الجفاف وسط البرازيل يهدد برفع أسعار القهوة عبر العالم    وزارة التربية الوطنية تبدأ في تنفيذ صرف الشطر الثاني من الزيادة في أجور موظفيها    مندوبية التخطيط تكشف تغير الأسعار    الدريوش تؤكد على ضرورة اتخاذ التدابير اللازمة للتصدي للمضاربات في سعر السردين    رئيس جهة سوس يقود حملة انتخابية لمرشح لانتخابات "الباطرونا" خلال نشاط رسمي    فرنسا تسعى إلى توقيف بشار الأسد    مجموع مشتركي نتفليكس يتخطى 300 مليون والمنصة ترفع أسعارها    بنما تشتكي ترامب إلى الأمم المتحدة    مغربي مقيم في أمريكا ينفذ هجوم طعن في تل أبيب    الكشف عن النفوذ الجزائري داخل المسجد الكبير بباريس يثير الجدل في فرنسا    جماهير جمعية سلا تطالب بتدخل عاجل لإنقاذ النادي    عادل هالا    كيوسك الأربعاء | الحكومة تنهي جدل اختصاصات كتاب الدولة    الوزير بركة ونظيره الفلسطيني في لقاء ثنائي لتعزيز التعاون    توقيف 6 أشخاص وإحباط محاولة لتهريب كمية مهمة من المخدرات نواحي إيمينتانوت    خديجة الصديقي    Candlelight تُقدم حفلاتها الموسيقية الفريدة في طنجة لأول مرة    المدافع البرازيلي فيتور رايش ينتقل لمانشستر سيتي    نقاش مفتوح مع الوزير مهدي بنسعيد في ضيافة مؤسسة الفقيه التطواني    توقعات طقس اليوم الأربعاء بالمملكة المغربية    الصين تطلق خمسة أقمار صناعية جديدة    الشاي.. كيف تجاوز كونه مشروبًا ليصبح رمزًا ثقافيًا عميقًا يعكس قيم الضيافة، والتواصل، والوحدة في المغرب    الكنبوري يستعرض توازنات مدونة الأسرة بين الشريعة ومتطلبات العصر    مسؤول فرنسي رفيع المستوى .. الجزائر صنيعة فرنسا ووجودها منذ قرون غير صحيح    سقوط عشرات القتلى والجرحى جراء حريق في فندق بتركيا    جريمة بيئية في الجديدة .. مجهولون يقطعون 36 شجرة من الصنوبر الحلبي    "سبيس إكس" تطلق 21 قمرا صناعيا إلى الفضاء    "حماس": منفذ الطعن "مغربي بطل"    الحاجب : تدابير استباقية للتخفيف من آثار موجة البرد (فيديو)    الكاف : المغرب أثبت دائما قدرته على تنظيم بطولات من مستوى عالمي    ماستر المهن القانونية والقضائية بطنجة ينظم دورة تكوينية لتعزيز منهجية البحث العلمي    ارتفاع عدد ليالي المبيت السياحي بالصويرة    في ليلة كروية لا تُنسى.. برشلونة ينتزع فوزا دراميا من بنفيكا    "البام" يدافع عن حصيلة المنصوري ويدعو إلى تفعيل ميثاق الأغلبية    كأس أمم إفريقيا 2025 .. "الكاف" يؤكد قدرة المغرب على تنظيم بطولات من مستوى عالمي    المغرب يواجه وضعية "غير عادية" لانتشار داء الحصبة "بوحمرون"    مطالب في مجلس المستشارين بتأجيل مناقشة مشروع قانون الإضراب    الدفاع الجديدي ينفصل عن المدرب    توقيع اتفاق لإنجاز ميناء أكادير الجاف    مجلس المنافسة يكشف ربح الشركات في المغرب عن كل لتر تبيعه من الوقود    اليوبي يؤكد انتقال داء "بوحمرون" إلى وباء    فضيل يصدر أغنيته الجديدة "فاتي" رفقة سكينة كلامور    افتتاح ملحقة للمعهد الوطني للفنون الجميلة بمدينة أكادير    أنشيلوتي ينفي خبر مغادرته ريال مدريد في نهاية الموسم    المجلس الحكومي يتدارس مشروع قانون يتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة    الغازوال والبنزين.. انخفاض رقم المعاملات إلى 20,16 مليار درهم في الربع الثالث من 2024    تشيكيا تستقبل رماد الكاتب الشهير الراحل "ميلان كونديرا"    المؤتمر الوطني للنقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية: "خصوصية المهن الفنية أساس لهيكلة قطاعية عادلة"    في حلقة جديدة من برنامج "مدارات" بالاذاعة الوطنية : نظرات في الإبداع الشعري للأديب الراحل الدكتور عباس الجراري    الإفراط في اللحوم الحمراء يزيد احتمال الإصابة بالخرف    وفاة الرايس الحسن بلمودن مايسترو "الرباب" الأمازيغي    علماء يكشفون الصلة بين أمراض اللثة وأعراض الزهايمر    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    دراسة: التمارين الهوائية قد تقلل من خطر الإصابة بالزهايمر    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    ملفات ساخنة لعام 2025    أخذنا على حين ′′غزة′′!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من وثيقة الحزب العمالي حول الجهوية : إكراهات العدالة الاجتماعية والديمقراطية وإعادة انتاج النخب

لقد أكدت التجربة خاصة في الدول المتقدمة ديمقراطيا أن المشاركة السياسية في المؤسسات المنتخبة المركزية الوطنية إن كانت أهميتها تتركز أساسا على الإشكاليات الوطنية الكبرى فإن المجالات الجهوية من خلال مؤسساتها الجهوية تعتبر المدخل الحقيقي للممارسة الديمقراطية في تدبير الشأن الجهوي عندما تنبري المنافسة لتكون الإشكاليات الجهوية مطروحة للتحفيز على النقاش « السياسي الجهوي « ومن تم يبقى تفعيل العدالة الاجتماعية في توفير التكافؤ والمواطنة عبر مؤسسات جهوية منتخبة أو إدارية ممثلة في السلطات الترابية الجهوية إحدى الركائز الهامة للممارسة الديمقراطية جهويا.
كما أن مسألة تجديد النخب المنتخبة أو الإدارية والتداول على السلطة المنتخبة أو الإدارية كذلك إحدى الضمانات العملية لتفعيل العمل التنموي.
إن المجال الجهوي هو الفضاء الذي يعيش فيه المواطن ومن تم أهمية شعوره بالمسؤولية اتجاه فضائه بالمشاركة في تدبير شؤونه وبإحساسه بممارسة لمواطنته وفق قناعاته انطلاقا من غيرته الوطنية بعيدا عن كل انتماء عرقي لجعل المجال الجهوي المجال الترابي الوطني المعاكس للشعور الوجداني بالانتماء القبلي كمحدد توجيهي لإرادة ورغبة المواطن.
الإكراهات المائية والبيئية:
تجدر الإشارة إلى الضغط الكبير الذي يتعرض له المخزون المائي من جراء الضغط السكاني للاستعمال المدني أو الصناعي أو الفلاحي مع الإشارة إلى ظاهرة الانحباس الحراري وتأثيرها على إيقاع التساقطات المطرية الغير المنتظمة.
إن كان المغرب يمتاز بتعدد أحواضه المتعددة الروافد التي تعطينا الأنهار الكبرى وعلى رأسها واد سبو وملوية وأم الربيع وتعدد فرشاته المائية فإن الاستهلاك المفرط وتعريضها للتلوث يسير في منحنى المعاناة من نقص في المياه المستقبل .
كما أنه في إطار التنوع الجغرافي في المغرب نجد الخصاص المائي الكبير في المجالات الصحراوية والشبه الصحراوية التي تعاني من زحف الرمال وتراجع الواحات والغطاء النباتي كما أصبح لهذا الوضع المائي في المغرب تأثير مباشر على الوضع البيئي بالأضرار التي تلحق الغابات والفرشات المائية الشيء الذي يستدعي مباشرة معالجة توفير مطارح الأزبال والتطهير الصلب والسائل ومحطات معالجة المياه العادمة وإعادة التشجير وتوفير تجهيزات التخزين والضخ والتقطير وقنوات السقي للنقل والتوزيع .
إن منظومة الماء لها علاقة وطيدة بمنظومة المجالات الترابية وموردا يقتضي ترشيده لتحقيق التكامل المائي الجهوي.
إكراهات الطاقة :
بالرغم من أهمية تشييد السدود ودورها في إنتاج الطاقة الكهربائية وارتباط المغرب بشبكة التيار الكهربائي العالي الأوربي ومرور أنبوب الغاز المغاربي الأوربي بأراضيه فإن المغرب يعتمد بشكل أساسي في استهلاكه الطاقي على وارداته النفطية. ومن تم تبدو أهمية البحث عن الطاقات البديلة ( نووية ? شمسية ? ريحية) وبالتالي تبدو المجالات الترابية بدون توفرها على هذا المحرك عاجزة عن تحقيق أهدافها التنموية أخذا بعين الاعتبار التزايد المتصاعد على استعمال الطاقة في المستقبل.
وفي إطار التناسق الوطني عبر جهاته لابد من تحقيق شبكة الربط وفق هندسة توزيع طاقي يحقق الاندماج الجهوي.
إكراهات تحقيق التجهيزات الأساسية:
إن النقل والتنقل بدءا بالمسالك القروية والطرق الجهوية والوطنية والطرق السيارة مرورا بالربط السككي إلى الموانئ والمطارات أصبح من الحاجيات الأساسية لتحقيق الاندماج التكاملي للجهات.
فإنجاز المحاور الطرقية الكبرى معبدة وسككية في المحور الأطلسي من طنجة إلى الكويرة ومن طنجة إلى تيزنيت مرورا على آسفي والصويرة ومن فاس ? تازة إلى الحسيمة ? الناضور ومحور مراكش أكادير أي ربط الساحل بالوسط والشمال بالجنوب والغرب بالشرق أصبح من الضرورات الملحة لإنجاز الربط الفعلي بين الجهات .
مسألة التعليم والتكوين المهني:
لقد خضع التعليم في بلادنا إلى إصلاحات تبين في الأخير أن مآلها كان الفشل ، إن إصلاح التعليم يعني استثمارا في الموارد البشرية على المدى الطويل ويعني بالضرورة التوفر على استراتيجية بعيدة الآجال لتهييء العنصر البشري القادر على مواكبة وإعداد وتنفيذ البرامج الوطنية والقطاعية والمخططات التنموية.
إن ذلك لا يقتضي فقط وضع الأهداف وإنما خلق آليات التحقيق الموازية مع تهييء البنية اللوجستيكية والبداغوجية. لقد تأكد أننا ضيعنا وقتا ثمينا وأن يجب أن مضاعفة الجهود ليس فقط لتحديد المستقبل وإنما لتدارك مخلفات وتداعيات سياسية تعليمية كان لها وقع كارثي خاصة في العالم القوي.
إن المخطط الاستعجالي في قطاع التعليم هو محاولة لتدارك هذا الإخفاق والزج بميزانية ضخمة ليس للإصلاح وإنما لتدارك الوقت على أساس البناء لتوفير الشروط الأساسية لإصلاح التعليم لا يمكن تصور دولة مقبلة على التأسيس لمنظومة جهوية بدون مواكبة لها بمنظومة تعليم ذات مضمون استراتيجي تأخذ بعين الاعتبار التكوين والإعداد المختلف للمجالات الجهوية المتنوعة في مساراتها التنموية .
الإكراهات العقارية :
إن هناك علاقة وطيدة بين العقار بالمجال الجهوي فمسألة التجهيز القاعدي : مناطق سكنية ? أقطاب صناعية ? مدارات فلاحية تتم في إطار المبادرات التنموية.
إن الوعاء العقاري أصبح يعرف نوعا من التضارب والتداخل زاد من حدته الضغط السكاني وتوسيع المدارات الحضرية وبسبب تنوعه: أراضي الكيش ? أراضي الجموع ? أراضي الخواص- الأملاك المخزنية- أملاك الأوقاف ? الملك الخاص للدولة وملك غابوي، خاضع لتنظيم ثنائي تقليدي عبر العدول وتحفيظي توثيقي عبر الموثقين . هذه الوضعية الثنائية الموروثة عن الاستعمار. لها تأثير على الوضع العقاري الذي زاد من صعوباته معرضا تعرضه للمضاربة بشكل خارج الضوابط القانونية وأصبح عائقا في وجه الإجراءات المتخذة لأهداف تنموية وبالتالي أهمية هذه المعضلة باعتبارها أساسا ثروة وطنية تتوزع فوقها المجالات الجهوية التي تعاني أصلا من انعدام التوازن بين جهات ذات كثافة سكانية توجد تحت ضغط إكراهات مختلفة في حاجة ماسة لوعاء عقاري لمواجهة هذه الإكراهات كفضاء حيوي وجهات يتوفر فيها وعاء عقاري غير قابل للاستغلال الاقتصادي. ومن تم أهمية المبادرة لإصلاح عقاري عميق لتغيير نظام الملكية، إن تصاميم التعمير والتصاميم الجهوية يعتبر العقار مجالها الطبيعي لتنفيذها.
إكراهات التوسع الحضري والنمو الديمغرافي :
لقد خلق الاستعمار حوافز مجزأة إلى جزئين : جزء خاص بمدينة عصرية أروبية وآخر خاص بمدينة تقليدية يقطنها الأهالي أو إلى خلق هذه المدن العصرية يجاور المدن التقليدية وذلك بتوسع فضاء المدينة خارج أسوار المدينة العتيقة ، وبات كل إدماج بينهما معيقات تأهيل المجال العام للحاضرة. ومما زاد الوضع صعوبة هو تطويق الحواضر بمدن الصفيح والسكن غير اللائق لتصبح هوامش المدن المكتظة بكثافة سكانية عاملا ضاغطا على المدينة برمتها .
وبالرغم من تراجع معدل الخصوبة فقد بين الواقع أن المدن ليست تجمعات سكانية فقط بل هي مجالات عمرانية وسوسيو-اقتصادية تعرف عجزا من بنياتها التحتية ومرافقها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الشيء الذي جعل منها مجالات للتناقضات تمس بالتماسك الاجتماعي وتكرس اختلالات التجانس.
إن العقدين المقبلين سيؤكدان تزايد سكان الحواضر علما أن عدد وحجم الأسر سيتراجع وبالمقابل سترتفع حاجيات السكان على الخدمات الاجتماعية والسكن والشغل وستكون الحاجة ماسة لتوسيع المجال الحضري وفق تصاميم التهيئة والتعمير التي أكد الواقع الملموس عدم احترام ، في الكثير من الأحيان، مقتضياتها. إن بعض الجهات ستعرف أقطابها نفادا لوعائها العقاري وبالتالي أصبح من الحيوية بمكان عقلنة وترشيد استغلال العقار وفق ضوابط قانونية صارمة ومعالجة الأزمة العقارية بتدخل صارم للدولة تفاديا للمضاربة.
لقد ازداد الضغط على بعض المدن القطبية إلى درجة تدهورها وترييفها والمس بدورها الجهوي .
الإكراهات الفلاحية والعالم القروي :
يتوفر المغرب على مؤهلات فلاحية مهمة وتعتبر الفلاحة أحد القطاعات الأساسية في الاقتصاد المغربي وشكلت النشاط المهيمن قبل دخول الاستعمار الفرنسي فهو نشاط تقليدي تاريخي.
وقد عمل المستعمر طيلة فترة الحماية على تغيير الكثير من بنياته التقليدية سواء من حيث طريقة الاستغلال أو التسويق . وشكل هذا النشاط المورد الأساسي لسكان المغرب فأهميته تقاس كذلك بدوره في الناتج الداخلي الخام وعدد اليد العاملة التي يشغلها. وإن كانت سياسة السدود المائية وشبكات السقي قد ساهمت في تطوير وتنويع مردوديته . فإن سنوات الجفاف وتكثيف الاستغلال قد اضر به. ويعرف هذا القطاع ازدواجية في بنيته بين قطاع عصري ممكنن تسويقي وبين قطاع تقليدي موجه للاستهلاك المعاشي عاجزا عن ولوج مجال التسويق.
إن الانفتاح على السوق الخارجية وإكراهات العولمة وارتفاع تكاليف الفلاحة ورفع الحواجز الجمركية لاستقبال تنافسية نحن غير مهيئين لها ترفع أمام القطاع تحديات كبرى، علما أن نفقات عمومية هامة قد تم صرفها على القطاع الفلاحي لم تجعل منه قطاعا رياديا أمام تراجع تأثيره في الاقتصاد الوطني باستقبال هذا الأخير لأنشطة صاعدة بديلة أصبحت مع مرور الوقت تأخذ مكانتها في النسيج الاقتصادي الوطني.
إلى أي حد يستطيع المخطط الأخضر المساهمة في استنفار الطاقات والمؤهلات التي يتوفر عليها المغرب في هذا القطاع.
وإلى أي أحد يمكننا توظيف هذا القطاع في التدبير المجالي المختلف لخلق تكافل وتضامن مجالي جهوي متنوع؟
تقييم تجربة المجالس الجهوية:
إن التعريف الذي يعطيه المشرع يعطي تعريفا عاما وموحدا للجهات كما للأقاليم والعمالات والجماعات الحضرية والقروية على أنها جميعها جماعات محلية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المادي، وبالتالي لا نجد تمييزا فيما يخص تعريفها أخذا بعين الاعتبار على الأقل اختلاف وتفاوت مستويات نفوذها الترابي واختصاصاتها وتركيبة مجالسها، فالجماعات الحضرية والقروية وحدات ترابية داخل وحدات ترابية أوسع هي الأقاليم والعمالات وهذه الأخيرة وحدات ترابية داخل الجهات.
إن هذا التعريف الموازي والموحد لهذه الوحدات الترابية ومجالسها يعبر عن عدم القدرة على التوضيح فيما بينها كما ينم عن عدم وجود مفهوم لعمق دلالات الاختلاف فيما بينها لوجود نسق مفاهيمي يضع كل وحدة في سياق تأسيسها وتطورها.
لقد مرت ولايتين على ممارسة التجربة الجهوية في المغرب، كل ولاية استغرقت ست سنوات وهي فترة زمنية وقع فيها تراكم يسمح بتقييمها بشكل موضوعي للوقوف على مكامن الاختلالات وتحديد الإكراهات.
ولكن نعتقد أنه من الأهمية بمكان تحديد الظروف التاريخية لمؤسسة الجهوية في المغرب إن لم أقل وضعها في سياقها التاريخي حتى نحدد ونلامس أسباب النزول. فكلنا نتذكر استقبال المغرب لوفد من جهة البوليزاريو سنة 1989 بمدينة مراكش للشروع في التفاوض حول نزاع الصحراء المغربية، ومن تم ظهرت الحاجة لتهيئ وعاء قانوني لاحتواء مواطنينا الصحراويين، فورد في الدستور المراجع لسنة 1992 في مادته المائة على أن الجهات جماعات محلية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي وبالتالي المؤسسة الدستورية لمبدأ إحداث المجالس الجهوية ليصدر القانون رقم 96 .47 سنة 1996 لتنظيم الجهات وليتولى تدبير شؤونها مجالس جهوية لكي ندخل في بداية ممارسة هذه التجربة بصدور ظهير تنفيذها سنة 1997 .
تركيبة المجالس الجهوية:
إن تركيبة المجالس الجهوية شأنها في ذلك شأن تركيبة مجلس المستشارين ، فهي تركيبة فئوية تتأسس على تمثيلية هيئات مختلفة وتوزيع وتحديد المقاعد عليها وعلى الجماعات المحلية والأقاليم والعمالات الداخلة في النفوذ الترابي للجهة. كذلك مع توزيع وتحديد المقاعد المخصصة لها.
تتشكل هذه التركيبة حصرا من هيئة المستشارين الجماعيين ومستشاري مجالس الأقاليم والعمالات والغرف المهنية وممثلي المأجورين .
والسؤال المطروح : هو إلى أي حد يمكن اعتبار هذه الهيآت التي تشكل روافد المجالس الجهوية لها فعلا التمثيلية الحقيقية لتمثل كافة شرائح السكان والمواطنين؟ بل هل تشكل فعلا الإطارات التمثيلية الوحيدة لتمثيل كافة مكونات المجتمع جهويا.
إن التمثيلية في المجالس الجهوية على قاعدة الفئوية تعني إقصاء مجموعة من الشرائح المجتمعية لا تجد لنفسها مكانة فعلية ضمن هذه التمثيلية. فالقطاع الاقتصادي غير المهيكل بما في ذلك الصناع التقليديون لا تمثيلية له في الغرف المهنية. كما أن شرائح كبيرة من الفلاحين الصغار لا تجد لها مكانا في الغرف الفلاحية ، وقس على ذلك إقصاء الكثير من العاملين في قطاع الصيد البحري التقليدي في غرف الصيد البحري. كما أن تمثيلية فئة المأجورين في المجالس الجهوية تشوبها الكثير من المعيقات خاصة في القطاع الخاص حيث لا زال التنظيم النقابي تعتريه عدة صعوبات بسبب مواجهته من طرف أرباب العمل. ويسجل غياب شبه كلي لممثلي الشغيلة واليد العاملة في القطاع الفلاحي التقليدي الغير المهيكل خارج الضيعات المنظمة.
بل داخل الفئات الممثلة تبقى هذه التمثيلية موضوع تساؤل بسبب ضعف وأحيانا هزالة المشاركة في الانتخابات المتعلقة بالقطاعات المهنية، الشيء الذي يجعل التمثيلية الفئوية داخل المجالس الجهوية لا تعكس حقيقة انشغالات واهتمامات شرائح عريضة على المستوى الجهوي. وبالتالي لا يعكس مجلس المستشارين نفسه باعتباره متلقيا في تركيبته لهذه الفئوية تمثيلية حقيقية تعبر عن المشهد السياسي على الصعيد الوطني.
إن تركيبة المجالس الجهوية تتشكل من نفس الهيئات التي تختار مرشحيها ليمثلوها في مجلس المستشارين ، فهذه الهيآت جهويا هي التي تشكل القاعدة الانتخابية لمجلس المستشارين، ولكن لماذا هذا التطابق في تركيبة القاعدة الانتخابية لمجلس المستشارين والمجالس الجهوية، فإن كان مجلس المستشارين له اختصاصات تشريعية ومصدرا لاقتراح ومناقشة التشريعات علاوة على وظيفته السياسية المتمثلة في مداولات مجلسه التي تطال سياسات الحكومة فإن المادة الأولى من القانون المنظم للجهات تنص صراحة على أنه « لا يجوز للمجلس الجهوي أن يتداول في قضايا ذات طابع سياسي « وكأن السياسة تبقى حكرا على المؤسسات التشريعية المنتخبة وطنيا دون أن يكون لهذه المجالس الجهوية حق نقد إن لم نقل مناقشة ما مدى انشغال السلطة التنفيذية في تنفيذ سياساتها الجهوية وما تعكسه الميزانية العامة للدولة لمواجهة الاختلالات الجهوية، وبالتالي نسجل هذا البون الشاسع بين المجلسين الاستشاري والجهوي الذي ولد بدون اختصاصات فعلية وحقيقية لتجعل منه مؤسسة فاعلة جهويا.
أجهزة وآليات اشتغال المجالس الجهوية :
لا زال مجلس الجهة يتميز في تكوينه من طرفين أساسيين المجلس الذي يتخذ قراراته ووالي الجهة الآمر بالصرف الذي ينفذ القرارات الصادرة عن المجلس الجهوي.
إن واقع الأمر بين أن ضعف أداء المجلس الجهوي جعل من مؤسسة الوالي كآمر بالصرف القوة الاقتراحية الحقيقية في الجهة بمعية المصالح الولائية المتمرسة التي توفر له النظرة الشمولية على دائرة نفوذه الجهوي الذي هو حدود الجهة مجال نفوذ المجالس الجهوية حتى يتمكن من مقاربة ومقارنة المشاريع المقترحة والمطروحة للإنجاز من طرف جميع الجماعات المحلية بما فيها مجالس الأقاليم والعمالات ومجلس الجهة المؤسسات والمصالح الحكومية المحلية نفسها لتفادي التضارب .
وإن كان القانون المنظم للجهات يتيح إمكانية عقد اجتماعات بين أعضاء المكتب ومندوبي اللجن باعتبار أن جل هؤلاء أو كلهم ليسوا أعضاء في المكتب في غالبية المجالس الجهوية ليخبرهم بحالة تقدم تنفيذ القرارات ووضعية إنجاز المشاريع ، فإن هذه الاجتماعات تكون ناذرة لتبقى محصورة على المكتب دون أن يكون لها الامتداد والمفعول داخل اللجن من خلال مناذبيها.
المجلس :
وإن كان المجلس يعقد ثلاث دورات عادية في السنة كل دورة 15 يوما فإن جل الدورات تنتهي في يوم واحد ، كما أنه ناذرا ما يتم اللجوء إلى عقد دورات استثنائية التي منحها المشرع لتجاوز استنفاد مدة الاجتماعات العادية حينما تطرح مواضيع تتطلب فترة إضافية.
كما أن هيكلة إدارة المجالس الجهوية تعكس إلى حد بعيد هشاشة وعدم فعالية المجالس الجهوية بقلة موظفيها وأطرها الذين هم في أغلب الأحيان يوضعون رهن إشارة هذه المجالس بإلحاقهم في الإدارة الجهوية من طرف الولاة لتغطية هذا الخصاص.
حيث يظل عدم تفعيل القانون الإطار للتوظيف المباشر في الإدارة الجهوية عائقا يحرمها من أحد الآليات الذاتية الأساسية للدفع بسيرورة اشتغالها.
اختصاصات المجالس الجهوية :
إن قراءة في الاختصاصات الذاتية والمنقولة والاستشارية للمجالس الجهوية ومقارنتها مع الاختصاصات نفسها سواء منها الذاتية أو المنقولة أو الاستشارية لمجالس الأقاليم والعمالات والجماعات الحضرية والقروية يؤكد تداخل هذه الاختصاصات وليس تكاملها سواء في وضع مخططات التنمية الاقتصادية والاجتماعية أو القيام بالأعمال اللازمة لإنعاش الاستثمار وإحداث أو تنظيم مناطق للأنشطة الاقتصادية أو الصناعية ومجالات البيئة أو الصحة والثقافة والشباب والتكافل الاجتماعي وصيانة المرافق الاجتماعية أو إبداء رأيه في السياسات المتعلقة بإعداد التراب الوطني والتعمير وغيرها من الاختصاصات المتطابقة أو المتشابهة يطرح تساؤلات عريضة عن الجدوى من إحداث المجالس الجهوية لاسيما أن بعض ميزانيات الجماعات الحضرية تفوق أضعاف بعض ميزانيات المجالس الجهوية وتوفرها على موارد ذاتية وإمكانيات بشرية تجعلها تتفوق على المجالس الجهوية في إنجاز الكثير من المشاريع ذات أهمية مقارنة مع إنجازات هذه الأخيرة.
المكتب :
وإذا كانت مقتضيات القانون المنظم للجهات تنص على أن مكتب المجلس يجتمع على الأقل مرة في الشهر فقد تبث أن بعض المكاتب لا تجتمع فعلا إلا مرة واحدة في الشهر بل أحيانا لا تحترم حتى هذا الحد الأدنى لاجتماعاتها.
اللجان الدائمة :
إن كانت اللجان الدائمة هي المحرك الحقيقي التي يجب أن يشتغل بين الفترات التي يجتمع فيها المكتب والمجلس فإنه غالبا ما يتم تفريخ مجموعة من اللجن لا تستجيب فعلا إلى حاجيات اشتغال المجلس لمواجهة القضايا المطروحة جهويا ودراستها بل بفبركة قاعدة لتشكيل غالبية ضامنة لسيرورة تماسك مكتب مجلس الجهة الشيء الذي يترتب عنه إغراق سير اشتغال اللجان الدائمة بجدولة زمنية تبين بالملموس حدود انكبابها على مباشرة اختصاصاتها ولا تتوصل في عقد اجتماعاتها بالنصاب القانوني إلا في جلسة انعقادها الثانية وغالبا بعضوين أو ثلاث أعضاء أو بمن حضر .
كما نسجل عدم اللجوء إلا نادرا استغلال فرصة انعقاد الدورات الثلاث العادية للمجلس لتخصيص جلسات عمومية لأجوبة الوالي على الأسئلة التي يطرحها أعضاء المجلس للاضطلاع من خلالها على الإنجازات أو الإكراهات التي تعرفها الجهة. وكذلك عدم اللجوء إلى إمكانية مؤازرة مجلس الجهة بمكلفين بمهمة ومكلفين بدراسة يلحقون لديه ويتولى توظيفهم مباشرة بموجب عقد .
إن الاجتماعات القليلة والباهتة لهذه الأجهزة ولو في حدها الأدنى تعكس إلى حد بعيد حقيقة أداء المجالس الجهوية وعدم مسايرتها للواقع الجهوي ولتطلعات ساكنة الجهة.
مالية المجالس الجهوية:
إن كانت ديباجة القانون المنظم للجهات أكدت أن الجهة سيمنح لها تمويل متعدد ومناسب وأنها ستتوفر على موارد مالية سواء من خلال تعبئة وسائلها الخاصة أو من خلال استفادتها من جزء من الضرائب الوطنية. فقد بينت التجربة على أن المجالس الجهوية غير قابلة للحياة والاستمرار بدون المداخيل المحولة لها من الميزانيات العامة للدولة التي تشكل ما بين 70% إلى 95 % من مجموع موارد الجهة ، فبعد مرور ولايتين على التجربة الجهوية بالمغرب تأكد استحالة الجهة في استنفار وسائلها الذاتية لتأكيد استقلالها المالي عن المركز علاوة على تباين مصادر التمويل الذاتية هاته فالرسم على استغلال المناجم لا تستطيع جهة الغرب الشراردة بني احسن مثلا جبايته لعدم توفرها على أي منجم والرسم على الخدمات المقدمة بالموانئ لا يمكن لجهة مكناس تافيلالت جبايته لعدم توفرها على ميناء. إن التباين في التمويل الذاتي هو تكريس لاختلالات الجهوية ولا يمكن لذلك الحد من الفوارق الجهوية.
إن اختصاصات المجالس الجهوية على أهميتها تبقى مجرد أهداف لا تستطيع ميزانيتها تحقيقها بسبب ضعف الإمكانيات المادية.
فميزانية الجهة يتم صرفها في نفقات المجلس الجهوي وتعويضات الموظفين وتسيير الإدارة والإعانات والإمدادات للجمعيات والمساهمات المقدمة للمشاريع المنجزة في إطار البرامج الوطنية لمد شبكة الماء والكهرباء والطرق في العالم القروي، ليبقى الفائض المتوفر عاجز عن تحقق التنمية الجهوية الاقتصادية والاجتماعية المرجوة وبدون أن تحقق المجالس الجهوية الغاية الاستراتيجية من إحداتها لتكون فاعلا جهويا لتبقى كائنا تحت الوصاية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.