لما تعلق الأمر ب "مخيم اِكديم إزيك"، تعاطفنا بلا حدود مع القوات العمومية، لأنها قامت بالواجب اتجاه الوطن ووحدته، وأحسسنا بالغصة لما لحقها من خسائر وإهانات... لكن عندما تعلق الأمر ب "اِهدم المخيم زيك"، فإن بسالة القوة العمومية تحولت بحق إلى "بسالة"... لقد ولى ما سمي عبثا بالربيع العربي، وقام المخزن قومة أمة ليمنح المواطنين "الرابيل" بعدما استراحت زرواطته نسبيا لبعض الوقت.. أيام كاد المخزن "يقضي حاجته في سرواله" خوفا، رفع من أجور الطبقة المتوسطة – متوسطة في الفقر – رغم الأزمة المالية، ولجم مقدميه وشيوخه تاركا لثوار الإسمنت المسلح مجالا لتحويل خضرة الحقول إلى بنايات دون أسس تكاد تهد حتى قبل أن تنهى أشغالها.. أما اليوم، وبعدما صارت خضرة الربيع صفرة، والتغيير سحابة صيف، ولمع نجم شهر "شباط" بدل فبراير، كشر المخزن عن أنياب "هرقل" وبدأ يخبط خبط عشواء من يصب، يمته ومن يخطئ يعمر ليأتي دوره لاحقا... فعندما تأتي الأخبار مفادها أن القوة العمومية قد قطعت الطريق أمام المرور ما بين القصيبة وديرها فقط لأنها بصدد إعداد الهجوم على خيام تنام بها النساء والأطفال بمعتصم أمشاظ، تضيع كل المعاني وتلغى كل القواميس.. لأن هذه الخطوة لا تتخذ – حسب علمنا – إلا إذا كان الوطن مهددا، فهل خيمتا المعتصمين شكلتا تهديدا إلى هذا الحد؟؟ أم أن جيوب المستفيدين من الصفقة هي التي كانت في خطر؟؟ لقد تقرر بناء محطة تصفية المياه العادمة بالقصيبة وكفى، قضي الأمر الذي فيه تستفتيان.. فلا مجال لترهات الحفاظ على البيئة أو صحة المواطنين.. هؤلاء الذين يستوطنون الأرض ويرعون خشاشها، ويشربون مياه جوفها، ويستنشقون هواءها... ليتبين فجر الخميس أن لا حق لهم حتى في العيش والكرامة، فما بالك بالصحة والبيئة؟. إن ما حدث صبح الخميس يؤكد أننا كلاب اضطررنا إلى العيش مع المالكين الحقيقيين لهذه الأرض، الذين وجب علينا أن نبوس أقدامهم ليدعونا نستمر في العيش ها هنا دون صراخ ولا عويل... لو كانت المحطة ستقام من أجل المواطنين، فالمواطنون قالوا لا.. لكن لابد أن هناك مستفيدا آخر أكثر أهمية من الإنسان والأرض ها هنا.. ما برر تصفية المعتصم.. لو كان الإنسان مهما لتقرر تغيير مكان المشروع، أو حتى إلغاءه لأن الإنسان يرفضه، لكن الهجوم وإرهاب الأطفال والنساء في الصباح الباكر ليوم بارد ممطر يبين أنه ما وجب على آبائنا - غفر الله لهم فعلتهم - أن ينجبونا.. أن تتشفى الدولة في المواطنين بأن عرتهم تحت جنح الظلام، وحاصرتهم، ونكلت بهم، وضربتهم، واعتقلتهم، وأسمعتهم من الكلام النابي ما يخجل منه أعتى مجرمي الشوارع الخلفية، ثم باشرت جرافاتها الأشغال ضدا فيهم، هنا أخجل من البوح بما أفكر فيه صراحة... إن القوي إذا استعمل قوته في وجه الضعيف الذي لا يملك أي شيء يكون قد برهن على ضعف ليس بعده ضعف، وعلى محدودية ما يملكه من حلول.. فكيف لمثل هؤلاء أن يحكمونا لو كنا حقا مواطنين؟؟ وإذا قررت السلطة مهاجمتنا هنا أيضا من أجل هذه الكلمات التي أملتها الصدمة، فلتوفر على نفسها الحواجز التي استعملت في القصيبة، لأننا في أغبالة محاصرون أصلا، فما يربطنا بالعالم الخارجي ليس طريقا، إنما صراطا... غير مستقيم.. ولتوفر هراواتها كذلك، فستجد قرب بيوتنا أخشابا أعددناها للتدفئة من بردٍ تشاء سخرية الأقدار أن تكون الدولة هي من تنشره حين تعري أجساد الضعاف لينضاف وجع البرد ولفحات الأمطار المتساقطة إلى ضربات الهراوات في السادسة صباحا من خميس دجنبر الأسود علينا، الأبيض على أصحاب المشاريع.. --------------------------------- زيك: باكرا