جنيف : فاعلون صحراويون ينددون بالانتهاكات والقمع في مخيمات تندوف    صندوق النقد الدولي يمنح المغرب 496 مليون دولار    فتح باب الترشح لرئاسة مجلس جماعة أصيلة بعد وفاة بن عيسى    صندوق النقد الدولي يوافق على منح المغرب 496 مليون دولار    العثور على رضيع ملفوف ومرمي بالقرب من مسجد في مدينة مريرت    إفطار جماعي واحتفاء بروح التضامن داخل السجن المحلي العرائش 2    مدن الشمال تتصدر مقاييس التساقطات المطرية خلال يوم واحد.. وهذه توقعات الأربعاء    المنتخب الوطني يجري ثاني حصة تدريبية استعدادًا لمباراتي النيجر وتنزانيا (فيديو)    تعرف إلى أغلى 8 لاعبين في المنتخب المغربي … وضمنهم حكيمي … ودياز    الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم تكلف الحكم الدولي إسماعيل الفتح بتطوير التحكيم المغربي    الإصابة تبعد كاسادو عن برشلونة لمدة شهرين    ترويج مواد صيدلانية يجر ثلاثة أشخاص للاعتقال    الشرطة القضائية تفكك شبكة لسرقة سيارات كراء السيارات بمدينة البئر الجديد    يسار يشكر جمهوره بعد ليلة لا تُنسى في الدار البيضاء    برقية تهنئة من الملك محمد السادس إلى بطلة العالم في الملاكمة وداد برطال    الحرب في أوكرانيا.. مكالمة هاتفية بين ترامب وبوتين    الملك يهنئ البطلة وداد برطال بعد تتويجها ببطولة العالم للملاكمة    "اليونيسف": إسرائيل تقتل أكبر عدد من أطفال غزة في يوم واحد خلال عام    عملية أمنية تسفر عن توقيف مروج للمخدرات الصلبة ببني أنصار    بنك المغرب يطلق برنامجًا جديدًا لدعم تمويل المقاولات الصغيرة جدًا بسعر فائدة تفضيلي    "دبلوماسية الطعام"    جائزة "مبدعات" تعود بدورتها الرابعة لدعم إبداعات النساء    حِكم حَلاجِية..    لوديي يستقبل الوزير المنتدب لدى رئاسة جمهورية الكاميرون المكلف بالدفاع    إسرائيل تغتال أبو حمزة ومصير أبو عبيدة لا يزال مجهولا    اليقظة الأمنية المغربية تفشل محاولة العسكر الجزائري في توظيف مرشح سابق للانتخابات الرئاسية .    الدرك يحجز مواد فاسدة بأركمان    امتلاء سد الشريف الإدريسي بالكامل    زيدان يعدُ بمشاريع استثمارية بالشرق    الرئاسة المغربية لمجلس السلم والأمن: عقد مشاورات غير رسمية مع البلدان التي تمر بمرحلة انتقال سياسي    موعد إجراء مباريات كأس العرش    عمرو خالد: جفاف القلوب أسوأ من شح الجيوب.. وهكذا يمتلئ خزان الحب    المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي يعقد دورته السابعة غدا الأربعاء    الرئاسة المغربية لمجلس السلم والأمن: المغرب يدعو إلى العمل على استعادة الاستقرار والسلم والازدهار بجنوب السودان    وزارة الاقتصاد الإسبانية: المغرب.. الشريك التجاري الأول لإسبانيا في إفريقيا    أَكُلُّ هذا القتل من أجل تجويد شروط التفاوض؟    دعما للبوليساريو .. الجزائر تراجع امتيازات منحتها لفرنسا قديما    المغرب يعزز قدراته العسكرية بنشر وحدات للحرب الإلكترونية بالقرب من سبتة ومليلية    بورصة الدار البيضاء تعزز أرباحها عند الإغلاق    مهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط يحتفي بذكراه الثلاثين ويكشف عن أعضاء لجنتي التحكيم    الذهب يبلغ ذروة جديدة مع تزايد التوتر بسبب غزة والرسوم الجمركية    التمني في زمن التفاهة.. بين الحلم والواقع    أيوب كريطع يتوج بجائزة أفضل أداء تمثيلي في مهرجان مونس السينمائي    اضطرابات النوم في رمضان: البحث عن التوازن بين الصيام والراحة    أولمبيك خريبكة يعلن تعيين التونسي منير شبيل مدربا للفريق    الكونغرس البيروفي يحث الحكومة على دعم مغربية الصحراء    ميلاد رسمي لنشاز سياسي    إسرائيل تستأنف عدوانها على غزة    مختصون يناقشون راهن الشعر الأمازيغي بالريف في طاولة مستديرة بالناظور وهذا موعدها    "إفطار رمضاني" في العاصمة الرباط يُنوه بتوازن النموذج الحضاري المغربي    "التراث الإسلامي في طنجة: بين ندرة المعطيات وضرورة حفظ الذاكرة"    الشيخ أبو إسحاق الحويني يرحل إلى دار البقاء    التوتر الأسري في رمضان: بين الضغوط المادية والإجهاد النفسي…أخصائية تقترح عبر "رسالة 24 "حلولا للتخفيف منه    الرياضة في كورنيش مرقالة خلال رمضان: بين النشاط البدني واللقاءات الاجتماعية    دراسة جديدة تربط بين الطقس الحار وأمراض القلب في أستراليا    شهر رمضان في أجواء البادية المغربية.. على إيقاع شروق الشمس وغروبها    الأدوية الأكثر طلبا خلال رمضان المضادة للحموضة و قرحة المعدة!    لا أيمان لمن لا أمانة له ...    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عن تحاور الإسلاميّين واليساريّين
نشر في هسبريس يوم 01 - 09 - 2011


(1)
كلّما أُثيرَ موضوعُ تحاور الإسلاميين واليساريين، برَزت لي خصلتان ذميمتان لا ينفك عنهما اليساريّون، إلا من رحم ربّك. الخصلة الأولى هي ادّعاءُ الأستاذية والتعالم والوصاية على الشعب، والثانيةُ هي الانحياز إلى الأقلية ضد الأغلبية إن كانت رياحُ هذه الأغلبية تجري بما لا يشتهون.
الحديثُ عن الحوار بين الإسلاميين واليساريين اليوم يرجع بي سنوات إلى الوراء، إلى الساحة الجامعية عندما كان اليساريون يسيطرون على المنظمة الطلابية(أ.و.ط.م)، وعندما لم يكونوا يسمحون لرأي يخالفهم، ولا يوافق هواهم، بالتعبير عن نفسه، وإن كان صادرا عن فصيلة من عائلتهم. أما إن كان هذا الرأي صادرا من منظمة أخرى غير منظمة (أ.و.ط.م)، مثل نقابة الطلبة الاستقلاليين، فهو رأي مقموع ومرفوض ومدان. واسألوا الطلبةَ الاستقلاليين كم عانوا في ظل ديكتاتورية الرفاق قبل ظهور التيار الإسلامي بسنوات.
في الساحة الجامعية، في ظل الاستبداد اليساري، كان الخطاب الإديولوجي "الثوري"، والعنفُ اللغوي والسلوكي هما العملة السائدة في اللقاءات والحلقات والتجمعات والمظاهرات، وكان يستحيل أن تجد ثقبا للتهوية، مهما كان صغيرا، في هذا الجدار الإيديولوجي السميك، بل هو خطابُ سادة الساحة، يتكرر اليوم وغدا، ليلا ونهارا، لا يقبل التعقيبَ، ويرفض النقد والمراجعة؛ ومن تجرأ على النقد والمراجعة، بلْهَ الرفضَ والتشكيك، فهو الرجعي المدان، ولا رادّ لحكم ديكتاتورية "النضال" و"الثورة".
اليساريون هم الصوابُ، وغيرُهم هو الخطأ. هم الحقُّ، وغيرهم الباطل. هم العلمُ والنور والتقدم، وغيرهم الجهلُ والظلام والرجعية.
