خطة عمل «هجومية» لتعميق التحالفات الاجتماعية وتمتين الجبهة المعادية للإمبريالية في النضال من أجل السلم والتقدم والاشتراكية ما بين 3 و5 ديسمبر 2010 عقد اللقاء الثاني عشر للأحزاب الشيوعية والعمالية العالمية في مدينة تيسوانا، في جنوب أفريقيا، تحت عنوان «عمق الأزمة البنيوية للرأسمالية. توجهات الشيوعيين من أجل الدفاع عن السيادة، وتعميق التحالفات الاجتماعية، وتمتين الجبهة المعادية للامبريالية في النضال من أجل السلم والتقدم والاشتراكية». حضره ممثلو 51 حزبا من 43 دولة من كل القارات أسهموا، على مدى ثلاثة أيام، في تحديد التطورات الجديدة التي سجلت في مجال الأزمة الرأسمالية، خاصة على صعيد الطبقة العاملة، عبر زيادة الاستثمار ضدها وضد الفئات الفقيرة في المدينة والريف، إضافة إلى التدهور اللاحق بالفئات المتوسطة. الكلمة الافتتاحية في اللقاء كانت للأمين العام للحزب الشيوعي في جنوب أفريقيا، بلاد نزيماندي، الذي ركز على أهمية شهر كانون الأول بالنسبة لبلاده كونه يشهد ثلاثة أحداث هي: اللقاء العالمي الثاني عشر للأحزاب الشيوعية والعمالية العالمية والمهرجان السادس والعشرين لاتحاد الشباب الديمقراطي العالمي، كتظاهرتين أمميتين، ومؤتمر اتحاد النقابات في جنوب أفريقيا (كوساتو) الذي سيطرح برنامجا نضاليا حول قضايا ثلاث، هي البطالة والفقر والتأمينات الاجتماعية. ورأى نزيماندي في تنظيم هذا اللقاء في بلاده مدلولات جديدة على استمرار الدعم الأممي للنضالات التي خاضها شعب جنوب أفريقيا بقيادة المؤتمر الوطني الأفريقي، وبشكل خاص الشيوعيين، ضد العنصرية ومن أجل الحرية والاستقلال الوطني. كما لفت نزيماندي النظر بشكل خاص إلى الوضع الحالي في القارة الأفريقية، نتيجة انعكاسات الأزمة الرأسمالية على شعوبها، مؤكدا على أولوية متابعة حركة المواجهة التي انطلقت ضد النهب والاحتكارات والعولمة العسكرية، وجناحها الأفريقي بالتحديد. وبعد كلمة للأمين العام لاتحاد الشباب الديمقراطي العالمي، بدأت جلسات اللقاء باستعراض قام به المجتمعون للنضالات المختلفة التي نظموها، أو أسهموا في الدفع إليها خلال العام المنصرم، وبالتحديد التحركات الداعمة للقضية الفلسطينية والمظاهرات التي اجتاحت أوروبا، ان تلك التي اتخذت طابعا طبقيا واضحا أم تلك التي واجهت الخطة الجديدة لحلف الناتو، الذراع العسكري للامبريالية، متوقفين مليا عند مسألة مستقبلية أساسية تكمن في تمتين العلاقة ما بين تعدد أشكال المقاومة العملية للامبريالية والنضال الإيديولوجي باتجاه رؤية واضحة للبديل الاشتراكي للرأسمالية، ذلك أنهم رأوا أن هذا النضال يرتدي أهمية حيوية لمواجهة كل الأشكال الجديدة للعداء للشيوعية، بالإضافة إلى دحض الأيديولوجية البرجوازية وفضح التيارات الانتهازية التي تحاول تجاوز النضال الطبقي أو تنفي وجوده. وتجدر الإشارة إلى أن أهم ما توصل إليه اللقاء الثاني عشر للأحزاب الشيوعية والعمالية هو الدعوة التي وجهها في بيانه الختامي إلى القوى الشعبية من أجل الانضمام إليه في النضال المشترك نحو الاشتراكية التي تشكل البديل الوحيد لمستقبل الإنسانية. ولا ننسى كذلك المهمات النضالية الخمس التي حددها المجتمعون لأنفسهم خلال العام المقبل، وهي: * تقوية العمل النقابي وتطوير نضالات العمال والفئات الشعبية من أجل استعادة حق العمل والحقوق الاجتماعية الأساسية. وفي هذا المجال، جرى التأكبد على تركيز الاهتمام على المشاكل التي تطال النساء العاملات والشباب العمال الذين يشكلون غالبا الضحايا الأول للأزمة الرأسمالية. * مواجهة الاعتداءات المتزايدة للامبريالية، والوقوف بوجه الحروب التي تنظمها ومناهضة سياسات الاحتلال التي تمارسها، وبالتحديد الإستراتيجية الجديدة لحلف الناتو «الجديد»، والعمل على إنهاء وجود القواعد العسكرية والأسلحة النووية... وصولا إلى التضامن الأممي الفعال مع كل شعب أو حركة تواجه القمع والتهديد الامبرياليين. * المواجهة مع القوانين المعادية للشيوعية وكل التدابير والملاحقات المتخذة من قبل القوى المعادية للشيوعية. هذا، إضافة إلى استرجاع التاريخ المشرف للشيوعيين في كافة مجالات النضال وإسهامهم في تقدم الحضارة الإنسانية. * التضامن مع القوى والشعوب المتجهة باتجاه الوصول إلى بناء الاشتراكية؛ وفي هذا الميدان، تم التأكيد على التضامن الواضح مع الشعب الكوبي وثورته الاشتراكية في مواجهة الحصار الامبريالي الذي تفرضه عليه الولاياتالمتحدة. * الانطلاق من الوقائع الذاتية، والتركيز عليها كأولويات، باتجاه تدعيم المنظمات الجماهيرية الأممية المعادية للامبريالية، كشكل من أشكال النضال المشترك. هذا، وأصدر اللقاء الثاني عشر قرارا خاصا حول الشرق الأوسط ركز فيه على دعم قضايا الشعوب العربية في مواجهة الوضع الخطير الناشئ عن الهجمة الامبريالية-الصهيونية. من بين الحضور الدكتورة ماري نصيف- الدبس، نائب الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني، التي ألقت كلمة بعنوان «تعمق الأزمة البنيوية للنظام الرأسمالي. ودور الشيوعيين في النضال المعادي للامبريالية وبناء الجبهات من أجل التغيير، هذا نصها: تؤكد الأحداث والتطورات التي سجلها العام 2010، الموشك على الانتهاء، صحة الشعار الذي أطلقه ماركس، منذ أكثر من قرن ونصف، وعاد لينين ليطوره من بعده: «يا عمال العالم ويا أيتها الشعوب المضطهدة إتحدوا». فهذه الأحداث والتطورات أظهرت، بما لا يدع مجالاً للشك، أن الأزمة الرأسمالية الحالية، التي بدأت تبرز إلى العلن في العام 2001 لتنفجر في العام 2008، هي أزمة مستعصية على الحل بالأساس، كونها ملازمة لطبيعة الرأسمالية نفسها. كما أن الطبقة البرجوازية العالمية قد فشلت، هذه المرة، في إيجاد المخارج لتخطيها مرحليا، بالرغم من كل الجهود التي بذلتها ومن كل الأموال التي أنفقتها، خاصة على القطاعات المالية، عدا عن تزايد عدوانيتها وحروبها المتنقلة، ومحاولاتها المحمومة لقمع كل أشكال التحركات الجماهيرية، وعودتها إلى تنظيم الانقلابات والاغتيالات بهدف وقف النضالات العمالية والشعبية التي تتسع رقعتها يوما بعد يومً، مطالبة بالتغيير، باتجاه أكثر عدلاً وأكثر مساواةً. أي بتعبير أخر مطالبة بالتغيير باتجاه المجتمع الاشتراكي. مجتمع اشتراكي يجري تطويره بناء على القوانين الماركسية التي تظهر يوماً بعد يوم، وأكثر من أي وقت مضى، أنها الوحيدة القادرة على بلورة إطار عمل ومنهجية وخطط لنتمكن على أساسها من نقض المجتمع الرأسمالي وذلك بهدف التخلص من الأزمات التي ولدتها وتولدها الرأسمالية والمرتبطة عضوياً بتركيبة نمط الإنتاج الرأسمالي... من هنا، نرى لزاماً علينا أن نطرح مسألة التغيير في بلداننا وعلى الصعيد الكوني كمسألة أساسية. أولا» تجليات أزمة النظام الرأسمالي في بلدان المركز وانعكاساتها في البلدان التابعة والفقيرة في كتابه «كلنا مفلسون بعد عشر سنوات؟»، يطرح جاك أتالي، أحد أركان النظام المالي الأوروبي السابقين، سؤالاً كبيراً حول مسألة الانكماش الكبير الذي يعانيه العالم اليوم، وارتباطها بمسألة الدين العام، وبالتحديد في الدول الرأسمالية الكبرى. وإذ يضع أتالي وغيره من المنظرين الأوروبيين والأميركيين الإصبع على الجرح، منبهين من خطورة ما يجري، بعد أن ارتفعت معدلات الدين العام إلى مستويات تذكِّر بتلك التي سُجلت في نهاية الحرب العالمية الثانية، فهم، في تفتيشهم عن الحلول يتجهون باتجاه الدول العشرين الأغنى في العالم (G20)، من جهة، وباتجاه الفئة العليا من الطبقة الرأسمالية العالمية، من جهة أخرى. لذا، لا بد لنا، كممثلين للقوى المنتجة، للبروليتاريا، من مواجهة الحلول الاقتصادية والمالية لمنظري الرأسمالية، تلك الحلول التي تتجه بالتحديد باتجاهين كلاهما كارثي: - اتجاه وضع اليد بالكامل على مدخرات الطبقات الكادحة، التي جرى السطو على جزء منها خلال الأعوام الثلاثة الماضية وقيل، يومها، أن النظام الرأسمالي العالمي يطبق بهذا السطو مقولات ماركس وإنجلز عبر الإشراف المباشر للدول على الأوضاع الاقتصادية والمالية ؛ علماً بأن ماركس لم يقل يوماً بأن تأخذ الدولة مال الفقراء لوقف تدهور أوضاع الأغنياء. بل على العكس من ذلك... - اتجاه تسهيل وضع اليد من قبل صندوق النقد الدولي (FMI)، الخاضع كلية لهيمنة الولاياتالمتحدة الأميركية، على مقدرات العالم كله، بعد أن استتبت الأمور له في البلدان التابعة والفقيرة: إذ أنه، اليوم، يزداد قوة ونفوذاً في تقرير مصير الإتحاد الأوروبي، بالاستفادة من السياسات الكارثية التي قادها اليمين والاشتراكية الديمقراطية في أكثر من بلد أوروبي، بدءاً باليونان وامتداداً إلى ايرلندا وايطاليا (حيث سيتجاوز الدين العام عتبة 135% من الناتج المحلي في العالم 2014) وحتى إلى ألمانيا (التي أصبح دينها العام قريباً من 85% من الناتج المحلي)... علماً بأن الأرقام العامة للدين في الولاياتالمتحدة فاقت 12 ألف مليار دولار وأن موازنات الدول الأعضاء في الإتحاد الأوربي ستحتاج خلال العام المقبل (2011) إلى الاستدانة بما مقداره 1600 مليار يورو. أما إذا أخذنا البلدان التابعة والفقيرة كبلداننا، فسيشكل الدين العام (السيادي) آفة حولت، في بعض الأحيان، هذه البلدان إلى قنابل موقوتة يمكن لها أن تنفجر في أية لحظة، متى شاءت الولاياتالمتحدة الأميركية عبر صندوق النقد الدولي التابع لها، مؤدية بدولنا إلى الإفلاس وبشعوبنا إلى الجوع والتشرد والموت... علماً أن الأوضاع الحالية ليست بأفضل مما هو متوقع، انطلاقا من تأثير ازدياد الدين العام على مسائل العمل والبطالة والفقر. وفي هذا المجال الأخير، لا بد لنا من الإشارة إلى أن ما يقارب 1.9 مليار من سكان العالم هم دون خط الفقر (يقول البنك الدولي أن هذا العدد قد انخفض إلى 1.4)، أي أنهم يعيشون بما يقارب 1.25 دولار في اليوم؛ أكثر من 64% من هؤلاء يعيشون في آسيا. وهنالك 40% من الشعوب العربية يعيش أفرادها بأقل من دولار ونصف الدولار يومياً. أما في لبنان، فتختلف الآراء حول النسبة، إلا أن أغلبية الإحصاءات تتفق على أن نسبة الفقراء قد تجاوزت 28%، دون أن ننسى وضع اللاجئين الفلسطينيين المأساوي. هذا، في وقت يدرُّ فيه البترول والغاز المستخرجان في العالم العربي، وبالتحديد من منطقة الخليج وخصوصاً من العراق، مئات المليارات إلى خزائن الشركات الكبرى الأميركية الرأس بالأساس. إذاً، الأزمة إلى تفاقم والفقر إلى ازدياد، في وقت تزداد فيه شراسة الهجمة الرأسمالية على كافة الأصعدة، وبالتحديد في العالم العربي، حيث نجحت الإمبريالية الأميركية (ومعها الحلف الأطلسي) في تقسيم العراق وفي زيادة الهوة بين الطوائف في لبنان، وهي اليوم، تتابع أعمالها الإجرامية ضد شعب فلسطين، دعماً لشعار «إسرائيل دولة اليهود في العالم»، وتسعى إلى قسمة السودان على أساس طائفي وإثني. لكننا كشيوعيين وأمميين، نميز أنفسنا عن باقي حركات المقاومة عبر تحديد العوامل الخارجية والداخلية أيضاً (ومن ضمنها البنى التحتية الاقتصادية) المسببة للأزمات في بلداننا. ومن هذا المنطلق نستنتج أن «النجاح» الذي حققته الامبريالية الأمريكية في بلداننا قد تحقق بسبب استطاعة هذه الامبريالية أن تستفيد من الظروف الذاتية الضعيفة ضمن أنظمتنا السياسية، حيث تعمل هذه الأنظمة على تنمية النزعات الطائفية والمذهبية لهدف خارجي/داخلي مزدوج. داخلياً، لتسهل عملية السيطرة على الجماهير عبر تغييب الأسباب الحقيقية الكامنة وراء الفقر والاستغلال: وتحديداً نمط الاقتصاد الريعي المسيطر في البلدان العربية والأنظمة التي وجدت للدفاع عن الطبقات المستفيدة من نمط الاقتصاد هذا وللدفاع عن أسيادهم الامبرياليين. وخارجياً تترك هذه النعرات الطائفية/المذهبية بلداننا عرضة وفريسة سهلة للتدخلات الخارجية من اجل السيطرة والهيمنة على مواردنا وأوطاننا. ثانياً - دور الشيوعيين في ترسيخ الجبهة المعادية للإمبريالية ومن أجل التغيير باتجاه الاشتراكية يقول ماركس وأنجلز في مقدمة «البيان الشيوعي» أن البرجوازية تسعى للخروج من أزمتها عبر مخرجين: الأول، من خلال تحطيم قسم من القوى المنتجة؛ والثاني من خلال فتح أسواق جديدة بالقوة ورفع وتيرة استثمار الأسواق القديمة. وهذا ما تحاول البرجوازية القيام به اليوم: - فهي، من جهة، تزيد من نسب البطالة، إلى جانب إعادة تنظيم سوق العمل باتجاه زيادة أشكال الاستثمار وأساليبه، وتقليص الأجور والتقديمات، وخفض معدلات التقاعد، في وقت تتم فيه حماية