عندما طلب مجلس الأمن وقف «المسيرة « وأجاب الحسن الثاني : لقد أصبحت مسيرة الشعب    وهبي للمحامين: هل تريدونني أن أنبطح أرضا على بطني؟ ادخلوا للأحزاب وشكلوا الأغلبية وقرروا مكاني        ذكرى المسيرة الخضراء: ملحمة خالدة في مسار تحقيق الوحدة الترابية    بنك المغرب يكشف حقيقة العثور على مبالغ مالية مزورة داخل إحدى وكالاته    في "أول ظهور برلماني".. زيدان يراهن على جذب وتبسيط استثمارات الجالية    "يوسي بن دافيد" من أصول مغربية يترأس مكتب الاتصال الإسرائيلي بالرباط    الوداد يواجه طنجة قبل عصبة السيدات    "الأطفال وكتابة الأشعار.. مخاض تجربة" إصدار جديد للشاعرة مريم كرودي    18 قتيلا و2583 جريحا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية خلال الأسبوع المنصرم    مجموعة بريد المغرب تصدر طابعاً بريدياً تذكارياً بمناسبة الذكرى العاشرة لمتحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر    الأحمر يغلق تداولات بورصة الدار البيضاء            أخنوش: خصصنا في إطار مشروع قانون المالية 14 مليار درهم لدينامية قطاع التشغيل    جدل في البرلمان بين منيب والتوفيق حول الدعوة ل"الجهاد" في فلسطين    قرض ب400 مليون أورو لزيادة القدرة الاستيعابية لميناء طنجة المتوسط    التجمع الوطني للأحرار يستعرض قضايا الصحراء المغربية ويشيد بزيارة الرئيس الفرنسي في اجتماع بالرباط    إسبانيا تواصل عمليات البحث وإزالة الركام بعد أسبوع من فيضانات    أنفوجرافيك | أرقام رسمية.. معدل البطالة يرتفع إلى 13.6% بالربع الثالث من 2024    تحقيقات جديدة تهز كرة القدم التشيلية    بن صغير يكشف أسباب اختياره للمغرب    كَهنوت وعَلْموُوت    التساقطات ‬المطرية ‬أنعشت ‬الآمال ..‬ارتفاع ‬حقينة ‬السدود ‬ومؤشرات ‬على ‬موسم ‬فلاحي ‬جيد    رئيس الحكومة يستعرض إنجازات المغرب في التجارة الخارجية    "روائع الأطلس" يستكشف تقاليد المغرب في قطر    وزارة الاستثمار تعتزم اكتراء مقر جديد وفتح الباب ل30 منصب جديد    الاحتقان يخيم من جديد على قطاع الصحة.. وأطباء القطاع العام يلتحقون بالإضراب الوطني    مستشارو فيدرالية اليسار بالرباط ينبهون إلى التدبير الكارثي للنفايات الخضراء و الهامدة بالمدينة    "متفجرات مموهة" تثير استنفارًا أمنيا في بولندا    فن اللغا والسجية.. المهرجان الوطني للفيلم/ جوائز المهرجان/ عاشت السينما المغربية (فيديو)    الأرصاد الجوية تتوقع ارتفاع الحرارة خلال الأيام القادمة في المغرب    غير بعيد على الناظور.. حادث سير مروع يخلف عشرة جرحى    حقيقة انضمام نعية إلياس إلى الجزء الثالث من "بنات للا منانة    أولمبيك أسفي يوجه شكاية لمديرية التحكيم ضد كربوبي ويطالب بعدم تعيينها لمبارياته    القفطان المغربي يتألق خلال فعاليات الأسبوع العربي الأول في اليونسكو    وزيرة التضامن الجديدة: برنامج عمل الوزارة لسنة 2025 يرتكز على تثمين المكتسبات وتسريع تنفيذ إجراءات البرنامج الحكومي    هاريس في آخر خطاب لها: "كل صوت مهم في الانتخابات"    صاعقة برق تقتل لاعبا وتصيب آخرين أثناء مباراة كرة قدم في البيرو    الانتخابات الأمريكية.. نحو 83 مليون شخص أدلوا بأصواتهم مبكرا    دقيقة صمت خلال المباريات الأوروبية على ضحايا فيضانات فالنسيا        آس الإسبانية تثني على أداء الدولي المغربي آدم أزنو مع بايرن ميوني    ترامب يعد الأمريكيين ب"قمم جديدة"    استنفار أمني واسع بعد العثور على 38 قذيفة في ورش بناء    تصفيات "كان" 2025.. تحكيم مغربي المباراة نيجيريا ورواندا بقيادة سمير الكزاز    افتتاح النسخة الثانية من القافلة السينمائية تحت شعار ''السينما للجميع''    «حوريات» الجزائري كمال داود تقوده الى جائزة الغونكور    أطباء العيون مغاربة يبتكرون تقنية جراحية جديدة    الجينات سبب رئيسي لمرض النقرس (دراسة)        خلال أسبوع واحد.. تسجيل أزيد من 2700 حالة إصابة و34 وفاة بجدري القردة في إفريقيا    إطلاق الحملة الوطنية للمراجعة واستدراك تلقيح الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة بإقليم الجديدة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    وهي جنازة رجل ...    أسماء بنات من القران    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تاكلفت حاضرة أيت سخمان الغربيين بين ماض حافل و حاضر مؤسف

إن البحث في التاريخ البشري لمجال جغرافي محدد في وسط جبلي بعيد عن العواصم التاريخية، والطرق التجارية المعروفة، أشبه ما يكون بمغامرة حقيقية، لكن رغم ذلك فالمنطقة عرفت استقرارا بشريا قديما، والشاهد على ذلك تلك الكهوف المنتشرة على ضفاف وادي العبيد واوفيفن. لكن يصعب علينا تتبع مختلف المراحل لتاريخ استقرار الساكنة في المجال المدروس، ونرجح ذلك إلى عدة اعتبارات أهمها؛ أن المتصفح لأمهات الكتب التاريخية لا نجد فيها شيء اسمه تاكلفت، وهذا حال معظم المناطق الجبلية في الأطلس الكبير الأوسط بصفة عامة.
تعزيزا لما سبق، فالمتتبع للمادة المصدرية والمرجعية التي تحدثت عن المنطقة، سيلاحظ أنه كلما أردنا البحث عن تاريخها نجد أنفسنا مضطرين للحديث عن اتحادية ايت سخمان؛ باعتبار تاكلفت تشكل أهم المراكز الكبرى لهذه الاتحادية، ومع ذلك سنتتبع بعض الإشارات في هذا الصدد، والتي لا ترد إلا أثناء الحديث عن حركة سلطانية، أو مواجهة مسلحة دون ذكر تفاصيل أخرى.
وسنحاول في البداية الحديث عن الاتحادية السخمانية التي تنتمي إليها المنطقة، ثم سنحاول في هذا المبحث ما أمكن الحديث عن أصل تسمية المنطقة بتاكلفت، ثم عن تاريخ الاستقرار البشري بالمنطقة، بالإضافة إلى استعراض المكونات البشرية للقبيلة ومختلف التحركات والتغيرات التي طرأت عليها. باعتبار أن مؤسسة المخازن الجماعية هي التي كان ينظم داخلها الحياة الاجتماعية لساكنة تاكلفت.
I- لمحة تاريخية عن اتحاديات أيت سخمان:
تعتبر اتحادية أيت سخمان من بين أكبر الاتحاديات القبلية التي قامت في الأطلس الكبير الأوسط، وقد مارست الرعي والانتجاع، وهما سبب قيامها، واستقبلت نتيجة ذلك مجموعات بشرية مختلفة. وتدل جميع الإشارات التاريخية على أن ايت سخمان فرع من فروع صنهاجة، وفي هذا الصدد يقول صاحب الاستقصا: "ايت ومالو برابرة فزاز وهم بطن من صنهاجة يشتمل على أفخاذ كثيرة مثل ظيان وبني مكيلد وشقيرين وايت سخمان..."[1].
ومن هنا يتبين بما لا يترك ريبة ، أن أصل ايت سخمان يعود إلى صنهاجة، وهذا ما يبدو جليا، من خلال لغتهم، ملامحهم، عاداتهم وطقوسهم، وقد وفدوا على المجال من الجنوب المغربي في إطار الترحال والبحث عن المراعي الخصبة ومشارف المياه والأراضي الزراعية، لكن لا نعرف متى استوطنت هذه القبائل الصنهاجية في المنطقة.
وفي هذا المنوال يقول التقي العلوي:"ولم يحدثنا التاريخ عن الوقت الذي استوطنت فيه صنهاجة الأطلس بهذه الجبال، وهذا يدفعنا إلى الحدس بأن ذلك كان في أزمنة سحيقة وعريقة في القدم"[2]. وهذا ما أشار إليه كذلك صاحب الاستقصا في قوله:"قد عمروا (قبائل صنهاجة) جبال فازاز وملأوا قننها وتحصنوا بأوعارها منذ تملك البربر المغرب قبل الإسلام بأعصار طويلة"[3]، ويضيف التقي العلوي في هذا المجال في إطار حديثه عن قبائل صنهاجة كذلك بقوله:"فمنذ القرون الأولى للإسلام عرفوا بمنطقة الواحات وفي المصبات الجنوبية للأطلس المشرفة على تلك الواحات. فقد أخبرنا ابن عذاري بوجودهم في المنطقة لدى وصول عقبة بن نافع الفهري إليها، حيث قال: "ونزل من درعة إلى بلاد صنهاجة ثم إلى بلاد هسكورة"[4] .
ليبقى السؤال المطروح ما هي الظروف التاريخية التي أوصلت إتحادية أيت سخمان إلى مجالها الحالي؟.
إن المتصفح لكتب التاريخ التي تتحدث عن المغرب منذ القرن الرابع عشر، سيلاحظ أن المغرب دخل في مرحلة جديدة، تميزت بأزمة عميقة شملت مختلف مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، حيث ارتبطت بداية القرن الرابع عشر بفقدان السيطرة على الممرات التي تشكل أهم مورد أساس لقبائل الجنوب؛ بطبيعة اقتصادها الرعوي والزراعي، والتي أثرت فيها القحوط والأوبئة، نظرا لكون اقتصادها يتميز بعدم التوازن، باعتبار رأسمالها متحرك يدفع بها الى التنقل باستمرار عبر إيقاع تحدده فصول السنة والعهود والمواثيق لاستغلال المجالات الرعوية بالمناطق السهلية والصحراوية. الشيء الذي دفعها إلى نسج علاقات تبادل بين القبائل المتنقلة والمستقرة في الواحات.
إلا أن هذه المنطقة عرفت تحولا في خارطتها السكانية بوصول القبائل المعقلية خلال القرن الثالث عشر إلى مناطق درعة وتافيلالت، حيث مارست ضغطها على سكان المنطقة بحكم تربيتهم للجمال وانتشارهم تدريجيا بالمنطقة الممتدة من الجنوب إلى مشارف نهر السينغال، ومكنهم ذلك من الاستفادة من التجارة القفلية الشيء الذي كون لديهم فائض مالي، وكان له أثر كبير في استقرار الأوضاع في المنطقة. نضيف إلى ذلك ضغطهم على الرحل الصنهاجين لأنهم شكلوا جدارا حال دون وصولهم إلى مراعيهم الشتوية ومن المواد التجارية، نتيجة انحسار المبادلات التجارية[5].
ومما زاد الطين بلة، أزمة القرن الخامس عشر، المتمثلة في تدهور السلطة المرينية والاحتلال الإيبيري للسواحل المغربية، خاصة الجنوبية منها.[6] والوصول إلى منافذ ومنابع التجارة السودانية، الشيء الذي أدى إلى خنق البلاد اقتصاديا، كل هذا، شكل ضربة موجعة لقبائل السفح الجنوبي للأطلس الكبير الشرقي، خاصة في تدهور اقتصادها المبني أساسا على الرعي الموسمي والتنقل بين السهل والجبل. وحسب الرواية الشفهية التي جمعها العربي مزين في دراسته حول تافيلالت، فقد ارتبط ظهور الحلف بالضرورة التي ظهرت لدى قبائل جبل صاغرو بسبب الضغط المعقلي على مراعيها الجبلية،[7] حيث تحالف ايت وحليم وايت السفول لبناء مخازن جماعية للحبوب، حيث قامتا بتشييد "اغرم امزداغ" والذي يعد بحق أول نواة للاستقرار.[8] وانضم إلى هذا الحلف قبائل أخرى من الأطلس الكبير الشرقي، هما قبيلتي ايت حديدو وأيت مرغاد. إلا أن ظاهرة بناء المخازن الجماعية، "اغرم امزداغ" لم تقتصر على جبل صاغرو، بل عمت مجموع منطقة الأطلس الكبير وجزء من الأطلس المتوسط، بهدف تأمين المواد الغذائية الأساسية والدفاع عنها إذا اقتضى الحال.
وهكذا يظهر أن حلف أيت عطا، تكون خلال القرن الخامس عشر، كنتيجة الأزمة العميقة الناجمة عن ضعف السلطة المركزية، والاحتلال الإيبيري للسواحل المغربية، وما نجم عن ذلك من تدهور المبادلات التجارية. ونتيجة لذلك، تسرب ايت عطا نحو السفح الشمالي عبر ممرات دادس وتدغة وإمضغاس وتغريست، وتمكنوا في منتصف القرن السابع عشر من الوصول إلى السفح والاستقرار بالضفة اليمنى لواد العبيد، بعد اصطدامات متكررة مع ايت إصحا، وقد كان وراء الرغبة في الدفاع عن المراعي[9]. وتمكن ايت حديدو على إثر هذا التعاون من تأسيس مراكزهم قرب أسيف ملول رغم اعتداءات أيت عطا[10] .
وتمكن بعد ذلك ايت إصحا من زحزحة ايت يمور من الضفة الجنوبية لواد العبيد، وتمكنوا من الوصول إلى مشارف السفح الشمالي لواد العبيد[11] .
وفي ضوء هذه الهجرة الجماعية التي أحدثت تغييرا سكانيا وفراغا مجاليا، وصلت جماعات قبلية جديدة كأيت سخمان، الذين استطاعوا الوصول إلى مشارف ملوية العليا بعد طرد أيت إحيا إلى تونفيت[12].
وقد دخل ايت سخمان بعد تحالفهم مع كل من ايت يفلمان، ايت مصاض، ايت أيمور، ايت بوزيد، ايت عتاب، في سلسلة من الحروب ضد أيت عطا، بعد أن "اتفقوا على الأخوة بينهم، على قتال ايت عطا...(واجتمعوا) ايت يفلمان مع ايت ايمور ومع ايت سخمان وايت بوزيد و(اجتمعوا) جيوشهم ورأيهم و(كلمهم) ذات واحدة على قتال ايت عطا.[13] وفي هذه الفترة " تمكن ايت يفلمان من طرد أيت عطا من بلد كوسر، وأنرڭي وتباروشت وسڭات، وأحرقوا قصورهم ودمروا ديورهم، وسكن أيت سخمان في أنرڭي، وسكن أيت مساض في تباروكت، وسكن ايت بوزيد في واويزغت و(هو) بلد ايت عطا، وأما ايت عطا، قبيلة عظيمة، وهم (ظلمين) القبائل[14].
فاتحادية ايت سخمان ظهرت منذ بداية القرن السابع عشر، حسب بعض الإشارات كما رأيناه في السابق، فماذا تقول الرواية الشفهية في تأسيس هذه الاتحادية؟.
هناك مجموعة من الروايات الشفهية حول أسطورة تأسيس اتحادية ايت سخمان، وهي متقاربة وسنتطرق إليها.
إذا كانت جميع الروايات التي تتحدث عن تأسيس اتحادية ايت سخمان، تتفق أنها بدأت من جبل "كوسر" الواقع في الجنوب الشرقي لقبيلة أنركي والمطل على أيت حديدو. وأنها تتكون من أربعة قبائل: ايت عبدي وعلي، ايت داود وعلي، ايت حمامة وعلي، وأخيرا ايت سعيد وعلي. وهو اتحاد قبلي حكم عليه الانتساب إلى جد مشترك يدعى علي وسخمان.[15] إلا أن هناك اختلاف بسيط بين الروايات.
تقر إحدى الروايات أن ايت سخمان ينتمون إلى جد يسمى سخمان، كان له ولد وهو علي وسخمان، الذي كان بدوره له أربعة أولاد: داود، عبدي، سعيد، حمامة.[16] في حين تضيف إليهم رواية أخرى إلى أبناءه اسماعيل وحقي، وتدمج رواية أخرى حديدو،[17] إلا أننا نفنذ هذه الرواية باعتبار أيت حديدو اتحاد قبلي مستقل كما تبين ذلك الكتابات التاريخية.
وفي رواية أخرى، والتي تقر أن سخمان كان له ولد يدعى علي وسخمان وكان أسود اللون ومن هنا جاءت تسميته "وسخمان" حيث تم تغيير مواقع بعد الحروف فيها نظرا لثقل الكلمة على اللسان بتغيير حرف الميم إلى ما بعد حرف الخاء "وسخمان"، وأنه استقر بجبل كوسر لكن من جهة زاوية أحنصال[18] ، وتقر أغلب الروايات أن الإخوة الأربعة – أبناء علي وسخمان- ممن قامت على أكثافهم قبائل أيت سخمان، كانوا في بداية أمرهم يقطنون في كهف متواجد بأنركي ويدعى بتفريت ن تيدوت (كهف القردة). يعيشون فيه كإخوة تقطعت بهم السبل، فأصبحوا عبيدا لدى بركة أويمور قائد قبائل أيت يمور في عهد السلطان مولاي إسماعيل والذي لا يتردد في إزهاق روح كل من عصاه، تضيف نفس الرواية، أنه في ظل هذا الجو المسموم، التجأ الإخوة الأربعة إلى زاوية سيدي علي وحساين بأنركي طالبين من الولي أن يرد بركة ويمور من تعذيبهم.[19] وهذه الرواية نجد ما يؤكدها في إحدى الوثائق من زاوية أسكار "حيث أنه بعد وصولهم إلى الزاوية السالفة الذكر، أن سيدي علي وحساين استجاب لدعائهم وقد أشار عليهم بدنو أجل بركة وايمور ، وأنهم سيكونون بعد ذلك قبائل واسعة المجال والنفوذ فقد قتل "عيسى وايمور القائد بركة ويمور وقطع له الرأس ورحلوا (الأبناء الأربعة) إلى أيت سخمان"[20]. والذين بدروهم سيقفون سدا منيعا أمام عيسى أويمور، حيث خاضوا ضده عدة حروب انتهت بإخراج قبائل أيت يمور بصفة نهائية من بلاد الذي يستولي عليه ايت سخمان حاليا بعد مدة قدرت حسب بعض الوثائق من زاوية أسكار بعشرة أعوام دام فيها القتال كل يوم وليلة[21].
تضيف نفس الرواية السابقة أن مؤسس زاوية أنركي سيدي علي وحساين قد أعطى لأبناء علي وسخمان مدفع تقليدي (بوحبا) فأمرهم بإطلاق أحدهم الرصاص قرب خيمة أو بركة أويمور، وسيكون بداية إنتهاء هيمنته عليهم وانتهاء سلطته، وعند وصولهم إلى حيث أمرهم – سيدي علي وحساين- ارتبكوا حول من يطلق الرصاص خوفا منه، فقام بهذه العملية داود وعلي لينهزم بعد ذلك بركة أويمور.
وتضيف رواية أخرى، أنه بعد القضاء على أيت يمور وقع صراع بين الأبناء الأربعة حول نفوذ كل واحد منهم، الشيء الذي دفع أباهم علي وسخمان إلى تقسيمه – مجال نفوذ ايت سخمان- بينهم. أما طريقة تقسيمه؛ فأمر كل واحد منهم أن يأتي بوتد وأمرهم بطرقه في الأرض لاختبار قوتهم الجسدية ومعرفة المجال الملائم لكل واحد منهم، وقدرة كل واحد منهم على العمل، وكانت النتيجة لصالح داود وعلي الذي حصل برميته للوتد على نصيب كبير في مجال ايت سخمان، ليليه عبدي وعلي وحمامة وعلي، وفي المرتبة الأخيرة سعيد وعلي الذي كان نصيبه من المجال قليلا.[22]
فما يؤكد صحة هذه الرواية الشفهية أنه بالعودة إلى المجال الذي تستحوذ عليه هذه القبائل حاليا، يظهر منذ الوهلة الأولى أن مجال قبيلة ايت داود وعلي أكثر شساعة مقارنة مع قبائل أخرى خاصة قبيلة أيت سعيد وعلي التي يعتبر مجالها أضيق المجالات في قبائل اتحادية سخمان.
وعموما فهذه الروايات الشفهية حول تأسيس إتحادية أيت سخمان، متوارثة عبر الأجيال؛ وهي ملتصقة بذهنية ساكنة المنطقة ، وما يمكن استنثاجه أنها ترجح تأسيس هذه الاتحادية إلى بداية القرن السابع عشر، وهذا ما تؤكده الكتب التاريخية، وأنها أسست في منطقة جبل كوسر، وتجمع على الأصول المشتركة لقبائل أيت سخمان، هذه الأخيرة سوف تدخل في صراعات مع السلطة المركزية إلى غاية دخول القوات الفرنسية إلى المغرب.
بعد حديثنا عن ظهور اتحادية ايت سخمان وأصول ساكنتها، سوف نتحدث عن أصل ساكنة تاكلفت باعتبارها مركزا لإحدى القبائل الأربعة لاتحادية ايت سخمان، كما قلنا في السابق.
II- أصل التسمية:
يتعين علينا في البداية التعرف على أصل تسمية المنطقة بتاكلفت ومعناه، فإذا كان الإجماع على نطقه، ففي المقابل هناك اختلاف الروايات في تفسير دلالة معنى الاسم، ويمكن إجمالها في ثلاث:
تحكي الرواية الأولى[23] أن أصل التسمية يرتبط بطلقة رصاص لم تنفجر بالشكل المطلوب، وهذا ما يقال له باللغة الأمازيغية "بتكلف Tguelf "؛ إذ عندما لا تخرج طلقة المدفع التقليدي "بوحبا" يقال له "تكلف" ومنه جاء اسم "تاكلفت".
وقصة تسميتها بهذا الاسم، لها علاقة بطلقة رصاص بمدفع تقليدي وطلقته المجهضة التي صوبها أحد رجال ساكنة المنطقة إلى صدر الحسن الأول نهاية القرن التاسع عشر. فحسب الرواية الشفهية فإن السلطان الحسن الأول قاد حركة في اتجاه اتحادية أيت سخمان لأخذ ما بذممهم من الضرائب، حيث مر على المنطقة[24] قادما من أيت عبدي (إحدى قبائل أيت سخمان) ووقعت مواجهة مسلحة بين الطرفين، وكان السلطان يتزعم الجيش، ولم يكن السخمانيين يعرفونه، وأثناء المعركة وجه له – أحد رجال أيت سخمان- طلقة رصاص لكنها لم تنفجر، وتعجبوا لذلك ليكتشفوا في النهاية أنه السلطان الحسن الأول. وقدموا له الطاعة وبايعوه وطلبوا منه البركة، بل الأكثر من ذلك، أقاموا على شرفه احتفالا يليق بمقامه وقدموا له جارية تدعى "بتايشوة"، ورافقه بعد ذلك إلى زاوية أيت سيدي عزيز القريبة من عين المكان ومنحوا له كلما يتواجد داخل المخازن الجماعية كالحبوب والسمن...[25] لإطعام جيشه.
تعوزنا فالوثيقة المكتوبة في تأكيد صحة هذه الرواية، كلما نجده أن المولى الحسن الأول حاول إصلاح أوضاع المغرب قصد مواجهة التطلعات الاستعمارية المتكالبة على البلاد، فحاول إصلاح الجيش وتهيئه لمواجهة تمردات ايت ومالو وايت سخمان" الذين بددوا كل محاولات المخزن لمدة تجاوزت القرن ونصف"[26].
فقد حاول إخضاع القبائل الأطلسية، وذلك لتحقيق الموارد الكافية لمواجهة تحديات المرحلة التي أصبح يفرضها التدخل الأجنبي بالمغرب. وهكذا قام المولى الحسن الأول بمجموعة من الحركات حتى قيل أن عرشه كان على صهوة جواده.
قام السلطان الحسن الأول ،بعد حملة 1883م على واد نون، بتجهيز حملة عسكرية "انطلاقا من مكناس بعد محاصرة بني مكيلد وبني مطير وأيت مرغاد حيث عرج على أيت سخمان بمساعدة قوات القائد محمد أوحمو وحشود كبيرة من العسكر والكيش وقبائل النائبة، لكن أيت سخمان وحلفاءها تحصنوا بالمرتفعات الجبلية"[27].
قام السلطان سنة 1888 بحركة بجهة الأطلس المتوسط، ولما وصل إلى قصبة ادخسان وفد عليه بعض أيت سخمان و"أعطوا يد الانقياد...واقتضى نظرنا الشريف توجيه طائفة من الخيل والعسكر بقصد إزعاجهم"[28]. حيث أرسل معهم شرذمة من الخيل بقيادة المولى سرور، لاستخلاص ما بذمتهم من الواجب الشرعي والوقوف على طاعتهم للمخزن، ولما وصلوا دخل فيهم شيطانهم المهاوشي (سيدي علي امهاوش) وثنت في روعهم غدر من وجهنا إليهم"[29]، إذ لما جن الليل أظهروا علامة بينهم فقتلوا معظم الجيش بما فيه عم السلطان مولاي سرور[30].
وقام بعد ذلك بحملات للانتقام من أيت سخمان، وأخذ الثأر للمولى سرور والاقتصاص من زعيمهم سيدي علي امهاوش، حيث نظم سنة 1889 حملة جديدة انطلاقا من جهة القصيبة بقيادة الباشا المؤدن وموح وسعيد الويراوي، إلا أنها انهزمت في بوتفردة في مجال أيت عبدي وأجبرت على التراجع. وفي عام 1894م نظم السلطان حركة أخرى في اتجاه أيت سخمان، لكنه توفي في دار ولد زيدوح.
يقر أصحاب الرواية الثانية[31] بأن دلالة الاسم مرتبط بما هو جغرافي طبيعي، إذ يتعسر على الرعاة رعي مواشيهم في منخفض مركز تاكلفت، نظرا لارتفاع درجة الحرارة في فصل الصيف وانخفاضها في فصل الشتاء، و أن الزرع لا ينبث فيه بشكل مطلوب؛ ويقال باللهجة المحلية على كل هذا "تڭلفTguelf ".
هذه الرواية لها ما يؤيد صحتها نسبيا، وهي الأقرب للواقع، فالمنطقة فعلا تعرف ارتفاعا في درجة الحرارة في فصل الصيف مما يؤثر سلبا ويحد دون رعي المواشي، خاصة صنف الأغنام، لأنها لا تتحمل الجو الحار المصاحب لأشهر الصيف، والذي يزيد عن المدى الحراري الملائم لها، مما يوجب على الرعاة نقلها إلى المناطق الجبلية. نفس الشيء بالنسبة لصنف الماعز في فصل الشتاء. نفس الحال بالنسبة للزرع يؤثر فيه ارتفاع وانخفاض في درجة الحرارة.
أما أصحاب الرواية الأخيرة[32] فيذهبون إلى قولهم أن المنطقة كانت مركزا لتجمع المجاهدين من اتحادية أيت سخمان، الذين كانوا يتربصون فيها استعدادا لتنفيذ هجماتهم ضد القوات الفرنسية بعدما حطوا رحالهم بالمغرب ويقال "أن نجمع ڭ تڭلف باش أنوت أرومي anout aroumyAninmjmaa g tgeulf". معناه نلتقي – المجاهدين – بتكلف (اختباء) لضرب النصراني (القوات الفرنسية).
لكننا نفنذ هذه الرواية، لأن الاسم – تاكلفت– كان متداولا قبل الاحتلال الفرنسي للمغرب.
كل هذه الروايات تتفق أن الاسم مأخوذ من تسمية أمازيغية "تڭلفTguelf "، رغم الاختلال في معنى الاسم، وتبقى الرواية الثانية، هي الأقرب للصواب ويؤيدها أغلبية ساكنة تاكلفت.
-III ساكنة تاكلفت وتاريخ استقرارها بالمنطقة:
إن الإشارات والمعلومات المتوفرة حول تاريخ تاكلفت تكاد تكون منعدمة؛ وهي معلومات استقيناها من الرواية الشفهية، وهذا يرجع بالأساس كما، قلنا آنفا، إلى الموقع الجغرافي للمنطقة والذي جعلها منعزلة، حيث نضطر إلى البحث عن الاتحادية الكبرى التي تنطوي داخلها المنطقة قيد الدراسة.
تنتمي ساكنة تاكلفت كما سبق وأشرنا إلى اتحادية ايت سخمان، وتعتبر -تاكلفت- مركزا لقبيلة ايت داود وعلي.[33] هذه الأخيرة يرجع أصل استقرارها في البداية إلى منطقة أنرڭي.[34] ونظرا لما تعرفه هذه الأخيرة من ظروف طبيعية قاسية، اضطرت أغلبية الساكنة إلى النزوح إلى الجهة الشمالية الغربية في اتجاه تاكلفت.
وتؤكد الرواية الشفهية[35] أن داود علي -أحد أبناء علي وسخمان، كما سبق وأشرنا، كان له ستة أولاد وهم: إسماعيل، خويا، انداح، بولمان، حمزة وأخيرا سعيد. وعلى إثر بعض النزاعات بينهم قسموا مجال قبيلة أيت داود وعلي[36]، وكل واحد منهم كون فخذة، لها مجالها الخاص وتحمل أسماء الأبناء الستة.
والجدير بالذكر، أننا لا نعرف بالضبط متى وصلت ساكنة تاكلفت إلى مجالها الحالي، لكننا نفترض أن ذلك النزوح من نواحي أنركي إلى تاكلفت، كان بعدما قام السلطان مولاي إسماعيل (1672-1722) بنقل قبائل أيت يمور[37] من مجال أيت سخمان الحالي، في إطار سياسته الحصارية ضد القبائل المتمردة؛ فبعدما تمكن السلطان مولاي رشيد (1672-1664) من القضاء على الزاوية الدلائية، اهتم مولاي إسماعيل بإخضاع القبائل الصنهاجية لسلطته ومنعها من اكتساحها للسهول المجاورة. ولضرب الحصار على الأمازيغيين في جبالهم؛ بنى عدة قصبات للتصدي لتحركاتهم المرتقبة،[38] والتي وضع فيها العديد من فرسانه، بهدف محاصرة "البربر في جبالهم، ومنعهم من التوجه إلى السهول بقطعانهم في فصل الشتاء"[39]. ولتأمين ذلك، نقل إلى ضواحي قصبة تادلا العديد من قبائل الكيش وكلفها بمواجهة امتداد أمازيغيي الأطلس المتوسط والأطلس الكبير الغربي؛ كقبائل ايت يمور وكطايا وسمكت ومجاط وشراكة[40].
وبهذه السياسة الحصارية والتي استمرت لمدة خمسين عاما، منعت من خلالها القبائل الجبلية في الأطلس الكبير الأوسط من النزوح إلى المناطق السهلية، لكن مباشرة بعد وفاة السلطان مولاي إسماعيل استأنفت هذه القبائل تحركاتها نحو السهول.
ونفترض أن هذه الفترة التي ألت وفاة السلطان ،السالف الذكر، وتولية أبناءه السبع الحكم ودخول البلاد مجموعة من الاضطرابات والصراعات، استغلتها قبائل أيت سخمان ونزحت في اتجاه السهول التادلية، حيث وصلت قبيلة أيت سعيد وعلي إلى دير بني ملال ،وبالضبط، إلى فم العنصر، في المقابل وصلت قبيلة ايت داود وعلي إلى ضفاف واد العبيد بمنخفض تاكلفت.
عموما فالمجال الذي استقر في سكان تاكفلت، كان مجالا لقبائل ايت يمور،[41] وكان بعدهم كذلك، حسب بعض الروايات المتداولة بشكل كبير في المجال المدروس، البرتغاليين[42] الذين تعتبرهم الساكنة المحلية هم الذين استقروا فيها، والشاهد على ما يقولونه، تلك الغرف والأبراج المنحوتة وسط الأجراف الصخرية المتواجدة على الضفة المطلة على واد العبيد. كما تؤكد الرواية الشفهية كذلك، أن هذا المجال استقرت فيه قبائل ايت وستر التي استقرت في منطقة زاوية أحنصال، ويقال أنهم وصلوا حتى إلى المنطقة التي تأسست فيها زاوية أسكار في الحدود بين قبيلة أيت داود وعلي وقبيلة أيت إصحا، وحسب نفس الرواية التي تقول أن أيت وستر طردوا من هذه المناطق بعدما وصل مؤسس زاوية أحنصال[43]، في المقابل هناك من يقول أنهم ماتوا نتيجة لتساقطات ثلجية عرفتها هذه المناطق آنذاك[44].
في كل الأحوال لا تهمنا المجموعات التي استقرت بمجال تاكلفت، بقدر ما يهمنا أنه كان مركزا لمرور مجموعات بشرية مختلفة، وتركت لنا تراثا معماريا يتمثل في مساكن على شكل كهوف، وغرف منحوتة وسط الصخور، ولنا في مخازن والوس التي نحن بصدد دراستها خير مثال على ذلك، هذا الشكل من المخازن والتي تنسبها الساكنة، كما أشرنا، إلى البرتغاليين "برتقيز" هذا دليل على أن المنطقة عرفت استقرارا بشريا منذ عهد مبكر، أي قبل وصول "قبيلة أيت داود وعلي" إلى مجالها الحالي، مما ينفي الزعم القائل بأن قدم المنظقة استيطانيا مرتبط أليا بالتاريخ المكتوب.
واللافت للانتباه، أن المجال المدروس عرف في فترة ما قبل الحماية، أو ما يصطلح عليه من طرف الباحثين بفترة السيبة، أزمة اجتماعية واقتصادية، وسياسية، تمثلت بالأساس؛ في الصراعات والتطاحنات بين القبائل من جهة، أو بينها وبين السلطة المركزية؛ باعتبار المنطقة المدروسة من بين المناطق التي لا تنالها الأحكام السلطانية.
لذلك استقبلت الساكنة المحلية العديد من الأسر الوافدة من القبائل الأخرى؛ بسبب تزايد الضغوط الجبائية عليها واستفحال خطورتها على السكان، وشكلت هذه المسألة ظاهرة اجتماعية كادت أن تكون لازمة للقبائل طيلة النصف الثاني من القرن التاسع عشر والعقد الأول من القرن العشرين[45].
وما يميز هذه الفترة، نشوب مجموعة من الصراعات، وظهور عصابات مسلحة شغلها الشاغل النهب والسلب والسرقة للمواشي والدخائر. وتحدثت الرواية الشفهية بإسهاب عما كانت تعرفه المنطقة آنذاك من الحروب والفتن بين القبائل، وانعدام الأمن على النفوس والممتلكات، وهذا راجع إلى قساوة الظروف الطبيعية في هذه المناطق الجبلية وما يرافق ذلك في صعوبة مسالكها.
نضيف إلى ذلك، موجات من الجوائح الطبيعية المختلفة كالجفاف والمجاعات والطاعون. ونتيجة لذلك بدأ الناس يغادرون مواطنهم بحثا عن الحماية في أماكن أخرى أكثر أمنا، وبدؤوا كذلك يبحثون عن وسائل للدفاع عن ممتلكاتهم من الأعداء، وكانت المخازن الجماعية وسيلة ناجعة لذلك، ولهذا ستعود لها وظيفة جديدة تتمثل في الدفاع والاحتماء.
و أمام هذه الوضعية القتالية، كانت المنطقة دائما محاط أطماع القبائل الرحل المجاورة التي تسعى إلى الحصول على ما هي في حاجة إليه؛ من مؤن بأي طريقة حتى وإن استدعى الأمر استعمال الأسلحة. وقد انتشرت هذه الفوضى في المغرب ككل بعد وفاة السلطان الحسن الأول وما رافق ذلك من ضعف السلطة المركزية وانتشار ما يسمى بالسيبة بالمناطق الجبلية. فأصبحت المخازن الجماعية تؤدي وظيفة دفاعية دائمة .
وقد توصلت الباحثة جاك مونيي Meunie Jaque الى أن الإغرم يشكل بؤرة اجتماع السكان في أوقات


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.