الزمان: الأحد 22 شتنبر 2013، الساعة 10:22 بتوقيت غرينيتش الطقس: حرارة جد مفرطة يزيد من وقعها الضغط الجوي والرطوبة. المكان: شارع محمد الخامس بالعاصمة الرباط. المكان خال تماما من كل مظاهر الاحتجاج، رغم الهالة والتحضيرات التي سبقت، حتى أني طالعت عنوانا بالخط الغليظ بإحدى الجرائد، يقول "شباط يتظاهر وحيدا"، وخيل إلي أن المظاهرات قد ألغيت فعلا.. هاتفني السي حميد من القنيطرة يقول إن الجو قد فاجأه وأنه لا يتنفس إلا الحرارة التي تزيد معاناته، وهو الذي يعاني – شافاه الله – من الانسداد الرئوي المزمن. كنت أرتقب عاصمة غارقة في شعارات "ارحل"، و"هادشي ماشي معقول"، وغيرها من أبيات زجلية اعتدنا سماعها، ثم ترديدها أيام الشباب الأولى، ثم اكتشفنا أن أكثر المرددين لها هم وصوليون ليس إلا... فقد هدد العديد من النقابيين، الحقيقيين منهم والراقصين على مآسي الفقراء، بأن موعدهم الصبح، صبح يوم الأحد.. بل منهم من رفع يده عاليا و"طزطز" لابن كيران، كما كان القذافي "يطزطز" لأمريكا ذات يوم. وقال إن حزب "النجاة" ونقابته سيضعان حافلات أفريقيا والشرق تحت تصرف المحتجين، فوضعنا أيدينا على صدورنا، ليس خوفا على السياسيين، لكن على الذين مازالوا مستعدين لالتقاط الطعم وترديد الشعارات الرنانة وقذف كراكيز لا حول لها ولا قوة، فيما الذين يحركونها ينعمون في جنات الوطن.. لكن من حسن حظي ربما أن الحركة الاحتجاجية برمجت لما بعد الزوال، ما منحني فرصة لا تعوض لاكتشاف أشياء لم أنتبه لها في المرات السابقة؛ اتجهت غربا، فهالني منظر شاب كفيف يحمل صدرية عليها مجموعة كذا للمعطلين، وهو يخرج بعض الأشياء من حقيبته ويعرضها أرضا للبيع، تساءلت إن لم يكن اللصوص يتربصون به الدوائر كما تربصتها به حكومات الخريف وبعدها الربيع.. في تقاطع شارعي محمد الخامس والحسن الثاني، يختلط صوت منبه الترامواي المميز بجرس "الڭرّاب" الذي لم يعد يساوم ما بقربته إلا تواق لشربة ماء لم يلوثها لا الكلور ولا جافيل ولا صابون مامّا غولا.. هنا ماسحوا الأحذية ومحطة الترامواي. هنا فنجان قهوة بئيس بثمن لا يصدق ووجبة غذائية بخمس دراهم فقط، هنا كل المتناقضات تتجلى.. شارع الحسن الثاني يقسم العاصمة إلى "رباط" راقية هادئة قليلة الحركة، و"رباط" شعبية صاخبة.. هنا الفنادق الفخمة شرقا ومثيلتها الشعبية غربا.. غادرت المكان في اتجاه القنيطرة، حيث ينتظرني السي حميد، هذا الرجل الشجاع الذي ضحى بالترقية والسمعة من أجل المدرسة العمومية.. لا زلت أتذكر مواقفه مع "لجنة الإقرار" التي أراها وجهها في المرآة، والنائب الإقليمي الذي حرمه من الترقية فقط لأنه لا يقول "واخا نعم آس"، ورجال الأمن الذين طرقوا عليه الباب ليلا ليسألوه عن علم إسرائيل المرسوم على الواجهة الخارجية لحائط المؤسسة فجعلهم يطلبون "السلة بلا عنب"، وملاحظ الامتحانات الذي تجاوز صلاحياته وأبكى مراقبةً "فأبكاه" السي حميد، وغيرها من "بطولات هذا الرجل الذي أنهكه زمن قلة المواقف.. زرنا قصبة المهدية الغنية التي لو وجدت ببلد يحترم تاريخه لتم ترميم أسوارها ومآثرها التي تآكلت بفعل التاريخ والجغرافيا والبشر.. هذه القصبة تقع ضواحي المدينة بمصب نهر سبو، هنا مقام السلطان – يقول السي حميد – وهنا إسطبل خيوله، هنا كانت مدرسة وثكنة، هنا تاريخ عريق يتحدث.. هي إذن أسوار تخفي خلفها عشرات الحكايات سألت عنها "الحاج غوغل" فيما بعد فحدثني عن الزمان والمكان، ما جعلني أتأسف على وطن ورثه سياسيون لا هم لهم سوى الجاه والمال، وإعلام لا يفقه سوى الرقص والغناء بكل ما أوتيت الكلمتان من حمولة... في الغد، أتانا الخبر بأن الحمير قد شاركوا في مظاهرة الرباط.. شيء عادي جدا، فالجميع أضحى يفهم في السياسة والدين والعلم وكل شيء، إنه بلد الاستثناء طبعا.. وبهذه المشاركة المهمة للحيوانات في التظاهرة تكون تنبؤات "جورج أورويل" صاحب "مزرعة الحيوانات"، قد صدقت