حظيت الجماعات المحلية بالمغرب باهتمام كبير من لدن المشرع، حيث أفرد لها الباب الحادي عشر من الدستور المراجع بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.96.157 الصادر في 23 جمادى الأولى 1417 الموافق ل7 أكتوبر 1996، حيث جاء في المادة المائة منه أن "الجماعات المحلية بالمملكة هي الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات الحضرية والقروية و لا يمكن إحداث أي جماعة محلية أخرى إلا بقانون"، و عليه فإن المشرع صنف الجماعات المحلية إلى ثلاث وحدات رئيسية( الجهات ، العمالات والأقاليم، الجماعات الحضرية والقروية) ونظرا لأهمية هذه الوحدات في إشراك المواطن في تدبير شأنه العام والمساهمة في خلق اقتصاد وطني قوي، فإن الدولة خولت لهذه الجماعات من الوسائل ما يساعدها على القيام بالدور المنوط بها، غير أن توزيع هذه الإمكانيات متفاوت من منطقة إلى أخرى، مما أسهم في ظهور مناطق وجهات متباينة على جميع المستويات، ولعل يد الاستعمار كان له الدور الكبير في ذلك، فبخلقه للمغرب النافع والمغرب الغير النافع كرس هذا النوع من التباين، هذا دون أن ننسى أن الجماعات المحلية شهدت امتدادا مجاليا واسعا، لكن بتوزيع مختل وغير منظم بسبب النقص في البنيات التحتية والتجهيزات، وتدهور المرافق العمومية، خاصة في مجال إيصال الماء والكهرباء والتطهير، وكذا مشاكل على صعيد قطاع النقل وضعف وسائل النقل العمومي، هذه الوضعية ولَّدت ظاهرة خطيرة تجلت بالخصوص في الإقصاء الاجتماعي وتفكك النسيج الحضري والتباين الصارخ بين المدينة والضاحية، بل وداخل المدينة الواحدة والحي الواحد [1]. لهذا كله كان لزاما وضع سياسة ترابية تسعى إلى خلق نوع من التوازن بين مختلف جهات ومناطق المملكة وهذا ما سيؤدي حتما إلى خلق حكامة محلية فاعلة . وفي تحليلنا لهذا الموضوع ارتأينا بداية تحديد مجموعة من المفاهيم كي يسهل الفهم على المتلقي، أولى هذه المفاهيم "السياسة الترابية" التي يمكن تعريفها على هذا النحو: أنها سياسة تهدف إلى تحقيق توزيع أفضل للسكان و الأنشطة فوق مجال معين من خلال سياسة قطاعية ومجالية للتخفيف من التباينات وتحقيق نوع من التوازن المجالي. أما "الحكامة" فقد عرفها برنامج الأممالمتحدة الإنمائي بأنها ممارسة السلطات الاقتصادية والسياسية والإدارية لشؤون المجتمع على كافة المستويات، وعرفها الأستاذ محمد اليعكوبي في كتابه" تأملات في الديمقراطية المحلية" بأنها كفاءة المجتمعات الإنسانية بتوفرها على أنظمة تمثيلية ومؤسسات وقواعد ومساطر ووسائل التقييم والتقدير ومسلسلات وهيئات اجتماعية قادرة على تسيير وتدبير الترابطات بطريقة سليمة. فما هو الإطار المحدد لكل من السياسة الترابية والحكامة المحلية وما هي الإشكاليات التي تعترضهما في التطبيق؟ وإلى أي حد استطاعت السياسة الترابية بلورة وخلق حكامة محلية فاعلة؟ هذا ما سنحاول الإجابة عليه في موضوعنا هذا.