيث تكونت حامية المدينة من ثلاثة طوابير وبطاريتين للمدفعية وسرية من –الكوم- وأخرى من -السينغاليين- بمجموع 2600 رجل . في هذا الصدد يقول اللواء غودان ديغيف قائد هذه الحامية: «وادي زم التي لا تبعد عن أبي الجعد إلا بأقل من 16 كيلومتر تعتبر خطوة متقدمة في سبيل الاحتلال النهائي لتادلة، وواجهة لا غنى عنها لحماية المصالح الاستعمارية في الشاوية. أثار تقدم الحملة العسكرية غير الدينية للقبائل المحلية، الذين التقوا حول الزعامات الأمازيغية مثل الويراريو الزياني موحا وحمو الذي عجل بالزحف إلى ما وراء وادي كرو فأقام معسكرا بمنطقة وارغوس بالبراكسة، حيث حفزت تعبئته مقاومة السهول، التي هجمت يوم 24 دجنبر 1912 على القوات الفرنسية بدار القاضي، مما استلزم إقدام الفرنسيين على استنفار جميع القوات الموجودة بالمركز... بينما تشكل مقاومو آيت الربع وأمازيغيو القصيبة بقيادة موحى وسعيد الويراوي، في حين تجمع بني زمور على طول وادي بوكروم، وفي 17 مارس هجمت قبيلة بني سمير ووقعت معركة بني سمير الشهيرة، وفي 19 من الشهر نفسه هاجمت قبائل السماعلة وبني خيران قوات اللواء سيمون بسيدي محمد لبصير...كل هذه الأحداث عجلت بإقالة الكولونيل سيمون وتعويضه بليوطنان كولونيل مانجان الذي تولى القيادة بمدينة وادي زم على المستويين العسكري والسياسي، وعرف عنه البطش والفتك بالمقاومة دون تمييز. كان مسرح الأحداث عبارة عن هجوم عنيف وطويل ليلة 25 مارس واليوم الموالي، شاركت فيه قبائل السماعلة وبني خيران وبني زمور وزيان التي انهزمت فيها أمام قوة الغزاة. لكنها كانت مثالا في الاتحاد والصمود ضد الآلة العسكرية الفتاكة... فكان بذلك تاريخ 25 مارس 1913 مشؤوما على المنطقة باعتباره يوم سقوط مدينة وادي زم في قبضة الاستعمار الفرنسي، الذي طرد منها أهلها لتستوطنها شرذمة معمرين فلاحيين، وأقام فيها كذلك بعض أطر الإدارة الاستعمارية. لقبت بباريس الصغيرة وشيدت بها بحيرة على شكل خريطة فرنسا، وذلك لطمس معالم المدينة التاريخية الثائرة التي لعبت دورا كبيرا ومهما ومركزيا في استقلال المغرب بفضل قوة مقاومتها وتضحيات مقاوميها الأبطال. غداة استقلال المغرب سنة 1956، كانت تلقب بمدينة الثورة والشهداء، يفتخر أبناء ثوارها بثورة وادي زم 20 غشت من سنة 1955، هذه الثورة التي اعتبرها المستعمر الفرنسي بمثابة مجزرة في حق الفرنسيين، الذين كانوا آنذاك يستقرون بكثرة بوادي زم خاصة من كبار الشخصيات الفرنسية، وكانوا يلقبون وادي زمبباريس الصغيرة. وكانت نقطة تحول كبيرة في تاريخ هذه المدينة. ففي يوم السبت 20 غشت من سنة 1955، كان كل شيء هادئا بوادي زم، عكس أبي الجعد، مما أدى إلى طلب تعزيزات إليها من وادي زموقصبة تادلة، كما ورد في تصريح للمقيم العام جيلبير كراندفال في مذكرات «مهمتي بالمغرب»: «الأحداث اندلعت في أبي الجعد في الثامنة صباحا من يوم 20 غشت، وأخمدت بعد فترة