أرباح الشركات المالية والمصارف، وتقيم من أجل ذلك ما يسمى بالدروع الضريبية. وهي، من جهة ثانية، توسع رقعة عدوانها العسكري المباشر لفتح أسواق جديدة والاستيلاء على ثروات جديدة. ويمكن القول أننا نعيش حرباً عالمية ثالثة، إنما بالمفرق... فتحرك القوى العدوانية للولايات المتحدة وحلفائها في حلف الناتو وإسرائيل (التي أوكلت إليها، مؤخراً، مهمات تدريب العصابات الفاشية والإرهابية، ليس فقط في الشرق الأوسط، بل في عدد من دول أفريقيا وأميركا اللاتينية) أصبح يطال كل شبر من العالم، بدءا بزيادة عدد القواعد العسكرية داخل بلدان أميركا اللاتينية ووصولا إلى كثافة الحشود العسكرية التي تتركز في منطقة الشرق الأوسط،، من شرق البحر المتوسط باتجاه المحيط الهندي ووصولاً إلى أفغانستان، كون هذه المنطقة هي الأغنى بالنسبة لمصادر الطاقة (غاز، بترول) والمعادن والأسهل من حيث إثارة الحروب، عبر الدخول من باب النعرات الطائفية والإثنية ومن خلال محاولة تنفيذ «مشروع الشرق الأوسط الجديد» الذي وضع في أوائل سبعينات القرن الماضي وأعادت صياغته إدارة جورج بوش في بدايات هذا القرن. ونود الإشارة، في مجال عدوانية النظام العالمي الجديد، إلى قمة لشبونة الثانية والعشرين لحلف الناتو التي يمكن اعتبار قراراتها بداية مرحلة جديدة أشد خطورة من كل سابقاتها، كونها تتجه بوضوح باتجاه تفجير جديد في منطقتنا شعاره القديم - الجديد «الإرهاب والأسلحة النووية». كيف واجهنا، كأحزاب شيوعية وعمالية هذين المنحيين؟ لاشك أن العام الذي يوشك على النهاية قد شهد تصاعداً مهماً في النضال الاجتماعي على أكثر من صعيد وفي أكثر من بلد، خاصة داخل بلدان الإتحاد الأوروبي حيث ذكرّت التظاهرات الضخمة التي انطلقت في اليونان وفرنسا واسبانيا والبرتغال وبلجيكا بتلك التي جرت في النصف الثاني من القرن العشرين والتي غيّرت من وجه أوروبا عبر المكتسبات التي حققتها الطبقة العاملة والحركة الشعبية آنذاك... مع الأخذ بعين الاعتبار كل أوجه الاختلاف، التاريخية والاجتماعية، بين هذه وتلك. ونضيف إلى تلك التحركات المواجهات التي جرت في منطقتنا العربية، في مصر ولبنان وخاصة في فلسطين، ضد الحصار والتهويد وقرارات «الترانسفير»... الخ. وقد رأينا في كل هذه التحركات والمواجهات، التي أسهمنا في إطلاقها بعد اللقاء الاستثنائي الذي عقد في دمشق، بداية مرحلة جديدة من التنسيق والتعاون بين الأحزاب الشيوعية والعمالية في العالم، استنادا إلى بعض بنود البرنامج الذي وضعناه في اللقاء الحادي عشر، في نيودلهي، والذي أكد على ضرورات العمل بين العمال والشباب وفي المجالات المطلبية، مع تخصيص حملة استثنائية لقمة الأطلسي في لشبونة. وإذا كنا لسنا بصدد تقييم ما أنجزناه خلال فترة عام، وهو كبير جداً ومهم جداً، بغض النظر عن عدد التحركات المشتركة التي قمنا بها ومجالاتها، إلا أننا لابد أن نقول أن الشعار المطروح للقائنا الحالي، «ترسيخ الجبهة المعادية للإمبريالية» يتطلب منا التوقف أمامه والاتفاق فيما بيننا، أولاً، على مفهوم ومحتوى «الجبهة المعادية للإمبريالية». وفي