دفعني التعاطي الإعلامي لبعض المنابر الصحفية بالمغرب مع تفاعلات وضع "أميناتو"،أسميه وضعا و ليس قضية أو أزمة،إلى استحضار ذكريات ومواقف مع وجوه إعلامية وطنية بارزة تعلمت منها الكثير،وأنا أخطو أولى خطواتي في "مهنة المتاعب". وضع "أميناتو" لم يكن في حاجة إلى كل هذه الهالة الإعلامية،لأن الأمر يتعلق،وتلك هي الحقيقة،بحالة مرضية تسمى"الشعور بالعظمة" من أعراض المصاب بها إحساسه بأنه هو"مركز العالم"،وبالتالي فإنه كان من الواجب أن تتم الاستعانة بأخصائيي الأمراض العقلية بدل تسييس الموضوع. حالة"اميناتو"،واسألوا أهل العلم من أمثال البروفيسور المهدي باييس و البروفيسور الموساوي،لا تختلف كثيرا عن حالة الفتاة صاحبة الدراجة النارية التي اقتحمت البساط الأحمر في مهرجان مراكش الدولي للسينما،طلبا للقاء الملك الراحل و التماس تدخله للحصول على دور"كاسكادور"في أحد الأفلام. لقد كان على بعض أصحاب الأقلام الذين حولوا حالة مرضية إلى مشروع"زعامة" القيام بزيارة ميدانية إلى"الرازي" بسلاأو"الجناح 36" بالدار البيضاء،من أجل اكتشاف مرض"أميناتو".لو قاموا بذلك،سيكتشفون حالات متعددة:من يدعي أنه المهدي المنتظر أو هتلر أو رئيس دولة وهلم جرا. "حول". لماذا استحضرت بعض الأسماء التي طبعت المشهد الإعلامي في بدايات كاتب هذه السطور مع الصحافة؟ لسبب بسيط،هو أن تلك الطينة التي أصبحت نادرة،كانت تملك من الحس السياسي و الوطنية ما يجعلها تبتعد عن إغراءات الإثارة في التعامل مع مواقف أصعب من حالة مرضية كما هو الشأن بالنسبة ل"امينتو". من يستحضر كتابات نعيم كمال ، مولاي علي العلوي ، مصطفى اليزناسني ،عبد الغني دادس ،مصطفى القرشاوي،عبد الله الستوكي،محمد الأشهب،عبدالقادر شبيه،محمد نافع،أحمد اليعقوبي،طالع السعود الأطلسي،محمد أحمد باهي ،عبد الحميد الخاتر ،حسن أعراب،محمد الخلوفي ،المرحوم ندير يعتة و المرحومة نادية برادلي و اللائحة طويلة(وأطلب المعذرة من الذين أغفلت ذكرهم)،سيقف عند قاسم مشترك جمع بين كل هذه الأسماء:اختلافهم في ظرفية كان فيها الصراع السياسي الداخلي على أشده،وتوحد مواقفهم حول مصلحة المغرب العليا و حرصهم ،كرجل واحد،على مواجهة أعداء البلاد في محافل الخارج و الداخل. بالعودة إلى تعامل الدولة المغربية مع وضع"أميناتو"،لا يمكن إنكار وقوع زلات و أخطاء راجعة إلى هيمنة"الهواية"و استبعاد"الاحتراف"،سواء في ما يتعلق بتجميع و تحليل المعطيات وما يليها من قرارات(واقعة تسلل محمد عبد العزيز المراكشي إلى المنصة الرسمية لاحتفالات ثورة الفاتح نموذجا). لنعترف بتلك التعثرات و العمل على تجاوزها،دون جلد للذات أو مزايدة على أحد،ولتسند الأمور إلى أهلها،والمغرب لا يعدم الكفاءات. الأمور بخواتمها،لكن لكي يكون الختام مسكا،علينا التحلي بالجرأة و الشجاعة اللازمتين للإقرار بأن تدبير الشأن السياسي يجب أن يعهد إلى المحترفين،من منطلق أن للسياسية حساباتها الخاصة التي تتعدى "تقنية"التقنوقراط. قبل الختم:وأنا أتصفح قصاصات وكالة المغرب العربي للأنباء،هالني تعدد تأسيس جمعيات جديدة لا اشك في نوايا أصحابها،ولكن لا أريد أن تفتح مناسبة"الوضع" مجالات أوسع لتكريس ريع جديد كما هو الحال للجمعيات التي تناسلت قصد"الاستفادة"من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية و إفراغها من محتواها الحقيقي ونبل مقاصدها. كلمة الختم: القضية الوطنية الأولى هي قضية شعب بأكمله،و كلمة الشعب كافية وزيادة لربح معركة هي حتما طويلة الأمد،لأنها تهم الوجود لا الحدود. "أمينتو" مجرد حالة.نقبوا في تاريخ المغرب العريق،لن تجدوا مكانا لأمثالها.