بيدرو سانشيز: إسبانيا تثمن عاليا جهود جلالة الملك من أجل الاستقرار الإقليمي    سويسرا تعتمد استراتيجية جديدة لإفريقيا على قاعدة تعزيز الأمن والديمقراطية    وزير الخارجية الأمريكي يشيد بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    ترامب يهدد باستعادة السيطرة على قناة بنما على خلفية النفوذ الاقتصادي المتنامي للصين    هجوم ماغدبورغ.. دوافع غامضة لمنفذ العملية بين معاداة الإسلام والاستياء من سياسات الهجرة الألمانية    الجيش الباكستاني يعلن مقتل 16 جنديا و8 مسلحين في اشتباكات شمال غرب البلاد    "سبيس إكس" الأمريكية تطلق 30 قمرا صناعيا جديدا إلى الفضاء    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء        تفكيك أطروحة انفصال الصحراء.. المفاهيم القانونية والحقائق السياسية    مجموعة بريد المغرب تصدر طابعا بريديا خاصا بفن الملحون    المجلس الأعلى للدولة في ليبيا ينتقد بيان خارجية حكومة الوحدة ويصفه ب"التدخل غير المبرر"    الأستاذة لطيفة الكندوز الباحثة في علم التاريخ في ذمة الله    السعودية .. ضبط 20 ألفا و159 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    أمسية فنية وتربوية لأبناء الأساتذة تنتصر لجدوى الموسيقى في التعليم    المغرب أتلتيك تطوان يتخذ قرارات هامة عقب سلسلة النتائج السلبية    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    المناظرة الوطنية الثانية للجهوية المتقدمة بطنجة تقدم توصياتها    توقع لتساقطات ثلجية على المرتفعات التي تتجاوز 1800 م وهبات رياح قوية    مسؤولو الأممية الاشتراكية يدعون إلى التعاون لمكافحة التطرف وانعدام الأمن    سابينتو يكشف سبب مغادرة الرجاء    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    ال"كاف" تتحدث عن مزايا استضافة المملكة المغربية لنهائيات كأس إفريقيا 2025    التقلبات الجوية تفرج عن تساقطات مطرية وثلجية في مناطق بالمغرب    مدان ب 15 عاما.. فرنسا تبحث عن سجين هرب خلال موعد مع القنصلية المغربية    الدرك الملكي يضبط كمية من اللحوم الفاسدة الموجهة للاستهلاك بالعرائش    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    توقيف شخص بالناظور يشتبه ارتباطه بشبكة إجرامية تنشط في ترويج المخدرات والفرار وتغيير معالم حادثة سير    جلسة نقاش: المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة.. الدعوة إلى تعزيز القدرات التمويلية للجهات    علوي تقر بعدم انخفاض أثمان المحروقات بالسوق المغربي رغم تراجع سعرها عالميا في 2024    نشرة إنذارية: تساقطات ثلجية على المرتفعات وهبات رياح قوية    بطولة انجلترا.. الإصابة تبعد البرتغالي دياش عن مانشستر سيتي حوالي 4 أسابيع        مهرجان ابن جرير للسينما يكرم محمد الخياري    دراسة: إدراج الصحة النفسية ضمن السياسات المتعلقة بالتكيف مع تغير المناخ ضرورة ملحة        اصطدامات قوية في ختام شطر ذهاب الدوري..    بريد المغرب يحتفي بفن الملحون    العرض ما قبل الأول للفيلم الطويل "404.01" للمخرج يونس الركاب    الطّريق إلى "تيزي نتاست"…جراح زلزال 8 شتنبر لم تندمل بعد (صور)    جويطي: الرواية تُنقذ الإنسان البسيط من النسيان وتَكشف عن فظاعات الدكتاتوريين    مراكش تحتضن بطولة المغرب وكأس العرش للجمباز الفني    طنجة: انتقادات واسعة بعد قتل الكلاب ورميها في حاويات الأزبال    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    مؤتمر "الترجمة والذكاء الاصطناعي"    البنك الدولي يدعم المغرب ب250 مليون دولار لمواجهة تغير المناخ    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    المستشفى الجامعي بطنجة يُسجل 5 حالات وفاة ب"بوحمرون"    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من وثيقة الحزب العمالي حول الجهوية : إكراهات العدالة الاجتماعية والديمقراطية وإعادة انتاج النخب

لقد أكدت التجربة خاصة في الدول المتقدمة ديمقراطيا أن المشاركة السياسية في المؤسسات المنتخبة المركزية الوطنية إن كانت أهميتها تتركز أساسا على الإشكاليات الوطنية الكبرى فإن المجالات الجهوية من خلال مؤسساتها الجهوية تعتبر المدخل الحقيقي للممارسة الديمقراطية في تدبير الشأن الجهوي عندما تنبري المنافسة لتكون الإشكاليات الجهوية مطروحة للتحفيز على النقاش « السياسي الجهوي « ومن تم يبقى تفعيل العدالة الاجتماعية في توفير التكافؤ والمواطنة عبر مؤسسات جهوية منتخبة أو إدارية ممثلة في السلطات الترابية الجهوية إحدى الركائز الهامة للممارسة الديمقراطية جهويا.
كما أن مسألة تجديد النخب المنتخبة أو الإدارية والتداول على السلطة المنتخبة أو الإدارية كذلك إحدى الضمانات العملية لتفعيل العمل التنموي.
إن المجال الجهوي هو الفضاء الذي يعيش فيه المواطن ومن تم أهمية شعوره بالمسؤولية اتجاه فضائه بالمشاركة في تدبير شؤونه وبإحساسه بممارسة لمواطنته وفق قناعاته انطلاقا من غيرته الوطنية بعيدا عن كل انتماء عرقي لجعل المجال الجهوي المجال الترابي الوطني المعاكس للشعور الوجداني بالانتماء القبلي كمحدد توجيهي لإرادة ورغبة المواطن.
الإكراهات المائية والبيئية:
تجدر الإشارة إلى الضغط الكبير الذي يتعرض له المخزون المائي من جراء الضغط السكاني للاستعمال المدني أو الصناعي أو الفلاحي مع الإشارة إلى ظاهرة الانحباس الحراري وتأثيرها على إيقاع التساقطات المطرية الغير المنتظمة.
إن كان المغرب يمتاز بتعدد أحواضه المتعددة الروافد التي تعطينا الأنهار الكبرى وعلى رأسها واد سبو وملوية وأم الربيع وتعدد فرشاته المائية فإن الاستهلاك المفرط وتعريضها للتلوث يسير في منحنى المعاناة من نقص في المياه المستقبل .
كما أنه في إطار التنوع الجغرافي في المغرب نجد الخصاص المائي الكبير في المجالات الصحراوية والشبه الصحراوية التي تعاني من زحف الرمال وتراجع الواحات والغطاء النباتي كما أصبح لهذا الوضع المائي في المغرب تأثير مباشر على الوضع البيئي بالأضرار التي تلحق الغابات والفرشات المائية الشيء الذي يستدعي مباشرة معالجة توفير مطارح الأزبال والتطهير الصلب والسائل ومحطات معالجة المياه العادمة وإعادة التشجير وتوفير تجهيزات التخزين والضخ والتقطير وقنوات السقي للنقل والتوزيع .
إن منظومة الماء لها علاقة وطيدة بمنظومة المجالات الترابية وموردا يقتضي ترشيده لتحقيق التكامل المائي الجهوي.
إكراهات الطاقة :
بالرغم من أهمية تشييد السدود ودورها في إنتاج الطاقة الكهربائية وارتباط المغرب بشبكة التيار الكهربائي العالي الأوربي ومرور أنبوب الغاز المغاربي الأوربي بأراضيه فإن المغرب يعتمد بشكل أساسي في استهلاكه الطاقي على وارداته النفطية. ومن تم تبدو أهمية البحث عن الطاقات البديلة ( نووية ? شمسية ? ريحية) وبالتالي تبدو المجالات الترابية بدون توفرها على هذا المحرك عاجزة عن تحقيق أهدافها التنموية أخذا بعين الاعتبار التزايد المتصاعد على استعمال الطاقة في المستقبل.
وفي إطار التناسق الوطني عبر جهاته لابد من تحقيق شبكة الربط وفق هندسة توزيع طاقي يحقق الاندماج الجهوي.
إكراهات تحقيق التجهيزات الأساسية:
إن النقل والتنقل بدءا بالمسالك القروية والطرق الجهوية والوطنية والطرق السيارة مرورا بالربط السككي إلى الموانئ والمطارات أصبح من الحاجيات الأساسية لتحقيق الاندماج التكاملي للجهات.
فإنجاز المحاور الطرقية الكبرى معبدة وسككية في المحور الأطلسي من طنجة إلى الكويرة ومن طنجة إلى تيزنيت مرورا على آسفي والصويرة ومن فاس ? تازة إلى الحسيمة ? الناضور ومحور مراكش أكادير أي ربط الساحل بالوسط والشمال بالجنوب والغرب بالشرق أصبح من الضرورات الملحة لإنجاز الربط الفعلي بين الجهات .
مسألة التعليم والتكوين المهني:
لقد خضع التعليم في بلادنا إلى إصلاحات تبين في الأخير أن مآلها كان الفشل ، إن إصلاح التعليم يعني استثمارا في الموارد البشرية على المدى الطويل ويعني بالضرورة التوفر على استراتيجية بعيدة الآجال لتهييء العنصر البشري القادر على مواكبة وإعداد وتنفيذ البرامج الوطنية والقطاعية والمخططات التنموية.
إن ذلك لا يقتضي فقط وضع الأهداف وإنما خلق آليات التحقيق الموازية مع تهييء البنية اللوجستيكية والبداغوجية. لقد تأكد أننا ضيعنا وقتا ثمينا وأن يجب أن مضاعفة الجهود ليس فقط لتحديد المستقبل وإنما لتدارك مخلفات وتداعيات سياسية تعليمية كان لها وقع كارثي خاصة في العالم القوي.
إن المخطط الاستعجالي في قطاع التعليم هو محاولة لتدارك هذا الإخفاق والزج بميزانية ضخمة ليس للإصلاح وإنما لتدارك الوقت على أساس البناء لتوفير الشروط الأساسية لإصلاح التعليم لا يمكن تصور دولة مقبلة على التأسيس لمنظومة جهوية بدون مواكبة لها بمنظومة تعليم ذات مضمون استراتيجي تأخذ بعين الاعتبار التكوين والإعداد المختلف للمجالات الجهوية المتنوعة في مساراتها التنموية .
الإكراهات العقارية :
إن هناك علاقة وطيدة بين العقار بالمجال الجهوي فمسألة التجهيز القاعدي : مناطق سكنية ? أقطاب صناعية ? مدارات فلاحية تتم في إطار المبادرات التنموية.
إن الوعاء العقاري أصبح يعرف نوعا من التضارب والتداخل زاد من حدته الضغط السكاني وتوسيع المدارات الحضرية وبسبب تنوعه: أراضي الكيش ? أراضي الجموع ? أراضي الخواص- الأملاك المخزنية- أملاك الأوقاف ? الملك الخاص للدولة وملك غابوي، خاضع لتنظيم ثنائي تقليدي عبر العدول وتحفيظي توثيقي عبر الموثقين . هذه الوضعية الثنائية الموروثة عن الاستعمار. لها تأثير على الوضع العقاري الذي زاد من صعوباته معرضا تعرضه للمضاربة بشكل خارج الضوابط القانونية وأصبح عائقا في وجه الإجراءات المتخذة لأهداف تنموية وبالتالي أهمية هذه المعضلة باعتبارها أساسا ثروة وطنية تتوزع فوقها المجالات الجهوية التي تعاني أصلا من انعدام التوازن بين جهات ذات كثافة سكانية توجد تحت ضغط إكراهات مختلفة في حاجة ماسة لوعاء عقاري لمواجهة هذه الإكراهات كفضاء حيوي وجهات يتوفر فيها وعاء عقاري غير قابل للاستغلال الاقتصادي. ومن تم أهمية المبادرة لإصلاح عقاري عميق لتغيير نظام الملكية، إن تصاميم التعمير والتصاميم الجهوية يعتبر العقار مجالها الطبيعي لتنفيذها.
إكراهات التوسع الحضري والنمو الديمغرافي :
لقد خلق الاستعمار حوافز مجزأة إلى جزئين : جزء خاص بمدينة عصرية أروبية وآخر خاص بمدينة تقليدية يقطنها الأهالي أو إلى خلق هذه المدن العصرية يجاور المدن التقليدية وذلك بتوسع فضاء المدينة خارج أسوار المدينة العتيقة ، وبات كل إدماج بينهما معيقات تأهيل المجال العام للحاضرة. ومما زاد الوضع صعوبة هو تطويق الحواضر بمدن الصفيح والسكن غير اللائق لتصبح هوامش المدن المكتظة بكثافة سكانية عاملا ضاغطا على المدينة برمتها .
وبالرغم من تراجع معدل الخصوبة فقد بين الواقع أن المدن ليست تجمعات سكانية فقط بل هي مجالات عمرانية وسوسيو-اقتصادية تعرف عجزا من بنياتها التحتية ومرافقها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الشيء الذي جعل منها مجالات للتناقضات تمس بالتماسك الاجتماعي وتكرس اختلالات التجانس.
إن العقدين المقبلين سيؤكدان تزايد سكان الحواضر علما أن عدد وحجم الأسر سيتراجع وبالمقابل سترتفع حاجيات السكان على الخدمات الاجتماعية والسكن والشغل وستكون الحاجة ماسة لتوسيع المجال الحضري وفق تصاميم التهيئة والتعمير التي أكد الواقع الملموس عدم احترام ، في الكثير من الأحيان، مقتضياتها. إن بعض الجهات ستعرف أقطابها نفادا لوعائها العقاري وبالتالي أصبح من الحيوية بمكان عقلنة وترشيد استغلال العقار وفق ضوابط قانونية صارمة ومعالجة الأزمة العقارية بتدخل صارم للدولة تفاديا للمضاربة.
لقد ازداد الضغط على بعض المدن القطبية إلى درجة تدهورها وترييفها والمس بدورها الجهوي .
الإكراهات الفلاحية والعالم القروي :
يتوفر المغرب على مؤهلات فلاحية مهمة وتعتبر الفلاحة أحد القطاعات الأساسية في الاقتصاد المغربي وشكلت النشاط المهيمن قبل دخول الاستعمار الفرنسي فهو نشاط تقليدي تاريخي.
وقد عمل المستعمر طيلة فترة الحماية على تغيير الكثير من بنياته التقليدية سواء من حيث طريقة الاستغلال أو التسويق . وشكل هذا النشاط المورد الأساسي لسكان المغرب فأهميته تقاس كذلك بدوره في الناتج الداخلي الخام وعدد اليد العاملة التي يشغلها. وإن كانت سياسة السدود المائية وشبكات السقي قد ساهمت في تطوير وتنويع مردوديته . فإن سنوات الجفاف وتكثيف الاستغلال قد اضر به. ويعرف هذا القطاع ازدواجية في بنيته بين قطاع عصري ممكنن تسويقي وبين قطاع تقليدي موجه للاستهلاك المعاشي عاجزا عن ولوج مجال التسويق.
إن الانفتاح على السوق الخارجية وإكراهات العولمة وارتفاع تكاليف الفلاحة ورفع الحواجز الجمركية لاستقبال تنافسية نحن غير مهيئين لها ترفع أمام القطاع تحديات كبرى، علما أن نفقات عمومية هامة قد تم صرفها على القطاع الفلاحي لم تجعل منه قطاعا رياديا أمام تراجع تأثيره في الاقتصاد الوطني باستقبال هذا الأخير لأنشطة صاعدة بديلة أصبحت مع مرور الوقت تأخذ مكانتها في النسيج الاقتصادي الوطني.
إلى أي حد يستطيع المخطط الأخضر المساهمة في استنفار الطاقات والمؤهلات التي يتوفر عليها المغرب في هذا القطاع.
وإلى أي أحد يمكننا توظيف هذا القطاع في التدبير المجالي المختلف لخلق تكافل وتضامن مجالي جهوي متنوع؟
تقييم تجربة المجالس الجهوية:
إن التعريف الذي يعطيه المشرع يعطي تعريفا عاما وموحدا للجهات كما للأقاليم والعمالات والجماعات الحضرية والقروية على أنها جميعها جماعات محلية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المادي، وبالتالي لا نجد تمييزا فيما يخص تعريفها أخذا بعين الاعتبار على الأقل اختلاف وتفاوت مستويات نفوذها الترابي واختصاصاتها وتركيبة مجالسها، فالجماعات الحضرية والقروية وحدات ترابية داخل وحدات ترابية أوسع هي الأقاليم والعمالات وهذه الأخيرة وحدات ترابية داخل الجهات.
إن هذا التعريف الموازي والموحد لهذه الوحدات الترابية ومجالسها يعبر عن عدم القدرة على التوضيح فيما بينها كما ينم عن عدم وجود مفهوم لعمق دلالات الاختلاف فيما بينها لوجود نسق مفاهيمي يضع كل وحدة في سياق تأسيسها وتطورها.
لقد مرت ولايتين على ممارسة التجربة الجهوية في المغرب، كل ولاية استغرقت ست سنوات وهي فترة زمنية وقع فيها تراكم يسمح بتقييمها بشكل موضوعي للوقوف على مكامن الاختلالات وتحديد الإكراهات.
ولكن نعتقد أنه من الأهمية بمكان تحديد الظروف التاريخية لمؤسسة الجهوية في المغرب إن لم أقل وضعها في سياقها التاريخي حتى نحدد ونلامس أسباب النزول. فكلنا نتذكر استقبال المغرب لوفد من جهة البوليزاريو سنة 1989 بمدينة مراكش للشروع في التفاوض حول نزاع الصحراء المغربية، ومن تم ظهرت الحاجة لتهيئ وعاء قانوني لاحتواء مواطنينا الصحراويين، فورد في الدستور المراجع لسنة 1992 في مادته المائة على أن الجهات جماعات محلية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي وبالتالي المؤسسة الدستورية لمبدأ إحداث المجالس الجهوية ليصدر القانون رقم 96 .47 سنة 1996 لتنظيم الجهات وليتولى تدبير شؤونها مجالس جهوية لكي ندخل في بداية ممارسة هذه التجربة بصدور ظهير تنفيذها سنة 1997 .
تركيبة المجالس الجهوية:
إن تركيبة المجالس الجهوية شأنها في ذلك شأن تركيبة مجلس المستشارين ، فهي تركيبة فئوية تتأسس على تمثيلية هيئات مختلفة وتوزيع وتحديد المقاعد عليها وعلى الجماعات المحلية والأقاليم والعمالات الداخلة في النفوذ الترابي للجهة. كذلك مع توزيع وتحديد المقاعد المخصصة لها.
تتشكل هذه التركيبة حصرا من هيئة المستشارين الجماعيين ومستشاري مجالس الأقاليم والعمالات والغرف المهنية وممثلي المأجورين .
والسؤال المطروح : هو إلى أي حد يمكن اعتبار هذه الهيآت التي تشكل روافد المجالس الجهوية لها فعلا التمثيلية الحقيقية لتمثل كافة شرائح السكان والمواطنين؟ بل هل تشكل فعلا الإطارات التمثيلية الوحيدة لتمثيل كافة مكونات المجتمع جهويا.
إن التمثيلية في المجالس الجهوية على قاعدة الفئوية تعني إقصاء مجموعة من الشرائح المجتمعية لا تجد لنفسها مكانة فعلية ضمن هذه التمثيلية. فالقطاع الاقتصادي غير المهيكل بما في ذلك الصناع التقليديون لا تمثيلية له في الغرف المهنية. كما أن شرائح كبيرة من الفلاحين الصغار لا تجد لها مكانا في الغرف الفلاحية ، وقس على ذلك إقصاء الكثير من العاملين في قطاع الصيد البحري التقليدي في غرف الصيد البحري. كما أن تمثيلية فئة المأجورين في المجالس الجهوية تشوبها الكثير من المعيقات خاصة في القطاع الخاص حيث لا زال التنظيم النقابي تعتريه عدة صعوبات بسبب مواجهته من طرف أرباب العمل. ويسجل غياب شبه كلي لممثلي الشغيلة واليد العاملة في القطاع الفلاحي التقليدي الغير المهيكل خارج الضيعات المنظمة.
بل داخل الفئات الممثلة تبقى هذه التمثيلية موضوع تساؤل بسبب ضعف وأحيانا هزالة المشاركة في الانتخابات المتعلقة بالقطاعات المهنية، الشيء الذي يجعل التمثيلية الفئوية داخل المجالس الجهوية لا تعكس حقيقة انشغالات واهتمامات شرائح عريضة على المستوى الجهوي. وبالتالي لا يعكس مجلس المستشارين نفسه باعتباره متلقيا في تركيبته لهذه الفئوية تمثيلية حقيقية تعبر عن المشهد السياسي على الصعيد الوطني.
إن تركيبة المجالس الجهوية تتشكل من نفس الهيئات التي تختار مرشحيها ليمثلوها في مجلس المستشارين ، فهذه الهيآت جهويا هي التي تشكل القاعدة الانتخابية لمجلس المستشارين، ولكن لماذا هذا التطابق في تركيبة القاعدة الانتخابية لمجلس المستشارين والمجالس الجهوية، فإن كان مجلس المستشارين له اختصاصات تشريعية ومصدرا لاقتراح ومناقشة التشريعات علاوة على وظيفته السياسية المتمثلة في مداولات مجلسه التي تطال سياسات الحكومة فإن المادة الأولى من القانون المنظم للجهات تنص صراحة على أنه « لا يجوز للمجلس الجهوي أن يتداول في قضايا ذات طابع سياسي « وكأن السياسة تبقى حكرا على المؤسسات التشريعية المنتخبة وطنيا دون أن يكون لهذه المجالس الجهوية حق نقد إن لم نقل مناقشة ما مدى انشغال السلطة التنفيذية في تنفيذ سياساتها الجهوية وما تعكسه الميزانية العامة للدولة لمواجهة الاختلالات الجهوية، وبالتالي نسجل هذا البون الشاسع بين المجلسين الاستشاري والجهوي الذي ولد بدون اختصاصات فعلية وحقيقية لتجعل منه مؤسسة فاعلة جهويا.
أجهزة وآليات اشتغال المجالس الجهوية :
لا زال مجلس الجهة يتميز في تكوينه من طرفين أساسيين المجلس الذي يتخذ قراراته ووالي الجهة الآمر بالصرف الذي ينفذ القرارات الصادرة عن المجلس الجهوي.
