الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها : تسليم السلط بين محمد البشير الراشدي ومحمد بنعليلو    مقتل 830 شخصا منذ استئناف الهجوم الإسرائيلي على غزة    الأرجنتين تعيد فتح قضية وفاة "مارادونا" وتعتقل "شاهد زور"    مونديال الأندية.. الفائز باللقب ينال قرابة 125 مليون دولار (فيفا)    توقعات أحوال الطقس ليوم الخميس 27 مارس    المضيق.. حملة تفتيشية تسفر عن حجز وإتلاف لحوم فاسدة    الرباط وموسكو.. تاريخ مشترك يُبعث من جديد عبر "نادي لحظة الحقيقة"    سماء المغرب على موعد مع ظاهرة فلكية نادرة يوم السبت    الذهب يستقر مع تزايد القلق من تداعيات الرسوم الجمركية الأمريكية    إعلان حالة الطوارئ في سلوفاكيا بسبب تفشي الحمى القلاعية    ماذا نحتاج لنكون سعداء؟    فوضى بمحطة قطار.. شخص مضطرب يثير الرعب ويخرب تجهيزات السكك الحديدية    المندوبية السامية للتخطيط تحذر من كلفة ضعف التمكين الاقتصادي للقرويات    مسلسل رحمة في مرمى الانتقاد بسبب مشاهده الحميمية    جزيرة "مان" البريطانية تقنن مفارقة الحياة بمساعدة الغير    "سيعودون في توابيت".. "حماس" تحذر إسرائيل من محاولة استعادة الأسرى بالقوة    المغرب يتصدى بحزم لمناورات الجزائر التضليلية بمجلس الأمن الدولي    رسالة مفتوحة إلى الوالي التازي: هذه أبرز الاختلالات المرورية بشوارع طنجة التي تتطلب تدخلاً فورياً    22 قتيلا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية خلال الأسبوع الماضي    اتهامات بسوء المعاملة داخل السجن المركزي بالقنيطرة: الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان تطالب بفتح تحقيق عاجل    "البلاصا الجديدة" بطنجة.. سوقٌ يحمل في طياته أسرارًا من زمن الحرب الأهلية الإسبانية ومصيره اليوم الهدم لإحداث مشروع مندمج    وزير الخارجية الإسباني يشيد بمستوى العلاقات الثنائية مع المغرب    الشاعر نور الدين الدامون في ذمة الله    تجميد المواد الغذائية .. بين الراحة المنشودة واستحضار الجودة    الجمعية المغربية لحقوق الإنسان تودع شكاية لفائدة طفلة أُصيبت بالسيدا عقب عملية جراحية    تصعيد عسكري إسرائيلي على عدة جبهات وتحذيرات من تفاقم الكارثة الإنسانية    المغرب المتضرر من الجفاف يمدد دعم استيراد القمح حتى نهاية العام    تطورات ملف الصحراء المغربية.. سيناريوهات الحسم مع الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء    الخطوط الملكية المغربية وChina Southern Airlines توقعان مذكرة تفاهم لتعزيز الربط الجوي ما بين إفريقيا والصين    وليد الركراكي : المهارات الفنية صنعت الفارق أمام تنزانيا    زيدان يشيد بدور المركز الجهوي للاستثمار في تحفيز التنمية بجهة فاس – مكناس    اعتقال المتسبب في أعمال تخريبية بمحطة القطار الرباط المدينة    المغرب في المرتبة 64 عالميا في سرعة الإنترنت    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الأربعاء    المغرب يقود جهود إعادة دمج دول الساحل وإفريقيا الوسطى في الاتحاد الإفريقي    دراسة توضح تأثير استخدام شات جي بي تي على الشعور بالوحدة    كأس العالم 2026: الأرجنتين تسحق البرازيل برباعية وتصبح أول المتأهلين للنهائيات عن أمريكا الجنوبية    بنعلي تُبرز تجربة المغرب ببريطانيا    الركراكي: نتطلع إلى إسعاد المغاربة    المنتخب المغربي يهزم تانزانيا … بدون إقناع … !    تنقيط أداء لاعبي المنتخب الوطني المغربي بعد الفوز المثير على تنزانيا    تصفيات المونديال.. فلسطين تهزم العراق وتعزز آمال الأردن    شكوى حقوقية حول إصابة طفلة بفيروس الإيدز إثر عملية أذن في مستشفى جامعي    الدورة الثلاثون للمعرض الدولي للنشر والكتاب فضاء لمواصلة السعي الواعي إلى النهوض بالكتاب والقراءة (بنسعيد)    عندما يعزف الشيطان: فصول الجابي !    يا رب أنا جيتلك.. جديد سميرة سعيد    الكوميدي "بهلول" يطلب دعم الفنانين لتسديد شيك بدون رصيد    واشنطن تتباحث مع كييف في الرياض    "تراث المغرب".. سلسلة وثائقية لتثمين الموروث الثقافي للمملكة    زلزال عنيف بقوة 6,7 درجات قبالة سواحل الجزيرة الجنوبية بنيوزيلندا    أوراق من برلين .. رسالة فرانز كافكا: جروح قديمة ما زالت تنزف    اكتشاف جديد يحدد الأجزاء المسؤولة عن تذكر الكلمات في الدماغ    نهاية سوق پلاصا جديدة بطنجة    كسوف جزئي للشمس مرتقب بالمغرب يوم السبت القادم    عمرو خالد يحث المسلمين على عدم فقدان الأمل في وعد الفتح الرباني    السعودية تحين الشروط الصحية لموسم الحج 2025    المجلس العلمي يحدد قيمة زكاة الفطر بالمغرب    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفلا قرآنيا لتكريم الفائزين بالمسابقة القرآنية المحلية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سوق"الخليلي" بالقاهرة .. باب مراكش بالبيضاء
نشر في بيان اليوم يوم 18 - 05 - 2016

انتظرته قرب مدخل "الخان"، اعرف خريطة محياه بدقة، تجولت في تفاصيلها قبل سنوات، تقاسمت معه الشارع والزقاق، والحجر والشجر وحتى السماء والمطر، شاركته ملابسه الداخلية وغير ذلك.
أثاقل إلى "الخان" ولي علم يقين بأن "عاكف" لن يأتي، وأن الوقت أسرع من ذاكرتي، وأن ولوج "الخليلي" دون استئذان محفوظ، هو كدخول البيوت من ورائها، فنجيب أبدع في نحت الحيطان، وتجول في المكان وحدد الزمان عبر رائعته "خان الخليلي". لا يمكن استنشاق رائحة دروب وأزقة "الخليلي" دون العيش مع "أحمد عاكف".
ولا يمكن اختراق شارع "" دون السلام على سكان مقابر الفاطميين في "جبانة الزعفرانة"، وذلك قبل أزيد من 600 عام.
دخلناه آمنين، كما دخلنا مصرا قبل ذلك، دكاكين تستقبلك وعمرها يزيد عن مائة ومائتين، وأناسها منهم الشيخ والكهل والصبي و"عاكف".
صومعة ترى على بعد عشرين أو ثلاثين، وعلى امتداد البصر، تضيق زاوية النظر كلما تجاوزت الثلاثين، وتتضح الصورة كلما تقدمت أقل من العشرين، لتجد نفسك أمام "رغيف" يسير على اثنتين، ولحن يصعد من وسط اليدين، إنسي يحمل فوق رأسه خبزا لا تستطيع الطير الأكل منه، يتغنى ب"الست أم كلثوم" تارة، و"اناشيد صوفية" تارة أخرى.
لا أحد يعبأ للإنسي، فلكل شأن يغنيه، بين مفاوض على قطعة فرعونية، ومهووسة بصورة شخصية، وشرطي ينزوي على اليسار، بشارب يغطي كل ثغره، ويحرم الباحثين عن "عاكف" من ابتسامة رجل أمن تطمئنهم، لكن حتى لو قاوم، فالشارب طغى وتجبر.
أصحاب المحلات والدكاكين التي تتقدم السوق مدخل "الخليلي"، أعينهم مركزة على عدسة "رشاشاتهم" لاقتناص راغب في نصب تذكاري، أو مريد لحلية أو زينة أو حتى باحث عن "عاكف".
تجنبت "الرشاشة" الأولى والثانية والعاشرة، فتوقفت عند شيخ حاجته إلى النوم أكثر من حاجته للأكل، يتحدث بصعوبة، وبحثه عن الكلمات يزيد من صعوبة التواصل. فقد هممت بمغادرة محله لولا أن جاءني شاب في ربيعه الخامس والعشرين أو ربما يزيد، لم أدقق في تفاصيله، بقدر ما كان همي هو التفاوض، فالحديث طال، والمناقشة احتدمت، لتنتهي أخيرا دون نتيجة، وأغادر "الشيخ".
اتخذت زاوية بالسوق، ثم أرخيت ببصري يمينا وشمالا، لأخذ فكرة أكثر وضوحا، عن محل يبيع ما كان يشتريه "عاكف" قبل سنين.
الشمس تبتعد عن منتصفها، والسوق يضيق بمرتاديه، والجوع يدعوك للبحث عن أقرب مكان تطعم فيه جسد الباحث عن "عاكف" وتسقيه، فحاولت اختراق الأزقة، لكنها صعبة الاختراق، فكيف يمكن اختصار المسافات في فضاء دروبه مختصرة وزقاق يقذفك لآخر، فحتى تكنولوجيا "غوغل" لم تشفع لي في دروب "الخليلي".
تكيفت بسهولة مع الأزقة، لأني أعرفها منذ سنين، وأعرف أن "عاكف" مر من هنا، وأن في بلدي ما يشبه "الخليلي" في تفاصيل كثيرة، فكما للمصريين "الخان" للمغرب "باب مراكش" والأحباس و"السمارين" وأيضا لنا "عاكف".
استجبت لدعوة "الجوع"، فقصدت "الكشري" و"الطعمية" وغيرها، فنوعية الطعام تترجم ثقافة الشعوب، فالكشري خليط من معجنات وعدس وزيت وأشياء أخرى أجهلها، والطعمية لم أدقق في مكوناتها، ولم أستفسر عنها.
كلما توغلت في عمق "الخليلي" يزيد بحثك عن أشعة الشمس المسربة بين فتحات نادرة، تمنح الفضاء بهاء يتمازج مع أرض مبلطة بحجر بازلتي مختلف ألوانه، يشرئب من فوقها سقوف مسنمة تحوي نقوشا بديعة كتبت قبل ملايين السنين، تمازجت بشكل انسيابي مع حاضر "الخليلي".
لم يكن الفيشاوي قبل أزيد من 240 عام، يتخيل أن يتغنى الأدباء باسمه، ويبدع الشعراء في كتابته، فاسمه ارتبط بمقهى جمعت السياسي والاقتصادي و..."عاكف" على طاولة شاي مصري، في أباريق أعدت بعناية وما تزال.
ولم يكن يتصور الفيشاوي أن يتحول فضاء يرحب فيه بالأصدقاء كل نهاية أسبوع، إلى "معلمة" ارتبط اسمها بنجيب والعندليب والست أم كلثوم وزغلول وحتى "عاكف".
بمجرد الاقتراب من المقهى، تقف على عراقة المكان، من تراب الأرض وطريقة العرض، فأول ما يجذبك، غرفة صغيرة تشبه متحفا معماريا، فاحتساء فنجان قهوة أو "كباية شاي" داخلها، يعني أن اسمك سينحت مع الرواد.
ليست "الفيشاوي" المقهى الوحيدة بمنقطة الحسين، بل الكراسي الخشبية تزاحم الإنسان وحتى الحيوان بالمكان، والمقاهي تنتشر بشكل كبير، وكما للمصريين كراسي خشية وأباريق فضية ونحاسية للمغاربة كذلك.
الدهشة لم تكن تصاحبني، فالأمكنة مألوفة، والشخوص متاحة في مخيلتي، تحتاج فقط الاجتهاد في تكييفها مع كمية الضوء التي تستقبلها العين عند كل حركة، والدروب تعودت على حساسيتها في بلدي، فمن تجول في أزقة الأحباس بالبيضاء و"باب مراكش" ودروب مراكش وفاس القديمة، لن يجد صعوبة في التأقلم مع أجواء "الخليلي".
في منطقة الحسين، حيث المريدون يأتون من كل صوب وحدب، والمكان يعيد ضبط التاريخ، عبر خمسة أبواب.
"المشهد الحسيني" يمزج بين المعمار التركي والشرقي وغيرهما، فتجد المنارة تحتفي بالمعمار العثماني، وتجد الطوب يحتفي بالحجر الغوطي، المنظر من الداخل رهيب، والخارج كذلك.
جاء صوت من أقصى "المشهد" ينادي للصلاة، والصوت واللحن الذي تعودنا على سماعه عبر شاشاتنا أو تطبيقات هواتفنا، أسمعه مباشرة، أدان بمقام "حجازي" يزيد المكان بهاء ورونقا.
اقتربت الساعة، وحان موعد الرحيل، واستوعبت أني التقيت "عاكف" الذي انتظرته عند مدخل "الخليلي" أكثر مرة بدروب الحي وهوامشه وحتى ضواحيه، قرب "السيدة زينب" والعتبة والميدان وفي كل مصر بل حتى في بلدي، ببساطة ف"عاكف" هو ذلك الموظف البسيط الذي جعل منه نجيب محفوظ بطل روايته "خان الخليلي"، ولكل رواية حكمة وغاية.
*****
معطيات لابد منها
يعد خان الخليلي من بين أعرق أسواق الشرق الأوسط، خصوصا أن عمره يزيد عن 600 عام، أي منذ عصر المماليك وحتى الآن.
والخان بناية على شكل مربع كبير تحيط بفناء يشبه الوكالة ويضم في الطبقة الوسطى منه المحلات، وأما الطبقات العليا فتضم المخازن والمساكن، وقد سمى باسم من أنشأه وهو الأمير «جركس الخليلي» وهو أحد الأمراء المماليك وهو من مدينة «الخليل» وتم تشييده في عام 784ه الموافق عام 1382 ميلادية فوق مقابر الفاطميين سابقا، حسب كثير من الروايات التاريخية.
وبعد مقتل «الخليلي» في دمشق، أزال السلطان «قنصوه الغوري الخان، وأقام مكانه وكالات ونزلا للتجار، ورغم ما هدمه وبناه الغورى تأكد دور الخان الذي لم يزل يمارسه حتى الآن كواحد من أشهر وأعرق أسواق القاهرة والشرق، ويقع خان الخليلي في شارع مواز لشارع المعز لدين الله الفاطمي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.