أعلن المغرب اعتذاره عن استضافة القمة العربية العادية التي كانت مقررة في مراكش، معتبرا أن القمة لا يمكن أن تشكل غاية في حد ذاتها أو أن تتحول إلى مجرد اجتماع مناسباتي، كما أبرز أن الظروف الموضوعية لا تتوفر لعقد قمة عربية ناجحة، قادرة على اتخاذ قرارات في مستوى ما يقتضيه الوضع ويستجيب لتطلعات الشعوب العربية. القرار المغربي ليس مجرد خطوة مزاجية ذاتية، أو أنه لا مبالاة بالقضايا العربية وبحضور المملكة في محيطها العربي، وإنما هو بمثابة جرس تنبيه دقته المملكة في وجه وأسماع كل العواصم العربية بغاية الحث على ضرورة وقفة جدية وحاسمة لتأمل واقع العمل العربي المشترك ومستقبله. وقد ورد في بلاغ الخارجية المغربية أن القرار تم اتخاذه بعد تفكير واع ومسؤول، ملتزم بنجاعة العمل العربي المشترك وبضرورة الحفاظ على مصداقيته. من دون شك إذن أن المغرب أجرى مشاورات متعددة مع عدد من الدول العربية، وخاصة حلفاؤه في مجلس التعاون الخليجي، قبل الإعلان عن اتخاذ قرار إرجاء حقه في تنظيم القمة العربية، وتبين له أن مؤشرات نجاحها لم تكن متوفرة، لا من حيث المضمون العام والنتيجة السياسية المتوخاة، ولا من حيث الحضور ومستوى التمثيلية... القرار المغربي يجب إذن أن يؤسس اليوم لحوار عربي عميق حول واقع جامعة الدول العربية ومستقبل المنظومة الإقليمية العربية، ذلك أنه بقدر ما أن الظروف العربية العصيبة اليوم تفرض انعقاد القمة والإقدام على مبادرات عملية مشتركة وشجاعة، فإن الواقع يؤكد أن مثل هذه المبادرات، سياسية أو عسكرية، هي أصلا تنفذ اليوم بعيدا عن هياكل ولوائح الجامعة العربية، ولا علاقة لهذه الأخيرة بها. لغاية اليوم مثلا لم تنجح الجامعة في التقدم ولو بخطوة عملية واحدة إلى الأمام بالنسبة لموضوع "القوة العربية المشتركة"، ولكن في المقابل دول مجلس التعاون الخليجي مثلا تستطيع كل مرة تفعيل منظومة مشتركة فيما بينها، وإن بتفاوت، كما حدث عام 2011 مع درع الجزيرة في البحرين، ومع عاصفة الحزم في اليمن السنة الماضية، ومع ما يتعلق بالتحالف الإسلامي ضد الإرهاب بقيادة المملكة العربية السعودية، ثم مع ما يجري الإعداد له اليوم بين السعودية وتركيا وبلدان عربية أخرى بالنسبة للتدخل في شمال سوريا، وكل هذا يجعل المراقبين يتساءلون عن جدوى وجود جامعة الدول العربية ما دامت مثل هذه القرارات الأساسية والإستراتيجية تتخذ خارجها. من جهة أخرى، الساحة العربية اليوم تعرف انقسامات جوهرية بين العواصم العربية بخصوص قضايا المنطقة، وذلك على غرار المواقف من الوضع في ليبيا، ونظيره في سوريا أو في العراق أو في اليمن، علاوة على تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في لبنان وتواصل معاناة الشعب الفلسطيني مع التهويد والاستيطان وجراء تعنت نتنياهو، وكل هذا لا يمكن أن تجتمع القمة العربية بدون أن تتخذ فيه قرارات حاسمة وعملية بعيدا عن الخطب الجوفاء والبيانات النمطية. وفي غياب أي مؤشر جدي يبرز هذا التوجه، فإن انعقاد القمة لن يؤدي إلا إلى تقوية الانقسامات العربية بدل تجاوزها أو التخفيف من حدتها، خاصة أن الجامعة العربية ليست لديها آلية تصويت لحسم المواقف والاختلافات، ما سيزيد من واقع التردي والتشرذم، ولهذا وقفت المملكة بكامل الجدية واختارت ألا تنعقد القمة العربية كي يتحمل كل القادة العرب مسؤوليتهم في هذه الظرفية الإقليمية والدولية الصعبة ويقرروا التغيير. إنها الجدية المغربية. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته