ماكرون يشكر الملك محمد السادس على وساطته لتحرير 4 فرنسيين    التنمية البشرية كسياسة عمومية في إطار الجهوية المتقدمة    توقيع 16 اتفاقية بين المغرب والصين استعدادا لاستئناف الخط الجوي الدار البيضاء-بكين    بووانو: شركة "أخنوش" الفائزة بصفقة مشروع تحلية مياه البحر بالبيضاء غير مستوفية لشروط دفتر التحملات        الصين: الخطوط الملكية المغربية تستعد لاستئناف الخط المباشر الدار البيضاء – بكين بتوقيع 16 اتفاقية    إيلون ماسك يعلنها رسمياً.."ستارلينك" قريباً في المغرب    بعد الإفراج عن الفرنسيين في بوركينا فاسو هل يقود المغرب وساطة لاطلاق سراح الرئيس السابق للنيجر بازوم؟    مريم المباريك ومروان الديوري ينتزعان بطاقتي التأهل للألعاب العالمية تشونغدو 2025    عملية جديدة لهدم منطقة عشوائية للسكن وإعادة إيواء الأسر بالبرنوصي    الجديدة.. المصالح الدركية تحبط عمليات لتنظيم الهجرة السرية والاتجار بالبشر    موتسيبي يقوم بزيارة الدول المستضيفة ل "الشان"        التجمع العالمي الأمازيغي يضرب في نتائج الإحصاء المرتبطة باللغات المستعملة    نسج الزرابي فن صامد في المغرب رغم ضعف مداخيل الصانعات    تركيا تدعو المجتمع الدولي لإزالة "هيئة تحرير الشام" من قوائم الإرهاب    من هو نَسيم كليبات الذي تم تَسليمه للسُلطات الإسرائيلية؟    "هيومن رايتس ووتش": إسرائيل ارتكبت جريمة ضد الإنسانية بحرمان الفلسطينيين من الماء في غزة    بوساطة ملكية حكيمة.. إنجاز دبلوماسي جديد يتمثل في تأمين الإفراج عن أربعة فرنسيين كانوا محتجزين في واغادوغو    وهبي يؤكد التزام المغرب بحماية حقوق الإنسان ومواجهة تحديات القضايا الناشئة    الوداد بدون جمهور يتحدى الجيش الملكي في القنيطرة    حكيمي ضمن أفضل 100 لاعب لسنة 2024    جلالة الملك يواسي ماكرون إثر مرور إعصار تشيدو على أرخبيل مايوت    المغرب وألمانيا يوقعان شراكة للتزويد بالماء الشروب المتكيف مع المناخ    كيوسك الخميس | خبراء الداخلية يعملون على تقسيم إداري جديد    أعضاء المجلس الإداري لأكاديمية سوس ماسة يُصادقون بالإجماع على برنامج العمل وميزانية سنة 2025    مديرية الأمن تطلق البوابة الرقمية E-POLICE وخدمة الطلب الإلكتروني لبطاقة السوابق    رامي إمام يطمئن الجمهور عن صحة عادل إمام ويكشف شرطًا لعودة الزعيم إلى الشاشة    كأس الرابطة الانجليزية: ليفربول يواصل الدفاع عن لقبه ويتأهل لنصف النهاية    توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس    بطولة فرنسا: ديمبيليه يقود باريس سان جرمان للفوز على موناكو والابتعاد في الصدارة    أكاديمية المملكة تشجع "محبة السينما" باستضافة الناقد إدريس شويكة    بعد التراجع 25 عاما إلى الوراء في مستوى تحصيل تلامذتنا في العلوم، هل تحدث الصدمة التربوية؟    الأندية المشاركة في بطولة القسم الممتاز لكرة القدم النسوية تعلن استنكارها لقرار العصبة الوطنية وتأثيره السلبي على مسار البطولة    فريق مستقبل المرسى ينتزع فوزًا ثمينًا على حساب فريق شباب الجنوب بوجدور        الولايات المتحدة.. الاحتياطي الفدرالي يخفض سعر الفائدة الرئيسي للمرة الثالثة خلال 2024    شباب جمعية "أسوار فاس" يواصلون الإبهار بعروض مسرحية متنوعة بطنجة    تسجيل أول حالة إصابة خطيرة بإنفلونزا الطيور في أمريكا    النقيب عبد الرحيم الجامعي يراسل عبد الإله بنكيران حول بلاغ حزبه المتعلق بعقوبة الإعدام    لماذا أرفض الرأسمالية ؟    كلمة .. شعبنا آيل للانقراض    معاناة متجددة لمرضى السل بفعل انقطاع الدواء باستمرار        وداعا أمي جديد الشاعر والروائي محمد بوفتاس    حفل توقيع "أبريذ غار أوجنا" يبرز قضايا التعايش والتسامح    جمعيات تعبر عن رفضها لمضامين مشروع قانون التراث الثقافي    تداولات الافتتاح ببورصة الدار البيضاء    اختيار الفيلم الفلسطيني "من المسافة صفر" بالقائمة الطويلة لأوسكار أفضل فيلم دولي    تطوان تُسجّل حالة وفاة ب "بوحمرون"    مزرعة مخبرية أميركية تربّي خنازير معدلة وراثيا لبيع أعضائها للبشر    علماء يطورون بطاطس تتحمل موجات الحر لمواجهة التغير المناخي    السفير الدهر: الجزائر تعيش أزمة هوية .. وغياب سردية وطنية يحفز اللصوصية    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المآرب الخفية للحرب على الحرية الجنسية
نشر في بني ملال أون لاين يوم 04 - 07 - 2012

بعيدا عن التخندق مع هذا الفريق أو ذاك فيما أريد له أن يكون قضية مجتمعية تحت مسمى: الحريات الفردية وأُسُّها الحرية الجنسية، أتساءل بمنطق الجدوى: هل تشكل هذه القضية أولوية إذا سلمنا بقبولها من حيث الشكل بلغة القضاء؟ وهل حصل للمغاربة إشباع حقوقي، ومارسوا حقوقهم وحرياتهم الأساسية ولم يبق إلا الحرية الجنسية؟ ثم، ما هو عدد القضايا المطروحة على القضاء المغربي والتي يتابع أصحابها بالفصل "490" الذي يطالب الحقوقيون بحذفه؟
يبدو أن المعركة التي استعر أوارُها وهمية في الجوهر، سواء من هذا الطرف أو ذاك، والمسؤول عن هكذا معارك هو الواقع الثقافي والسياسي المغربيان، إذ يوفران بيئة مثالية للنزالات الهامشية حفاظا على توازنات يستثمرها النظام وتحميه من أن يكون موضوع تساؤل أو نقاش. وإلا ما حجم النقاش الذي أثاره كتاب ثروة الملك، مقارنة بالنقاش المحموم والمفتعل حول الحرية الجنسية؟
إن الواقع الثقافي المغربي خليط من القيم والتصورات، وهو أشبه بقُفّة العطار؛ والنتيجة وجود تصورين رئيسيين: حداثي يستقوي بالقطب الإعلامي مرئيه ومسموعه قبل مقروئه، مرورا بمنظومة التعليم مضمونا وشكلا. ومحافظ قوته في شعبيته وتصالحه مع دين المجتمع وقيمه الإسلامية.
أما الواقع السياسي فيؤطره الدستور الذي مثلما نص على إسلامية الدولة بلغة فضفاضة عائمة ليس إرضاء لمكون سياسي معين كما يتصور البعض ولكن حفاظا على إطار يمثل نقطة ارتكاز شرعية النظام ككل، فيما يسمى "إمارة المؤمنين"، إذ لا معنى للحديث عن إمارة المؤمنين في غياب دولة إسلامية؛ كذلك نصت الوثيقة الدستورية على حداثية الدولة من خلال "حماية منظومتي حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني والنهوض بهما، والإسهام في تطويرهما، مع مراعاة الطابع الكوني لتلك الحقوق وعدم قابليتها للتجزيء.". وعليه، فدعاة الحريات الفردية ومنها الجنسية بمرجعيتها الكونية يطالبون الدولة المغربية بتفعيل مقتضيات الدستور، وهو ذات مطلب معارضي هذه الحريات الفردية باعتبارها لا تنسجم ومنظومة قيم بلد دينه الرسمي الإسلام.
إن من دهاء مهندسي النظام أن وفروا أسباب "تعايش" المتناقضات تحقيقا للتوازنات في شتى المجالات، ومنها المجال القيمي، كما وفرت هذه الهندسة الماكرة شروط الحياة والتطور لكل التيارات الثقافية. فإذا كان الخطاب الديني يُصرف من خلال المواعظ والخطب في المساجد والتجمعات الشعبية العامة، فإن الخطاب الحداثي يُصرف من خلال الإعلام والفن المهرجانات نموذجا والنسيج الجمعوي لا سيما الحقوقي تطبيقا لأجندة هيئات دولية. وما دام الصراع لا يخرج عن مستواه الأفقي بين التصورين، ولا يتطور ليهدد السلم الاجتماعي فهو مسموح به، باعتباره منشطا للحياة السياسية العامة ومجالا لشغل الشعب عن قضاياه الجوهرية؛ لكن إذا تجاوز الخطوط الحمراء فإن النظام يتدخل لينزع الفتيل قبيل الانفجار وانتقال الصراع إلى الشارع الذي لا تُؤْمن تطوراته.
في هذا السياق، يأتي فتح التحقيق مع أحد طرفي الصراع ومحاكمته التي ستفسر انتصارا لخصومه تكسبهم مستوى من "الشرعية" والثقة كانوا في أمس الحاجة إليها بعد أن تبوأت التيارات الإسلامية الصدارة في المشهد السياسي العام في إطار ربيع الثورات العربية، ثم إن محاكمة ذات الطرف ترفع الحرج والضغط النفسيين على الحزب الذي يقود الحكومة بحكم مرجعيته، وتدفع عنه تهمة مصادرة الحريات والنزوع إلى الهيمنة والاكتساح، كما هي المحاكمة فرصة ذهبية لتكميم ظاهرة خطابية بدأت تخرج عن السيطرة، وهذه المرة بذريعة قانونية.
معركة الحقوق والحريات الحقيقية كان الأولى أن تدور رحاها بين دعاة الانعتاق من الاستبداد والفساد، وبين ناهبي المال العام مصاصي دم الشعب والمستفيدين من الريع بأنواعه غداة الإعداد للوثيقة الدستورية تحديدا لميكانيزمات الدولة المنشودة، عوض إعدادها في الكواليس بمنطق التوافقات السياسية تآمرا على مطالب التغيير الشعبية. لذلك، فطرفا حرب الحريات الفردية اليوم يؤديان خدمات مجانية لنظام يرعى و"يبرع" في إنتاج القضايا الوهمية، يوفر لها شروط الانتعاش من طرف خفي، ويزودها بأسباب الانتشار وتوسيع قاعدة المتعاطفين والأتباع، ويسلط بعضها على بعض، حتى إذا تجاوز الصراع الخط المسموح به، تدخل لضبط الإيقاع وحماية التوازن حفاظا على استمرار النظام وتأكيدا على مركزيته في الحياة السياسية.
معركة الحريات الفردية بطرفيها اليوم يراد لها أن تشغل الشعب عن همومه الحقيقية: غياب حكامة رشيدة، استئصال الفساد ونصب ميزان المساءلة والمحاسبة، استرجاع المال العام والثروات التي نهبت وتنهب، توفير ضمانات ممارسة الحريات والحقوق العامة الحقيقية لا الوهمية لينخرط الجميع في بناء مغرب الكرامة والعدالة.
في حين كان الأولى أن يفتح حوار وطني على مرأى ومسمع الشعب من خلال وسائل الإعلام تحديدا لهوية المجتمع ومنظومته القيمية استشرافا لمشروع مجتمعي ينخرط فيه الجميع لبناء دولة عصرية على قاعدة التسامح والتعايش، بعيدا عن افتعال التوترات التي تهدر زمنا وجهودا أجدر أن تصرف لتحقيق تنمية ترقى بكرامة الانسان
.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.