هذا هو الجو الاستبدادي الخانق الذي كانت ترزح فيه الجامعة المغربية في ظل سيطرة اليسار بكل فصائله ومشاربه واجتهاداته. من ليس معنا، فهو، بالضرورة عدوّنا.
وقد عانى الإسلاميون، في بدايات ظهورهم في الساحة الجامعية، الأمرّين من ديكتاتورية الرفاق، حيث كانوا يواجَهون بكل أشكال العنف والإدانة والتجريح والقمع، ولم يكن يُسمح لهم بالتعبير عن آرائهم ومواقفم بسبب الإرهاب الفكري النضالي السلوكي الذي كان يفرضه اليساريون الغالبون المستبدّون عملةً وحيدة في التعامل مع الاتجاهات التي تخالف أهواءهم.
لقد كانت ديكتاتورية الرفاق تعقد المحاكمات للآراء المخالفة، في الساحة الجامعية، بتهمة الرجعية والخيانة، ولم تكن هذه المحاكماتُ إلا وجها آخر من أوجه العنف الثوري، حيث لا صوت يعلو فوق صوت الرفاق، ولا كلمة فوق كلمتهم.
وقد مرت السنوات، والإرهابُ اليساري ينقل الجامعة من سيء إلى أسوأ، ليس له من مشروع إلا العدمية وبث الفوضى والعبث واللامعقول، وهو ما حوّل الجامعة إلى ساحة لمواجهات لا أول لها ولا آخر.
وحينما اشتدّ عودُ الطلبة الإسلاميين، وأصبحوا قادرين على كسب جمهور واسع من الطلبة لجانبهم، تملّك اليساريين السعارُ، ولم يكونوا يتصورون، بجهلهم وعنادهم واستبدادهم الأعمى، أن جزءا كبيرا من الساحة الجامعية سيصبح خاضعا لغيرهم. بل لم يكونوا يتصورون، ولو للحظة، أن الإسلاميين يمكن أن يصبحوا، في سنوات معدودات، رقما يصعب تجازوه.
لقد جرب اليساريون كلَّ ما في أيديهم من الوسائل والإمكانيات، وحاربوا بكل ما يملكون من أسلحة، للتشكيك في الإسلاميين، والطعن في مصداقيتهم، ومحاصرة شعبيتهم، ومنعهم أن يكون لهم حضور وصوت مسموع في الساحة، فضلا عن سلاح العنف والإرهاب والإجرام اليومي، لكن بغير جدوى.
ولما يئس الرفاق من تحقيق مبتغاهم، عمدوا إلى ركوب الفوضى والتشويش و توتير الأجواء، وإشاعة الاضطرابات، وخلط الأوراق، حتى لا تكون هناك ظروف مستقرة، وشروط مناسبة، لعمل نقابي طبيعي.
لقد ظلوا يقاطعون الانتخابات التي كان الإسلاميون ينظمونها، ويشككون في مصداقيتها، ولا يعترفون بنتائجها، لأنهم كانوا يعلمون، أكثر من غيرهم، أنهم لن يفوزوا فيها بشيء، لأن حقيقتهم باتت مفضوحة أمام الطلبة في مختلف الساحات الجامعية، حيث باتوا مكشوفين بحجمهم الحقيقي، الذي يمثل أقلية عدمية، ليس عندها، في مواجهة الإسلاميين، إلا السب والقذف والترجيح وتلفيق الأباطيل والافتراءات.
وقد عرف العمل النقابي الطلابي انتعاشا كبيرا في ظل قيادة الإسلاميين، رغم كل المعوقات اليسارية المستمرة، والحملات القمعية المخزنية الشرسة.
وما تزال الجامعة المغربية إلى اليوم تعاني من هاذين العنصرين: المخزن واليسار، وخاصة في جناحه القاعدي المتطرف، بعد أن اضمحل وجود الفصائل الأخرى، التي منها فصائلُ تنتمي لأحزاب باتت جزءا من دولة المخزن الاستبدادية.
وما تزال أحقادُ الشبيبة وجهالاتُها تلازم اليساريين وتستوطن نفوسهم، وقد غزا الشيْبُ مفارقَهم.
