مراجعة الحسابات في منطقة المغرب العربي قال الكاتب اللبناني خير الله خير الله في مقال تحت عنوان «مراجعة الحسابات في منطقة المغرب العربي » بصحيفة (روز اليوسف) المصرية، أول أمس الخميس» إن «البوليساريو» أثبتت من خلال «إرسال عناصرها إلى العيون أنها قادرة على خدمة الجزائر إلى أقصى حدود، لكنها كشفت في الوقت ذاته أن لا مشروع سياسيا لديها تواجه به طرح المغرب منح الحكم الذاتي الموسع للصحراء»، في ما يلي نص المقال: عشية جولة جديدة من المفاوضات بين المغرب وجبهة «بوليساريو» في شأن الصحراء المغربية، يفترض في كل طرف من الأطراف المعنية بالمسألة مراجعة مواقفه وحساباته. والأطراف المعنية بالمراجعة هي بالطبع مجموعة من الدول في منطقة المغرب العربي، على رأسها الجزائر التي لا وجود لشيء اسمه «بوليساريو» من دونها. فالجزائر تشن منذ فترة طويلة حرب استنزاف على المغرب من منطلق توهمها أنها قوة إقليمية لا يمكن ألا تكون مطلة على المحيط الأطلسي، وأنها لا تستطيع الاكتفاء بوضع الدولة المطلة على البحر المتوسط. في النهاية، إنّ جبهة «بوليساريو» ليست سوى أداة تستخدم لضمان الوصول الجزائري إلى الأطلسي عبر الصحراء من جهة، وإضعاف المغرب عبر جعل قواته المسلحة في حال تأهب شبه دائمة من جهة أخرى. وهذا يكلف المغرب من دون شك مبالغ مالية كبيرة كان في الإمكان صرفها علي مشاريع التنمية. تظلّ «بوليساريو» استثماراً جيداً وغير مكلف، نسبياً، بالنسبة إلى نظام جزائري يحاول باستمرار الهروب من مشاكله الداخلية إلى الخارج باحثاً عن دور ما، تحت شعار الدفاع عن حقوق الشعوب كما لو أن الشعب الجزائري نفسه ليس بين الشعوب المقهورة! مع مرور الوقت، يتبين أن المغرب راجع مواقفه وحساباته بعدما واجه في الأسابيع القليلة الماضية حرباً حقيقية شاركت فيها غير جهة استهدفت وحدة التراب الوطني للمملكة. استغلّ الذين شاركوا في تلك الحرب السعي المغربي إلى استيعاب كل صحراوي يعود إلى أرض الوطن من أجل تمكين عناصر مدربة علي حرب العصابات من التسلل إلى العيون، كبرى مدن الصحراء. استطاعت هذه العناصر افتعال مشاكل مخيم كديم أزيك في نوفمبر الماضي في الوقت الذي كانت تدور فيه جولة أخرى من المفاوضات بين المغرب و»بوليساريو». أثبتت «بوليساريو» من خلال إرسال عناصرها إلى العيون أنها قادرة علي خدمة الجزائر إلي أقصى حدود. لكنها كشفت في الوقت ذاته أن لا مشروع سياسيا لديها تواجه به طرح المغرب الحكم الذاتي الموسع للصحراء. كشفت في الواقع أنها حشرت نفسها في الزاوية وحشرت معها الجزائر ولذلك باتت مضطرة للجوء إلى العنف ولا شيء آخر غير العنف. ربما تجاهلت الجبهة ومعها الجزائر أن حرب الصحراء انتهت عملياً منذ العام 1985 وأن لا مفرّ من الاعتراف بانتصار عسكري مغربي، وأن ليس في الإمكان إعادة عقارب الساعة إلى خلف. ما فشلت الجزائر في تحقيقه أيام الحرب الباردة عن طريق حرب العصابات التي شنتها على القوات المسلحة المغربية، لن تنجح فيه في السنة 2010 عن طريق عصابات استفادت من حسن النية التي أظهرتها السلطات المغربية للتسلل إلى العيون وغير العيون بغية خلق كل أنواع المشاكل للإدارة المحلية. الأكيد، أن المغرب ليس مسئولا