وقف الشيخ ذو اللحية البيضاء أمام شرفته العالية ...بعينين ثاقبتين و ملامح الوقار و العفة تملأ محياه ؛ متأملا ضريح الولي الصالح صاحب البركات و الجود والكرم الذي ارتعدت لشجاعته ركبان المرتدين عن الملة من كل القبائل الموساوية و العميرية .... الذي عمت الخيرات في زمنه كل شبر وبيت لسكان البلد...تنهد الشيخ من الأعماق متمنيا في دواخله لو أن الفقيه الولي الصالح بن صالح انتفض من لحده ليرى حال مدينته في زمن الطغاة و المرتدين الجدد ...مرتدون من صنف خاص ...شغلتهم الدنيا والنسل عن الخوف من الله و الخوف على العباد....الله الذي حرم الزور و الربا والتدليس و شراء الهمم و التبزنيس في البشر...هو من حرم التسييس المغشوش و التحزب للمصلحة الضيقة والزبونية و المحسوبية واستغلال النفوذ و الفقهاء والسحرة والمشعوذين في تزوير الاقتراع و المتاجرة في المشاريع العمومية .... تأمل الشيخ الناس... فرثى لحال الفقراء.... أية أسمال يضعون على أجساد شاحبة ووجوه واجمة ؟....المشعوذون يتناسلون كالفطر و المتسولون في كل الدروب و الزوايا و فاطمة أم عروة كل موسم تحمل بطنا من الحرام ...صور كاريكاتورية بئيسة و نفايات و أزبال في كل اتجاه ...دور و محلات متسخة و أخرى غير مبلطة .... اللصوص يعبثون و الأغاني المبتذلة تؤثث مسامع المارة و الساكنة .... من المسؤول المباشر عن هذا البؤس ؟ يتساءل الشيخ و السبحة المكية لا تفارق أنامله؟عب الشيخ كأسا من الماء وسرح به الخيال متذكرا متفكرا ...ربما يجيب عن السؤال السهل الممتنع.... إضغط على الصورة لمشاهدة الحجم الكامل حتى حدود التسعينيات من القرن العشرين كانت المدينة جميلة حالمة ...لا يعكر صفو هناءها و حال مجالسها البلدية أي طامع في ثرواتها ....جاءتها عن غفلة من أبناءها الشرفاء مافيا الانتخابات من كوكب بعيد يساندهم البصري و داخلتيه و الحزب الوسطي المتلون كالحرباء مع تلونات الحكومات المتعاقبة ...الحركيون زحفوا في شخص الذي لا يبدع إلا في مجالات التخلويض و المنفعة الخاصة ...يبدع في السمسرة و البحث عن الفرص السانحة للوصول إلى البرلمان و البلدية بكل الوسائل المشروعة و الغير المشروعة ... جاء الحركيون و بحثوا لهم عن بعض اليائسين و البائسين لملأ ملفات الدسيسة و التزوير...صنعوا مكاتب خشبية و مقرات ورقية و بدؤوا تنفيذ الخطط من أجل الاستغلال الفاحش لكل مرافق المجتمع العميري و الموساوي أيضا ...ما دام البرلماني يمثل دائرة انتخابية تمتد حتى دار ولد زيدوح أو أولاد عياد...بحتوا في كل الأجندات و المذكرات التي توصلهم للناخب الهش المغلوب على أمره أو ذاك الذي لا يفقه في السياسة إلا كونها ممنوعة أو من التالوت المحرم مثلها مثل الدين و الجنس ...أوهم الذي لا يبدع في شئ مريديه وأتباعه أن معارضيه صنفان إما مساخيط إدريس في زمن تحكمه و جبروته أو مساخيط الملة و الوالدين ... صلى الشيخ ركعتين لله وتململ ماشيا نحو الشارع الرئيسي ومنه اتجه نحو السوق الأسبوعي الذي تسمى البلدة باسمه ....مر بجنب النقابة التي لم تعد كما عهدها أيام العز و النضال ....أيام ك د ش وإ ع ش م و إ م ش ....أصبحت في زمن المجلس البلدي الحالي خربة تنعق بها الغربان .... مال على الساحة المركزية ليجدها كشعر منتوف دون حارس ... أشجارها تئن من العطش... مليئة بالشماكرية و العاهرات درجة صفرمصبوغات الوجوه مثل الطعا رج ....حديقة تفرخ اللقطاء والجريمة...دخل الشيخ المسجد المركزي لصلاة الظهر .....جلس بعد الصلاة وراء المحراب متكئا على سارية المسجد .. غفا الشيخ مستسلما لنوم خفيف فرآى في ما يرى النائم أن شبابا كثيرا سمر ذوي أكتاف عريضة يحملون مشاعل من نور و أعلام نصر و لافتات كتبت عليها عبارات تطالب بالتغيير و برحيل الفساد و بناء مدينة ... آه بل إقليم يسوده الأمان و الدفء و الديمقراطية المحلية في كل بلدياته و جماعاته القروية مثل أولاد عبد الله و أولاد ازمام و أولاد بورحمون وكل الأولاد.... من أجل الأجيال القادمة ....حتى لا نورث لتلك الأجيال الذل و الخديعة و نحملهم ما لا طاقة لهم به.....حلم الشيخ أيضا بالفقيه بن صالح وهي تسعد بشبابها الذي عاد من الديار الأوروبية و هو عازم على التشييد و البناء ....عاد للمنافسة الشريفة والتصدي للمفسدين و الدخلاء .... و تسعد أيضا بمجازيها و حملة الدكتوراه الذين يتكتلون لانتزاع مطالبهم بكل الطرق القانونية المشروعة و الذين يعتصمون داخل بلدية مبدع الذي دونها لصالحه و يقول قائل انه سيوزعها شققا على أتباعه في الانتخابات ....ويوزع عليهم خرفان عيد الاضحى.....حلم الشيخ بإقليم الليمون و الفوسفاط و الزيتون و الرمان و الشمندر السكري و الثروة الحيوانية يصدر خيراته داخل و خارج البلاد فتعود بالنفع على أبناءه ....مشاريع لمص البطالة و البطالة المقنعة..... تذكر الشيخ أن عبد الله راجع سمى البلدة ذات يوم بمدينة القرض الفلاحي و الدرك الملكي ...و الشيخ بكل تواضع و جرأة يسميها بلد مافيا الانتخابات و المضاربين والتهافت وراء المال الحرام من طرف شرذمة من الانتهازيين و السماسرة يرأسهم الرئيس .... شغلتهم أموالهم و أولادهم عن ذكر الله و عباده .....أما حكاية المدن السفلى فقد استقاها الشاعر الكبير من مشاهد الظلم و الضغينة و الفقر و الاجتياح المهول للاسمنت و الياجورالذي خيم على مدينة الفقيه بن صالح .... من قال لكم أن ع الله راجع قد مات ؛ إنه يتناسل في كل طفل بالمدينة و القرى المجاورة ؛ في الأشجار و الماء و الهواء .... إقليم الفقيه بن صالح برمته أصابته العدوى و الحمى فأصبح السماسرة و المزورون يسيرون على هدى و ركب مبدع في السمسرة و التزوير و الانتهازية ...لقد أصبحوا يبدعون أشكالا من السمسرة تتماشى مع المرحلة ......شردمة من السماسرة فرخت أشباهها و ألوانها كل جماعات الإقليم ....الكل يقرف من وجودهم حتى النخاع ...مصابون بداء بوهيوف والفراغ الروحي و الثقافي والمعرفي ....القافز منهم طرد من قسم الشهادة الابتدائية ...إذا سألهم تلميذ الجدع مشترك عن تعريف مبسط للإشتراكية....تجدهم صم بكم عمي لا يفقهون ..... تعمى بصائرهم فلا يرون في المواطن العادي سوى صوتا للافتراس ....أي ذئاب بشرية هذه ؟ تتصيد الناس كالأرانب ...."آش بينكم أو بين شي اشتراكية ؟" أو أي حزب ؟ اين كنتم مؤطرين للعمل السياسي الشريف؟ لا جرم إذن أن كل ربوع الإقليم المحدث مؤخرا في إطار سياسة القرب التي ينهجها عاهل البلاد .... سوف تلوث بمبدعي المناورات و التزوير و الترامي على حق بني موسى و بني عمير في تمثيل جماعات محلية قريبة من المواطنين ؛ نزيهة و ديمقراطية تجعل من أولوياتها تنمية الإقليم على جميع المستويات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و البيئية... في إطار تنموي شامل هوالجهوية الموسعة و الوحدة الترابية للمغرب. عجيب أمر هذه الأمة ....ردد الشيخ في نفسه وهو يلوي الدروب نحو ضريح "ماليات القعدة"الذي تفوح منه روائح البخور و التفوسيخة النتنة المزكمة للأنوف ....يسترق النظرات من بعيد لنساء بئيسات يتجمعن حول بناية متهرئة و متسخة ملطخات الوجوه و الأيدي بالحناء و القرنفل يخلصن الدعاء بالصحة و الغنى و الحظ الوافر لكل من يصوت لصالح ممثلهن في البلدية ....أي شعوذة هذه؟ "ما هذا التخلف الهمجي الذي أصاب هذا الزمن وأصحابه؟" قال الشيخ ....وولى نحو منزله في بر الأمان..... يقول المثل " أكبر فشل في الحياة هو النجاح في الغش" أليس كذلك أيها المناضلون المقنعون بالغش و التدليس ؟ مناضلو الإتحاد الإشتراكي ؟ إن المناخ الجيوسياسي و المرحلة التاريخية التي توجه مسار الدول العربية و المغرب العربي يقتضي من المواطنين المغاربة استيعاب الدروس والعبر و تثمين المنجزات التي تخطط لها أعلى سلطة في البلاد ...فبعد الحراك الاجتماعي و السياسي لشباب عشرين فبراير وخروج المواطنين للمطالبة بالخبز والتنديد بالأزمة السوسيوإقتصادية الراهنة و المطالبة برحيل الفساد و المفسدين من كل المدن والمداشر والقرى ....على الأحزاب أن تراجع حساباتها مع الذيين يلوثون الإنتخابات أولازالو يحلمون بزمن البصري وأعوانه بتفكيرو عقليات تعيق النمو المحلي و الجهوي و الوطني للبلاد. لم يبق أمام الإنتخابويين إلا نسيان مراحل التدليس و التزوير و مواجهة الإنتخابات بمصداقية و نزاهة من أجل التنافس الشريف و المسؤول أمام الملك والشعب ...لتتصدره مجالس جماعية تشرف المغاربة أمام الرأي العام الوطني و الدولي.... متجددة على مر الأجيال و الحقب. لقد ظهر الحق و زهق الباطل ..أما من لا يزال يلعب في الماء العكر و المستنقعات فلا يلوم إلا نفسه و حزبه....خصوصا مع المستجدات القانونية الجديدة لمراقبة العملية الانتخابية من طرف الدولة ممثلة في الإدارة و القضاء ومن طرف وسائل الإعلام المكتوبة و الالكترونية سواء الوطنية أوالد ولية التي تكشف عن كل ما يعيق السير القانوني و العادل للاستحقاق الوطني . ردد الشيخ وهو يدخل باب غرفته " الله يهدي خلقه ....فليشمروا عن سواعدهم وليعملوا لصلاح بني موسى وبني عمير صحيح لا يغير الرب ما آلوا إليه إلا إذا هم فعلوا ذلك ...اللهم اهدهم....اللهم اهدهم......" ثم ذكر قول الله سبحانه و تعالى : " لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " . الأستا