نجح قادة مجلس التعاون الخليجي في عقد قمتهم الخامسة والثلاثين، التي التأمت أشغالها أول أمس بالعاصمة القطريةالدوحة، وكان جرى قبل ذلك تذويب التوترات بين الدول الأعضاء، خصوصا تجاه قطر، ما يسر انعقاد القمة وبروز نوع من الارتياح أثناء جلسات القمة. هذا لا يعني انتفاء كل اختلالات العمل الخليجي المشترك، ولا يفيد أيضاً أن الإمارات النفطية الخليجية باتت تمتلك حلولا لكامل مشاكلها وتحدياتها المحلية والإقليمية، وإنما هي على الأقل تمكنت من عقد قمتها على خلاف الاتحاد المغاربي مثلا، وهذا هو ما يجعل مجلس التعاون الخليجي اليوم المنظمة الإقليمية الوحيدة، على صعيد المنطقة العربية، التي تحافظ على الحد الأدنى لسير منظومتها المشتركة. القمة الخليجية الخامسة والثلاثون انتصرت إذن على خلافاتها الداخلية وعقدت اجتماعاتها في الدوحة، وأكدت، في ختام أشغالها، على انطلاق عهد جديد من العمل الخليجي المشترك لمواجهة التحديات المشتركة المطروحة على بلدانها وعلى المنطقة ككل، وأساسا ما يتعلق بالإرهاب والتطرف... هذا التحدي ليس قضية بسيطة اليوم في الأجندة الخليجية، ذلك أن مليشيات "داعش" وأعمالها الإرهابية في العراق وسوريا هي خطر حقيقي اليوم على بلدان مجلس التعاون، وعلى المنطقة، فضلا عن الوضع في اليمن، والمخاطر المتربصة بلبنان والتهديدات الإيرانية وارتباطاتها في مختلف هذه الدول، وأيضاً داخل عدد من البلدان الخليجية نفسها... كل هذا يبرر الحضور الطاغي لموضوع الإرهاب في جدول أعمال قمة الدوحة، وحرص البلدان المشاركة على حماية أمنها واستقرارها، ومن ثم إقرار القمة إنشاء جهاز شرطة موحد وإنشاء قوة بحرية مشتركة، بالإضافة إلى الترحيب بكل ما أنجز لغاية الآن في إطار السعي لبناء قيادة عسكرية موحدة... وعندما نضيف إلى كل هذه القرارات الخليجية برامج التنسيق والتعاون العسكريين والأمنيين مع المغرب والأردن، وإعراب القمة عن ارتياحها لنتائج هذه الشراكة الإستراتيجية مع المملكتين، وكذلك إعلان القمة عن الدعم التام لمصر ولخارطة طريق الرئيس المصري السيسي، يتضح أن محوراً عربيا يجري فعلا تثبيته، وهو يتشكل لحد الآن من البلدان الخليجية ومصر والأردن والمغرب، ويقوم على الاعتدال ورفض الإرهاب والتطرف، كما يروم تحقيق الأمن والاستقرار وبناء التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتقوية التعاون مع بلدان العالم والانفتاح عليها، وربما أيضاً التطلع إلى جر بلدان عربية أخرى بغاية تفعيل نظام إقليمي عربي جديد. قد يقول عدد من المحللين بأن بلدان مجلس التعاون لم تكتسب بعد الوعي الضروري بما يتهددها ويحيط بها من مخاطر، وبالتالي فقمة الدوحة أصلا لم تختلف عن سابقاتها، وهي لم تنتج لا حلولا حقيقية ولا مواقف أو رؤى للمستقبل، وبقدر ما يمكن فعلا إيجاد مسوغات لهذا التحليل الذي يقارب الوضع من خارجه، فإن الموضوعية تفرض كذلك استحضار تعقيدات هذا التجمع الإقليمي وتراكمات بلدانه، خصوصا على صعيد الأوضاع السياسية والديمقراطية الداخلية، وأيضاً ما يرتبط بالبنية الطائفية لمجتمعاتها، ومعادلات علاقاتها الدولية والإقليمية وثرواتها النفطية، وكل هذا ينتج ديناميات مجتمعية لها خصوصياتها ومحدوديتها، ويجب، بالضرورة، أخذها بعين الاعتبار في كل مسلسل للإصلاح أو التغيير. إجمالا، لقد صارت بلدان مجلس التعاون الخليجي اليوم مجبرة على إنجاح تحولها الداخلي الذاتي، وذلك بحكم ما يلفها من تحديات، سواء من داخل مجتمعاتها أو من محيطها الإقليمي، وهي فعلا مدعوة لتمتين منظومتها المشتركة وبرامجها التكاملية، وبالتالي إنجاح البناء الفعلي للاتحاد الخليجي، الذي وجهت قمة الدوحة بضرورة استمرار المشاورات بشأنه. إن نجاح الدول الخليجية اليوم يعني أيضاً إمكانية بروز تجمع إقليمي سياسي واقتصادي ناجح في المنطقة العربية، يمكن أن يلعب دورا في تكريس الاستقرار والأمن وهزم الإرهاب والتطرف، ويمكن أيضاً أن يجر مستقبلا بلدانا عربية أخرى إلى صفه، وبالتالي تقوية صف الاعتدال ومسيرة استعادة الاستقرار لمصلحة الشعوب العربية وقضاياها الأساسية. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته