احتضنت مراكش أخيرا يوما دراسيا حول فن الملحون تحت شعار: الملحون تراث في خدمة النهضة الفنية للمغرب. وكان هذا اللقاء بدعوة وتنظيم جمعية هواة الملحون بمراكش وبحضور ثلة مهمة من الباحثين والدارسين ومهتمين وجمعيات هواة فن الملحون من مختلف جهات المملكة، حيث تم بسط وطرح مختلف القضايا والإشكالات التي يعاني منها الملحون، بهدف وضع استراتيجية متكاملة للنهوض بهذا الفن، باعتباره مكونا أصيلا من مكونات الثقافة المغربية، وأيضا بلوغ آفاق واعدة لصالح هذا الفن ورجالاته الفاعلين في محيطه. وفي هذا السياق دعا كاتب جمعية »هواة الملحون بمراكش« الأستاذ »مولاي ادريس الجبلي« في كلمته خلال الجلسة الافتتاحية إلى صياغة تصورات وبلورة مقترحات كفيلة بالنهوض بشعر الملحون بالمغرب، واستثمار المنجز منه المنبثق من جهود متضافرة، ساهمت فيها زمرة من الباحثين الأكاديميين الرواد منذ ستينيات القرن المنصرم، الى جانب باحثين هواة، وأيضا في ظل جمعيات كان لها منذ هذه الفترة قصب السبق، في شتى ربوع المغرب، في العناية بهذا الشعر والاهتمام برجالاته. كما طالب بوضع استراتيجية عمل تكون حافزا لإيلاء الرعاية والعناية لحركة شعر الملحون بالمغرب، باعتباره يعكس تجربة إبداعية وفنية متميزة في الثقافة المعاصرة. وأبرزت باقي التدخلات أهمية فن الملحون كأكثر الفنون عراقة في تراث المملكة وحضورا في وجدان المغاربة، حيث تناولت قصائده مواضيع وقضايا متنوعة مرتبطة بجوانب دينية وصوفية وأيضا في الغزل والطبيعة الخ... وتوقفت عند الدور الذي لعبته الأجيال المتعاقبة في الحفاظ وصيانة هذا الفن والتعريف به كموروث ثقافي وفني، مؤكدة على ضرورة اعتماد، وفي الظرف الراهن، سبل أكثر نجاعة لصيانة فن الملحون وتوثيق قصائده وتكريم شيوخه وأعلامه. وتميزت الجلسة العامة لهذا اليوم الدراسي التي ترأسها الأستاذ »أحمد شوقي بنبين« بمداخلات كل من الدكتور عباس الجراري مستشار جلالة الملك والأستاذ عبد الله بن شقرون، والأستاذ محمد المدلاوي، واستهل الدكتور عباس الجراري مداخلته إثر تناوله بعض القضايا والمشكلات التي تواجه فن الملحون، بإقامة مقارنة بين ما كان عليه وضع ومكانة الملحون قبل أربعة أو خمسة عقود وما أصبح عليه اليوم. وأوضح في هذا الإطار بأن فن الملحون كانت له مكانته باعتباره إبداعا وفنا تجاوب معه المجتمع وطرب له الملوك والسلاطين والأمراء والوزراء والعلماء والمثقفون وسائر أفراد المجتمع من صناع وحرفيين. وأكد أن هذا الفن الذي سجل خلال تلك الفترة تواجد أشياخ كبار منهم في مراكش الشيخ بن عمر، والشيخ بلكبير، عانى كثيرا من مشكل رفضه في الساحة العلمية وفي المجال الجامعي، وأيضا لدى الباحثين لتتغير الصورة اليوم حيث يلاحظ اهتمام علمي بهذا الفن، كما لفتت العديد من البحوث الجامعية الانظار الى الملحون والى عدد من شعرائه وشيوخه الخ.. وفي خضم هذا التحول يضيف الأستاذ المحاضر بدأ يفتر الاهتمام بالملحون على الصعيد العام و المجتمع، حيث أضحت أنماط غنائية وأشكال فنية تطغى وكثير منها لاصلة له بالتراث المغربي. ليتم الزج بالشباب والناشئة في غمرة هذه الأنماط الغنائية وعلى حساب الفنون الشعبية والتراثية المغربية، والتي أضحت كلها معرضة للضياع أو المسخ أو التزييف. ودعا بالمناسبة الى توحيد الصوت للفت انتباه المواطن والأجيال الناشئة، ثم العمل على إحداث هيأة وطنية للملحون لتلتئم حولها كل الفعاليات، حتى يكون لفن الملحون صوت مسوعا له وزنه وقوته وحضوره لدى المسؤولين ووسائل الاعلام، ولتأكيد حضوره الفعلي في الجامعات والمعاهد الفنية. وأكد على الدور الذي ينبغي أن تلعبه الجمعيات وكل من له اهتمام بفن الملحون والتراث المغربي، في خضم التحديات التي تواجه المغرب والأمة العربية والإسلامية وفي مقدمتها تحدي العولمة وبخاصة منها العولمة الثقافية والتي تعد الأخطر، لأنها يضيف ستكون على حساب تراثنا ولغتنا وفكرنا وأدبنا وتاريخنا. وتوزعت أشغال الجلسة المسائية الى ورشتين، تناول خلالهما المشاركون مواضيع مرتبطة بجهود الجمعيات الثقافية في الحفاظ على تراث الملحون والنهوض به، مع إبراز واقع البحوث المنجزة في مجال الملحون وآفاقها. كما عمل المشاركون على تشخيص وضعية الملحون بالمغرب واستقراء آراء الجمعيات العاملة في هذا المجال على الصعيد الوطني، ثم الوقوف عند أهمية الملحون في شخصية ووعي وفكر الإنسان المغربي، وكذا طبيعة وأهمية الرهانات المطروحة عليه حاضرا ومستقبلا. يشار إلى أن أشغال هذا اليوم الدراسي توجت بإصدار مجموعة من التوصيات وبيان عام.