يشكل اليوم الوطني للمسرح، فرصة مجددة لفتح نقاش حول حاضر ومآل أب الفنون. فكثيرة هي المشاكل التي يعاني منها المسرح المغربي، والتي تحتاج إلى تضافر الجهود لأجل معالجتها، سيما وأنها تعرف تراكما وتزداد استعصاء على الحل مع توالي الأيام والسنين. ------------------------------------------------------------------------ وهو ما يدفع إلى طرح التساؤل حول الفائدة من الاحتفال باليوم الوطني للمسرح، إذا لم تكن هذه المناسبة، فرصة حقيقية لحل ولو جزء يسير من المشاكل التي يتخبط فيها مسرحنا. فبإلقاء نظرة أولية على البرنامج الذي أعدته الوزارة الوصية على هذا القطاع، لأجل الاحتفال باليوم الوطني للمسرح، يتبين أننا ما نزال بعيدين عن جوهر هذا الاحتفال، حيث يتم حصره في تنظيم عروض مسرحية معينة، خلال فترة محددة، وانتهى الأمر، في حين أن هذه النوعية من البرمجة، أو هذا المجهود -الذي تشكر عليه الوزارة على كل حال- ينبغي أن لا يكون محصورا في المكان والزمان، بل من المفروض أن يكون متواصلا ومسترسلا؛ فعندما يصبح تقديم عروض مسرحية، بمثابة الحدث الاستثنائي، أو الشيء الخارق للعادة؛ فإن ذلك يعد مؤشرا على أننا ما نزال في البداية وأن المسرح المغربي، لم يبارح مكانه، إن لم نقل إنه يتقهقر. عروض مسرحية عديدة، وفي مختلف مدننا وفي وقت متواز، تقدمها فرق مسرحية، على اختلاف مشاربها ومستوياتها، خلال هذه الأيام، بمناسبة الاحتفال باليوم الوطني للمسرح. هذا شيء جيد ومحمود. لكن، هل يمكن لهذه الدينامية أن تحجب الحقيقة الصارخة، وهي أن جل الفضاءات التي ستعرض بها هذه المسرحيات، غير صالحة للعرض المسرحي بتاتا؟ قاعات تنعدم بها أبسط التجهيزات الخاصة بالعرض المسرحي، بل نجد بعض هذه الفضاءات، ليست بها خشبة، مع أنه لا يمكن تصور مسرح بدون خشبة. وبالتالي، لا ينبغي أن نعاتب الجمهور على عزوفه عن متابعة العروض المسرحية، مع العلم أن هذه العروض في حد ذاتها، غير منتظمة، في الوقت الذي ينبغي أن تكون هناك برمجة شبه يومية للعروض المسرحية بمختلف مدننا، وليس فقط بالمدن المركزية، حيث أن مسرح محمد الخامس بالرباط، يكاد يشكل استثناء على هذا الصعيد. كان الأمل معقودا على أن يشكل اليوم الوطني للمسرح، فرصة لتنظيم ندوات فكرية وحلقات نقاش حول كل ما يمت بصلة إلى المسرح المغربي: البنيات التحتية، الوضع الاجتماعي والاعتباري للفنان المسرحي، مستوى الكتابة المسرحية، دور الإعلام في خدمة المسرح، إلى غير ذلك من القضايا التي تعبر عن أزمة حقيقية يعاني منها مسرحنا. فلعل الشيء الخطير الذي يهدد المسرح المغربي أكثر من أي وقت سابق، يتمثل في هروب الفاعلين فيه، نحو آفاق أخرى، تضمن لهم حدا أدنى من العيش الكريم، وهذا من حقهم؛ فعلى سبيل المثال، يمكن لمشاركة فنان في مشهد من شريط سينمائي، لا يستغرق سوى بضع دقائق، أن توفر له ما يضاهي مدخوله من عدة أسابيع من المشاركة في تقديم عرض مسرحي، بما يعني ذلك من جهد وكد وتعب وتضحية وإنفاق وقت لا يستهان به. لا بد من توفر إرادة للنهوض بالمسرح المغربي، لدى مختلف المعنيين والمسؤولين عن هذا القطاع، ذلك أن واقع الحال، يبين إلى أي حد أصبح المسرح، شبيه بتلك "الجيفة" التي يعافها الجميع تقريبا، ولا يحتملون الاقتراب منها. الجماعات المحلية -معظمها- لا تريد أن تتحمل مسؤوليتها في إنشاء قاعات مسرحية، بل نجد العديد من هذه السلطات، قد صرفت نظرها عن صيانة المنشآت القائمة؛ مما أدى بها إلى التلاشي، ومرة أخرى، لا ينبغي أن نعاتب الجمهور على عزوفه عن متابعة العروض المسرحية. وعندما يتم التفكير في الإصلاح، يجب أن نهيئ أنفسنا لإغلاق طويل الأمد، كما هو الحال بالنسبة إلى المسرح البلدي بشارع الجيش الملكي بالدارالبيضاء، الذي لا يزال مغلقا منذ أكثر من عقد من الزمن، بعد أن تم التأكيد في البداية على أن الأمر يتعلق بعملية إصلاح، وأن استئناف النشاط بهذه القاعة سيتم عما قريب جدا. غير أن مشاكل المسرح المغربي، لا تنحصر فقط في ضعف البنيات التحتية، أو هروب المسرحيين نحو آفاق أخرى: المسلسلات الدرامية التلفزيونية والأشرطة السينمائية، بل إن الكتابة المسرحية، هي كذلك تعاني، ولعل أبرز دليل على ذلك أن معظم الفرق المسرحية، لا تزال تعتمد بصفة أساسية على تشخيص النصوص المقتبسة، وأن أغلب هذه العروض هي ما يحظى بالتتويج في الملتقيات المسرحية، كما هو الحال بالنسبة للمهرجان الوطني للمسرح، الذي تسهر على تنظيمه وزارة الثقافة؛فعند القيام بجرد لدورات هذا المهرجان، يتبين بشكل لافت أن النصوص المقتبسة، هي الأكثر تتويجا. ليس خاف الدور الذي يمكن أن يضطلع به الإعلام بمختلف أصنافه، لأجل خدمة المسرح، من خلال تقديم عروضه ومقاربتها، وفتح نقاش مع الفاعلين فيه، وتنظيم ندوات فكرية، والتعريف بالإصدارات الجديدة وتحليلها وتقديمها، وإجراء حوارات مع المسرحيين والنقاد والباحثين ومختلف المساهمين في صناعة الفرجة المسرحية. رغم الوضع القاتم الذي يطبع المسرح المغربي، في وقتنا الراهن؛ فإن هذا لا يمنع من التفاؤل بالمستقبل، سيما وأن هناك مؤشرات، وهناك نوايا، وهناك أيضا مشاريع وأفكار، تم الإعلان عنها، في سبيل النهوض بأب الفنون، ويبقى الأمل معقودا على أن يتم إخراجها إلى حيز الوجود، وما أضيق العيش، لولا فسحة الأمل.