يستمر الارتفاع المفاجئ لسعر مادة العدس في إثارة استياء أوساط عديدة من شعبنا بمختلف جهات البلاد، كما يبعث على الخشية من أن يمتد ليشمل أسعار مواد غذائية أخرى، كما حصل من قبل مع ثمن بيع البصل، ومع الدجاج، وأيضا مع بعض الخضراوات والفواكه والقطاني... سعر العدس اليوم وصل إلى ثلاثين درهما للكيلوغرام الواحد، بعد أن كان يتراوح بين خمسة عشر وثمانية عشر درهما، وهذه الزيادة الكبيرة خلفت الكثير من الغضب، وأيضا تعابير السخرية وسط الأسر، وباتت المقارنة تجري بين ثمن العدس وثمن اللحم، كما انتقل العدس ليصير مادة غذائية في غير متناول الفقراء، كما هو متعارف عليه في القول المغربي الدارج. قد يكون انحسار المطر في الموسم الفلاحي الماضي، وارتفاع درجات الحرارة في الشهور الأخيرة، وراء ضعف الإنتاج والمخزون الوطنيين، وهو ما أثر سلبا على مستوى العرض المتوفر في الأسواق. وقد تكون ربما تكاليف استيراد هذه المادة من الخارج وراء ارتفاع سعرها داخليا. ولكن فجائية الزيادة وسرعة تنزيلها وظرفيتها وتوقيتها تجعل التفسير يتجه أساسا نحو منظومة مراقبة الأسعار وتأطير المنافسة أكثر من شيء آخر. لماذا إثقال كاهل الأسر الفقيرة بهذه الزيادة في هذا التوقيت بالذات؟ قد يدفع تجار هذه المادة وموزعوها بكون الأسعار حرة والسوق مفتوحة، ولكن هذا الدفع الغارق في ليبرالية عمياء وأنانية تجارية مقترنة بعقلية تصيد الفرص على حساب قوت المغاربة وعيشهم اليومي، مردود عليه بمسؤولية الدولة والسلطات العمومية على حماية القدرة الشرائية للفئات الفقيرة والمتوسطة من شعبنا، وبدور الأجهزة المؤسساتية الموكول لها تنظيم المنافسة ومراقبة الأسعار في تفادي تحول السوق الوطنية إلى فريسة يقتسمها بينهم أباطرة الاحتكار واللوبيات التجارية من دون أي التفات لواقع شعبنا وحجم ما يواجهه من إكراهات والتزامات اجتماعية ومادية. العديد من الخبراء والمتابعين لتحولات السوق الوطنية يؤكدون اليوم أن ما شهده ثمن العدس من ارتفاع لا يرتبط فقط بعوامل مناخية أو بأسباب اقتصادية موضوعية، وإنما هناك مناورات السماسرة والوسطاء ولوبيات الاحتكار التي توجد وراء ما يجري، ولهذا لا بد من تفعيل تحقيق مستعجل وجدي بهذا الخصوص، لوقف هذا الهجوم على جيوب المغاربة وقوتهم، ومحاسبة كل من يقف وراء مثل هذا التلاعب الخطير بالسوق الداخلية. إن انفتاح سوق التجارة لا يعني حرية السماسرة في نهب بسطاء شعبنا والتلاعب بالقدرة الشرائية التي تبقى أصلا ضعيفة لدى أغلب الأسر المغربية، وإنما تعني أيضا دور السلطات العمومية وأجهزة المراقبة ومسؤوليتها "السياسية" في توفير ضمانات استقرار السوق وتناسب تحولاته مع الواقع الاقتصادي والاجتماعي لأغلب فئات شعبنا، ومن ثم صيانة استقرار البلاد وتقوية صمامات الأمان على صعيد الحياة اليومية للناس، وتفادي تحويل السوق الوطنية إلى غابة موحشة السيد فيها يكون هو لوبي السماسرة والمحتكرين، وكل الآخرين، أي الأغلبية الساحقة من المغاربة، يصيرون عبيدا مجبرين على تحمل كلفة جشع هؤلاء السماسرة وسعيهم الأعمى لتحصيل أرباح خيالية وسريعة. السلطات العمومية يفترض أن تقف اليوم في مواجهة هذه اللوبيات الجشعة دفاعا عن قوت أغلب الأسر الفقيرة والمتوسطة، وتحمي القدرة الشرائية لشعبنا، بل وأن تحرص على تحسينها باستمرار. السلطات العمومية يجب كذلك أن تنتبه إلى من يتوهم القدرة على استغلال أي فراغ مؤسساتي سياسي أو أي ثغرة قانونية قصد الركوب عليهما أو الانسلال من بين ثقوبهما لإحداث أي اختلال في المستوى الاجتماعي والمعيشي المرتبط بالحياة اليومية للمغاربة، وذلك إما لمجرد تحوز أرباح أكبر أو أيضا ربما لنشر الوهم وتغليط المواطنين وخدمة أهداف سياسية وحزبية ضيقة وعديمة الأفق. العنوان اليوم هو سعر بيع مادة العدس، وبالأمس القريب كان يرتبط بسعر البصل أو سعر الدجاج أو أسعار الخضر والفواكه والقطاني، وغدا لا أحد يضمن ألا يمتد جشع هذا الأخطبوط المصالحي الانتهازي ليفرض ابتزازه على أثمنة مواد وخدمات أخرى. القدرة الشرائية لشعبنا ومستوى عيش الأسر يجب أن يعتبرا اليوم أولوية، لكون ذلك يندرج ضمن الحرص على كرامة المغربيات والمغاربة.