شكل اليوم الدراسي الذي نظمته «جمعية هواة الملحون بمراكش»، تحت شعار: «الملحون: تراث في خدمة النهضة الفنية للمغرب»، مناسبة للتعرف على جهود الجمعيات المختصة في الحفاظ على فن الملحون، من الضياع والتزييف والمسخ، وأخذ فكرة عن التحديات التي تواجهه، من خلال تشخيص واقعه وبلورة استراتيجية متكاملة للنهوض به، باعتباره مكونا أصيلا من مكونات الثقافة المغربية. وفي الوقت الذي نجح فيه هذا اليوم الدراسي، الذي احتضنته مراكش يوم السبت الماضي، في التشخيص وبلورة الاستراتيجيات الكفيلة بالنهوض بالملحون، فنا وممارسة، لم يخف أحد أعضاء اللجنة المنظمة انتقاده لتخلف الوزارة الوصية، وكذا الهيئات المنتخبة في الجهة والمدينة، عن الدعم والحضور. اختتم اليوم الدراسي، الذي رفع شعار «الملحون : تراث في خدمة النهضة الفنية للمغرب»، بتشكيل لجنة تحضيرية من ممثلي الجمعيات لدراسة فكرة إحداث هيئة وطنية للملحون، والتهييء لعقد ملتقى وطني موسع للاتفاق على إنشاء هذه الهيئة، التي ستشمل الجمعيات والمناطق والباحثين. وأوصى المشاركون بالاهتمام بالجمعيات المهتمة بفن الملحون، وإيلاء العناية للفنانين والممارسين، وخاصة على المستوى الاجتماعي. وألح المشاركون على ضرورة اهتمام المعاهد الفنية بفن الملحون، بتدريسه بشكل يضمن انتشاره بين الشباب، كما نادوا بتفعيل مرسوم إحداث مرصد وطني للملحون. وصادق المشاركون على إصدار «بيان مراكش» حول الملحون، الذي يشخص القضايا والمشاكل والأوضاع الحالية ويرصد آفاق المستقبل، ويضع خططاً استراتيجية للنهوض بفن الملحون. إلى ذلك، تضمنت الكلمة التي ألقاها الدكتور عباس الجراري، المستشار الملكي وعضو أكاديمية المملكة المغربية، في الجلسة العامة لهذا اليوم الدراسي، الذي عرف مشاركة عشرات الباحثين والمهتمين والمختصين، وجمعيات تشتغل في مدن مراكش وفاس وسلا والقنيطرة وأرفود وآزمور وتارودانت وزرهون ومكناس، كثيرا من الإشارات، سواء على مستوى تشخيص واقع الحال أو اقتراح آفاق عمل جديدة تمكن فن الملحون من مواصلة دوره في دعم الخصوصيات الثقافية في المغرب. وفي هذا السياق، دعا الجراري إلى ضرورة إحداث هيئة وطنية لفن الملحون تلتئم حولها كل الفعاليات المهتمة والمختصة، وذلك حتى يكتسب هذا الفن قوة وقيمة ووزناً وحضوراً فعليا داخل وسائل الإعلام والجامعات والمعاهد. وعلى مستوى واقع الحال، المرتبط بالممارسة، حذر الجراري من حقيقة كون الفنون الشعبية والتراثية المغربية مهددة بالضياع والتزييف والمسخ. وتوقف الجراري عند مفارقة أن تكون هناك نهضة واهتمام علمي بالملحون، على مستوى المهتمين والمختصين، وفي الوقت نفسه هناك فتور في الاهتمام بهذا الفن على الصعيد الشعبي والمجتمعي، في ظل طغيان أنماط غنائية وأشكال فنية، بعضها له صلة بتراثنا المغربي، وكثير منها لا صلة له بهذا التراث. وبعد أن أكد على قيمة ومكانة الملحون في إبداع المغاربة، نظرا إلى غناه على مستوى المضامين والأشكال، شدد الجراري على أهمية التمسك بالتراث المغربي، لاسيما في ظل التحديات التي تواجه المغرب، وفي طليعتها تحدي العولمة، خاصة تلك المرتبطة بالعولمة الثقافية التي تعد أخطر من أي عولمة أخرى، لكونها تأتي على حساب تراثنا ولغتنا وفكرنا وأدبنا وتاريخنا، منتهيا إلى أن الآمال تبقى معقودة على اللقاءات الأكاديمية، التي تثير القضايا المختلفة والمتعددة التي يعاني منها فن الملحون. من جهته، شدد الدكتور مولاي امحمد الأمراني زنطار، عميد كلية الحقوق في