لقد شابَ المناضلون اليساريون، إلا من تاب وأصلح، على الحقد والكراهية والعداء الدفين للإسلاميين. وهم لا يزالون يقرأون مواجهات الساحة الجامعية، في الماضي والحاضر، من زاوية الاستعلاء والتكبّر، لا يرون في الإسلاميين إلا تلامذة محتاجين دائما لمن يلقنهم الدروس، ويوجههم، وينصح لهم.
فعلى الرغم من سقوط جدار برلين، وانهيار المعسكر الشيوعي، وتغير الأفكار والنظريات والإديولوجيات، ما يزال عندنا في المغرب-مع الأسف الشديد- يساريون يحلمون بدولة البروليتاريا على أنقاض البورجوازية الأمبريالية. وما يزال عندنا في المغرب، من هؤلاء اليساريين، من يردد ما حفظه من خطابات الماضي الشيوعي البائد، من غير أن ينتابه أدنى إحساس بأنه مغرّد خارج الزمان.
ومن هؤلاء اليساريين "المناضلين" اليومَ من أصبح خادما من خدّام الأعتاب المخزنية، بل رأينا مناضلين ترأسوا (أ.و.ط.م) اليسارية في أيام زمان، قد أصبحوا وزراء في دولة المخزن، يؤدون الطقوس المخزنية المفروضة، ويدافعون عن دولة القمع والمنع والتعليمات، ويُدينون المعارضين، وإن كانوا من عائلتهم اليسارية.
يساريون يطبعهم الاستعلاء والأستاذية والاتهام من جهة، وإسلاميون يُرادُ لهم أن يسمعوا ويتعلموا، ويُنظر إليهم دائما على أنهم مُتهمون أبدَ الدهر، مهمّتهم الأساس أن يردّوا عن أنفسهم التهمَ الأبدية التي تلاحقهم، وأن يُرْضُوا الأستاذَ الذي من صفاته الجوهرية أنه لا يعترف ولا يرضى.
هذه هي باختصار قصة العلاقة بين اليساريين والإسلاميين، عموما، من السبعينات، من القرن الماضي، إلى اليوم. وإن كان هناك من استثناء، فهو الشاذ الذي لا يُعتدّ به ولا يُلتفت إليه.
(2)
إن كان لليساريين من دروس ونصائح يسدونها في موضوع الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان، فليبدأوا بأنفسهم، ثم يُثنُّوا برفاقهم وأبناء عائلتهم في "النضال الأممي"، الذين تنكروا للمبادئ، وتحولّوا بدرجة مائة وثمانين في المائة حينما باعوا رصيدهم النضالي القديم بأبخس الأثمان، ورَضُوا أن يصبحوا أعوانا من درجة حقيرة في خدمة أعتاب الدولة المخزنية الاستبدادية.
كنت أظن أن حركة 20 فبراير ونضالاتِها الميدانيةَ كفيلة بأن تنبه اليساريين إلى أخطائهم، وترجعهم إلى الصواب، فيكفّوا عن النظر إلى الإسلاميين من أبراجهم الوهمية، ويتواضعوا ويجلسوا للتحاور من غير إملاء الشروط، ولا ادعاء العلم والفهم، ولا الحديث عن الحريات والديمقراطية وكأنهم هم أستاذتها المبجَّلون، وأقطابها المعصومون.
كنت أظن أن احتكاك اليساريين بالإسلاميين في ميادين حركة 20 فبراير سيعلمهم أن يحترموا خصومَهم، ويقبلوا بمخالفيهم، كما هم لا كما يريدونهم أن يكونوا، وأن يعترفوا بالرأي الآخر مهما كان قدرُه في نظرهم، وأن يتعاملوا بمرونة وأخلاق عالية في مجال سياسي الأصلُ فيه التعددُ والاختلافُ والتنوع.
كنت أظن أن تجربة 20 فبراير ستعطينا يسارا جديدا قد ترك الأحقاد القديمة وراءه، وينظر إلى المستقبل بمنظار جديد ملؤه التحاور والتعاون والتقارب والتفاهم، لكني بدأت أشعر اليوم وكأني كنت واهما في ظني هذا، وكأني كنت حالما، وكأني كنت متفائلا أكثر من اللازم، وكأني كنت مخطئا في النظر والتقدير.
