إن التحديات التي يواجهها العالم اليوم، والتغير السريع الذي طرأ على جميع نواحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، يجعل من الضروري على المؤسسات التعليمية أن تأخذ بوسائل التعليم الحديثة لتحقيق أهدافها ومواجهة هذه التحديات. وقد أضاف التطور العلمي والتكنولوجي كثيرا من الوسائل الجديدة التي يمكن الاستفادة منها في تهيئة مجالات الخبرة للدارسين حتى يتم إعداد الفرد بدرجة عالية من الكفاءة التي تؤهله لمواجهة تحديات العصر. فقد تطور مفهوم التكنولوجيات الحديثة في التدريس، واتسع ليشمل وسائل الاتصال الفردية والجماعية، وأصبح بذلك جزءا متكاملا في العملية التعليمية التعلمية، وله دور كبير في تحقيق أهداف التدريس العامة منها والخاصة، ويقتضي الواجب منا أن نؤكد ذلك عمليا عند التهييئ والتخطيط للمنظومة التعليمية.[1] وانطلاقا من المفهوم السابق، يصبح استخدام الوسائل التكنولوجيا الحديثة في التدريس خاضعا لمبادئ التخطيط العلمي المنهجي، ويتبع أسلوب النظم، وبذلك لا تنفصل الوسيلة عن الهدف أو الطريقة، ولكنها تصبح جزءا متكاملا مع عناصر هذا النظام حيث تتفاعل معها بصورة دينامكية وإيجابية، فتأخذ في الاعتبار العوامل الكثيرة التي تؤثر في نتائج التدريس، مثل المؤسسات الدراسية، وكذا الإدارات التربوية، بالإضافة إلى المقاربات المعتمدة في التدريس. ولا يجب أن يقتصر استخدامنا للوسائل التعليمية على الأساليب التقليدية أو بعض الوسائل التكنولوجيا الحديثة، ولكن ينبغي أن يشمل وسائل التكنولوجيا المتقدمة، فيخضعها للتجريب والدراسة والبحث، حتى لا يقتصر دور المؤسسات التعليمية على مجرد انتظار ما تقدمه لها المؤسسات الصناعية، وتكتفي بدور المستهلك لهذه المنتجات. ولكن عليها أن تلعب دورا إيجابيا في تحديد احتياجاتها، وتطويع هذه الوسائل التكنولوجيا لخدمة أهدافها وتطوير المجتمع[2]. إن للمدرس أهمية كبيرة في هذا التطور العلمي الذي يستوجب الاهتمام بإعداده إعدادا خاصا ليكون قادرا على استخدام التكنولوجيات الحديثة لخدمة أهدافه. وألا يقتصر دوره على مجرد نقل المعرفة، ولكن يصبح له دور توجيهي وقيادي في رسم إستراتيجية التدريس، وتهيئة مجالات الاشتغال للتلميذ، وتزويد هذا الأخير بمصادر المعرفة، وإعداد البرامج التي تساعده على التفاعل مع هذه المجالات والمعايير الملائمة لضبط العملية التعليمية-التعلمية حتى يكون بحق الموجه لعملية التعلم، أو كما يشار إليه أحيانا المربي التكنولوجي. وقد جاء في تقرير المجلس الأعلى للتعليم الصادر سنة 2008، أنه يقتضي إعطاء نفس جديد للإصلاح التربوي، وذلك بإدخال التغييرات المنشودة على طرق العمل، واتخاذ مبادرات جريئة على الوجهات التي تحظى بالأولوية، في إطار المبادئ المشار إليها [3]. وقد تناولنا في هذا البحث استعمال التكنولوجيات الحديثة في التدريس في مادة الجغرافيا، لنعمل على توضيح العلاقة بينهما (أي بين تطور مفهوم التكنولوجيات الحديثة وبين تدريس مادة الجغرافيا)، مبينين مسار تطور مفهوم التكنولوجيات الحديثة في التدريس، وتعريفها، وعلاقتها بطرق ومقاربات التدريس. الأمر الذي دفعنا إلى الانطلاق من تساؤلات رئيسية نبني عليها موضوع بحثنا والتي تتجلى من خلال: - ما هو سياق تطور استعمال التكنولوجيات الحديثة ؟ وما دورها التربوي ؟ - ما الدور الذي يمكن أن يلعبه الإنترنت في الحقل التربوي بشكل عام، وفي تدريس مادة الجغرافيا بشكل خاص؟ - وبأي وجه يمكن اختبار نموذج الانترنت في مجال تدريس مادة الجغرافيا، وبناء جذاذة ديداكتيكية للمادة وفق هذا التصور، وقياس مدى فاعليتها ؟ دواعي البحث: - تتمثل دواعي اختيارنا لهذا الموضوع هو كونه من المواضيع الآنية، التي تعالج إشكالية توظيف التكنولوجيات الحديثة في التدريس وتدفع الباحث إلى البحث عن المستجدات، وعن الرهانات الحالية والمستقبلية، التي نسعى لها من خلال اعتماد هذه التكنولوجيات. - كذلك قلة البحوث التربوية في هذا المجال، الأمر الذي يحفز على خوض هذه التجربة، ومحاولة معرفة بعض جوانب هذا الموضوع، من أجل تشييد أرضية لبناء بحوث تربوية تعالج الإشكالية بشكل أدق، وفي أفق أوسع. - إشكالية البحث: يشكل موضوع استعمال التكنولوجيات الحديثة في تدريس الجغرافيا نموذج الإنترنت، أحد المواضيع الجديدة التي تطرح عدة إشكالات، سواء على المستوى التربوي، أو على المستوى العلمي والمعرفي، نظرا لما أصبح يشهده العالم اليوم من تقدم سريع للتكنولوجيا في شتى المجالات. وتتجسد الإشكالية الأساسية للبحث في كيف يمكننا أن نعتمد على التكنولوجيات الحديثة في تدريس مادة الجغرافيا بالسلك الثانوي التأهيلي، وذلك من خلال التساؤل عن السياق التاريخي لظهور التكنولوجيات الحديثة في التدريس؟. وكيف يمكن أن نتخذ من الإنترنت نموذجا لتوظيف هذه التكنولوجيات في تدريس مادة الجغرافيا؟. وإلى أي حد يمكن أن نقيس مدى فاعلية هذه التكنولوجيات في تحقيق أهدافها. وما مدى انعكاساتها على العملية التعليمية التعلمية؟. ولمعالجة هذه الإشكالية، تبنينا مقاربة تربط ما بين الجانب النظري وكذا التطبيقي، من أجل محاولة معاينة الموضوع ميدانيا، وسوف ننشر أجزاء البحث هي الأيام القليلة المقبلة. بحث عزيز مزيان