إن واقع الأمر بين أن ضعف أداء المجلس الجهوي جعل من مؤسسة الوالي كآمر بالصرف القوة الاقتراحية الحقيقية في الجهة بمعية المصالح الولائية المتمرسة التي توفر له النظرة الشمولية على دائرة نفوذه الجهوي الذي هو حدود الجهة مجال نفوذ المجالس الجهوية حتى يتمكن من مقاربة ومقارنة المشاريع المقترحة والمطروحة للإنجاز من طرف جميع الجماعات المحلية بما فيها مجالس الأقاليم والعمالات ومجلس الجهة المؤسسات والمصالح الحكومية المحلية نفسها لتفادي التضارب .
وإن كان القانون المنظم للجهات يتيح إمكانية عقد اجتماعات بين أعضاء المكتب ومندوبي اللجن باعتبار أن جل هؤلاء أو كلهم ليسوا أعضاء في المكتب في غالبية المجالس الجهوية ليخبرهم بحالة تقدم تنفيذ القرارات ووضعية إنجاز المشاريع ، فإن هذه الاجتماعات تكون ناذرة لتبقى محصورة على المكتب دون أن يكون لها الامتداد والمفعول داخل اللجن من خلال مناذبيها.
المجلس :
وإن كان المجلس يعقد ثلاث دورات عادية في السنة كل دورة 15 يوما فإن جل الدورات تنتهي في يوم واحد ، كما أنه ناذرا ما يتم اللجوء إلى عقد دورات استثنائية التي منحها المشرع لتجاوز استنفاد مدة الاجتماعات العادية حينما تطرح مواضيع تتطلب فترة إضافية.
كما أن هيكلة إدارة المجالس الجهوية تعكس إلى حد بعيد هشاشة وعدم فعالية المجالس الجهوية بقلة موظفيها وأطرها الذين هم في أغلب الأحيان يوضعون رهن إشارة هذه المجالس بإلحاقهم في الإدارة الجهوية من طرف الولاة لتغطية هذا الخصاص.
حيث يظل عدم تفعيل القانون الإطار للتوظيف المباشر في الإدارة الجهوية عائقا يحرمها من أحد الآليات الذاتية الأساسية للدفع بسيرورة اشتغالها.
اختصاصات المجالس الجهوية :
إن قراءة في الاختصاصات الذاتية والمنقولة والاستشارية للمجالس الجهوية ومقارنتها مع الاختصاصات نفسها سواء منها الذاتية أو المنقولة أو الاستشارية لمجالس الأقاليم والعمالات والجماعات الحضرية والقروية يؤكد تداخل هذه الاختصاصات وليس تكاملها سواء في وضع مخططات التنمية الاقتصادية والاجتماعية أو القيام بالأعمال اللازمة لإنعاش الاستثمار وإحداث أو تنظيم مناطق للأنشطة الاقتصادية أو الصناعية ومجالات البيئة أو الصحة والثقافة والشباب والتكافل الاجتماعي وصيانة المرافق الاجتماعية أو إبداء رأيه في السياسات المتعلقة بإعداد التراب الوطني والتعمير وغيرها من الاختصاصات المتطابقة أو المتشابهة يطرح تساؤلات عريضة عن الجدوى من إحداث المجالس الجهوية لاسيما أن بعض ميزانيات الجماعات الحضرية تفوق أضعاف بعض ميزانيات المجالس الجهوية وتوفرها على موارد ذاتية وإمكانيات بشرية تجعلها تتفوق على المجالس الجهوية في إنجاز الكثير من المشاريع ذات أهمية مقارنة مع إنجازات هذه الأخيرة.
المكتب :
وإذا كانت مقتضيات القانون المنظم للجهات تنص على أن مكتب المجلس يجتمع على الأقل مرة في الشهر فقد تبث أن بعض المكاتب لا تجتمع فعلا إلا مرة واحدة في الشهر بل أحيانا لا تحترم حتى هذا الحد الأدنى لاجتماعاتها.