لقد بدأ يظهر ويترجّح عندي، من خلال كثير من الأخبار والمعطيات والسلوكات، أن اليساريين لا يريدون الإسلاميين إلا آلةً لحشْد الجماهير وتعبئتهم، ومطيّةً لتحصيل المكاسب السياسية بمفهوم أناني حزبي ضيق ومتخلف.
لقد سلمّ لهم الإسلاميون بكل شيء، تقريبا، طمعا في أن يرتقوا ليكونوا في مستوى المهام النضالية التي يندُبُهم إليها مستقبلُ البلاد، لكن، يبدو أن لا حياة لمن تنادي.
اتهامات اليساريين للإسلاميين ما تزال هي هي، لم تتغبر، ومنطقُهم في المناظرة والحجاج والنقاش ما يزال راسخا في لغة التجريح والتلفيق، وسَوْق الأخبار الزائفة التي لا دليل عليها، وإيراد الروايات المختلَقة بقصد التندّر والسخرية، لا بقصد النقاش البناء والتحاور السليم.
أنت تحيل اليساريَّ على واقع حركة 20 فبراير الذي جعله يعرف الإسلاميَّ بالمعاينَة والمخالطة والتعاون والتنسيق، ويعرفُ حقيقة التزامه ومدى انضباطه واحترامه للقرارات، وهو يحيلك على "طالبان" في أفغانستان، وعلى عمر البشير في السودان، وعلى دولة الشيعة في إيران، وعلى "إمام" مسجد هتك عرض قاصر، وعلى "ملتح" بالَ في الشارع، وآخر أكل الحرامَ، إلى غير هذا من القصص التي حفظها اليساريّ، والتي يعرضها كلما تعلق الأمر بالتحاور مع الإسلاميين.
ما هذا المستوى الذي يحرص اليساريون دائما أن ينزلوا إليه في نقاشاتهم وتحاجّهم؟
أنت تحدّثُه عن واقع جديد في سنة 2011 من القرن الواحد والعشرين، وهو يرجع بك إلى القرن الماضي، إلى كتاب "معالم في الطريق"، للشهيد سيد قطب، وإلى كتاب "المنهاج النبوي" للأستاذ عبد السلام ياسين!!
أنت تحدثه عن وقائع وأحداث حديثة، وعن ثورات الربيع العربي، وهو يصر على أن يُحاجّك بالرجوع إلى خطبة للإمام الخميني سنة 1980، وإلى حكاية تدمير طالبان لتماثيل بوذا في "باميان" بأفغانسان، في 2001!!
ما علاقة هذه بتلك، إلا أن يكون المقصودُ هو التشويش والتخليط وتكدير الأجواء، لأن في صفاء الجو هلاكَهم، وفي التزامهم بصلب الموضوع انفضاحهم، وفي احترامهم للموضوعية سقوطُ حجتهم، وانكشاف ألاعيبهم.
أنت تحدثه عن الإسلام، الذي يعرفه الصغيرُ والكبير، والمطيع والعاصي، وهو يجادلك بقضايا مختلَقة لا أصل لها في الإسلام، وإنما هي مصطنعة لخلط الأوراق، والهروب من الامتحان، امتحان النيات والإرادات، واختبار المقاصد والغايات.
أنت تتحدث في صميم الموضوع، وهو يهرب إلى قصص العوام، وإلى مشاغبات الجبناء ومراوغات الضعفاء.
(3)
في تونس ومصر اليوم، وبعد نجاح ثورة الشعبين العظيمين، لا شغل لخصوم الإسلاميين وأعدائهم، من فصائل الاستئصاليين خاصة، إلا عرقلةُ السير نحو انتخابات ديمقراطية حقيقية، ترجع فيها الكلمة الأولى والأخيرة إلى الشعب.
واليساريون يشكلون ثقلا في النواة الصلبة لهؤلاء الساعين من أجل تعطيل فوز الإسلاميين.
