غضب شعبي وفصائلي من تلميح أمين سر منظمة التحرير الفلسطينية بإمكانية اعتراف القيادة الفلسطينية بيهودية إسرائيل تسود الأوساط الشعبية والفصائلية موجة غضب عام من تصريحات أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ياسر عبد ربه، التي ألمح فيها لإمكانية أن تعترف القيادة الفلسطينية بيهودية إسرائيل إذا ما قدمت خارطة بحدودها على أساس حدود عام 1967 أي قبل احتلال الضفة الغربية وقطاع غزةوالقدسالشرقية. وأثارت تلميحات ياسر عبد ربه الأربعاء الماضي، بإمكانية أن تعترف القيادة الفلسطينية بيهودية إسرائيل على أساس حدود عام 1967، ردود فعل فلسطينية غاضبة حيث طالب البعض «بلجمه»، وأكد آخرون أنه غير مخول بالاعتراف بيهودية إسرائيل، الأمر الذي سينعكس سلبا على حوالي مليون ونصف مليون فلسطيني يعيشون داخل الأراضي المحتلة عام 1948. وكان عبد ربه قد أعلن الأربعاء الماضي، أن الفلسطينيين سيعترفون بإسرائيل كدولة يهودية ودولة الشعب اليهودي في حال وافقت على الانسحاب إلى حدود العام 1967. وقال عبد ربه للإذاعة العامة الإسرائيلية، إنه على الفلسطينيين «أن يحصلوا على خريطة لحدود العام 67 حتى نعترف بها (أي بإسرائيل) بالصيغة التي تحبونها، ونحن سنعترف بها وفق ما تعلن عنه إسرائيل شريطة أن تكون في عام67». وأضاف عبد ربه «لو سلمتنا إسرائيل خارطة وقالت: هذه لدولة الشعب الصيني، مثلا.. نحن سنعترف بها». ومن جهته قال وزير الأوقاف الفلسطيني الدكتور محمود الهباش، «إن الموقف الفلسطيني الرسمي يتمثل بالاعتراف بإسرائيل وفق القانون الدولي كما اعترفت بها الأممالمتحدة»، مشددا على أن القيادة الفلسطينية ترفض الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على أي شبر من الأراضي المحتلة عام 1967. ومن ناحيته، أكد أمين سر المجلس التشريعي، القيادي في حماس، محمود الرمحي أن تصريحات عبد ربه «لا تمثل إلا نفسه، وأنه لا يحق له أن يصرح باسم الشعب الفلسطيني الذي قدم التضحيات الجسام في سبيل إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة على كامل ثرى الوطن دون انتقاص أو تنازل عن أي شبر من الأرض». ومن جهته، قال أحمد الطيبي العضو العربي في الكنيست الإسرائيلي «تفاجأت من التصريح»، مضيفا «لا أحد مخول بأن يعترف بيهودية إسرائيل الذي يكرس دونية المواطن العربي ومواطنته المنقوصة». وتابع الطيبي: «وكان من الأفضل أن لا يصدر ياسر عبد ربه هذا التصريح»، مشيرا إلى أن الحكومة الإسرائيلية الحالية غير معنية بإقامة دولة فلسطينية، وقال: «هذه الحكومة عمليا لن تتقدم إطلاقا باتجاه الموافقة على دولة فلسطينية في حدود عام 1967، ومن يعتقد ذلك فهو مخطئ في قراءة الخارطة السياسية والمواقف الإسرائيلية بنتنياهو وائتلافه الحكومي». وأضاف الطيبي «أما نحن فنؤكد أن الاعتراف بيهودية الدولة فيه انتقاص لعرب ال48 وفيه شطب لقضية اللاجئين الفلسطينيين وحق العودة وإلغاء للرواية الفلسطينية من النكبة وحتى اليوم». وشدد الطيبي على أنه لم يسمع من أي مسؤول فلسطيني مباشرة إمكانية إقدام القيادة الفلسطينية على الاعتراف بيهودية إسرائيل مقابل حدود عام 1967، وقال «لم نسمع ذلك من أي من المسؤولين الفلسطينيين مباشرة، ولقد طرحنا هذا الموضوع وما سمعته من الرئيس