في الأيام القليلة الماضية التف عدد من الإعلاميين والمثقفين والسياسيين لاستحضار ذكرى رحيل الصحافي محمد باهي، وفي القول الذي جرى البوح به من طرف المتدخلين حضرت أسماء صحفيين كبار عبروا مهنتنا ومخيالنا، مثل الفقيد الكبير علي يعته، ومحمد بنيحيى وآخرين... في الزميلة "العلم" نقرأ هذه الأيام جزءا من سيرة النقيب محمد العربي المساري رحمه الله، وفي الزميلة "الصباح" يتذكر الزميل محمد نافع بعض مراحل مساره المهني ويورد أسماء بعض من جايلوه... في السيرة أيضا تخلد الحكاية المهنية كثير أسماء في تخصصات صحفية متنوعة، على غرار: عبد الجبار السحيمي، عبد الله الستوكي، ندير يعته، حميد برادة، حسن العلوي، مصطفى اليزناسني، نادية برادلي، فاطمة بلعربي، عائشة مكي، محمد أنيق، محمد الأشعري، عبد الرفيع الجواهري، عبد الكريم غلاب، محمد السلهامي، خليل الهاشمي الإدريسي، ميمون حبريش، عمر سليم، الخوضي، نجيب السالمي، محمد لبريني، خالد الناصري، شمعون ليفي، أندريه أزولاي. آخرون لم تنفع الذاكرة الشخصية في إيراد أسمائهم، وهم حاضرون في تفاصيل الحديث اليومي بين المهنيين والقراء والجمهور، ومنهم من عمل في الإذاعة أو في التلفزيون أو في وكالة المغرب العربي للأنباء أو في الصحافة المكتوبة... أغلب هؤلاء لم يعودوا اليوم بيننا، إما التحقوا بالدار الآخرة، أو أن انشغالات أخرى لوحت بهم بعيدا عن مهنتنا ولم يعد كثيرون يذكرون أنهم كانوا ذات مرحلة هنا في هذه المهنة، ولكن واجب استحضار أسمائهم وسيرهم ينبهنا إلى أن غالبيتهم امتلكت تكوينا ثقافيا وسياسيا متينا أتاح لها رسم نجاحها المهني بكثير من الرصانة والتميز والجدية. أغلبهم كذلك كانوا يمتلكون ويصرون على مواقف في المهنة وفي الحياة، وحتى عندما لم يكونوا ضمن ذات الاصطفاف، فالصراع والسجال بينهم كانا بمعنى وبلا سطحية أو... صفاقة. لماذا افتقدنا أمثل هؤلاء الكبار في مهنتنا اليوم؟ هو سؤال باعث على الامتعاض والغضب و... الخشية من الآتي. عندما تقوى "الدوباج" وعمليات "النفخ" في جنبات هذه المهنة، وبات صغار القامة وقصيرو النظر يتقدمون الصفوف، لم تعد ممارسة المهنة تغري الكثيرين. عندما ساد الاستسهال وعمت الاختراقات المهنة ودخلتها من كل ثقوبها، فقدت بهاءها ولم تعد واجهة رأي أو منبر تحليل أو مساحة تتيح متعة القول والكتابة. قلت الصحف ذات الهوية الواضحة، والممتلكة لمصداقيتها، وكثرت المنشورات التي تحمل كل الألوان عدا لونها هي، ولم يعد الكثيرون يميزون بين الاتجاهات والخطوط التحريرية، ولم تعد تسمع سوى قصص "نفخ" هذا ومد ذاك "بالدوباج"... امتلأت الطريق، لكن المصداقية وجدية القول وبعد النظر يمتلكها فقط من يصر على وضوح الاصطفاف، وعلى الانتصار لقضايا البلد والناس. أمثال الأسماء المستحضرة أعلاه لا يمكن صنعها فقط في المدارس والمعاهد وحدها، وهي أيضا لا تبرز عبر الدعم العمومي ودفاتر التحملات فقط، وإنما من خلال استعادة مصداقية الصحافة الوطنية، وتمتين مكانتها الاعتبارية، والابتعاد عن تدجينها واختراقها والتحكم فيها والنزول بها إلى حضيض السلوك المهني والمجتمعي. ضعف صحافتنا وسقوطها فيه إضعاف لبلادنا ولقضاياها الكبرى والأساسية... لنتأمل الأسماء أعلاه، ولنقارن ما شئنا من مقارنات، ثم لنفكر في مآلاتنا وفي مستقبل البلد. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته