أقر مجلس النواب الأربعاء الماضي، مشروع قانون يتعلق بتغيير وتتميم مجموعة القانون الجنائي، والمسطرة الجنائية، وقانون مكافحة غسل الأموال، والموضوع نفسه كان أيضا بارزا في مناقشات وقرارات الاجتماع المشترك لوزراء الداخلية والعدل العرب في القاهرة هذا الأسبوع، وخاصة من خلال الاتفاقية العربية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. لقد أصبح غسل الأموال خطرا حقيقيا يتهدد مختلف الاقتصاديات في عالم اليوم، ويعتبر جريمة منظمة تتخذ أشكالا وأنماطا عديدة ومعقدة، ما يفرض على مختلف البلدان بلورة تدابير شاملة للوقاية وأيضا للزجر، ومن واجب المغرب، بالنظر لموقعه الجغرافي الاستراتيجي ولانفتاحه الاقتصادي، الحرص الدائم على حماية استقرار اقتصاده، والانتباه لعدم اختراقه من طرف تنظيمات إجرامية لغسل الأموال. وفي ذات السياق، فإن غسل الأموال بات اليوم جريمة عابرة للحدود، ما يستدعي جهدا إقليميا ودوليا متواصلا لمكافحتها، وبالتالي تمتين التعاون على صعيد إيجاد القوانين والآليات والإمكانات التي باستطاعتها جعل هذه القوانين تنفذ وطنيا ودوليا. إن أهمية النص التشريعي المصادق عليه في مجلس النواب، تبرز أيضا عند استحضار التحديات التي تواجه بلادنا، والمرتبطة بالجماعات الإرهابية، وأيضا بشبكات الاتجار في المخدرات وفي التهريب، خصوصا أن منطقة الساحل والصحراء باتت ساحة مفضلة لعصابات هذه الأنواع من الجرائم، كما أن تورط انفصاليي البوليساريو في اللجوء إلى هذه العصابات الإجرامية والإرهابية والتنسيق معها، بات يتأكد كل يوم، وكل هذا يفرض حماية بلادنا من أن تتحول إلى ملاذ لأباطرة غسل الأموال، وللتمويلات الموجهة للجماعات والخلايا الإرهابية. من جهة أخرى، فإن النجاح في تضييق الخناق على شبكات غسل الأموال وتمويل الجرائم الإرهابية، يمر أيضا عبر تقوية المنظومة البنكية والمالية الوطنية، وتعزيز حصانتها، لأنها البيئة الأكثر استهدافا في مثل هذا النوع من الجرائم، إلى جانب تمتين نظام المراقبة الضريبية وغيرها، علاوة على تأهيل الموارد البشرية العاملة في مجالات الرقابة الأمنية والضريبية والمالية وتحفيزها، وبالتالي محاربة الفساد والتراخي والريع داخل هذه الأوساط ذات المهام الحساسة والإستراتيجية بالنسبة لمستقبل الاقتصاد الوطني، ولاستقرار البلد وأمنه. لقد جاء النص القانوني، الذي عرض وزير العدل مشروعه على البرلمان، بعد أن جاء تقييم مجموعة العمل المالي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا لبلادنا سلبيا، ومحذرا من عواقب على نظامنا المالي الوطني، ولتفادي ذلك سارعت الحكومة إلى إعداد النص القانوني الذي صادق عليه البرلمان، والذي اهتم أساسا بتوسيع دائرة التجريم في مجال تمويل الإرهاب، وانطلق من حرص المملكة على حماية نفسها في ظل محيط دولي وإقليمي يشهد تعقد هذا النوع من الجرائم المستجدة.