تقديم : إن الحديث عن العمل الطلابي هو الحديثٌ بالأساس عن العمل المؤثِّر في مجاله الجامعي والرأي العام، الذي تقوم به حركة تغييرية مجتمعية وهي الحركة الطلابية، عملٌ يستوعب الإختلافات ويسعى جاهدا في تقريب الرؤى والتصورات وذلك من أجل تدبير الإختلاف الطبيعي، فالخصائص التي تتميز به الحركة الطلابية بغض النظر عن الحالات الإستثنائية ونوع التفكير الذي هيمن على بعض \"المهتمين\" بها وهم بعيدين كل البعد عن الميدان، وأحيانا تأتي ظروف تجعل هؤلاء يغضون الطرف عن مكانة وحقيقة الحركة الطلابية المغربية تجعل هذه الأخيرة، من جهةٍ، تتمتع بالمكانة والأدوار التي تلعبها داخل النسيج المجتمعي تشريفاً، وتجعلها، من جهةٍ أخرى، تتحمل المسؤولية وأعباء المشعل الذي يجب تسليمه من جيل لجيل تكليفاً، وذلك ليس بالأمر الهين، إذا أمعنَّا النظر في الزخم التاريخي لهذه الحركة وما قدمه روادها من تضحيات وصلت بهم إلى الموت من أجل حياة الحركة الطلابية المغربية، ولكن كما يقول أحد المفكرين:\"لأي حركة تغييرية مجتمعية لابد لها من تضحيات\"، وأضيف: ولابد لها من عوائق تقف أمامها وتحد من سيرها، فما هي إذن أهم عوائق العمل الطلابي الراشد؟ وما هي الأهداف الخفية وراء هذه العوائق؟ وسأحاول جاهداً أن أثير هذه العوائق والأهداف الممكنة من ورائها، ولا أدعي هنا الإحاطة بالموضوع، ولكن بحكم الإحتكاك مع بعض هذه العوائق أحببت أن أثيرها وأن أدلوا بدلوي فيها، وكطريقة منهجية فسأعالج هذا الموضوع في سلسلة، مخصصاً في كل جزء الحديث عن عائق واحد، وذلك كي لا نبخس الموضوع حقه، ومن بين العوائق التي سأتحدث عنها في هذه السلسلة؛ العنف الطلابي العنف المخزني الإدارة سلسلة \"الإصلاحات\" الجامعية... العائق الأول : العنف الطلابي منذ عقود من الزمن والحركة الطلابية المغربية تكتوي بنار العنف الطلابي المادي والمعنوي(العنف الرمزي)، إثر قيادة الخيار الثوري لمؤسسات المنظمة النقابية الطلابية، الإتحاد الوطني لطلبة المغرب في الستينات والسبعينات،وذلك بأطياف اليسار وتلاوينه المختلفة والمتناحرة فيما بينها، إذ لم يعد هذا الخيار مع الصيرورة التاريخية يتخذ العنف وسيلة له لتغيير الواقع، بل أصبح العنف هو البرنامج والغاية، وذلك إيمانا منهم بمقولة \"الغاية تبرر الوسيلة\". ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل أصبح العنف أو هذا الخيار بأكمله يرسم وقد رسم صورة قاتمة تحلق على فضاء الجامعة منذ وجوده، وشكل عبئاً كبيراً على الحركة الطلابية الذي لم تتخلص منه بعد، في بعض الجامعات ، مما يؤكد أن رفع ما تبقى من هذه الصورة عن الجامعة والتصدي لكل أشكالها، من أولويات عمل أجهزة المنظمة الطلابية الإتحاد الوطني لطلبة المغرب، وبالأخص الأجهزة الوطنية، وذلك بالحفاظ على إنجازاتها ومبادراتها وعلى رأسها مبادرة ترسيخ ثقافة الحوار داخل الجامعة، لتكون الكرة الآن عند الفصائل الطلابية، فيكون استعدادها للحوار الجاد والمسؤول خطوة من الخطوات التي أدت ثمارها في بعض الجامعات. وقد \"عمل أصحاب الخيار الثوري على جعل الحركة الطلابية طليعة التغيير السياسي والإجتماعي وقاعدته مما جعلها تتبنى مواقف سياسية حزبية ضيقة عوض صناعة فضاء من العمل يجمع القوى عن حرية وإرادة في اتجاه التغيير والبناء الحقيقيين. ولذلك عوض استعمال الحركة الطلابية كقاعدة انتخابية\" كما تصورها الخيار الإصلاحي من اليسار نفسه \" فقد استعملها الخيار الثوري قواعد ثورية حمراء متحركة (الساحة الجامعية) أو ثابتة (الأحياء الجامعية) دلالة على وظيفتها السياسية العنيفة في التغيير. ولما تظافرت نتائج الخيار الإصلاحي مع نتائج الخيار الثوري دخلت الحركة الطلابية في حالة الإنهيار الشامل تصوريا وتنظيميا وهيكليا لتسقط لقمة سائغة بين كفي عفريت المخزن المتربص بها من كل جانب\"2. وتبقى الملفات التي خلفها هذا الخيار خلال تجربته في قيادة الإطار النقابي الطلابي أ.و.ط.م، شاهدة أمام التاريخ وتلخص إلى حد ما تصور هذا الخيار، ومنها على سبيل الإقتصار لا الحصر، تلك الملفات التي تواطأ فيها اليسار مع المخزن من أجل تجثيث نبتة من يقود العمل الطلابي من داخل أ.و.ط.م مع بداية التسعينات، والوقوف ضد من أعاد للمنظمة الطلابية وجودها التصوري والتنظيمي والهيكلي، ولم يكن هذا التآمر عبثا ولكنه نتيجة توافق الإرادتين المختلفتين، ولا ننسى هنا ملف المعتقلين المعتقلين سابقا والمفرج عنهم حاليا الإثنى عشر طالبا من فصيل طلبة العدل والإحسان، وهو ملف سياسي بامتياز ( إذ لا يهمنا هنا جانب التواطؤ بين الطرفين ولكن يهمنا ما له صلة بالعائق من طرف مكون طلابي). وإن العنف من هذا النوع لم يكتف بكونه عائقا للعمل الطلابي الراشد فقط، ولكنه يحول الساحة الجامعية الكليات والأحياء الجامعية إلى ثكنة عسكرية عوض أن تكون مؤسسة تعليمية وتأطيرية للطلاب كما يجب عليها أن تكون، ناهيك عن الخوف والهلع الذي يزرع وسط الطلاب، بل الطلاب أنفسهم لم يسلموأ من نتائج هذا العنف وخاصة المادي منه، فطلاب كسرت أعظامهم وجماجمهم وآخرون عاهاتهم بليغة في أجسادهم، وآخرون ذهبت حياتهم أدراج الرياح عندما كانت المرحلة الجامعية آخر ما يعيشونه منها. بقلم:الطالب محمد الحمداوي [email protected] 1- كتاب \" الحركة الطلابية الإسلامية: القضية والتاريخ والمصير\" للأستاذ: مبارك الموساوي ص(72). 2 - المصدر والصفحة نفسهما.