بات من الأكيد أن ما يجري داخل مخيمات تندوف أصبح يزعج قيادة البوليساريو والأوساط الجزائرية التي تحتضنها. إلى وقت قريب، كان الانفصاليون يمارسون التعتيم على كل ما يجري في المخيمات من انتفاضات واحتجاجات، وما يترتب عن ذلك من تنكيل وتعذيب. المتتبع لتصريحات هؤلاء الانفصاليين سيتذكر أنهم كانوا دوما حريصين على تبخيس حجم ونوعية الفارين من جحيم المخيمات، ممن التحقوا بوطنهم وذويهم في الأقاليم الصحراوية. اليوم لم يعد التجاهل أو التعتيم عما يجري في تندوف ممكنا، أمام إصرار الصحراوين في المخيمات على رفض واقع مخزي ومهين لكرامتهم. ولم يعد ذلك ممكنا، أيضا، بسبب دور الإعلام المتنامي وقدرته على اختراق العزلة والمنع.. التقرير الذي أورده يوم الجمعة فاتح أكتوبر موقع جريدة الخبرالجزائرية، واسعة الانتشار، يقرب من جس درجة القلق وسط قيادتي الجزائر والبوليساريو، جراء ما ذكرناه. جاء في هذه الصحيفة المعروفة بدعمها لأطروحة الانفصال الجزائرية، أنه «قبل خمسة أيام، افتعل أحد عملاء المخزن في محطة للبنزين بتند وف شجارا مع عناصر من جبهة البوليساريو كانوا في الطابور واستفزهم لدفعهم إلى الدخول في مناوشات معهم». وحسب نفس المصدر «نجح المواطن الصحراوي في ذلك، لكن تم وضعه عند حده بالقوة، وهو ما كان يريده». لقد استنفر حوالي 40 شابا من أبناء قبيلته المسماة ‹›سلام››، وهي تنحدر من القبيلة الأم ‹›الرقيبات›› في بلدية أم العسل في تندوف، وتوجهوا يومها، تضيف جريدة الخبر، إلى مركز أمني حدودي لجبهة البوليساريو ليدخلوا في مواجهات خلفت إصابات في الجانبين. ولم تنته هذه المواجهات، باعتراف الصحيفة، إلا بعد تدخل قوات الأمن الجزائرية التي اعتقلت بعض «الغاضبين» الذين خضعوا للتحقيق. لم تحصر الصحيفة مهمتها في نقل الوقائع بموضوعية، بل مزجت التعليق بالخيال وواصلت قائلة في تقريرها: «شاءت الأقدار أن ينفضح المخطط المغربي بعد فرار مجموعة من ال40 شابا على متن سيارتين واحدة من نوع مرسيدس والأخرى من نوع نيسان وتمكنوا من دخول العيون.. وهناك كان وفد رسمي في استقبالهم، بل والأكثر من ذلك أظهر التلفزيون المغربي في العيون بعض هؤلاء الشباب الفارين دون إظهار آخرين ليورطهم أكثر، ويجعل من عودتهم إلى أراضيهم في تندوف ضربا من الخيال، سيما أن تهمة التآمر تلاحقهم إذا لم يثبتوا عكس ذلك. وتبين لسكان ولاية تندوف أن الأمر كان مدبرا نظرا لتواتر الأحداث وترتيبها من حيث الاستقبال والسيارات التي كانت معدة لفرار بعض الشباب بعد تدخل قوات الأمن، وانقطع الشك باليقين بعد أن شاهدوا أبناءهم المغرر بهم على شاشة التلفزيون المغربي يظهرهم كأبطال لتوريطهم أكثر مع السلطات...» .انتهى كلام الخبر. مما ذكر، يبدو واضحا أن الجريدة تعني بالفرار العودة الأخيرة لمجموعة من الصحراويين يوم الثلاثاء الماضي، وكان من ضمنهم أحد أفراد عائلة المصطفى ولد سلمة ولد سيدي مولود، المحتجز حاليا في معتقل تشرف عليه المخابرات الجزائرية. والصحيفة الجزائرية، التي تعترف لأول مرة بمعطى عودة الصحراويين، تناست المثل القائل «إذا كنت كذوبا فكن ذكورا»، حيث أنها سقطت بدون أن تشعر في احتقار ذكاء قرائها. فمن سيصدق يا ترى أن سيارتين بإمكانهما نقل 40 نفرا دفعة واحدة؟. إن هذا الارتباك الصحفي يعكس ورطة دعاة الانفصال وعدم قدرتهم على نفي ما تشهده مخيمات تندوف من تذمر واستياء وحصار، وفرار جماعي من ذاك الجحيم. حسب الإحصائيات الرسمية، يقترب عدد الصحراويين القادمين من مخيمات تندوف، ممن التحقوا بمدينة العيون وغيرها من مدن الصحراء المغربية، منذ بداية السنة الجارية، من 2000 فرد. ويستشف من قرائن متعددة أن عمليات العودة ستتزايد، وتقول استنتاجات متتبعين أن المخابرات الجزائرية قد تفضل العودة لأنها ستخفف من غليان الجماهير في تندوف، وستقلص من حجم الانتفاضات الصحراوية التي تحاول الجزائر والبوليساريو استئصالها أو التعتيم عليها أو تشويه حقيقتها. إن التظاهرات الأخيرة، التي تنظمها وتمولها الجزائر بسخاء وتجلب إليها أجانب يقيمون في أفخم فنادقها، بدعوى التضامن مع «الشعب الصحراوي»، لا تخرج عن سياق محاولات التعتيم والتغليط على واقع بات مقلقا ومزعجا، ذاك الذي يجري في تندوف.