(1908-1933) مقدمة: إن منطقة تادلة-أزيلال لعبت دورا هاما وشجاعا في مجال المقاومة المغربية واعتبرت بحق إحدى أهم مراكز الجهاد التي تصدت للمستعمر الفرنسي بالتضحيات الفردية والجماعية. وغير خاف على أحد تلكم الأدوار الطلائعية التي قامت بها منطقة تادلة منذ سنة 1908 في التصدي لجحافل قوات الاحتلال وهي تسعى الى بسط سيطرتها قسرا على هذه المنطقة الاستراتيجية والاقتصادية. وغير خاف على أحد أيضا، أن ما كان يحرك الإدارة الاستعمارية ليس فقط توسيع رقعة الاحتلال، ولكن استثمار خيرات البلاد. كانت منطقة تادلة من بين أهم المناطق المغربية التي عانت من التدخل الفرنسي المبكر نظرا لموقعها الاستراتيجي والجغرافي الهام الذي كان سيمكن فرنسا من السيطرة على المغرب بكامله، واستغلال خيراته الاقتصادية وتأمين الطرق بين المناطق الساحلية والداخلية، وازدادت أهمية المنطقة باحتلال الدارالبيضاء سنة 1907 والشاوية سنة 1908 لأنها شكلت حصنا لحماية الشاوية من هجوم المقاومين الذين كانوا ينطلقون من جبال الأطلس المجاورة. 1-المواجهات الأولى مع الفرنسيين: عندما احتلت جيوش القبطان \\\"مانجان\\\" قصبة تادلة يوم 3 أبريل 1913 قاوم السكان هذا الاحتلال ودارت معارك طاحنة استغل فيها سكان المنطقة الظروف الطبيعية لإلحاق هزائم عديدة بجيش الاحتلال وتحقيق انتصارات بالغة. ففي 26 أبريل من نفس السنة هاجم السكان القوات الاستعمارية المتمركزة في العين الزرقاء، كما هاجموا معسكر مانجان، ولولا تدخل رجال الكوم المغاربة المرتزقة لسقط المعسكر في يد المجاهدين. ونظرا للعلاقات الطيبة التي كانت تربط قبائل تادلة بالقبائل الأمازيغية المجاورة،فقد شكلت هذه الأخيرة جبهة واقعية لعبت دورا كبيرا في حماية المنطقة الى غاية سنة 1916، حيث اتبعت القوات الاستعمارية خططا استراتيجية واستعملت أسلحة حديثة ومتطورة لضرب اقتصاد ووحدة القبائل، فكان احتلال أزيلال وآيت عتاب سنة 1916 بعد مقاومة مستميتة ومعارك طاحنة. يأتي اهتمام القوات الفرنسية بالسيطرة على الضفة اليمنى لوادي العبيد، كعملية استراتيجية ضرورية لحصار قبائل آيت السري وآيت سخمان من جهة الغرب، فأصبح من الضروري إنشاء قاعدة للانطلاق من واويزغت، وبالتالي محاداة واد العبيد لمجابهة القبائل المناوئة والسابقة الذكر، فتحركت لأجل ذلك المجموعة المتحركة لمراكش منذ شتنبر 1922، بتنسيق مع المجموعة المتحركة لتادلة، وكان هدف المجموعتين السيطرة على مركز واويزغت، ومن المحطات الأساسية لعبور تيزي غنيم هناك قرية تيموليلت وتبعد بحوالي 18 كلم عن مدينة بني ملال على طريق أزيلال عبر واويزغت وكانت هذه القرية أحد معاقل قبائل آيت بوزيد والتي نجدها متفرقة حول أفورار وحول ضفتي واد العبيد بمجانبة قبائل آيت عطا. وقد استطاع الجيش الفرنسي وخاصة المجموعة المتحركة لتادلة عقد هدنة مع آيت بوزيد للمرور الى واويزغت بينما بقيت قبائل آيت عطا ممانعة ومعارضة لهذا المرور. ففي بداية اكتوبر من سنة 