اللجان الدائمة :
إن كانت اللجان الدائمة هي المحرك الحقيقي التي يجب أن يشتغل بين الفترات التي يجتمع فيها المكتب والمجلس فإنه غالبا ما يتم تفريخ مجموعة من اللجن لا تستجيب فعلا إلى حاجيات اشتغال المجلس لمواجهة القضايا المطروحة جهويا ودراستها بل بفبركة قاعدة لتشكيل غالبية ضامنة لسيرورة تماسك مكتب مجلس الجهة الشيء الذي يترتب عنه إغراق سير اشتغال اللجان الدائمة بجدولة زمنية تبين بالملموس حدود انكبابها على مباشرة اختصاصاتها ولا تتوصل في عقد اجتماعاتها بالنصاب القانوني إلا في جلسة انعقادها الثانية وغالبا بعضوين أو ثلاث أعضاء أو بمن حضر .
كما نسجل عدم اللجوء إلا نادرا استغلال فرصة انعقاد الدورات الثلاث العادية للمجلس لتخصيص جلسات عمومية لأجوبة الوالي على الأسئلة التي يطرحها أعضاء المجلس للاضطلاع من خلالها على الإنجازات أو الإكراهات التي تعرفها الجهة. وكذلك عدم اللجوء إلى إمكانية مؤازرة مجلس الجهة بمكلفين بمهمة ومكلفين بدراسة يلحقون لديه ويتولى توظيفهم مباشرة بموجب عقد .
إن الاجتماعات القليلة والباهتة لهذه الأجهزة ولو في حدها الأدنى تعكس إلى حد بعيد حقيقة أداء المجالس الجهوية وعدم مسايرتها للواقع الجهوي ولتطلعات ساكنة الجهة.
مالية المجالس الجهوية:
إن كانت ديباجة القانون المنظم للجهات أكدت أن الجهة سيمنح لها تمويل متعدد ومناسب وأنها ستتوفر على موارد مالية سواء من خلال تعبئة وسائلها الخاصة أو من خلال استفادتها من جزء من الضرائب الوطنية. فقد بينت التجربة على أن المجالس الجهوية غير قابلة للحياة والاستمرار بدون المداخيل المحولة لها من الميزانيات العامة للدولة التي تشكل ما بين 70% إلى 95 % من مجموع موارد الجهة ، فبعد مرور ولايتين على التجربة الجهوية بالمغرب تأكد استحالة الجهة في استنفار وسائلها الذاتية لتأكيد استقلالها المالي عن المركز علاوة على تباين مصادر التمويل الذاتية هاته فالرسم على استغلال المناجم لا تستطيع جهة الغرب الشراردة بني احسن مثلا جبايته لعدم توفرها على أي منجم والرسم على الخدمات المقدمة بالموانئ لا يمكن لجهة مكناس تافيلالت جبايته لعدم توفرها على ميناء. إن التباين في التمويل الذاتي هو تكريس لاختلالات الجهوية ولا يمكن لذلك الحد من الفوارق الجهوية.
إن اختصاصات المجالس الجهوية على أهميتها تبقى مجرد أهداف لا تستطيع ميزانيتها تحقيقها بسبب ضعف الإمكانيات المادية.
فميزانية الجهة يتم صرفها في نفقات المجلس الجهوي وتعويضات الموظفين وتسيير الإدارة والإعانات والإمدادات للجمعيات والمساهمات المقدمة للمشاريع المنجزة في إطار البرامج الوطنية لمد شبكة الماء والكهرباء والطرق في العالم القروي، ليبقى الفائض المتوفر عاجز عن تحقق التنمية الجهوية الاقتصادية والاجتماعية المرجوة وبدون أن تحقق المجالس الجهوية الغاية الاستراتيجية من إحداتها لتكون فاعلا جهويا لتبقى كائنا تحت الوصاية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.