انتفض مفزوعا،ويده ترتعش،فوقعت منه الجريدة،والتقطها قبل أن تلمس الأرض... قطب جبينه..التفت يمنة و يسرة..هرول نحو غرفة النوم،فأحكم إغلاقها..و صاح بملء أنفاسه :كل الصحف و الصفحات تغني للثورة؟أهذا وقتها؟أما في الكون أهم من الثورة؟ومتى عاقت الثورات حرية الاغتناء !؟. . وفي زوبعة هذا الجنون الذي مسه و هو يلهث كالمطارد، أشفقت عليه طرقات الباب،وفي سرعة البرق ابتل وجهه المصفر بالماء و تفجرت منه شهقات الغارق... و زوجته تهدئ من روعه :ماذا بك يا سعيد؟..عد إلى رشدك...ما رأيتك قط قبل اليوم على هذه الحال !!... أدار عنها وجهه و لسان حاله يتحسر :كنت سعيدا قبل اليوم..و ها هي السعادة قد همت بالرحيل..ها هي قد رحلت.. بدت الزوجة و كأنها تحاور غريبا،فما عهدت في زوجها الانفعال، فكيف بالبكاء كالأطفال؟ !.. دنت منه ..همست له بكلام رقيق، و استحلفته باسم زواجهما أن يكشف لها عما ضاق به صدره.. و دون أن ينظر إليها أشار إلى الجريدة..فانحنت عائشة في حذر و كأن بين الصفحات أفعى !..أخذتها،تصفحتها...والعرق يتصبب من جسدها..نظرت إليه و باستغراب سألته :أهذا كله لك وحدك؟ !..و من أين لك كل هذا؟.. و كالملسوع نط من مكانه شاهرا بقايا عباراته في وجه حليلته :أأنت معي أو ضد مشاريعي؟لا تستفسري مثل الثوار : من أين لي هذا؟ألا يكفيك أنك تعيشين معي كالأميرة؟.. و بروح كسيرة،و أسى شديد،وخطوات عليلة جهة الباب الخارجي للمنزل الأشبه بالقصر،و بشرود من تعرضت للخيانة،أجابته و لم تجبه بسؤال يمكن أن يكون أو لا يكون.. فرحلت عائشة..و ظل سعيد يترقب ساعة السؤال،و السؤال يتصيد لحظة الانفجار.. ّ