1921 هاجمت آيت بوزيد قلعة تامرنوت و واجهت عناصر الكوم وكانت خسائر الطرفين كبيرة، وبعد هذه المعركة أصبحت المجموعة المتحركة لتادلة قادرة على التحرك لعقاب آيت بوزيد ومعهم باقي القبائل المقاومة، ولإبعاد الخطر خطر المقاومة عن السهل اتجهت العملية نحو واويزغت في نهاية صيف 1922. اتجهت المجموعة المتحركة لتادلة للسيطرة على ممر تيزي غنيم وكانت قوات المجموعة تقدر ب 5700 فرد زائد أربع بطاريات بالإضافة للمؤيدين. ولأجل ذلك عملت على إسقاط قرية تيموليلت يوم 4 شتنبر 1922. لكنها واجهت عدة مشاكل بسبب وعورة المجال، وصعوبة تحرك المشاة والبطاريات، وبعد قتال عنيف سيطر الفرنسيون على قمة جبل تكنزة Taguenza يوم 9 شتنبر 1922 وقد تكبد الفرنسيون رغم ذلك خسائر هامة قدرت ب 19 قتيل و53 جريح. وفي 17 شتنبر اتجه القائد الفرنسي فرايدنبرغ Freydenberg بقوات للسيطرة على تيزي غنيم، وكانت المقاومة شديدة، ورغم سقوط الممر في يده ورغم توفره على المدفعية التي كانت تعوز المقاوم إضافة الى مختلف الأسلحة المتطورة آنذاك فقد كانت المقاومة مستمرة ومستميتة. وكانت خسائر الفرنسيين 16 قتيلا و71 جريح منهم 3 ضباط. في نفس الوقت اتجه القائد نوغيس Noguès بمجموعته 750 رجل للسيطرة على بين الويدان، ورغم تمكنه من ذلك فقد ظلت المقاومة شديدة حتى أثناء الليل، وكانت الخسائر الفرنسية 21 قتيل و56 جريح كما عانت قوات الكلاوي المؤيدة الأمرين في الضفة اليمنى لواد العبيد بسبب شدة المقاومة . وفي 26 شتنبر 1922 هاجم القائد Daugan واويزغت بواسطة المجموعتين [مجموعة تادلة ومجموعة مراكش]، وبمساعدة الطائرات وقد سقط الموقع بعد مقاومة باسلة، و رغم ذلك لم يهدأ الوضع، فلم تيأس القبائل المحيطة على اختلافها من مناوشة العدو طيلة العشرينات. وهذا ليس بالغريب خاصة إذا علمنا بأن قبائل المنطقة ومن بينها آيت بوزيد يرجع كفاحها إلى ما قبل هذه الفترة. ففي 11 أبريل 1913 بدار أولاد زيدوح، كان مانجان Mangan يقاتل آيت الربع واتجه للسيطرة على المركز السابق الذكر حيث جابهته قبائل بني موسى في سيدي صالح، والذين تلقوا دعم قبائل آيت بوزيد وبني عياض حيث منعوه من اجتياز واد أم الربيع . يروي المقاوم موحى ومحماد أباسو اواحساين نايت شهبون من قرية تيموليلت قبيلة آيت بوزيد، كفاحه وكفاح أسرته وقبيلته للمستعمر وأكد أن قبيلته رفضت الهدنة مع الفرنسيين واستمر هو وقبيلته في المقاومة حيث رحلوا عن تيموليلت عبر جبال الأطلس يقاومون والفرنسيون يتبعونهم، وبعد عدة مراحل وتنقلات استقروا لفترة طويلة بمنطقة تباروكت حتى هدأت الأوضاع ليعود وأسرته الى قريته بينما بقيت هناك فرق أخرى هي التي تقبلت الهدنة مع الفرنسيين. [توفي موحى ومحماد أوباسو نايت شهبون في بداية الثمانينات وكان ما يزال يحمل في عنقه وظهره آثار جروح المعارك التي خاضها ضد الاستعمار]. نموذج آخر للمقاومة نجده في قبيلة آيت مازيغ التي تبعد عن مركز بين الويدان بحوالي 15 كلم، حيث ساهمت هذه القبيلة في محاربة القوات الفرنسية التي سعت الى السيطرة على مركز بين الويدان في شتنبر 1922 حيث استشهد من هذه القبيلة كل من: موحى خاشون، حدو نايت أوكورو، حدو أوسعيد، أحماد أمجوظ، موحى أوالعربي، ابراهيم أواحماد، باسو نايت الكوش، زايد نموحند، علي أوسخمان، علي أحمز أوشقير، احماد أوحدو أوسعيد. 2 الاستراتيجية العسكرية التي وضعتها فرنسا للسيطرة على إقليم أزيلال: لقد لجأت القوات الفرنسية خلال الفترة المتراوحة ما بين 1912 و 1933 الى تنفيذ أحدث الخطط والاستراتيجيات العسكرية التي ابتكرها خبراؤها لإخضاع مختلف القبائل المناوئة والمقاومة في منطقة أزيلال. وقد استفادت القوات الفرنسية من التجربة في الجزائر، وكثيرا ما كانت تنوه بالقادة الساهرين على تنفيذ خططها من أمثال: الجنرال دولاموط والجنرال نوجيس والجنرال دوكان والجنرال بوايي دولاتور والكولونيل مانجان وغيرهم، وقد سجل ذلك على سبيل المثال ضابط الصف جان لويس وهو يتحدث عن الجنرال دولاموط قائد ناحية مراكش الذي تولى في أواخر سنة 1916 قيادة الحملة التي انتهت باحتلال آيت تاكلا وخميس آيت عتاب [بأزيلال] وفي سنة 1918 قاد الحملة التي توجهت الى بويحيى حيث قل جان لويس: \\\"إن الفرقة التي قادها الجنرال دولاموط (نونبر ودجنبر 1916) عبر بلاد آيت عتاب قد تم تتبعها بفضول كبير من طرف جميع المهتمين في المغرب بالشؤون الاستراتيجية والديبلوماسية، وأن جرأة المفاهيم العسكرية لهذا الضابط وأصالة أساليبه في الادارة قد رفعت هذه العملية العسكرية الى مستوى نوع من التعليم . كما استفادت هذه القوات في وضع تلك الخطط من التقارير التي أنجزها الجواسيس الأجانب الذين زاروا المنطقة أمثال الراهب شارل دو فوكو في سنة 1883، وادمون دوتي في سنة 1901 حيث ركزوا في تقاريرهم على إبراز الخصائص والموارد الطبيعية للمنطقة وفي مقدمتها المسالك التي يمكن عبورها، كما عرفوا بالامكانيات البشرية والمادية التي يمكن لأي قبيلة أن تجندها في حالة المواجهة معها. ولم تخف قوات الاحتلال استفادتها من هذه التقارير حيث ردد \\\"جوستاف بابان\\\" على سبيل المثال ما قاله شارل دوفوكو عن واويزغت لأنه \\\"لم يدع أبدا أي شيء بدون رؤية أو تفكير ولم يكذب أبدا\\\" . وفي إطار الخطة العامة التي رسمها المارشال ليوطي والرامية الى الاستعانة بالقواد الكبار في احتلال المغرب لجأت سلطات الاحتلال على مستوى منطقة أزيلال الى سياسة إغراء السكان ماديا ومعنويا ولاسيما منهم القواد والأعيان بالمناصب وببعض الامتيازات أو بعدم المساس بمصالحهم وتحريرهم من الكلف المخزنية، وقد تجسدت هذه الإغراءات في تعيين القواد من بين سكان القبائل على العموم يساعدهم شيوخ يعينون كذلك من بين أعيان كل قبيلة بالاضافة الى تعيين أبرز الأعيان في ما يسمى بجماعات القبائل. وبهذه السياسة استطاعت سلطات الاحتلال أن تنفذ سياستها في القبائل المحتلة وأن تستعين بهذه القبائل في إخضاع المناطق التي لم تنلها بعد أحكامها. وكأمثلة عن ذلك أن هذه السلطات قد استعانت بالاضافة الى حركات المدني الكلاوي والتهامي الكلاوي بحركات كل من عبد الله أوشطو قائد هنتيفة الجبل وصالح أوراغ قائد هنتيفة السهل في احتلال ممر الزمايز وخميس آيت مصاض وآيت عتاب وآيت امحمد وآيت بوكماز. كما استعانت بحركة باشا تادلة سي بوجمعة وبالحركات التابعة لقائد آيت عتاب محمد بن سيمو في احتلال واويزغت وما وراءها من بلاد آيت إصحا. وتجدر الإشارة في هذا الصدد الى أن خطة قوات الاحتلال في إطار تهدئة قبائل المنطقة كانت تعتمد على جعل القوات المساندة أو الاضافية والمتكونة من حركات القبائل في المقدمة للتقليص من عدد ضحاياها من الجنود النظاميين وهذا ما اعترف به الجنرال كيوم حيث قال: \\\"لم نتردد في اللجوء الى القبائل البربرية غداة خضوعها مباشرة، فكل وثبة الى الامام تكسب صفوفها عناصر ممتازة، وفي نفس الوقت فإن رغبتها المشروعة في الحد من الخسائر بين القوات النظامية تحثناعلى أن نستخدم القوات الاضافية على نطاق أوسع\\\". ولم تقتصر سياسة الاغراء هذه على أعيان القبائل وزعمائها بل شملت كذلك رجال الدين والزوايا ونذكر هنا على سبيل المثال أن قوات الاحتلال استطاعت أن تضم الى صفوفها في وقت مبكر سيدي علي شيخ زاوية سيدي عبد الله بضاحية أزيلال. كما تمكنت من أن تغري شيخ الزاوية الحنصالية سيدي محا بعد أن عانت من مقاومته الشديدة الأمرين خلال الفترة الممتدة من سنة 1916 الى سنة 1922 بتعيينه قائدا على قبائل آيت امحمد وآيت بوكماز وآيت بويكنيفن وآيت مازيغ وايحنصالن فيما بين 1923 و 1934. غير أن أهم خصوصية طبعت الخطة العسكرية لاحتلال منطقة أزيلال تتمثل في غزو مختلف نقط هذه المنطقة من أكثر من واجهة خلافا لخطتها في احتلال الكثير من جهات البلاد حيث يتم هذا الاحتلال عن طريق الهجوم على المدينة أو القبيلة من واجهة واحدة. والهدف المتوخى من وراء ذلك هو تشتيت جهود القبائل حتى يسهل على قوات الاحتلال إخضاعها. أما عن الكيفية التي واجه بها مقاومو منطقة أزيلال خطة المستعمر المحتل، فإن أهم ما تميز به رد فعلهم هو أنهم لم يتركوا المبادرة لقوات الاحتلال سواء وهو بعيد عن مواقعهم أو لدى اقترابه منهم أو داخل مجالهم الترابي. وهكذا فقد اجتمعت كلمتهم منذ أن وطئت أقدامه بلاد الشاوية وتوجهوا في حركات مهمة الى بني مسكين لوقف زحف قواته، كما تصدوا له قبل أن يعبر نهر أم الربيع، وكانت مواجهتهم له أكثر عنفا في منطقة الدير ما بين بني ملال والكرازة، وفي حالات كثيرة باغث المقاومون العدو قبل أن يستعد للمواجهة، وكانت خطتهم في مجملها مبنية على السرعة في التحرك والمهارة في التنفيذ، وهذا ما سجلته التقارير العسكرية الفرنسية لعدد من الفرنسيين شاركوا في هذه المواجهات أو تتبعوا مجرياتها، ويكفي لتلخيص الخطة التي استعملها المقاومون بأزيلال لمواجهة قوات الاحتلال، أن نشير الى ما جاء في كتاب الجنرال كيوم Guillaume الذي قال وهو يتحدث عن مقاومي الأطلس بصفة عامة: \\\"إن خصمنا هو أحسن محارب في شمال افريقيا، بطبعه شديد الكراهية للأجنبي، شجاع الى حد المجازفة، يضحي بكل ما يملك، بعائلته وأيضا وبكل سهولة بحياته في سبيل الدفاع عن حريته يجد في طبيعة بلاده أحسن حليف له، يعرف تمام المعرفة كل خبايا مسقط رأسه الذي لا يرضى بديلا عنه، يعرف بالفطرة كيف يستفيد من أدنى مميزاته، نكون متفوقين عليه أحيانا من حيث العدد ودائما من حيث السلاح، ولكنه يعرف الآثار القاتلة لنيراننا ويحتاط لتعريض نفسه عبثا لخطرها، نادرا ما يوجد في وضعية تمدد على الأرض، يتميز بخفة قصوى وبحركية محيرة، في حين أننا نحن الذين تثقلنا تجهيزاتنا وأسلحتنا وذخيرتنا، وتعرقلنا قوافلنا الجرارة نمنح هدفا رائعا لقذفاته المحكمة، إن أنظمتنا التي يغتاظ البعض في فرنسا لعدم تطبيقها بدقة في المغرب تطالب بالتركيز القوي على النيران، غير أن العدو هنا موجود في كل مكان ولا وجود له في أي مكان، وفي غالب الأحيان مختف عن الأنظار، فقبل أن يكون لجنود المدفعية والمشاة ما يسمح من الوقت لتصميم مخطط للنيران وتنصيب وسائل الاتصال يقع شن الهجوم من النقطة التي يكون توقعنا منها أقل وبكيفية مباغثة، وفي بضع لحظات تحاط فصيلة الجنود الموجودة في الطليعة وتصبح في متناول الخناجر، ويتم اكتساحها أو التصدي لها دون أن نتمكن من إبداء أية مقاومة، ويختفي المهاجم بسرعة بعد أن يكون أتى على الجرحى ونهب الأموال واستولى في كل مرة كغنيمة على الأسلحة والدخيرة. فإذا ما غامرت فرقة بأعداد غير كافية فإن الهجوم المكثف يكون عليها من جميع الواجهات من خصم يبحث دائما عن المواجهة جسما لجسم حيث لا يعوض تفوق أسلحتنا أبدا خفته وسرعته الفائقة. وفي تحركاتها لمواجهة قوات الاحتلال لم تكن كل قبيلة من قبائل المنطقة تعمل بمعزل عن جاراتها، بل إن الاتصال كان قائما باستمرار بين هذه القبائل والتشاور حاصلا بين زعمائها من أجل وضع وتنفيذ خطط المواجهة والأمثلة التي تؤكد ذلك كثيرة منها: ما سجله العلامة محمد المختار السوسي في كتابه المعسول ج 12 من أن قبائل آيت عياض وآيت مصاد وآيت عتاب وغيرها قد اجتمعت حركاتها في المكان المسمى حميري في ناحية بني مسكين لمواجهة قوات الاحتلال النازلة في بلاد الشاوية، محمد المختار السوسي: المعسول ج 12 ص 142. ومشاركة قبائل آيت عتاب وآيت بوزيد وبني عياض ,وآيت عطا نومالو في معركة يوم 26 أبريل 1913 بالعين الزرقاء بأراضي بني موسى، والتحرك الجماعي لأتباع سيدي محا الحنصالي من قبائل آيت سخمان وآيت مصاد وآيت بوزيد وآيت عتاب وهنتيفة وآيت مازيغ للزحف على دمنات عند سماعهم باحتلال ترابها ولمؤازرة الثائر ولعيد أو حساين ومن معه من آيت بوولي، ومواجهة الفرقة المتنقلة من مراكش يوم 29 اكتوبر 1916 في منطقة الزمايز من طرف مجاهدي القبائل المجاورة وفي مقدمتها قبائل آيت مصاد وآيت عتاب وآيت مازيغ وآيت بوزيد وهنتيفة وآيت إصحا وآيت عطا نومالو وعلى رأس مجاهديها شيخ الزاوية الحنصالية سيدي محا، وغيرها من المعارك التي عرفتها المنطقة. لقد كبد المقاومون بمنطقة أزيلال العدو الفرنسي خسائر هامة في الأرواح والعتاد، وقد تطلب احتلال جل المناطق الخاضعة لتراب أزيلال مدة تزيد عن 21 سنة وهذا يبين أن المناطق الجبلية كانت نشيطة وفعالة في مقاومة الاحتلال الفرنسي. 