الانتخابات التشريعية في إسبانيا واستفتاء بريطانيا، بالرغم من النتائج التي نجمت عنهما أو انعكاسات ذلك داخل البلدين وفي محيطهما، هما لحظتان ديمقراطيتان تقدمان كثير دروس. بداية هناك الإقبال العام وحجم مشاركة الناخبات والناخبين، حتى أنه برغم كون تشريعيات إسبانيا هي إعادة لاقتراع كان قد جرى منذ شهور فقط، فإن الأسبان سجلوا نسبة لا بأس بها على صعيد المشاركة في التصويت، ما يجعل وعي المواطنين مهما وضروريا لإنجاح المحطات الديمقراطية الكبرى. ثم هناك المنظومة التقنية والتدبيرية العامة للمسلسل الانتخابي، ذلك أن الهيئات المشرفة جسدت أداء متقدما منذ البداية إلى غاية الإعلان عن النتيجة التي لم يتأخر الكشف عنها، ولم يطعن أحد في الإجراءات أو المساطر أو الممارسات أو في النتائج. في إسبانيا، وبالرغم من كون ما أفضى إليه هذا الاقتراع المعاد لن يحسم الاحتقان، ولن يحل بسهولة مشكل تشكيل الأغلبية، فإن الطبقة السياسية لم تخش الرجوع إلى الشعب والاحتكام إلى إرادته، والناخبون بدورهم عادوا إلى مراكز الاقتراع ومارسوا حقهم الديمقراطي. أما في بريطانيا، فبغض النظر عن تحفظات كثير أطراف سياسية بشأن خيار اللجوء إلى الاستفتاء أصلا، وانتقاد العديدين لضعف شخصية رئيس الوزراء، والتخوف من المجهول الذي قاد إليه البلاد، فإن السلوك الديمقراطي كان واضحا، حيث إن رئيس الوزراء نفسه بمجرد الإعلان عن نتيجة التصويت، التي كانت مخالفة لانتظاره، أعلن استقالته من المسؤولية، كما أنه لا أحد طعن في النتيجة أو في منظومة تدبير العملية الاستفتائية، وسواء الذين يؤيدون ما أفضى إليه الاقتراع أو الذين يعارضونه، جميعهم قبلوا بإرادة الشعب وانتقلوا للمحطة الموالية. درس آخر من بريطانيا لا بد من الانتباه إليه، ويتعلق الأمر بأنه بمجرد الإعلان عن نتيجة الاستفتاء باشر المعارضون جمع توقيعات على عريضة تدعو إلى إعادة الاستفتاء، وهي العريضة التي انضم إليها عشرات الآلاف من الناخبين بشكل واع ومسؤول، وفرضوا إدراجها على موقع مجلس العموم البريطاني الذي بات، بموجب عدد التوقيعات المسجلة، ملزما بعقد جلسة عامة لتدارسها، وهذا كذلك يحيلنا على العرائض الشعبية ومشاركة المواطنات والمواطنين في صنع القرار السياسي والتشريعي. وسواء في إسبانيا أو في بريطانيا، يبرز كذلك مستوى النقاش السياسي العمومي المرتبط بالاستحقاقين، إن من لدن السياسيين أو في الإعلام أو على مستوى مراكز استطلاعات الرأي ومؤسسات البحث العلمي، ذلك أنه لا مكان لتفاهة الكلام، وإنما هناك حوار مجتمعي عمومي حقيقي يهتم بالبرامج والمشاريع والرؤى والسير والمسارات بكثير من الرصانة والجدية والعمق والجاذبية. بلادنا هي أيضا تستعد لخوض استحقاق تشريعي في سابع أكتوبر المقبل، وهي في حاجة إلى استحضار دروس ما عاشته إسبانيا وبريطانيا وتمثل دلالاتها: درس المشاركة الشعبية وإقبال الناخبات والناخبين على التسجيل والتصويت والدفاع عن حقهم وعن رأيهم وصوتهم ومحاربة أي شكل من أشكال التزوير أو الفساد، والإصرار على توفير كل شروط سلامة العملية الانتخابية ونزاهتها، ومحاربة السماسرة والمفسدين. درس الحرص الجماعي على تنظيم انتخابات نزيهة وقبول كل الأطراف بنتيجتها وامتناع السلطات عن كل تدخل لصالح هذا الطرف أو ذاك ومحاربة كل أنواع الضغط والتحكم وشراء الأصوات، وتعزيز دور القضاء ولجان المراقبة المدنية لسلامة العملية الانتخابية. درس تفعيل حوار سياسي عمومي رصين وعالي الجودة بين الأحزاب والمرشحين وعلى صعيد وسائل الإعلام، وتحسيس المواطنات والمواطنين وتوعيتهم. درس الالتزام الجماعي بما ستعبر عنه صناديق الاقتراع وترتيب باقي الخطوات على ضوء ذلك، وحرص كل الأطراف على مواصلة ترسيخ البناء الديمقراطي المؤسساتي لبلادنا بما يؤمن لها الاستقرار والتقدم والنجاح في دينامية الديمقراطية والتنموية. إنها دروس لا بد من استخراجها عقب ما عاشته إسبانيا وبريطانيا مؤخرا، والسير من أجل تنزيلها مغربيا على أرض الواقع. في بريطانيا وفي إسبانيا من البديهي هناك أطراف سياسية خاسرة وأخرى ربحت، ولكن الأساس أن البلدين بقيا ديمقراطيين وكشفا عن تقاليد ديمقراطية ومؤسساتية وسلوكية راسخة. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته