ثراء مسيرة رائعة في ديوان الدارجة المغربية وقاموس كلامها الجميل رغما عن كون جمعية هواة الملحون بمراكش قد تجاوزت 46 سنة من الوجود القانوني الذي يؤطره ظهير الحريات العامة، إلا أنها عاشت سنوات طويلة قبل 1964 كمجموعة مراكشية قاعدتها الأساسية صناع وحرفيون وتجار ومثقفون جمعهم الولع بالطرب الملحون. لذلك فإن تأسيسهم لجمعية كان هدفه الأساسي هو بعث طرب الملحون باعتباره فنا أدبيا شعبيا والعمل على نشره بجميع الوسائل الممكنة، وتشجيع حفاظه والمولعين بأجوائه وفنونه. وتواصل هذه الجمعية العتيدة حضورها مستلهمة دروس وثراء مسيرة رائعة من الألفة بين أحبابها من أعضاء ومنشدين وجمهور يزداد التحاما حولها. ففي رمضان الجاري قدمت سهرتين فنيتين أولاهما تمت بالنادي الجامعي التابع لجامعة القاضي عياض بمراكش يوم 14-08-2010 والسهرة الثانية تمت بالمسرح الملكي يوم 18-08-10 و سهرة ثالثة يوم 28 غشت بمدينة القنيطرة بدعوة من جامعتها، وخلال الحفل سيتم تكريم مؤسس الجمعية الأستاذ عبد الله الشليح الذي انفق أكثر من نصف قرن في مواكبة هذه المسيرة بما رافقها من وعشق مقدما كل ما يفترض أداؤه بالنسبة للعاشق الولهان أمام محراب محبوبه. وبالنسبة لسهرتي مراكش فقد عرفتا إنشاد عشرة قصائد خمسة في كل سهرة: وهي قصائد اللطفية للشيخ احمد لغرابلي وإنشاد الشاب إسماعيل الإدريسي الشمعة نظم الشيخ بنعلي ولدارزين وإنشاد الفنان محمد بن الطاهر أمنزو وقصيدة ناكر لحسان الشيخ محمد أنجار،إنشاد الفنان يوسف دهداه، وقصيدة قصة حمان للشيخ محمد العساوي الفلوس، إنشاد الفنان عبد الجليل فرحي، وقصيدة العين حرشة، من نظم سي التهامي المدغري، وإنشاد الفنان نور الدين الرجراجي. وقد تم طبع القصائد المغناة وتقديمها للجمهور. وعلى نفس الإيقاع تم أداء خمسة قصائد أخرى بالمسرح الملكي وهي بالترتيب: قصيدة البراقية، نظم الشيخ محمد المكي أيوب، قصيدة فاطمة التي نظمها الشيخ الحاج إدريس بن علي وغناهما على التوالي كل من الشاب الإدريسي ومحمد أمنزو. وقصائد خلخال اعويشة وقصيدة الرعد، وقصيدة الطجين، ولم يختتم الحفل إلا بعد منتصف ليلة الخامس من رمضان. وسيرحل الجوق المتكون من ثلاثة عشر عازفا، ضمنهم الشيخ احمد بن إبراهيم ويدان وقد تجاوز عمره 96 سنة لا يفصله عن إكمال القرن سوى أربع سنوات وما يزال يضرب الدف بيدين سالت بين أصابعهما عقود من النعم والتملي في أجواء وعوالم وأخيلة هذا الطر ب وما يفجره من الفرح والنخوة والاعتزاز بالانتماء للبلد، ولثقافته وحضارته واختزال كل هذا في إشعار منظومة هي ديوان الدارجة المغربية وقاموسها المحيط الذي يضم عيون كلامها الجميل. إن الجوق يضم أيضا بين مكوناته شاب لما يبلغ بعد تمام عقده الثاني محاولا تسلم نفس المشعل من شيوخ لكريحة ويكاد الفارق الزمني بين الشيخ ويدان والشاب اسماعيل يبلغ الثمانين عاما. وها إن كليهما يوزعان الفرح والغبطة وينشرانها في الأجواء الذي وحده طرب الملحون هو الذي يصنعها منذ أن تنطلق الكمنجة في عزفها المعهود ويتبعها العود ويليها السويسدي الكنبري الصغير الحجم وبعدها تتفق الحناجر على الحربة ويتدفق الإنشاد الذي يتميز دوما بالألفة والقرب من السامعين. إلى الطرب الذي يعرفهم ويعرفونه ليتحقق التواصل الحقيقي والعميق بين هذا الطرب الذي أبدعه الشعب وعشاقه.