يُعَدًّ كتاب "سرديات الأمة، تخييل التاريخ وثقافة الذاكرة في الرواية المغربية المعاصرة" للناقد والباحث المغربي إدريس الخضراوي، والصادر حديثاً عن إفريقيا الشرق 2017، إضافة نوعية في حقل الدراسات الثقافية، خاصة أنه ينطوي على إبدالات جديدة في القراءة والتأويل، من منطلق تعددية مفهوم الثقافة، وتخييل الذاكرة، في أفق تشكيل هوية سردية قادرة على رد الاعتبار لزمن الرواية المغربية في كل تحققاتها وتجلياتها. إن الباحث وهو يخوض مغامرة الكتابة عن الرواية المغربية المعاصرة، في حقيقة الأمر، يعيد طرح العديد من الإشكاليات والقضايا المتعلقتين بسؤال الذاكرة السردية، لا سيما أن المرويات المختارة للدراسة والمحاورة، تمتح من مرجعيات مختلفة، وتعلن انتماءها إلى زمن السرد المغربي، وأيضا تحفل بتعدد زوايا النظر إلى تحولات المجتمع، فهي تراهن على بناء هويتها المتخيلة انطلاقا من المتخيل وكيفيات تمثيل التحديات العميقة التي شهدها المغرب في الألفية الثالثة. بهذا المعنى، تصبح الذاكرة السردية ملاذا للمتخيل، وفي مدى استعداده لبناء أفق روائي مغاير ومختلف. وعليه لم تعد الرواية عملا أدبيا فحسب، لما تنطوي عليه من جمالية، وإنما هي أنساق من المضمرات يجري تشييدها على مرأى من التاريخ، والمؤكد، أن هذا الكتاب هو حفريات عميقة في زمن الرواية بالمغرب، لكن بشكل مغاير ومختلف عن السائد من الدراسات ونظريات الأدب. يقول الباحث باسطاً وجهة نظره: "لقد تحددت رهانات تلك المساهمة في تأسيس النص الثقافي الحديث، وفي إعادة الخطاب حول الأدب إلى الواجهة ومساءلة مفهومه وجدواه في السياق الثقافي العربي الحديث، ذلك أن السؤال الذي يتبأر على السعي إلى مجاوزة التصورات التقليدية حول الأدب ووظيفته وطريقة الكتابة التي ارتهنت خلال فترة طويلة من الجمود للجمالية المحضة، واللعب المجاني والمغامرة الشكلية، وكذلك محاولة فهم الهوة التي بدت فاصلة بين الذات والآخر" [ص: 43]، وهو المسعى الذي تنهض به الدراسات الثقافية، بحيث لا تفصل الذات عن الموضوع، كما درجت على ذلك البنيوية، وإنما ثمة تعالق خلاق يجري بناؤه بين الذات والموضوع، وهي في ذلك، تستفيد من الحقل السوسيولوجي كما نظر له عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو، ومقولات الماركسية في هذا المجال. إن الرواية أصبحت اليوم، ضابط التمثلات الثقافية، ومجالا رحبا للتجريب وتكريس مفاهيم جديدة للمتخيل، وفي هذا الصدد، لا بد من الإشارة، إلى أن هذا الكتاب يجترح مفاهيم جديدة للنقد جرى التنظير لها في كتابي: "الأدب موضوعا للدراسات الثقافية" و"الرواية العربية وأسئلة ما بعد الاستعمار"، وبالتالي، فإننا إزاء منجز متجذر في المشروع النقدي الذي يتبناه الباحث ويدافع عنه، وهو أيضا متشبع بروح التحديث والمغامرة في درب توسيع المدارك والمعارف. والحال، أن الكتاب لا يتنصَّل من إسار المنهج، أو يسقط في ما يسميه الناقد رشيد بنحدو ب"التوفيق التلفيقي" بين النظريات والمناهج، وإنما يقوم على أساس منهجي وبحثي كبيرين، بالنظر إلى الوعي بالمفاهيم وكيفيات الاشتغال بها داخل المتن، وبما يتوافق أيضا مع طبيعة المرويات المختارة للمحاورة والمدارسة، بهذا المعنى من الوعي بقيمة المنهج في أي دراسة نقدية، يستفيد الكتاب في بناء مفاصله من مفاهيم معينة ومحاولة أجرأتها واختبار قدراتها في "انشحان" الدلالة، وطرق باب المغايرة والاختلاف. إن مفاهيم مثل: المتخيل، التخييل، الهوية السردية، الآخر، الأمة، الثقافة وغيرها، هي التي تُحَدَّدُ هذا العمل، وتتجه به إلى رصد نبض الرواية المغربية المعاصرة وتحدياتها المستقبلية، ويبقى الرهان، رهان قراءة هذه المرويات وتبنيها أفقا للاشتغال، هو القمين بإحداث هذه الاستراتيجية نحو تأسيس منعطفات أخرى للإجابة عن عديد من الأسئلة الشائكة.