لا يمكن للمرء إلا أن يكون في مقدمة المصطفين للدفاع عن الحريات الفردية للمغاربة، فهذا ثابت من ثوابت العقيدة، وركن أساس في التصور والاختيار الفكري، هذا قبل أن يكون مطلبا حقوقيا، ولذلك، فمحاولة شق المغاربة في هذا الخصوص إلى فريقين: مدافع عن هذه الحقوق ومهاجم لها، يطرح كثيرا من الغموض حول مفهوم الحريات الفردية المقصود في النداء الذي وقعته بعض فعاليات المجتمع المدني. فإذا كان المقصود هو توسيع دلالة الحريات الفدرية ليشمل أشكالا من الممارسات المخالفة لقيم المغاربة وأخلاقهم، بل والمخالفة لمقتضيات القانون، فالأمر له سياق آخر، ولا علاقة له مطلقا بموضوع الحريات الفردية، وإنما هو من صلب الاستثمار السياسي لهذا الموضوع. وإذا كان المقصود حقيقة هو الحريات الفردية التي يتمتع بها المغاربة ويحميها القانون ويرعاها، فلا يسع المرء إلا أن يرحب بهذا النداء ويوقعه. لكن المشكلة هي أن لغة النداء تضمنت جملة من العبارات التي فيها إشارة واضحة لما وقع في القصر الكبير، وهو ما يجعل المتتبع يطرح أكثر من علامة استفهام حول المقاصد المرادة منه، بل وهذا ما يجعله يستغرب ويفاجأ بورود أسماء، نكن لها كل التقدير والاحترام، وقعت على هذا النداء. والظن الجميل بهذه الأسماء أن تعيد قراءة النداء، وأن تدقق في عباراته، وأن تنظر إلى مقاصده وخلفياته، والتوظيف السياسي الذي تريد بعض الجهات العاطفة على الشواذ في المغرب أن تحقق من خلاله أجندتها القيمية، والتي لا تخفى عناصرها من خلال الاطلاع على الملفات الصحفية التي رمت من خلالها تكسير ما تسميه بـالطابوهات والمقدسات. هناك من يريد أن يركب لغة الغموض في موضوع الحريات الفردية، ويصور للمغاربة أن معركته أو معركة المغاربة هي مع الإسلاميين الذين يرفضون الشذوذ ويستنكرون المظاهر المصادمة للقيم الإسلامية، في حين أن المعركة ليست بهذه الحدية الثنائية الخاطئة.. المعركة هي معركة المغاربة جميعهم دفاعا عن الحريات الفردية وحماية حرمة الحياة الخاصة، وأيضا ضد كل توظيف ذلك لاستهداف حرمة الفضاء العمومي والآداب العامة. ولا نعتقد أن كثيرا ممن وقع على البيان يقبل بذلك، خاصة وأن منهم أناس معروفون بغيرتهم على الحريات الفردية، وفي الوقت نفسه دفاعهم عن الآداب العامة. الخوف من أن يكبر الوهم عند بعض من هؤلاء، وتنزلق الأقلية إلى المغامرة، وينكشف للشعب المغربي أن تترس هذه الأقلية بالحريات الفردية لا يراد منه سوى تبرير التعايش العلني مع الشذوذ، وهذا كله شيء آخر لا علاقة له بقضية الحرية الفردية.