عن مأزق «بوليساريو» المضطرة للاستعانة بالعنف لإظهار أنها لا تزال حية ترزق. تعامل المغرب مع ظاهرة الإرهاب، التي نقلتها «بوليساريو» إلى مخيم كديم ازيك الذي سمحت به السلطات المحلية كي يعبر السكان عن شكواهم من أوضاع معيشية معينة، بأسلوب ينمّ عن مقدار كبير من الشفافية. كانت حصيلة المواجهات مع المعتصمين، الذين استغلت بعضهم عناصر تسللت حديثا إلى العيون، إحدى عشرة ضحية من بين رجال الأمن. هل كان طبيعيا أن يسقط هذا العدد من الضحايا في صفوف رجال الأمن، بينهم من ذبح ذبحا بالطريقة التي يمارسها المتطرفون في الجزائر، لو كانت هناك نية حقيقية في ممارسة القمع؟، كانت هناك في الواقع رغبة في التعاطي مع ظاهرة مخيم كديم ازيك من منطلق أنها تفرض معالجة المشاكل التي يعاني منها المواطنون في الأقاليم الصحراوية بطريقة علمية تأخذ في الاعتبار الأوضاع الاجتماعية وظاهرة البطالة خصوصا... لم تكشف أحداث المخيمّ وجود حرب جزائرية على المغرب تُشنّ بواسطة عناصر من «بوليساريو» فقط. ولم تكشف الأحداث تحول «بوليساريو» إلى العنف لإثبات أنها لا تزال على قيد الحياة فقط. ولم تكشف الأحداث الدور الإسباني على صعيد بث الأخبار الخاطئة والصور المزيفة من نوع صورة لأطفال فلسطينيين قتلتهم إسرائيل وصفوا بأنهم ضحايا سقطت في العيون، بل كشفت الأحداث أيضا أن ثمة من لا يزال يراهن على سلسلة من الأوهام. يتمثل الوهم الأول في أن طرح المغرب مبادرة الحكم الذاتي الموسع في الأقاليم الصحراوية كان من منطلق الضعف. الواقع أن المغرب طرح مبادرته لأنه يريد حلا، كما يريد إيجاد صيغة للتعاون الإقليمي في مواجهة ظاهرة الإرهاب والتطرف والتعاون في مجال الحرب على الفقر. من يراهن على متابعة الحرب على المغرب عن طريق ما يسمّى «بوليساريو» إنما يسعى إلى تشجيع الإرهاب في المنطقة. فما يلفت النظر في الأشهر الأخيرة أن نشاط «القاعدة» زاد في كل أنحاء المنطقة الصحراوية خارج الأراضي المغربية. وشمل هذا النشاط خطف أجانب واحتجازهم رهائن. الأهم من ذلك، يتبين يوميا، أن هناك عناصر في «بوليساريو» على ارتباط بالإرهاب الدولي وتجارة المخدرات. من يتجاهل أن مبادرة الحكم الذاتي المغربية يمكن أن تشكل منطلقا لحل يحفظ ماء الوجه للجميع، إنما يرفض دخول البيوت من أبوابها. بكلام أوضح، لا فائدة من الاستعانة بالجانب الأمريكي من أجل خوض حرب على الإرهاب في غياب التعاون الإقليمي والتنسيق بين دول المنطقة. لا يمكن لدولة مثل الجزائر أن تكون مع الإرهاب وضده في الوقت ذاته. لا يمكن أن توفر مراكز قيادة وغرف عمليات للامريكيين والعمل معهم ضد «القاعدة» وألا تدين قتل رجال أمن مغاربة في العيون. هل هناك إرهاب مقبول وظريف ومفيد وإرهاب آخر مرفوض ومدان يجب التصدي له بكل قوة وحزم؟. ما يمكن قوله إن المغرب قام بمراجعة خاصة به عشية جولة المفوضات الجديدة. هل حصلت مراجعة لدى الآخرين؟، هل أعادوا النظر في حساباتهم؟، هل هناك وعي لاستحالة إعادة عقارب الساعة إلى الخلف وأن قضية الصحراء قضية وطنية في المغرب تحظى بإجماع شعبي. إنها قضية وطنية قبل أي شيء آخر نظرا إلى أنها مرتبطة باستعادة أرض كانت تحت الاستعمار الإسباني لا أكثر ولا أقلّ؟.