محمود عباس ومن قيادات منظمة التحرير ومن فتح وغيرها هو أنهم لن يعترفوا بيهودية الدولة». وعبر الطيبي العضو العربي في الكنيست الإسرائيلي عن عدم ممانعته من إقدام الجانب الفلسطيني على المطالبة بخرائط لحدود دولة إسرائيل، وقال «لا مانع من الطلب من إسرائيل تقديم خرائط للحدود والمفاوضات على الحدود شيء، أما الاعتراف بالدولة اليهودية فهو شيء آخر. لا علاقة للاعتراف بيهودية الدولة بحدود الرابع من حزيران، منظمة التحرير اعترفت بإسرائيل والاعتراف يتم بالسيادة وبالحدود وليس بصفة الدولة. هذا هو خطاب منظمة التحرير والخطاب الفلسطيني كان هكذا ويجب أن يبقى هكذا». وشكك الطيبي في إمكانية أن يكون تصريح عبد ربه عضو الوفد الفلسطيني للمفاوضات توطئة لإمكانية اعتراف القيادة الفلسطينية لاحقا بيهودية الدولة، وأضاف «لا يوجد أي فصيل فلسطيني مخول بهكذا اعتراف». ومن جهته، طالب الدكتور حسن خريشة النائب الثاني لرئيس المجلس التشريعي الفلسطيني الرئيس محمود عباس «بلجم» عبد ربه ومنعه من تقديم تنازلات مجانية للإسرائيليين. وأضاف خريشة قائلا «أنا أطالب باعتباري نائبا ثانيا في المجلس التشريعي، من الرئيس محمود عباس بلجم ومحاسبة أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ياسر عبد ربه، على تصريحاته باستعداد القيادة الفلسطينية الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية». وتابع خريشة «هذه التصريحات تعبر عن حالة استسلام وخنوع وعجز والسير بعكس التيار الشعبي والوطني الرافض. وأخطر ما فيها أنها تأتي من أمين سر اللجنة التنفيذية». وأضاف خريشة «نطالب الفصائل المنضوية في إطار منظمة التحرير أن توضح موقفها من تصريحات ياسر عبد ربه التي تجاوزت كل الخطوط الحمراء وحتى الرواية التاريخية الفلسطينية حيث إنه لا يمكن أن تكون - تصريحات عبد ربه- تعبيرا عن وجهة نظره الشخصية وإنما تأتي في إطار كونها بالون اختبار لقياس ردود الأفعال على مثل هذه التصريحات الخطيرة التي تمس بحق العودة للاجئين الفلسطينيين وبأهلنا في الأراضي المحتلة عام 1948 وتتساوق مع المشروع الصهيوني الذي عبر عنه ثالوث نتنياهو وليبرمان وايشاي». واعتبر خريشة تصريحات عبد ربه «تنازلات تقدم للإسرائيليين وللأمريكان مجانا». ومن جهتها، انتقدت حركة التحرير الوطني الفلسطيني «فتح» تصريحات عبد ربه التي أكد من خلالها على استعداد السلطة قبول الشرط الإسرائيلي الاعتراف بالدولة اليهودية. وقال أمين مقبول أمين سر المجلس الثوري لحركة فتح، «إن تصريحات عبد ربه، وهو عضو في الوفد الفلسطيني المفاوض، الأخيرة حول الاعتراف بيهودية الدولة لا تمثل حركة فتح ولا الشعب الفلسطيني، بل تمثل نفسه». وجدد مقبول تأكيد حركته على رفض المطلب الإسرائيلي باعتراف الفلسطينيين ب»الدولة اليهودية» كشرط لوقف عمليات الاستيطان التي تجري على الأراضي الفلسطينيةالمحتلة، والاستمرار في المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي. في السياق ذاته، تعرض عبد ربه لهجوم واسع من قبل كافة الأحزاب والفصائل والقوى في الساحة الفلسطينية والعربية. حيث طالب جمال زحالقة رئيس كتلة التجمع الديمقراطي في الكنيست الإسرائيلي، ياسر عبد ربه بالاستقالة فوراً، وإذا لم يفعل ذلك على اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير إقالته من منصبه كأمين سرها. وأضاف زحالقة، «لا يحق لياسر عبد ربه أو لغيره أن يبيع حقوق الفلسطينيين في الداخل، وأن يتنازل عن حقوق اللاجئين في الشتات، وأن يمنح شرعية فلسطينية لذلك عبر الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية»، مشدداً على أنه يتخلى بهذا الموقف عن الرواية التاريخية الفلسطينية، ولا يمكن المرور على كلامه بدون رد فلسطيني رسمي. وأما الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، فقد اعتبرت استعداد عبد ربه للاعتراف ب»الدولة اليهودية» لا يمثل منظمة التحرير أو الشعب الفلسطيني وأنه لا يمثل فيها سوى نفسه، مشددةً على أنها تعبيراً عن حالة الإفلاس السياسي أمام إملاءات الاحتلال لتصفية القضية الفلسطينية. وشددت الشعبية كذلك، على أن التصريحات اجتراراً ممجوجاً للمواقف الأمريكية الداعمة للاحتلال وإمعاناً في الخروج عن مواقف المؤسسات الوطنية والرأي العام الفلسطيني والعربي، مؤكدةً على ضرورة مساءلة ومحاسبة عبد ربه على تصرفه اللامسؤول والانهزامي، ووضع حد للعبث بالشأن الوطني. ومن جهته، رفض حزب الشعب الفلسطيني، التعاطي بأي شكل من الأشكال مع مطالبة إسرائيل لمنظمة التحرير الفلسطينية بالاعتراف بها كدولة يهودية، محذرا من الوقوع في «فخ» يؤدي إلى كوارث جديدة تمس الشعب الفلسطيني. وشدد الحزب على رفض أية مواقف تتقارب أو تتقاطع مع المطالبات الإسرائيلية، مؤكدا أن لا اعترافات جديدة بإسرائيل، غير ذلك الذي قامت به منظمة التحرير الفلسطينية عام 1993. وأشار إلى أن المطلوب في هذه المرحلة، تأمين الاعتراف بدولة فلسطين بحدودها على كامل الأرض المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس وحل قضية اللاجئين وفق القرار 194 وهو الحق الذي كفلته قرارات الشرعية الدولية. وقال الحزب: «إن مطالب نتنياهو بهذا الخصوص هي مطالب لإجازة تطهير عرقي جديد ضد أبناء الشعب الفلسطيني في إسرائيل وإجهاض مسبق لحق العودة». من ناحيته، قال واصل أبو يوسف عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير «إن الموقف الفلسطيني من الاعتراف بيهودية إسرائيل واضح وثابت، وإن الفلسطينيين لن يقبلوا أبدا بالاعتراف بدولة يهودية». وأشار أبو يوسف إلى خطورة هذه المسألة وتداعياتها المترتبة على تسهيل ترحيل فلسطينيي الداخل المتواجدين داخل الخط الأخضر وشطب حقهم بالعودة والذي يستند إلى قرار 194، ما يلغي حقهم في العودة لأراضيهم وممتلكاتهم التي هجروا منها عنوة وقهرا. وأوضح أبو يوسف أن اجتماعات القيادة الفلسطينية ولجان منظمة التحرير أكدت وتؤكد دائما، رفض الاعتراف بيهودية الدولة وأضاف خلال حديثه أن الاشتراطات التي طرحها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لاستمرار المفاوضات جاءت لنسف مسار «السلام» الذي تحدث عنه العالم أجمع في محاولة للتنصل من الحديث عن القضايا الرئيسية وإغلاق الطريق أمام نجاح المفاوضات المباشرة. وأكد أبو يوسف في نهاية حديثه أن قرارات القيادة الفلسطينية واللجنة التنفيذية واضحة تماما وعلى الحكومة الإسرائيلية، أن تتحمل تبعات المسار السياسي المطلوبة منه، محملا إسرائيل وحكومتها ما يحدث من جمود على العملية السلمية.