بداية الأمر، أن نبحث كيف نرتقي بلقائنا السنوي ونفعله، انطلاقا من الأشكال التنظيمية التي خضنا غمارها خلال السنوات العشر الماضية، بدءا بحركة مقاومة العولمة الرأسمالية، التي تتخذ بورتو اليغري منطلقا لها، ومروراً بالنقاشات التي انطلقت منذ أكثر من عام حول «الأممية الخامسة» التي طرحها الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز ووصولاً إلى ما هو موجود في عنوان لقائنا الحالي «الجبهة المعادية للإمبريالية». فنحن نعتقد أن تجربة الحركة المعادية للعولمة، على أهميتها واتساعها، لم تستطع أن تطور نجاحاتها الكمية إلى تغيير نوعي، كونها افتقرت إلى برنامج للتغيير، من جهة، والى وجود نواة صلبة داخلها، أي القوى الجذرية الحاملة للتغيير... كما أن التوجه الذي يبحث اليوم باتجاه «الأممية الخامسة» لا يزال نظرياً وعاماً، على الرغم من أن الأفكار التي ارتكز إليها هذا التوجه جديرة بالاهتمام. كلنا يعرف، بالطبع، أن نشؤ مثل هذه الجبهة يعتمد، بالأساس، على تنظيم أدوات التغيير وقواه، خاصة، على صعيد كل بلد على حدة وفي كل منطقة، إذ لا يمكن أن نبدأ من العام إلى الخاص... لذا، نود في هذا المجال أن ننقل لكم تجربة لا تزال جنينية انطلقت منذ أقل من شهرين. فبالتنسيق بين بعض الأحزاب الشيوعية والعمالية العربية، دعينا في أواخر شهر أكتوبر الماضي إلى لقاء يساري عربي ضم 21 حزباً يساريا من 10 بلدان عربية. نتج عن نقاشات هذا اللقاء (الذي ارتكز إلى محاور ثلاثة هي: مسألة مقاومة الاحتلال والعدوان، دور الطبقة العاملة والحركة الشعبية في التنمية، الديمقراطية والمساواة) بيان مشترك حدد، في 12 بند، المهمات المرحلية على كافة الأصعدة (وقد أرسلنا، باللغتين العربية والفرنسية، نص البيان الذي وقعه 19 حزبا من أصل ال21). وشكل «اللقاء» لجنة متابعة مهمتها وضع الأسس لتجميع صفوف اليسار العربي كمقدمة للتنسيق مع القوى الوطنية والديمقراطية العربية ولتوثيق علاقات التضامن الأممي بين اليسار العربي واليسار العالمي، انطلاقا من التأكيد أن النضال الوطني والديمقراطي والاجتماعي لليسار العربي يندرج ضمن معركة الكادحين وشعوب العالم وأممه المضطهدة من أجل التحرر الوطني والانعتاق الاجتماعي. إننا نرى في مثل هذه اللقاءات الإقليمية الجامعة مقدمة لتطوير حركتنا الشيوعية والعمالية باتجاه تقوية الجبهة المعادية للإمبريالية في العالم. إذ لا يمكن مواجهة هذه المرحلة العدوانية المتقدمة ومنع الإمبريالية من تحميل الطبقة العاملة والجماهير الفقيرة والشعوب المضطهدة أوزار أزمتها المستعصية إذا لم تحدّد القوى السياسية الممثلة للطبقة العاملة ولحركة الشعوب، إضافة إلى ماذا تريد هذه القوى وكيف ستصل إلى إنجاز ما تريد. فلنتفق، أولاً، على تطوير «لقاء الأحزاب الشيوعية والعمالية العالمي»، مستفيدين من الإنجازات التي تحققت. ولنبحث ثانياً في أشكال تجميع كل القوى المعادية للإمبريالية في مناطقنا، تمهيدا لتوسيع «الجبهة المعادية للامبريالية» ووصولاً إلى نقاش علاقتنا ببعض القوى ذات المنطلقات الإيديولوجية المختلفة.