وجيزة، وانتفاضة المدينة المجاورة اندلعت في الساعة الثامنة والنصف وفي هذا التوقيت نفسه تحركت قبائل السماعلة على متن شاحنات وخيول في اتجاه المدينة، فاعترضهم عند مدخلها الشمالي مساعد المراقب المدني «كاريول» فأرغم سائق الشاحنة الأمامية على التوقف بإطلاق النار، آنذاك اشتدت إثارة المتحمسين فاندفعوا دفعة واحدة لقي خلالها حتفه، ومع حلول الساعة التاسعة صباحا سيطرت قبائل السماعلة وبني سمير وبني خيران على المدينة وتم تحطيم محطة القطار. هذه الوضعية شجعت سكان مناطق السماعلة وبني سمير وبني خيران على التجمع في وادي زم على الرغم من محاولات الفرنسيين منع حدوث ذلك. في زنقة سوق الاثنين، المسؤول الأعلى الفرنسي أعطى الأوامر لاستعمال الأسلحة وقتل كل متظاهر، العديد من السكان استشهدوا في مجزرة للقوات الفرنسية».. محمد بلحسن*: قام الفقهاء وشيوخ الزوايا سلفا بتأطير السكان على طول البلاد وتحريضهم ضد الغزو الفرنسي قال إن جبال الأطلس المتوسط شكلت مصدر إزعاج للفرنسيين بنزولهم لدعم القبائل الأطلسية - ما هو دافع الحملة العسكرية الفرنسية صوب الهضاب العليا للشاوية وتادلة منذ سنة 1908؟ أراد الفرنسيون احتلال تادلة، قبل أن ينهوا حروبهم مع القبائل الساحلية التي قاومت بدورها الإنزال الفرنسي والإسباني الذي تلا قصف مدينة الدارالبيضاء، كما شكلت جبال الأطلس المتوسط مصدر إزعاج للفرنسيين بنزولهم لدعم القبائل الأطلسية والتصدي للزحف الاستعماري. كذلك كون السياسة الاستعمارية أرادت إنشاء مصانع ضخمة وتشييد مدن عصرية، واستغلال الأراضي الفلاحية، فقد ارتأت حسم المقاومة لحملتها ووضع حد لهجوم قبائل الأطلس المتوسط التي وصلت حد مديونة والدارالبيضاء، ويبقى المثال الناصع لتلك المقاومة موحا اوسعيد الويراوي، الذي نظم وقاد مقاومة شرسة ضد للقوات الفرنسية على مشارف مديونة. - كيف نجح الويراوي وحمو الزياني في توحيد كل من القبائل الأمازيغية والسهلية ضد المستعمر؟ كان الأمر سهلا نوعا ما..، فقد قام الفقهاء وشيوخ الزوايا سلفا بتأطير السكان على طول البلاد، وتحريضهم ضد الغزو الفرنسي ورفع السلاح في وجهه. ولعبت كل من الزاوية الحنصالية والقادرية دورا رائدا في تعبئة النفير العام. كان أهم ملاحمها معركة بقرب جبل لوغوس بسفوح جبال الأطلس المتوسط الذي واجه خلالها الزيانيون بقيادة موحا اوحمو الزياني قوات الحملة الفرنسية. - هل كانت القدرات العسكرية متكافئة بين الفريقين؟ لم تكن فرنسا لتقضي على المقاومة المغربية لولا استعمال أسلحة فتاكة، لا قبل للمقاومين بها، اعتمدها القادة الفرنسيون أساسا في تقدمهم على تنظيم الصفوف والتشكيلات، مثل استعمال أسلحة حديثة متطورة كالرشاشات والعربات المصفحة والطائرات، بالمقابل لم يتوفر المقاومون المحليون إلا على أسلحة بسيطة مثل بنادق بوحبة ولخماسية والأسلحة البيضاء كالخناجر والسيوف. هذا، قبل أن يعمد المقاومون إلى سرقة الثكنات والمواقع العسكرية ليلا، حاملين معهم كلما تقع عليه أيديهم من أسلحة رشاشة وبنادق وخيل وعلف وقطعان الماشية... ومن طرائف تلك العمليات النوعية للمقاومة أن أفراد مجموعات التسلل كانوا يدهنون أجسادهم بشحم حيوان ابن آوى، كيلا تستشعر كلاب الحراسة رائحتهم. وكانت تلك المداهمات الليلية تتم بشكل شبه يومي برع خلالها الزيانيون في التسلل والعودة بأمان إلى معاقلهم الجبلية. - برر الفرنسيون تدخلهم العسكري بالمغرب بالرغبة في وضع حد ل«سيبة» القبائل وإصلاح جهاز المخزن، إلى أي حد يصدق هذا التبرير؟ أود الإشارة هنا إلى أن هذه الكلمة –سيبة- ذات أصل استعماري، ففرنسا ابتكرت مفهوم «السيبة» للتطاول على سلطات السلطان، بدعوى استتباب الأمن. فالقبائل السهلية التي هاجمتها الحملة العسكرية لم تكن يوما سائبة وإنما كانت تخضع للسلطان بشكل دائم، كذلك الأمر بالمناطق الجبلية، حينما عين السلطان مولاي الحسن الأول-مثلا- موحى اوسعيد الويراوي قائدا مخزنيا على منطقة لقصيبة وما جاورها. تبقى هذه الكلمة الواردة في الأدبيات الفرنسية، مجرد ذريعة لتبرير التدخل الفرنسي بالمغرب، الذي حاول إعطاء الانطباع بأن المغرب كان يعيش في حالة فوضى اجتماعية وسياسية. - إلى جانب الوسائل العسكرية، هل وظف القادة الفرنسيون وسائل أخرى؟ طبعا، فإلى جانب التقدم العسكري الميداني، اجتهد ضباط الشؤون الأهلية في التأثير على شيوخ ووجهاء القبائل الذي كانوا يؤطرون أعمال المقاومة، في محاولة لإغرائهم تارة بالمال وتارة بالوعيد والترهيب وذلك ل»إخضاعهم»، وقد سبق أن أجريت مفاوضات عديدة مع القايد الويراوي وبعض وجهاء الأطلس وتادلة الذين كانوا يتلقون بالمقابل، رسائل التشجيع ومواصلة المقاومة من شيوخ وعلماء كالكتاني وأحمد الهيبة ومن بعده ابنه مربيه ربه. - تحدث لنا عن المعارك الحاسمة في مسار احتلال تادلة؟ إلى جانب العديد من المعارك التي واجهت خلالها المقاومة آلة الدمار الحربية للحملة الفرنسية، تبقى معركة سيدي علي بن إبراهيم مفصلية بالنظر إلى النتائج التي رتبتها عقب ذلك. دارت رحاها طيلة 27 و28 و29 أبريل سنة 1913، بمجال قبيلة أيت عياط بسفوح الأطلس المتوسط، والتي لم يجرؤ ضباط الحملة على شن هجومات أخرى عليها حتى سنة 1916 في محاولة للالتفاف على الأطلس المتوسط من جهة خنيفرة وأزرو. ولما استدعي الكولونيل مانجان لإكمال مسير الحملة العسكرية، كان يرى بأن حملته لن تكلل بالنجاح دون القضاء على «حركات» موحا اوسعيد الويراوي. - ماذا كان مصير الويراوي، أمام إصرار مانجان على القضاء عليه؟ توفي سنة 1924 زاهدا ومنعزلا في أعالي الأطلس، بعد محاصرته بالقصيبة والقضاء على حركته، لأنه نذر بألا يرى وجه نصراني، بالنظر إلى الفتوى الدينية التي كانت رائجة حينها، والتي مفادها أن كل من وقع بصره على نصراني فقد كفر، مما يبرز عمق التأطير الفكري والديني للمقاومة التي خاضها. * أستاذ جامعي