3- إخضاع بعض المناطق و الوسائل المستعملة في العمليات العسكرية : مركز واويزغت نموذجا: لقد كانت القوات الفرنسية تتوفر على وسائل وإمكانيات مادية وبشرية كثيرة جندتها لغزو الأراضي المغربية، فما هو حجم الامكانيات المستخدمة للسيطرة على مركز واويزغت؟ وضعت القوات الفرنسية خطة لإخضاع مركز واويزغت وذلك بتطويقها من جبهتين هي جبهة بني ملال وجبهة أزيلال عبر بين الويدان، وقد جندت فرنسا لهذا الغرض أزيد من 25.000 رجل منهم 10.648 من القوات النظامية و 13 ألف مساند وكانت الوحدة المتنقلة لمراكش تتكون من 123 ضابطا و 4714 رجلا ( 3042 من المشاة و 321 فارسا و 465 من سلاح المدفعية) و11.000 مساند أهلي و 723 جوادا و 1823 بغلا، وتوجد رهن إشارتها ستة طائرات بالاضافة الى وحدتين صحيتين، ويتكون المساندون من خمس حركات: على الشمال حركة آيت عتاب (100 فارس و 1000 من المشاة) وعلى اليمين حركة عبد الله أوشطو قائد هنتيفة (100 فارس و 500 من المشاة) وفي الوسط فرقة أخرى من آيت عتاب (500 من المشاة و 50 فارس) وحركة آيت أوتفركل (200 من المشاة) وفي الخلف حركة صالح أوراغ خليفة أوشطو. في حين أن الفرقة المتنقلة من تادلة تتكون من 133 ضابطا و5678 رجلا منهم 3397 من المشاة و 473 فارسا و 1042 من سلاح المدفعية و2000 مساند و784 جوادا و 2448 بغلا، ومساندوها من سهل تادلة بقيادة الباشا سي بوجمعة الذي التحق به التهامي الكلاوي. ووضعت هذه القوات تحت أوامر فريق للعمليات الذي يتكون من الجنرال دوكان قائد هذه العمليات ورئيس الكتيبة جيرو كقائد الأركان ورئيس الكتيبة اورتلياب رئيس مصلحة المخابرات، والقبطان بوسكاط المكلف بالربط مع الطيران، وتتكون قيادة الفرقة المتنقلة من مراكش مما يلي: الكولونيل نوجيس، قائد الفرقة المتنقلة رئيس الكتيبة كوسبي قائد الأركان المشاة: اليوطنان كولونيل موريل سلاح المدفعية (3 بطاريات)، بيرني الفرسان (سريتان). رئيس السرايا دوبوشين، القبطان نوريس الهندسة المدنية: القبطان فرومون الطيران (1 سرب)، القبطان ناهل أما قيادة الفرقة المتنقلة من تادلة فتتكون مما يلي: الكولونيل فريدنبرغ: قائد الفرقة المتنقلة اليوطنان كولونيل كراسي: مساعد القبطان بلفور: قائد الأركان المشاة: رئيس الكتيبة: ميكال الفرسان: رئيس السرايا: دولاموت، القبطان بواسان ديكول، القبطان كودي سلاح المدفعية: رئيس السرايا لانكلي الطيران: القبطان ليهيدو. معركة واويزغت شتنبر 1922: بعد المواجهات التي تمت بين قوات الاحتلال وبين مجاهدي المنطقة في النصف الاول من شهر شتنبر 1922 فوق أراضي آيت امحمد وآيت بوكماز والتي انتهت باحتلال بويحيى، اتجهت