فالأخبار تطالعنا كل يوم عن أنشطة محمومة لخصوم الإسلاميين، من اليساريين وغيرهم، يجمعون جموعهم، ويصنعون الأحلاف، ويؤسسون الجبهات، ويبثون الإشاعات، يخوّفون ويشككون ويتهمون، كل ذلك لكي لا يكون للإسلاميين حضور وازن في المؤسسات المنتخبة، التي سيؤول إليها أمرُ وضع الأسس السياسية والقانونية لدولة ما بعد الثورة.
في مصر مثلا، ورغم الاتزان وضبط النفس الذي أبان عنه الإسلاميون، فإن خصومهم لا يفتأون يحرضون ويلفقون ويثيرون قضايا ليس لها أصل إلا في أوهامهم واختلاقاتهم، من أجل منع السير إلى الانتخابات.
لقد صوت الشعبُ المصري، بعد الثورة، بأغلبية كبيرة، على التعديلات الدستورية، لكن اليساريين وحلفاءهم لم تعجبهم نتيجة الاستفتاء، لأنها، في تقديرهم، جاءت لصالح الإسلاميين، ولم تكن كما كانوا يشتهون ويتمنون. فبدأوا مناوراتهم لعرقلة الانتخابات، فابتدعوا ما عُرف بالمبادئ الحاكمة للدستور أو "الفوق دستورية"، قبل الذهاب إلى الانتخابات، وذلك لجعل الأغلبية، في نهاية المطاف، تخضع لقواعد الأقلية. معنى هذا أن هذه المبادئَ التي أرادوا فرضها قبل الانتخابات، وهي من وضع نخبة أقلية لادينية، ستكون هي الموجه والحاكم لعمل الأغلبية غدا بعد إجراء الانتخابات.
إنهم يتوقعون فوزَ الإسلاميين في الانتخابات، فلذلك بادروا إلى ابتداع هذه "المبادئ القبلية"، حتى يتحكموا في رأي الأغلبية وسياستها وبرنامجها إذا ما آلت هذه الأغلبية إلى الإسلاميين بعد الانتخابات.
وفي المغرب، وفي ظل دولة الجبر والاستبداد، يسعى بعضُ الناس الذين لا يمثلون شيئا في المجتمع المغربي المسلم، لكي يفرضوا علينا مفاهيم غريبة وشاذة للأغلبية وللأقلية في الممارسة الديمقراطية، وكل هذا من أجل إخضاع الأغلبية لرأي الأقلية، إن كان عندنا غدا في المغرب ديمقراطية حقيقية، وسندُهم في هذه الدعوى الشاذة أن الديمقراطية لا تعني الأغلبية العددية، وإنما هي، في لبها-في زعمهم- فلسفة وقيم ومبادئ "كونية"، قبل أن تكون إجراءاتٍ وحسابات وانتخابات وأصواتا.
ولا شك أن اليساريين، الذين طالما ناضلوا- وما يزال بعضُهم يناضل- من أجل ديكتاتورية البروليتاريا، يوجدون اليوم في مقدمة المدافعين عن الفهم التحريفي للديمقراطية، الذي يردّ صوت الأغلبية ويشكك في مصداقيته ويطعن في حجّيته، بدعوى أن الديمقراطية الحقيقية، التي يؤمنون بها، ليست محصورة في ديمقراطية الأغلبية العددية.
إنهم أول من يعلم أنهم قلة في المجتمع، وأن أفكارهم الإديولوجية لن يُكتب لها النجاح والانتشار والترسخ في المجتمع المسلم، ولهذا فهم يجتهدون لفرض ديمقراطية الأقلية، بتصوراتهم المتهافتة، وتعليلاتهم الواهية، وحججهم الضعيفة، وأساليبهم التهريجية، إلى حدّ السخف، ويجتهدون، مع هذا أيضا، لإبعاد الدين نهائيا عن المجتمع، في مختلف مناحيه واهتماماته ومناشطه.
(4)
الإسلاميون، في نظر اليساريين، "لاديمقراطيون"!!
