ماء العينين مربيه ربه اسم إعلامي بارز، شغل مناصب عديدة في جبهة البوليسارو، قبل أن يقرر العودة إلى وطن لم يكن يعرف عنه أي شيء، ولكنه كان يحمل انتماءه في الدم الذي يجري في عروقه. وقرر قبل حوالي 21 سنة أن يحقق الحلم الذي راوده منذ أن تم اختطافه أياما قليلة قبل المسيرة الخضراء ليساق قسرا إلى مخيمات تندوف تحت الحراسة المشددة لعناصر الجيش والمخابرات العسكرية الجزائرية، رغم الأخطار المحيطة بقراره، وترك منصبه كمدير للإعلام، وعاد إلى الوطن بمساعدة صديق له فرنسي الجنسية عبر النقطة الحدودية «زوج بغال» بين وجدة والجزائر. البوليساريو وأسلوب خلق جمعيات التضامن والمساندة في الخارج بعد فترة قصيرة بالإذاعة الصحراوية بالرابوني، سيعين مربيه ربه مديرا لذات الإذاعة لحوالي أربع سنوات تقريبا، استمرت إلى غاية أواسط سنة 1982، وهي الفترة التي عرفت اشتداد المعارك الحربية على واجهتين، بين البوليساريو وموريتانيا، من جهة، قبل أن تضع الحرب أوزارها في وقت لاحق، و من جهة أخرى بين البوليساريو والقوات المسلحة الملكية المغربية التي استمرت إلى غاية توقيع اتفاقيات وقف إطلاق النار سنة 1991، أي سنتين ونيف بعد عودته إلى المغرب. إلى جانب السياسية الإعلامية للبوليساريو المبنية من جهة، على التركيز على كل ما هو سلبي بالمغرب، على الرغم من جهل الكثير من القادة للتغيرات السياسية والاجتماعية التي يعرفها المغرب في ذلك الوقت، والتبشير بقرب سقوط النظام الملكي، أو على الأقل كانوا تمنية النفس بحصول ذلك فعلا. ومن جهة ثانية تأجيج مشاعر الصحراويين بالمخيمات من خلال خلق أجواء كاذبة من الحماس والاستبسال ومواكبة كل مرحلة من المراحل بالموسيقى والشعر.حيث اعتمدت الآلة الدعائية للبوليساريو على حد تعبير مربيه ربه، إلى المبادرة على تأسيس جمعيات التضامن والمساندة وتأييد الشعب الصحراوي، في إطار العلاقات الخارجية. وكانت أسبانيا تحتضن أكبر عدد من هذه الجمعيات، وازداد عددها خلال السنوات الأولى بشكل رهيب، إلى درجة أنه قلما تجد حاليا مدينة أو حتى قرية داخل أسبانيا لا توجد فيها جمعية أو جمعيات من هذا القبيل. بالإضافة إلى أنه لا تخلو أي مدينة أسبانية الآن من ممثل للبوليساريو ونائبه. في حين تأتي إيطاليا في المرتبة الثانية من حيث عدد جمعيات التضامن ومساندة الشعب الصحراوي. وفضلا عن هذه المبادرات، نهجت البوليساريو أسلوب ما يسمى بتوأمة المدن الصحراوية، أو على الأصح ما يطلق عليه «المدن بالمخيمات التي كانت تستعير أسماء المدن الكبرى بالأقاليم الجنوبية». واقتضى الأمر فيما بعد إلى تنظيم زيارات ميدانية لوفود أجنبية إلى المخيمات. هذه الوفود كانت تتشكل أغلبها من مندوبين من الدول الأوربية على الخصوص ودول أمريكا اللاتينية، حيث كان قادة البوليساريو يراهنون عليهم لتلقي المساعدات الإنسانية. وهذا أمر طبيعي لأن غالبية الدول الأفريقية لم يكن لديها ما تمنحه للبوليساريو، بحكم أن أغلبها تعيش بنفسها على مساعدات الدول الكبرى. وكانت تلك الزيارات تتزامن مع الاحتفالات المختلفة التي يخلدها البوليساريو، منها على سبيل المثال احتفالات إعلان الجمهورية، وعيد الوحدة الوطنية الذي يصادف 12 أكتوبر من كل سنة، و 9 يونيو ذكرى وفاة الوالي مصطفى السيد، والتي أطلقوها أيضا على إحدى المدارس بالمخيمات، إلى غير ذلك من الاحتفالات والذكريات. ولا تستثن تلك الزيارات المتزامنة، الأحداث التنديدية سواء المنظمة بالمخيمات أو في الخارج، من قبيل احتفالات التنديد بتنظيم المسيرة الخضراء والتي أصبحت تحمل في القاموس المتداول لدى البوليساريو ب «المسيرة الاستعمارية»، أو تلك المنددة بالاتفاقية المبرمة بين المغرب وأسبانيا وما إلى ذلك. إلى جانب ذلك كانت البوليساريو تولي اهتمام كبيرا لتأليف وترويج الكتب عن الصحراء وعن القضية الصحراوية. وستجد أن هناك عشرات المؤلفات كتبها بالخصوص مؤلفون أسبان وفرنسيون وانكليز ومن أمريكا اللاتينية ومن العرب حتى، غير أن هؤلاء الأخيرين، قليلون لا يتعدى عددهم عدد أصابع اليد، كتبت بطلب من البوليساريو لتسليط الضوء على القضية من وجهة نظرهم مؤيدة لطرحهم وترويج له. هذه المبادرة ( تأليف كتب عن الصحراء) كانت قبل الثورة العالمية في مجال التكنولوجيات الحديثة وانتشار الإنترنيت. أما الآن فقد تناسلت عشرات المئات من المواقع الإلكترونية المساندة للأطروحة الانفصالية. أثناء عمله بالإذاعة يستحضر مربيه ربه أن البوليساريو كانت تستغل بعض المناسبات التي ترى أنها جديرة بالتخليد، خصوصا إعلان الجمهورية أو عيد الوحدة الوطنية أو ذكرى استشهاد مؤسس الجبهة الوالي مصطفى السيد، حيث كانت تخصص لها برامج قد تدوم في كثير من الأحيان أسبوعين إلى ثلاثة، طوال البث الإذاعي. مثلما كانت تخصص برامج مماثلة للعمليات الهجومية ضد الجيش المغربي أو العمليات العسكرية التي يقوم بها مقاتلوها. كما تخصص أيضا برامج خاصة لتنظيم المخيمات الصيفية للأطفال في بلد من البلدان، أو للأطفال الذين يدرسون بالجزائر وكوبا وليبيا. والحقيقة أن تخصيص برامج لهؤلاء ( المستفيدون من المخيمات) حاولت دائما البوليساريو عن طريقها ضرب عصفورين بحجر واحد: أولا الظهور على أنها منشغلة أيما انشغال بتوفير ظروف جيدة تدريس أبناء السكان، وثانيا للإبقاء على هؤلاء السكان في المخيمات وضمان عدم تفكيرهم في العودة إلى وطنهم وديارهم. وكما تلاحظون فإن هذه الوسيلة في الحقيقة سلاح ذو حدين.