الفرقة المتنقلة لمراكش بقيادة الكولونيل نوجيس بعد أن استجمعت قواها في أزيلال والفرقة المتنقلة لتادلة بقيادة الكولونيل فرايدنبرغ انطلاقا من بني ملال تحت إشراف قائد العمليات الجنرال دوكان إلى مركز واويزغت عبر بين الويدان حيث دارت بين الطرفين معارك طاحنة انتهت باحتلال مركز واويزغت يوم 26 شتنبر 1922 ومقابل خسائر مهمة في الأرواح والعتاد من الطرفين معا. وهكذا فقد كانت خسائر قوات الاحتلال في الأرواح حسب المعلومات التي أدلى بها الفرنسيون أنفسهم كالتالي: الفرقة المتنقلة من مراكش: 21 قتيل من بينهم ضابط واحد هو الملازم سافاري دوبوروكان، و 75 جريحا من بينهم ضابط واحد. الفرقة المتنقلة لتادلة: 11 قتيل و 60 جريحا من بينهم 3 ضباط. ومن بين هؤلاء القتلى والجرحى 8 فرنسيين منهم ضابط واحد و4 طيارين و 14 جريحا من بينهم 4 ضباط. وجاء ضمن الأمر العام 338 الصادر عن الجنرال دوديفزيون كوتيز بتاريخ 19 أكتوبر 1922 أن من بين أسماء هؤلاء القتلى ضابط الصف أكوافيفا، وضابط الصف شابان أميدي. أما عن الخسائر البشرية في صفوف مجاهدي واويزغت فإنها كانت كثيرة، وقد أورد محمد المعزوزي وهاشم العلوي قائمة بعدد من أسماء هؤلاء الشهداء خلال هذه الفترة، وتتكون من 35 شهيدا أمثال: برشي أولعباس وموحى أوبراهيم نايت حمر وموحى أوعلي و اخلف أوزايد وبن صالح نايت بوتساروت و رزا نايت بوتساروت من فرقة احتاسن. وموحى بن لحسن ولحسن أبا سعيد من فرقة اغرم سرغين وسكور و أوصالح وعائشة عبو من فرقة آيت سيدي امحند وحدو نايت الغزي وموحى أوموح من فرقة آيت وعزيق و أوراحبة وحدو نايت واخميس من فرقة آيت اسيمور وموحى أوزايد أومعسو وحدو اكعلي وموحى أوعوراي من فرقة تاكلفت وموحى لحبيب وسيدي محمد نحصالن من فرقة زاوية سيدي علي وأعلام نايت أوغوط من فرقة آيت شريبو وزايد نايت الشريف وبلحسن من فرقة إعمومن وإيشن وصالح نايت أولاهي من فرقة آيت سعيد ويشو وأمصاد نايت الغازي من تابروكت وغيرهم. وتجدر الاشارة الى أن مجاهدي المنطقة تمكنوا من إسقاط طائرة فرنسية خلال هذه العمليات. معارك تيلوكيت والمنطقة المجاورة لها في صيف سنة 1932: كان احتلال قبائل آيت إصحا وما جاورها من بلاد آيت عطا نومالو وآيت سخمان وآيت مازيغ قد تطلب من قوات الاحتلال إمكانيات بشرية ومادية كبيرة ومدة لا يستهان بها من الزمن أي من أواخر سنة 1922 الى سنة 1933. وهذا ما يؤكد أن مقاومة سكان المنطقة كانت قوية وعنيفة، وقد توجهت قوات الاحتلال الفرنسية الى هذه المنطقة انطلاقا من أزيلال ومن بني ملال بواسطة الفرق المرسلة من مراكش ومن تادلة، وكان يقودها ضباط كبار يحملون رتبة جنرال ومجهزين بأحدث التجهيزات العسكرية، ومن بين هؤلاء الضباط الذين شاركوا في المعارك نذكر على سبيل المثال: الجنرال دوبركاد فرانسوا ماري جول والجنرال هانوط والجنرال كاترو والجنرال راموند والكولونيل جان هنري بوكيي، والكولونيل جوزيف ماتيو والقبطان رويلان بول ماري، واليوطنان الكسندر مارسيل جول، واليوطنان لويس كلير وغيرهم كثير. وقد شارك هؤلاء الضباط بقواتهم في المعارك التي عرفتها منطقة آيت إصحا خلال شهري ماي ويونيه 1932 وبالأخص معارك جبل إيصاف، تيغرماتين، ايغيل وتيزي أخشان، ايزروالن، وادي أحنصال، تيلوكيت، تالمست، تيزي نيغيل، ايسك نومالو، العبادين، آيت مازيغ، تباروكت، آيت عبدي. وقد خلفت هذه المعارك خسائر مهمة في الأرواح من الجانبين معا. وبخصوص خسائر مجاهدي المنطقة في الأرواح فقد أشارت بعض المصادر الى استشهاد أزيد من 150 شهيد من شهداء المنطقة خلال هذه المرحلة، وينتمون الى تابروكت أمثال: ابراهيم نايت تودة، محند نايت أوهواني، سعيد أوحدو نايت علي أوحماد، حدونايت أومعو، موحى نايت يدير، يخلف أوموح نايت بوجمعة، سعيد أوموحا نايت علي ويشو، موحى نايت خويا لحسن، ابراهيم نايت حدو أورحو، ابراهيم نايت أوصغير، موحى أوموح نايت بلحسن، موحى ويشو نايت كضيش... والى آيت ايسيمور أمثال: باسو أموح نايت العسري، حدو أبعليل، رابحة موحى احمو نايت أمحا، حمو تمزوارت، يوسف أوعلال. والى آيت تمجوط أمثال: أولقليع، علي نايت ابراهيم، كويزم، وكنيص نايت أوقامح ، أوشاين ، علي نايت حدو ، ابراهيم نايت أوقديم... والى آيت مازيغ أمثال: موحى خاشون، حدو نايت أوقورو، حدو أوسعيد، احماد امجوظ، موحى اوالعربي، ابراهيم اواحماد، باسو نايت الكوش، زايد نموحند، علي أوسخمان، علي احمد اوشقير، احماد اوحدو اوسعيد ... والى آيت عبدي أمثال: محا اباسو نايت شكو، باسو اموحى نايت الصادق، موحى أمزين نايت باعليل. ومن آيت تمكة أمثال: سيدي أوسعيد، سيدي موحى أوسعيد. وأمام عدم تكافؤ العدد والعتاد في هذه المعارك، اضطرت قبيلة آيت إصحا الى الاستسلام لقوات الاحتلال في صيف سنة 1932، غير أن استسلامها هذا لا يعني نهاية العمليات أو المواجهات في المنطقة، بل لقد استمرت الاشتباكات في شرق وادي العبيد، وفي تيغلغيت وفي ايدرشي وفي تامروشت وتانوت برغ في أعالي نايت بولمان، وفي تيغرماتين وفي جبل تمنارت وفي ايغيل نيخيشان وشمال جبل إسف، وفي ازروالن وفي جبل تنكرفط وفي تيزي نولاحو، وقد شاركت في هذه المعارك كل من آيت إصحا وآيت مازيغ وآيت ايسيمور وآيت السري وآيت وانركي وآيت داوود وآيت بوايكنيفن؛ وتكبد العدو خسائر جسيمة رغم قواته التي تتألف من عشرات الآلاف من الجنود المعززين بالمدفعية وأسراب الطيران. ونتيجة لهذه المقاومة فإن قوات الاحتلال لم تتمكن من بسط سيطرتها ونفوذها على جميع تراب أزيلال إلا في سنة 1933. الخاتمة: وعموما لقد تصدى سكان منطقة أزيلال لقوات الاحتلال بشجاعة نادرة وروح قتالية عالية أثارت استغراب الجنرال كيوم الذي قال في حق مقاومي جبال الأطلس بشكل عام \\\"إن خصمنا هو أحسن محارب في شمال افريقيا، بطبعه شديد الكراهية للأجنبي، شجاع الى حد المجازفة، يضحي بكل ما يملك، بعائلته وأيضا وبكل سهولة بحياته في سبيل الدفاع عن حريته\\\". علي علام باحث في التاريخ [email protected]