مراكش، في كلمة ألقاها باسم جامعة القاضي عياض في مراكش، على أن فن الملحون يبقى من أكثر الفنون تأثيراً في وجدان المغاربة، لارتباط كثير من مضامينه بالجوانب الدينية والصوفية، إلى جانب مضامين أخرى، مشيراً إلى أن شعر الملحون في المغرب تضمن قضايا متعددة تتصل بالوطن، وتلقي الضوء على كثير من الجوانب الاجتماعية والوطنية. أما الدكتور ادريس الجبلي، الكاتب العام لجمعية هواة الملحون في مراكش، فدعا إلى صياغة تصورات وبلورة مقترحات كفيلة بالنهوض بشعر الملحون في المغرب واستثمار المنجز منه، المنبثق من جهود متضافرة، ساهمت فيها زمرة من الباحثين الأكاديميين الرواد، منذ ستينيات القرن الماضي إلى جانب باحثين هواة، مطالبا بوضع استراتيجية عمل تكون حافزا لإيلاء العناية بالمبدعين والمنشدين ودعم الجمعيات الجادة والنشيطة، والرعاية والعناية بحركة شعر الملحون في المغرب، باعتباره يعكس تجربة إبداعية أدبية وفنية متميزة في الثقافة المغربية المعاصرة. وإلى مضامين المداخلات التي ميزت الجلسة الافتتاحية، فقد تناولت أشغال اليوم الدراسي مواضيع ذات ارتباط بموضوع اللقاء، سعت إلى تشخيص واقع فن الملحون في المغرب، وبلورة خطة متكاملة للنهوض به، باعتباره مكونا أصيلا من مكونات الثقافة المغربية، فضلا عن تنظيم ورشتين، ورشة أولى في شأن «جمعيات الملحون في بالمغرب»، انتهت أشغالها إلى إعداد ملف مطلبي يتضمن جردا بمشاكل الجمعيات، وورشة ثانية، في شأن «الأبحاث والدراسات في مجال الملحون»، ناقشت مجال البحث وطرحت آفاق العمل. وأكدت الورقة التقديمية، الخاصة باليوم الدراسي، والتي تم توزيعها على المشاركين، على أن الثقافة تبوأت، منذ عقود، مكانة هامة في الحياة المعاصرة، باعتبارها مجالا يختزل أنشطة الإنسان الروحية والفكرية والوجدانية، بل مجالا لتحديد الهويات وتمييز الخصوصيات، كما أضحت، في الوقت نفسه، نافذة للهيمنة وحلبة للصراعات، ولذلك غدت ركنا جوهريا في التنمية البشرية التي تعتبر رافعة لكافة التنميات ولبلورة الخصوصيات. واحتلت الثقافة الشعبية مكانة مهمة ضمن السياقات الثقافية العامة وضمنها الثقافة المغربية، تعضيدا للخصوصية الوطنية وبلورة الوجدان المغربي الجماعي، في الوقت الذي بدأت فيه معالم هذا الوجدان تخترق من قبل عناصر ثقافية غربية تعمل على تشويهه واستلابه. كما أكدت الورقة التقديمية على أن فن الملحون، باعتباره مكونا جوهريا من مكونات الثقافة الشعبية المغربية، بقي في منأى عن «الفلكرة»، التي انساقت معها كثير من أنماط الفنون الشعبية المغربية، مثلما بقي محافظا على طابعه الشعبي والعام، الذي يتذوقه المغاربة باختلاف مناطقهم وأجيالهم وأوضاعهم الاجتماعية، بل وجدت فيها الأجيال الجديدة مجالا خصبا للتطوير والإمتاع. وأكدت الورقة على أن فن الملحون احتل مكانته المميزة بفعل خصوصياته اللغوية والأدبية والفنية، وأيضاً بفضل جهود المهتمين به، من جمعيات أو باحثين ومختصين، حافظوا على استمراريته وتوهجه، في وقت كانت فيه الفنون الشعبية تهمش أو تحول إلى مادة فلكلورية. وأشادت الورقة بالأدوار المهمة التي لعبتها الجمعيات، التي تأسست في العديد من المدن المغربية، وخاصة على مستوى الحفاظ على الملحون واستمراريته والدفاع عن وجوده، وتجميع واحتضان شعراء الملحون و«أشياخه» وعارفيه وهواته، بل يمكن القول، تؤكد الورقة، إنه لولا جهود هذه الجمعيات، لما ظهر كثير من المنشدين والعازفين، بل حتى الشعراء الذين تحبل بهم ساحة الملحون المعاصرة.