موعد ثان ل"مناظرة الصناعات الثقافية والإبداعية" التأم بالرباط، الأربعاء، بعد أربع سنوات من أول نقاش دعت إليه فدرالية الصناعات الثقافية والجمالية ووزارة الشباب والثقافة والتواصل، بشراكة مع الاتحاد العام لمقاولات المغرب الذي تأسست في إطاره الفدرالية، قبل أن ينضمَّ هذه السنة الاتحاد الأوروبي ممولا مشتركا للمناظرة التي دُعي إليها برعاية ملكية. وبشعار "الاحتفاء بالتراث والاستثمار في المستقبل"، ناقشت جلسات أول يومَي المناظرة الشراكة الممكنة بين القطاعين العام والخاص خدمة للثقافة والإبداع، ومسألة تجديد الذهنيات من أجل تمويلات مبتكرة وبديلة، وما يرافق ذلك من إصلاحات تشريعية وضريبية، من أجل دعم انتعاش قطاع الصناعات الثقافية والإبداعية، وجذبه للاستثمارات والرأسمال البشري، وتلبيته حاجيات السياحة الثقافية. وفي افتتاح المناظرة، تحدث محمد المهدي بنسعيد، وزير الشباب والثقافة والتواصل، حول "الطموح المغربي" من أجل الصناعة والثقافة والإبداع، والعنصر البشري بوصفه "رهانا للتنمية المستدامة" مع الاختيار الملكي ل"الانفتاح على العالم المرتبط بالسيادة الثقافة". ودافع وزير الثقافة عن صناعات ثقافية وإبداعية تحتفي بتراث المغرب، والهويات والذاكرات الممرَّرَة عبر الأجيال، ببعديها المادي وغير المادي، وعلى الثقافة أيضا بوصفها إبداعا، وتميزا فرديا مثمّنا أيضا. وعاد الوزير إلى أول دورة للمناظرة التي كان أثرها تحركات تشريعية ومالية، و"كانت خطوة كبيرة"، علما أن الصناعات الثقافية والإبداعية "في قلب الاقتصاد العالمي"، وينبغي أن يستحضر معها الذكاء الصناعي، والروبوتات، التحدي المناخي، والحاجة للاستثمار في القطاعات المستدامة، مع استحضار أهمية التعليم والعنصر البشري والاستثمار فيه، من أجل "شباب دينامي، منفتح على العالم"، ومن أجل وقف "هجرة المخيالات" التي هي إشكال مثل "هجرة الأدمغة"، حتى يحرّك إبداعُ مغاربةٍ الاقتصادَ أيضا. شكيب العلج، رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب، تطرق من جهته إلى هدف رفع إسهام الصناعات الإبداعية والثقافية إلى نسبة 1 في المائة من الناتج الداخلي الخام، ومضاعفة عدد المشتغلين مرتين وثلاث مرات، في مختلف القطاعات السينمائية، والمؤسسات الثقافية، والصناعات المشهدية، وغيرها، مع استحضار وجود كثير من الفاعلين في المجال في القطاع غير المهيكل. وأبرز رئيس الاتحاد العام للمقاولات أثر الصناعات الثقافية والإبداعية على السياحة والرقمنة والتواصل، مما يتطلب التواصل بين القطاعات المعنية بها، وهو ما دفع شراكة بين القطاعين العام والخاص لتثمين تراثنا والتقدم؛ ف"المغرب يضع الثقافة في قلب نموذجه التنموي". لكن، هذا الاستثمار في الثقافة والإبداع يتطلب تغيير نموذجنا الاقتصادي لتكون الثقافة في قلبه، وتطوير القطاع ليصير أكثر جاذبية للاستثمار، باستحضار نماذج دالّة مثل تركيا، وتطوير نماذج دعم، لمساعدة مشاريع طموحة، وتسريع تقوية وتنمية جاذبية القطاع للعامل البشري، وهو ما سيشكل فرصة، وفق العلج، للاستجابة للرهانات الاقتصادية، والتطوير المجتمعي، في الآن ذاته. نائلة التازي، رئيسة فدرالية الصناعات الثقافية والإبداعية، ذكرت أن هذه الدينامية قد بدأت وتوقفت مع جائحة "كورونا"، التي كانت "فترة هشاشة وعدم شغل وعدم يقين، وانعزال"، لكنها "ذكرتنا بأن الرفيق الأمين الوفي: الكتب، الفيلم، السينما والتلفزيون والموسيقى لصالحنا النفسي والعاطفي". وقابلت التازي بين سنتين هما 2019 و 2023، قائلة: "تزايدَ عدد الصناعات الإبداعية والثقافية ب 33 في المائة، وارتفع عدد المأجورين المصرح بهم في الضمان الاجتماعي ب 20 في المائة"، رغم أزمة كورونا وتداعياتها. ونبهت رئيسة الفدرالية المبادرة لتنظيم المناظرة إلى أن "هذا القطاع هو أكبر مشغّل عالميا للشباب بين 16 و30 سنة، ونصف مشغَّليه نساء (...) وهو القطاع الخامس عالميا من حيث النمو في الاقتصاد العالمي"، و"فرصة علينا استثمارها"؛ فهو "محرك تنموي كبير"، مجتمعيا، كما أنه "يخلق الروابط بين الشعوب والأمم"، ويلهم مسارات الإنسان، بلقاء مع كتاب أو فيلم مثلا. وذكرت نائلة التازي أن هذا الموعد الذي يحظى برعاية ملكية، "يظهر عزم البلاد على الانخراط في مجال الصناعات الثقافية والإبداعية، والسير في مسار جديد، من أجل نموذج تنموي دامج ومستدام، ولذا تأتي الدورة الثانية باقتناع وقناعة بالرؤية الملكية، وبمبادرة القطاع الخاص، وانخراط الحكومة، وعناية البرلمان، ووزارة ثقافة منخرطة بحزم"، كما تحدثت عن توقيع شراكة مع الاتحاد الأوروبي لأول مرة في مجال الصناعات الثقافية والإبداعية. واستحضرت التازي كأس العالم ورهاناته التي ينبغي معها أن تتميز المدن والمجال والشعب والطموح والإبداع بمقاربات إبداعية جديدة، والتآزر ومقاربات مبتكرة جديدة، علما أن المغرب يتوفر على جميع الخصائص الإبداعية في السينما والموسيقى والأدب على سبيل المثال لا الحصر، مع تنوعه الثقافي، الذي جعله مبدأ دستوريا ومنطلق انفتاح على العالم، ثم أنهت حديثها باقتباس من الشاعر الفلسطيني محمود درويش حول الثقافة بوصفها نورا يضيء سبيل الإنسانية. باتريشيا لومبارت كوزاك، سفيرة الاتحاد الأوروبي بالمغرب، ذكرت من جهتها أن هذا الموعد استراتيجي للمغرب وفاعلي المجال، وللإنسانية أيضا؛ لأن المبادرة من أجل الثقافة في الفترة التي نعيشها، إعطاء للأولوية للانفتاح والاعتراف والتقدير والتعاون مع الآخر. وتحدثت سفيرة الاتحاد الأوروبي عن الطموح المشترك للاتحاد والمغرب، وعما تمثله الصناعات الثقافية والإبداعية في أوروبا من مشغل ل7 ملايين ونصف من المشتغلين، ومليونين ونصف بإفريقيا، واستحضرت في هذا السياق النتائج الملموسة للاهتمام بالمجال في المغرب التي تظهر في كمّ المهرجانات التي يشكل اختيار ما ينبغي دعمه منها صعوبة لسفارة الاتحاد، ثم الأدب والموسيقى والتعبيرات الشبابية المغربية الأخرى. وتطرقت المتحدثة لما يمثله هذا من إمكان لتقارب الشعوب، والغنى الاقتصادي، والفرص للشباب والمرأة، ودعم المبدعين والعمل المستدام. مختار ديوب، المدير العام لمؤسسة التمويل الدولية لمجموعة البنك الدولي، تدخل رقميا، وتحدث عن إفريقيا التي تشغّل مليونين ونصف المليون في قطاع الصناعات الثقافية والإبداعية، والإمكان المهم لهذا المجال، وتعيين المؤسسة لذلك منسقا للصناعات الثقافية بإفريقيا، للعمل بتعاون مع متدخّلي المجال بعزم ليكون المغرب من أعمدته بالقارة، مع الاستفادة من التجربة في دعم قطاعات إبداع دول أخرى بإفريقيا.