على ماذا يبنون حكمَهم هذا؟
يبنونه على أهوائهم، وأوهامهم، وهواجسهم، وأحقادهم، وتلفيقاتهم، وقصصهم السوقي. بنوه على نظرهم المَرَضي، إلى أنفسهم على أنهم أساتذة الديمقراطية، وأنهم العالمون الراسخون في حقوق الإنسان وحرياته، سندُهم "مرجعيةٌ" كونيّة غامضة متهافتة، يرفعونها سيفا قاطعا على الرقاب، ووحيا معصوما ليس للبشر أمامه إلا التسليم والتصديق.
إن الجَهلَ بالإسلام، والتشبع بالأحكام المسبقة في شأنه، والإصرار على جعله في سلة واحدة مع الأديان الأخرى، جعلَ اليساريين يعيشون معضلة علمية وتاريخية وسياسية حينما يواجهون الإسلاميين واجتهاداتهم ومشاريعهم.
دين المجتمع المغربي هو الإسلام، وليس للذين يرفضون هذه الحقيقة ويشككون فيها حجة ولا مستمسك في وجود مغاربة غير مسلمين.
نعم، في المغرب إخوة لنا في الوطن، يؤمنون بمعتقدات أخرى. وهؤلاء لم يولدوا اليوم، وإنما هم في المغرب منذ قرون، وما عرفنا ولا سمعنا ولا قرأنا أن أحدهم اشتكى أنه مظلوم في وطنه، لكونه يهوديا، مثلا، أو لكونه نصرانيا.
لقد عاش هؤلاء المواطنون من غير المسلمين في المغرب في ظل سلطان الإسلام، معززين مكرمين متمتعين بجميع حقوقهم، مثلهم مثل إخوانهم المغاربة المسلمين، بل وأكثر منهم في كثير من الحالات.
حجج واهية ما فتئ اليساريون وغيرهم من خصوم الإسلاميين يتشبثون بها، ويبنون عليها موافق وآراء غاية في الظلم والتعصب.
ولما كان اليساريون، الذين ما يزالون متشبثين بشيء من مبادئهم، مسكونين بعقدة كونهم أقليةً في المجتمع، فهم ساعون بكل السبل، ومجتهدون، على أكثر من صعيد، لإفراغ الأغلبية العددية من مضمونها الديمقراطي، وصناعة المسوّغات والتفسيرات والتنظيرات، ليجعلوا الأقلية حاكمة فوق الأغلبية.
لقد علّمتهم التجارب الواقعية، ومنها ما يقع اليوم في تونس ومصر، وقريبا في ليبيا، أن الهوى السياسي للشارع هو مع الإسلاميين، مهما كانت الدعايات والتحريضات والأباطيل التي تلفق وتروج ضدهم.
واليساريون لا يرون حوارا حقيقيا مع الإسلاميين مادام هؤلاء متشبثين بمرجعيتهم، راجعين إليها في المبادئ والثوابت والقيم والأصول.
إذن، مرجعية "كونية"، عليها أكثر من علامة استفهام، فكرا وممارسة، في مقابل مرجعية "إسلامية"، ما فتئت تتلقى سهام الاتهامات والتشكيكات من كل جانب، وخاصة من جانب اليساريين، الذين لا يريدون أن يعترفوا أن مشكلتهم في أساسها ليست مع الإسلاميين، بما هم بشرٌ مجتهدون، وإنما هي مع "الإسلام" دين الشعب والمجتمع.
في اعتقادي، لن يكون هناك حوار حقيقي ومثمر، بل قد لا يكون هناك حوار أصلا، إن بقي اليساريون مصرين على مواقفهم الإديولوجية السلبية من الإسلاميين، يعطون الدروس في الديمقراطية، ويحددون ما يجوز وما لا يجوز في الحريات وحقوق الإنسان، ويتكلمون بلسان الخصم والحكم، يدّعون ويتهمون ويصدرون الأحكام.
أيها اليساريون، راجعوا إسلامكم، إن كنتم مسلمين، وأجيبوا بصراحة: هل تريدون أن يتخلّى الإسلاميون عن إسلامهم حتى ترْضَوا عنهم؟
أعابثون أنتم أم جادّون؟
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.