السماء الصافية لا تشوبها غيمة واحدة. الريح تصفّر وتهبّ بخفة ورقة لتحرّك أطراف الشجر العالية. أهبّ معها. أطير معها. أحاول أن أصوّت مثلها ولو بهمسة. وأناديك، يا زينة، ها قد عدت، يا حبيبتي! عدت اليك. كي أراك. وأسمعك. وأحسّ بك. ولكن. لا صوت. ولا همسة. جئت أبحث عنك، يا زينة، لأرى ماذا فعلت بك الحياة من بعدي. أين أنت الآن؟ أبحث عنك في كل مكان كان لنا. كل شارع. وكل زاوية. ها أنا آتٍ إليك، يا حبيبتي! فأين أنت؟! أطير مع الريح. أهبّ مثل الريح. أبحث عنك في كل بقعة من الأرض. وأناديك بلا صوت. زينة! زينة! ها قد وجدتك، أخيرا، جالسة في نفس مقعدنا القديم أمام البحر الكبير. أراك بوضوح تماما كما لو كنتُ هناك معك. أقترب منك. أجلس بجانبك. زينة! حبيبتي! أنا هنا! ها قد عدت إليك! هل تسمعينني؟ اشتقت إليك، إلى عينيك اللامعتين الجميلتين، ووجهك الأسمر الرقيق، وشعرك الأسود الطويل. كم أنت جميلة! ما زلت جميلة تماما كما كنت حين رأيتك أول مرة. أتذكرين؟ تلك الحفلة التي التقينا فيها، وكأنها يد القدر التي جمعتنا معا بلحظة. ثم فرّقتنا بلحظة! آه، كم اشتقت إليك! لماذا انقطعت عن زيارتي؟ اشتقت إلى صوتك. إلى أخبارك. لماذا لم تعودي تأتين لزيارتي وتخبريني عن أحوالك، وأخبارك. أنسيتِ؟ ما الذي يشغلك عني؟ أخبريني! هل تسمعين؟ ماذا جئت تفعلين هنا في مقعدنا القديم؟ أتراك تتذكّرين أيامنا الماضية السعيدة؟ أحاديثنا الجميلة. وضحكاتنا العالية الرنانة؟ أكاد أسمعها الآن. كم أحببنا! وكم تمنّينا أن نقضيَ معا العمر كله، ولا نفترق لحظة واحدة! ولكنها هي يد القدر التي جمعتنا معا. ثم فرّقتنا! سأبقى أحبك إلى الأبد، يا زينة، يا حبي الأول والأخير، وأنتظر زياراتك. وأشتاق إلى صوتك. و أخبارك. وأناديك بلا صوت. زينة! زينة! أرى شخصا يأتي من البحر، يخطو نحوك، وكأنه يقصدك. إنه يقترب منك. يبتسم لك. يجلس بجانبك الآخر. ما هذا؟ من هذا؟ يا إلهي! رامي؟! أهذا أنت يا رامي؟ كيف حالك؟ ما أخبارك أيها الصديق؟ اشتقت إليك! كم أنا سعيد برؤيتك! ولكن. ماذا تفعل هنا؟ ماذا تفعل مع زينة؟ ماذا يجري هنا؟ هل جئت إلى هنا من أجل رامي, يا زينة؟ أهكذا نسيتِني بهذه السرعة وارتبطت برامي؟ ولكن. لماذا رامي بالذات؟ أكاد لا أصدّق! رامي! صديق عمري! عمري القصير! وزينة؟! حبيبتي؟! كيف يحدث ذلك؟ لماذا؟ ومتى؟ ليتني لم آتِ إلى هنا! ليتني لم أعُد! ليتني لم أرَ شيئا! ليتني لم أعرف شيئا! السماء تلبدّت بالغيوم. والريح أخذت تزعق وتعصف بكل شيء أمامها. أطير مع الريح. أعصف مثلها, أعود إلى حيث كنت. إلى حيث يجب أن أكون. من أرى؟ أمي! إنها جالسة هناك على ركبتيها, والدموع ما زالت تغمر عينيها، والحزن يغشى وجهها. أمي الحبيبة! هي الوحيدة التي لم تنسَ. الوحيدة التي أحبّتني حبا حقيقيا لا نهاية له ولا حدود. حبا إلى الأبد.